مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية

الحقوق العامة والخاصة في المجتمع(1)
 فضيلة السيد مصطفى محقق داماد

 لكلمة "الحقوق" في الإصلاح العلمي معنيان:
أولا: تطلق على مجموع القرارات والقوانين الحقوقية الجارية على أفراد البشر من حيث أنهم يعيشون في مجتمع واحد. بعبارة أخرى "الحقوق" بهذا المعنى هي،"مجموعة القوانين الجارية على علاقات آحاد المجتمع السياسي" ويطلق عليه "الحقوق العامة" أو "الحقوق الموضوعية" أو "الحقوق المدنية" مثل قوانين الجمهورية الإسلاميّة في إيران أو قوانين فرنسا أو غيرها.
ثانيا: "الحقوق" بمعناها الثاني عبارة عن:
القدرات والقابليات الخاصة المعطاة من قبل الشارع المقدس لبعض "الأفراد" للاستفادة منها في العلاقات الفردية والاجتماعية أو في القضايا المادية وغيرها.
بعبارة أخرى "الحقوق" في المصطلح الثاني هو جمع "الحق".
"والحق" يعني، القدرة أو السلطة المعترف بها في الحقوق المدنية والتي يستند بها في المجالات الاجتماعية والمادية.
بعبارة أخرى "الحق" هو القدرة المادية أو المعنوية للإنسان بالنسبة
للآخرين أو بالنسبة لأموالهم طبقا للقانون.
كما أن قدرة صاحب الملك، هي قدرة مادية وقدرة الدائن على المديون هي قدرة معنوية وقدرة المؤجر على المستأجر وعلى المؤجر هي القدرة على المال وعلى الإنسان الآخر هذه القدرة بعبارة أخرى في المجال الأول، هي وصف للقدرة المادية وفي المجال الثاني تعبير عن القدرة المعنوية.
كلمة "الحقوق" بالمعنى الثاني المصطلح هي الحقوق بالمعنى الأخص وبهذا المعنى تتسم بالآثار التالية:
 أ ـ قابلية الإسقاط، كما يسقط الدين عن ذمة المديون بإسقاطه من قبل الدائن.
 ب قابلية الإعطاء، كما يعطي صاحب الحق حقه الشرعي أو القانوني للآخرين بإرادته، ومثاله إعطاء حق الاستفادة من البيت مثلا للمستأجرين من قبل المؤجر نفسه.
 ج ـ قابلية الانتقال، أي أن الحق بهذا المعنى يمكن انتقاله بدون إرادة وموافقة صاحب الحق، مثل الانتقال القهري لأموال المتوفى لورثته.
أقسام الحقوق
لقد صنفوا علم الحقوق بمعناه الأولي ولأجل التبسيط في المطالعة إلى طبقات مختلفة، فقد قسموه من حيث المباني والجهات المتعددة إلى عدة أقسام:
 الحقوق الداخلية، أو حقوق الشعب.
 الحقوق الخارجية أو الدولية.
 الحقوق العامة.
 الحقوق الخاصة.
والمراد من الحقوق الداخلية هي مجموعة من القواعد التي يحكم على دولة معينة، وهي ما يعبر عنها بالعلاقات، وهي مالم يكن فيها أي عنصر خارجي.
وما يقابل هذه الحقوق الخارجية أو الدولية، وتطلق على القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول وبين شعوبها، والمؤسسات العالمية، وليست سلطة هذه الحقوق محدودة بدولة معينة أو شعب معين، ويقصد الحقوقيون بها العلاقات التي يتدخل فيها العنصر الخارجي وغير الوطني.
والمراد من الحقوق العامة القواعد التي تحكم علاقات الدولة ورجالها مع الناس وتنظم مؤسسات الدولة.
والمراد من الحقوق الخاصة في هذه النظرة مجموع القواعد التي تحكم علاقات الأفراد، وبعبارة ثانية فإن جميع القوانين التي تختص بالقوى الثلاث وكيفية سلطة الدولة والمنظمات العامة مشمولة للحقوق العامة، والأصول والقواعد التي تنظم علاقات العائلة والأنشطة التجارية وواجبات الأفراد تجاه بعضهم البعض تعتبر من القواعد الحقوقية الخاصة.الحقوق العامة والخاصة:
الحقوق العامة ـ كما قلنا ـ هي القواعد الحاكمة على علاقات الدولة ورجالها مع الناس، والحقوق الخاصة تطلق على الأنظمة الحاكمة على العلاقات العائلية والواجبات الفردية والأنشطة التجارية بين الأفراد وأبناء البلد في مجتمع ما.
وبالرغم من ادعاء البعض أن أسس المفاهيم الحقوقية العامة والخاصة أصلها من الغرب، وأن النظم الحقوقية الإسلاميّة غريبة من ذلك، بالرغم من ذلك فإنه يجب القول أن هذا الادعاء غير صحيح، وإن هذه المفاهيم موجودة في النظم الحقوقية الإسلاميّة منذ القدم فقد كان الفقهاء المسلمون يذكرون هذه المفاهيم بعبارات وألفاظ متعددة، فإنه من المتعارف عند الفقهاء أن يذكروا بدلا من الحقوق العامة بالمعنى الاصطلاحي الحق العام أو حق الشارع أي حق واضع القانون، وذلك كما هو موجود في الفقه الحنفي فعندما يطلق الزوج زوجته طلاقا خلعياً بشرط إسقاط حق سكنى الزوجة ونفقتها فإنهم يقولون إن اشتراط عدم
النفقة صحيح، ويقع الطلاق الخلعي صحيحاً، ولكن الزوجة يبقى لها حق السكنى، وأن هذا الحق لا يسقط بإسقاطها، والسبب في ذلك أن النفقة حق الزوجة الخاص وهو قابل للإسقاط، وأما السكنى فهو حق الشارع وغير قابل للإسقاط (2) تأثير التحولات الاجتماعية في مفهوم الحقوق العامة والخاصة:
إننا نرى من جهة أن أكثر الحقوق الناظرة إلى العلاقات الفردية والعائلية والمعاملات بين أفراد المجتمع مستندة إلى إرادة الأفراد، وهي ناتجة عن الأعمال الحقوقية المتبادلة بين طرفين، ونحن نرى أن هذه العقود والإيقاعات كلها تعتبر من أهم الأسباب القانونية والشرعية التي توحد الحقوق والمسؤوليات.
ومن جهة ثانية فإنه لأجل وجود التعقيدات والصعوبات الخاصة التي تزداد يوما بعد يوم بحسب رقي واتساع العلاقات على الأصعدة المختلفة من اقتصادية وصناعية وثقافية واجتماعية وسياسية موجودة في المجتمعات البشرية لأجل ذلك نرى أنّه  من الضروري أن تتدخل القوى العامة ومؤسسات الدولة وتكون مشرفة أكثر على تنظيم العلاقات الخاصة للمواطنين وتقتضي أن الإرادة الحقوقية للمجتمع عندما تريد تنظيم المجتمع وعناية حقوق طبقات الشعب الاجتماعية والحد من توسعة الإرادة الفردية في المجتمع تقتضي إيجاد قوانين وضوابط وأحكاماً ثانوية وظروفاً معينة، بل تقتضي التغيير في ماهية الحقوق الاجتماعية، فإن هناك كثيرا من الحقوق الفردية التي كانت فيما سبق تعتبر فردية محضة، سوف تخرج بوضع الضوابط عن الإرادة الفردية، أو إمكان التراضي الاختياري بين الطرفين محدودا.
ومن جهة ثالثة: فإن كثرة وظائف الدولة في المجتمع تجعل مؤسسات الدولة الملزمة بممارسة الأعمال الاقتصادية والحقوقية تمارسها بنحو سيء، ولأجل ذلك
فإنه من الملاحظ أن المفاهيم الحقوقية الخاصة والعامة بالنحو الذي جاء في التعريف المتقدم تبدلت عن ماهيتها الثابتة بشكل مستمر، تبعا لضرورة إرادة المجتمع وفرض حفظ النظام العام فيه، ولأجل ذلك فإن الملاحظ اليوم أن هناك مفاهيم جديدة أصبحت تحكم بين علاقات القوى العامة في المجتمع وبين العلاقات الخاصة بالأفراد، بحيث أنّه  يصعب تعيين القواعد  السائدة فيما بينهم من جهة كونها مشمولة للقواعد الحقوقية العامة، أم أنها مشمولة للقواعد الحقوقية الخاصة وأحيانا لا يمكن تمييزها عن بعضها البعض.
والمعروف أنّه  عندما يراد تمييز الحقوق العامة عن الحقوق الخاصة أن يقال : أن القواعد الحقوقية العامة فيها جانب أمري بحيث أن الأفراد لا يمكنهم أن يخلصوا منها بالتراضي والاتفاق فيما بينهم، في الوقت الذي تكون فيه الحقوق الخاصة مبنية على إرادة الأفراد، بحيث أنّه  عندما يريد الطرفان أن ينقلا عهدا ما أو يسقطا حقا ما، يمكنهم ذلك بالتراضي والاتفاق ومن جانب واحد.
وقد قالوا بالإضافة إلى ذلك أن الهدف في الحقوق العامة هو حماية مصالح المجتمع، وأن الهدف من الحقوق الخاصة تأمين مصالح الأفراد.
والقدر المتيقن مما مضى هو أن المفاهيم الحقوقية الخاصة والعامة ليست ثابتة بل هي قابلة للتغيير كما هو المعروف من الحقوق الحاكمة على علاقات العامل ورب العمل، فأنه في الماضي كما كانت تتطلبه الظروف والأحوال في ذلك الزمن لم يكن مرتبطا بالأمور العامة للمجتمع ولا داخلا تحت إرادة الدولة العامة، بل كان يعتبر حقا فرديا خالصا ومن مصاديق النظم العرفانية غير العامة، وفي إطار التعاقد الخاص ويتحقق عنوانه الحقوقي الذي هو عقد الإيجار.
فإن العامل ورب العمل هما طرفا التعاقد الخاص ويجريانه بحرية تامة وبلا تدخل إرادة المجتمع العامة في ظروف التعاقد الخاص للعمل ولا في مدته وأجرته، فهما ينظمان علاقتهما الحقوقية كما يشاءان، ولكن بمرور الزمن وبروز أهمية وضرورة تدخل الدولة لتأمين مصالح وحقوق العمال، حيث أن الدول أخطرت للتدخل على اثر وجود التحولات الاجتماعية في اقتصاد المجتمع، وتشكيل ذلك
في تبعات مالية كبيرة والى تزلزل أسس النظام العام والخاص في اكثر الدول التي هي أعضاء في المجتمع الدولي، كلّ هذا دفع الدول للتدخل في الأمور وجعلها تبادر إلى وضع القوانين والنظم الخاصة لتأمين حقوق العمال وحذف الأسس التي تضر بالمنافع العامة للمجتمع وذلك عن طريق خلق ظروف خاصة في علاقات العامل ورب العمل، وأعطت هذا الحق الذي كان حقا خاصا طابعا عاما وأخرجته من كونه متمحضا في الإرادة الفردية للعمال وأرباب العمل، وجعلت اتفاقهما في تلك الأمور فاقدا للأثر، مثلاً: لا يمكن أن تحدد أجرة العامل بما دون الحدّ  الأقل المعين مهما كانت الظروف، وكذلك لا يمكن الاتفاق على خصوصيات التأمين الضرورية للعمل وغيره.
وبعبارة مبسطة، فإن تعاقد العمل الذي كان يعتبر بالأمس من مصاديق الحقوق الخاصة المحضة، فإنه اليوم فقد ماهيته الخصوصية وأصبح يعتبر من ماهيات الحقوق العامة والأمر الآخر في هذا المجال هو قضية حقوق العائلة، فهذا لابد أن يبحث باعتبار أن هناك أحكاماً شرعية وقوانين خاصة تحكم عليها، كما إنه قد وجدت تغييرات اجتماعية أساسية حصلت في المجتمعات البشرية في عصر الصناعة والتقنية الحديثة، باعتبار هذا فإنه لابد من الاستشارة العلمية والفقهية في ذلك، فهل أن الحقوق الحاكمة على علاقات المرأة والرجل ونظام الأسرة الذي يعتبر الركن الأساسي المهم في الحياة الاجتماعية لكل مجتمع خاصة مائة بالمائة؟ وأن الطرفين يمكنهما عندما يرغبان بذلك وكذلك يمكنهما أن يبطلاها بأي نحو أرادا أيضاً، فهل أن الأسرة أساسا هي من الحقوق الخاصة ؟ بمعنى أنها مرتبطة بإرادة هذين الشخصين، ولا يوجد أي شيء يحد من سلطة إرادتهما المطلقة عليها كما هو الحال في البيع والشراء، وإيجاد التعاقد الذي يوجده الطرفان ؟ وهل أنّه  لا يوجد أي أصل من الخارج يحكم عليها ؟ وهل أنّه  من وجهة نظر الحقوق الإسلاميّة كذلك أيضاً ؟
لابد أن نرى أنّه  من وجهة نظر القرآن والمصادر الحقوقية الإسلاميّة، ما هي علاقة حقوق الأسرة مع من ينفذ القانون ويدير المجتمع ويحكمه ؟ والى أي حد
تتدخل الدولة في هذه القضية؟ والذي يظهر أن هذه القضية من القضايا التي إذا تأملنا فيها جيدا فإنها سوف تحل كثيراً من المسائل التي تطرح على الأقل كسؤال عن ماهية حقوق الأسر في الحقوق الإسلاميّة، وذلك لأنه توجد آيات في القرآن الكريم حول علاقات الرجل والمرأة حول تصادقهم مع بعضهم البعض من جهة وحول تفرقهم وطلاقهم من جهة ثانية، ولابد لنا أن نلتفت إلى كيفية تطبيق هذه الآيات وما هي الحقوق التي تفرضها للطرفين.
إحدى هذه الآيات وردت حول تعدد الزوجات والتي يقول القرآن الكريم فيها: ?فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع?، (إلى أن يقول) ?فإن خفتم إلاّ تعدلوا فواحدة?(3)، هذه الآية من تخاطب وكيف تفسر، ?إن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة? من تخاطب هل هي تخاطب الرجل أي أن الرجل ؟ هو الذي يحدد أنّه  يستطيع أن يعدل فإن القرآن الكريم وضمن ظروف خاصة سمح بالزواج من أكثر واحدة ولكنه في النهاية يقول: إن خفتم إلاّ تعدلوا فواحدة، فلابد أن يبحث أن ?إن خفتم? من تخاطب، فهل هي خطاب لنفس الرجل، الرجل الطائش الذي يريد أن ينتخب زوجة جديدة والذي يملك حق تحديد أنّه  يعدل ما هو الضمان على أنّه  سوف يطبق قانون العدل هنا ؟ فهل يعرف أن هذه الآية آية أخلاقية ؟ فإذا قال القرآن أنكم يمكنكم أن تختاروا أربع نساء وتتزوجوا بهن وبعد ذلك يقول طبعا إذا خفتم عدم العدالة لا تأخذوا أكثر من زوجة واحدة، ويعطى حق تحديد وجود تلك العدالة للرجل وهل أن كلّ رجل هو صالح لهذا التحديد؟ ومن يستطيع أن يقول له انك على خطأ ؟ وعند من سوف يثبت خطأه ؟ أن جواب هذا الموضوع يرتبط بأن نعتبر أن حقوق الأسرة هو تعاقد خاص وهو ضمن الحقوق الخاصة أو إننا نجعله من الحقوق العامة أي أن جواب سؤال من هو المخاطب "بأن خفتم" ومن هو الذي يحدّد ذلك ؟ بحسب ما أراه أنّه  موجود في نفس السؤال بالسؤال وهو أن تعاقد الزواج هل هو تعاقد خاص أم أنّه  عام؟
والجواب هو: أنّه  من الذي يحدد ?إن خفتم? ومن يعنيه فإن الجواب موجود في السؤال.
والآية الثانية: ?وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها?(4) ليحكموا بينهما ولينظروا هل أن هذا الزواج يمكنه أن يستمر أم انهما يحكمان بالفراق فمن يحدد ذلك ؟ هل يحدده الرجل والمرأة اللذان وقع بينهما الشقاق والنفاق ؟ ومن منهما ينتخب الحاكم ؟ ومن تخاطب ?خفتم? تخاطب المرأة والرجل أو المجتمع ؟ وهنا يجب القول أن جواب هذا السؤال أيضاً موجود في نفس السؤال، وهل أن هذا الحق هو حق خاص أم عام ؟ والآية الثالثة: ?واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن?(5) هذا الخطاب لمن ؟ فإن كان الخطاب للرجال يجب أن يغلق باب المحكمة لأن كل رجل عندما تعترض عليه زوجته يضربها، والمدعى العام لا يمكنه أن يلومه، لأنه يستطيع أن يقول إنني كنت أخاف  نشوزها فضربتها، فإن كان الخطاب للرجال أنفسهم فإن نتيجته هي هذه وهل الخطاب لكل فرد فرد من الرجال، أم أنّه  للمجتمع ؟ وجواب ذلك موجود في نفس السؤال.
فأنا أرى وذلك مجرد وجهة نظر لا غير أن فهمنا لخطابات القرآن يستحق المراجعة، فإن لدينا نوعين من الآيات:
 النوع الأول مثل: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق?(6) ومثل ?والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما?(7) وهل أن خطاب فاقطعوا مثل خطاب فاغسلوا، فكما يقول لكل فرد فرد توضأا كذلك يقول لهم اقطعوا وهل يمكن أن يؤخذ كلّ رجل من الشارع لقطع يده لأن اقطعوا واغسلوا على حد سواء وهناك خطاب آخر: ?حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى?(8)
وهناك خطاب آخر: ?الزانية والزاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة?(9) وهل هذان الخطابان نوع واحد من الخطابات، والذي يظهر هو أنّه  يوجد فرق بينهما فالذي يظهر أن المسائل العبادية هي علاقة بين الله والإنسان وليس لها بعد حقوقي، وأما المسائل الحقوقية والتي تذكر في القرآن فهي الحقوق الجزائية مطلقاً.
والحقوق المدنية إذا ألحقت بالحقوق العامة فإن المخاطب بها هو المجتمع والمسؤول عن تطبيقها نيابة عن المجتمع هم الممثلون أي انه لا يحق لأي أحد أن يقطع يد أحد من دون حكم الحاكم بل الذي يجري ذلك هو الحاكم، وإذا قطع شخص يد آخر بجريمة السرقة فإن القاطع نفسه هو يعاقب، لأن المخاطب بالآية هو المجتمع والحاكم بما انه ممثل للمجتمع أو المدعي العام الذي هو ممثل ولي الأمر أي أن الذي ينفذ الخطاب هو الذي يدعي انه يدافع عن الجميع، وبعبارة أخرى فإن القرآن هنا، يبين أساس القانون أي ينبئ أن القانون هو هذا، وأما من ينفذ القانون ؟ وما هي الضمانة لا جرائه ؟ فإن هذا يعرفه المجتمع فإن القرآن يبني أسس القانون على نحو كليات قانونية، وهكذا بالنسبة إلى أمور الأسرة ?إن خفتم شقاق بينهما? فإن الخطاب في ?خفتم? ليس للرجل والمرأة عندما يتفرقان فإن الآية نفسها تدل على ذلك فإن المراد من ?بينهما? ليس الرجل والمرأة حتّى يكون ?خفتم? خطاباً لهما، وهنا من هو الذي يقوم بهذا العمل أن شكلت الدولة الإسلاميّة فإن الذي يقوم به هو ولي أمرها، وأن لم تشكل فإن الذي يقوم به هم عدول المؤمنين فإنهم هم الّذين يتولون النظام الاجتماعي في المجتمع فهم يشكلون الحكومة لأجل أن يصدروا الأحكام التي يجب أن تنفذ قبل الطلاق، وعندما يحدث اختلاف بين الرجل والمرأة فإن الدولة لا يمكنها أن تتصدى لذلك ولا تعتني بالخلافات الأسرية وتترك الأولاد الّذين ليس لهم كفيل والمليئين بالعقد النفسية وتتغاضى عن الانفصالات التي هي أساس الانحرافات الخلقية وعن
العواقب السيئة التي تعقب تلك الانفصالات.
إن الحاكم هو الذي يشكل مراكز ومؤسسات بحيث أن الرجل إذا أراد أن يتزوج زوجة أخرى يقدم طلبا ويذكر فيه قدرته المالية والجسمية وحاجته لذلك بالدليل والبرهان، ولماذا قرر ذلك وما هي المشكلات الموجودة داخل الأسرة وما هي الأمور التي تقتضي أن يتزوج زواجاً آخر، وتقوم تلك المؤسسة بالتحقيق في تلك الأدلة التي استدل بها الرجل جيدا وتجيزه بالزواج، هذا معنى ?إن خفتم ألا تعدلوا? فهي تؤسس قانونا، وليست هي سلاح بيد الرجل فعندما يرغب أن يتزوج زوجة ثانية ينفذ رغبته مباشرة ويتزوج، لا لم يضع القرآن هذا الأمر سلاحا في يد الرجل الطائش، ونفس هذا الخطاب موجود في آية أخرى ?واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن?، فإذا كان هذا خطابا لكل رجل ويخص العلاقة الخاصة وعندما تشتكي الزوجة للقاضي أن زوجها ضربها ضربة، يقول الرجل أن القرآن أعطاه هذا الحق، عندئذ لا يمكننا أن نجازي أي رجل مجرم، والذي أراه أن سر الموضوع موجود في هذا الخطاب وقد بين القرآن أساس القانون على نحو قاعدة حقوقية أي أن الخطاب القرآني يبني أساسا قانونياً كلياً، فالنساء اللاتي يخرجن من بيوتهن من دون إجازة أزواجهن ويخشى عليهن الفساد الأخلاقي يقترح لهن ثلاث درجات من التعامل ويجب أن ينظم القانون التنفيذي وفق هذه الدرجات، وليس معناه انه يعطي سلاحا بيد الرجل مباشرة، والدرجات هي: إذا كانت المرأة غير معروفة بالخروج من منزلها وكانت تخرج لأول مرة فإن المحكمة تعظها وتهددها للمرات القادمة وتبين لها الأخطار السيئة لذلك العمل ?عظوهن? فإن الخطوة الأولى هي الموعظة.
وأما في المرة الثانية فإن الرجل ليس له الحق في تنفيذ المعاقبة فإنه يشتكي إلى المحكمة وتكون هذه المرة الثانية التي يشتكي فيها فإن المحكمة تجيز للرجل أن يهجر المرأة عقوبة لها، وهذا إنّما  يحصل بعد التحقيق بالأمر.
المسألة الثالثة: فإذا قدمت على هذه المرأة شكوى للمرة الثالثة فإن المحكمة هي التي تجازيها وليس الرجل
والذي أراه أن اكثر الآيات الواردة حول أمور الأسرة يجب أن تفسر هكذا لأن الظروف الاجتماعية هكذا تقتضي وليس الموضوع هو علاقة الرجل بالمرأة فقط.
ولا ينبغي أن نتصور أن الرجل إذا استفاد من جميع حقوقه التي ذكرت له في القانون وكذلك المرأة إذا استفادت من جميع حقوقها القانونية التي ذكرت لها في القانون إنّما  حياتهما سوف تكون افضل حياة لا ليس كذلك، فإن موضوع القانون والحقوق هذه الأمور تمنع المتجاوزين، ولا جل ذلك فإن الأسرة تقتضي شيئا غير هذا وهو موضوع المودة وهذا ما لا يمكن جعله قانوناً ?هو الذي خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة?، فالسكون والمودة والرحمة، هي أسس الأسرة الصالحة. ___________________
1  ـ بحث مقدم إلى الندوة الثانية عن الحقوق في الإسلام: عمّان 12و13 ذي القعدة 1413 هـ، وفي البحث آراء تفسيرية خاصة بالكاتب، (التحرير).
2  ـ أعلام المؤمنين 4: 59 ـ 60.
3  ـ سورة النساء: 3.
4  ـ سورة النساء: 35.
5  ـ سورة النساء: 34.
6  ـ سورة المائدة: 6.
7  ـ سورة المائدة: 38.
8  ـ سورة البقرة: 238.
9  ـ سورة النور: 2. 
 
 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية