مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية

دليل العقل
عند المذاهب الإسلاميّة
 محمّد الغراوي


لدليل العقل دور رئيسي في كثير من الإبداعات الفكرية ـ التي أدت إلى قيام المذاهب الكلامية ـ تمثل بموقف المعتزلة حين منحوه سلطة مطلقة، وجعلوه حكماً في الموضوعات الدينية، سواء كانت عقائدية أم تشريعية(1)، وقد اختلف المفكرون في تحديده. لذا رأيت من المناسب قبل الدخول في عرض آراء المذاهب الإسلاميّة وأدلتهم ومناقشاتها أنّ أشير إلى المقصود من هذا الدليل عند أبرز الأعلام؛ للوقوف على التفاوت الكبير بين المؤيدين له والرافضين الاعتماد عليه.
فابن المقفع يرى: أنّ العقول وإن كانت من نعم الله العظيمة فهي لا تبلغ إلى معرفة الهدى، إلاّ بما أكمل الله للناس النعمة في الدين الذي شرعه(2).
أما الشافعي فالعقل محصور عنده في أمرين:
الأول: إدراك طبائع الأشياء التي يراد الحكم فيها، وصفاتها، وما بينها من تشابه واختلاف، وأعطاه أيضاً مهمّة التأمل بحدود فهم النص.
الثاني: أنّ يدرك الحق من النص الذي يحدده ويقيم الدلائل عليه، وينصب الأعلام على معرفته(3).
ويرى الأشعري العقل بأنه: (علم الاضطرار الذي يفرق الإنسان بين نفسه وبين الحمار، ومنه قوة اكتساب العلم، وزعموا أنّ العقل الحسن نسميه عقلاً؛ بمعنى: معقول، وقيل: هو العلم، وإنما سمي عقلاً لأن الإنسان يمنع نفسه به عما لا يمنع المجنون نفسه عنه، وذلك مأخوذ من عقال البعير، وإنما سميت عقالاً لأنه يمنع به) (4).
وعرفه القاضي الباقلاني بأنه: (غريزة يتهيأ بها النظر في المعقولات، والعلم يطلق على إدراك العقل، وهو المقصود بالبيان) (5).
ولنا في هذه العجالة أنّ نقف قليلاً عند الغزالي الذي قوم العقل من خلال مراحل المعرفة التصديقية، إذ قال عنه: (هو اسم مشترك يطلق على عدة معان) هي:
1 ـ يطلق على بعض العلوم الضرورية.
2 ـ يطلق على الغريزة التي يتهيأ بها الإنسان لدرك العلوم النظرية (الآلة: الجهاز العصبي).
3 ـ يطلق على العلوم المستفادة بالتجربة.
4 ـ يطلق على من له وقار وهيبة وسكينة.
5 ـ يطلق على جمع العلم إلى العمل...، فلا يقال للكافر: عاقل، بل: داه أو كيس (6).
فنظرية المعرفة متصلة عند الغزالي بمبحث العقل، والعقل عنده كالمرآة التي تنطبع عليها صورة المعقولات (على ما هي عليها) (7).
والغزالي في بحثه عن حقيقة الحكم الشرعي أثبت أنه (عبارة عن خطاب الشرع وليس وصفاً للفعل، ولا مدخل للعقل فيه، ولا حكم قبل ورود الشرع) (8).
ومن هنا هاجم الأصول التي اعتمدها بعضهم مثل: (شرع من قبلنا، وقول
الصحابي، والاستحسان، والاستصلاح، إذ لا حكم قبل ورود الشرع) (9).
فهاجم المعتزلة الذين اختلفوا وتمزقوا من جراء الاستقراء والقياس العقلي، إذ تبع كل جماعة منهم رئيساً، وصل به عقله واستقراؤه وقياسه إلى نتائج خاصة، تختلف كثيراً أو قليلاً عن تلك المستفادة من استقراء الآخر وقياسه.
حتى قال السيوطي: (إنّ واجب أهل الإسلام أنّ يجعلوا الأصول القرآنية والنبوية غاية العقول، ولا يجعلوا العقول غاية الأصول) (10).
لقد حاولنا في هذا العرض السريع الإلمام بآراء بعض المفكرين فيما يتصل بدليل العقل، تمهيداً لمتابعة تأثيراته ومؤثراته؛ لاتصاله بعملية الاجتهاد.
تعريف دليل العقل عند الإمامية:
عرف دليل العقل بتعريفات عديدة من لدن أعلام الإمامية، فقد عرفه صاحب القوانين بأنه: (هو حكم عقلي يوصل به إلى الحكم الشرعي، وينتقل من العلم بالحكم العقلي إلى العلم بالحكم الشرعي) (11).
أما صاحب الفصول فعرفه بأنه: (كل حكم عقلي يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى حكم شرعي) (12).
ولعل أسلم التعاريف من المؤاخذات هو: تعريف الشيخ المظفر، حيث عرفه بأنه: (كل حكم للعقل يوجب القطع بالحكم الشرعي، أو كل قضية يتوصل بها إلى العلم القطعي بالحكم الشرعي) (13).
والذي يجعل تعريف الشيخ المظفر من أسلم التعريفات هو: أخذه للقطع في التعريف، ولعل في تعريفه هذا ما يفسح المجال للظن بأن المقصود: الإدراك المستقل
ابتداء، من دون استعانة بالملازمة، لذلك قال: (إننا نفصل من الدليل العقلي حكم العقل النظري بالملازمة بين الحكم الثابت شرعاً أو عقلاً، وبين حكم شرعي آخر كحكمه بالملازمة في مسألة الأجزاء ومقدمة الواجب، ونحوهما. وكحكمه باستحالة التكليف بلا بيان اللازم منه حكم الشارع بالبراءة. وكحكمه بتقديم الأهم في مورد التزاحم بين الحكمين المستنتج منه فعلية حكم الأهم عنه الله)(14).
وبذلك ينفي هذا التعريف ما يتوهم من أنّ المقصود: إدراك العقل النظري للأحكام الشرعية ابتداءً، دون استعانة بالملازمة؛ لأن أحكام الشرع توقيفية لا طريق للعقل إليها إلاّ السماع، ومثل الأحكام كذلك ملاكاتها. وكذلك ينفي ما ليس قطعياً وثابتاً من الأحكام الظنية، كما أنّ التعريف يشمل المستقلات العقلية وغير المستقلات.
وبعد هذا العرض الذي حددنا فيه المقصود من دليل العقل نستطيع القول: بأن الخلط والارتباط وقع فيه بحيث أدى إلى اختلاف كبير في اعتباره وعدم اعتباره، ومع هذا كله لا يمكن أنّ نزهد به، أو نقلل من أهميته إذا ما استجلينا حقيقته ومقامه في كثير من الأحكام، وقابليته الكبيرة في إدراك أمور الدين كما سيمر علينا.
الموقف العام للمسلمين من هذا الدليل:
وقف المسلمون من العقل ـ باعتباره دليلاً قائماً بعد الأدلة الرئيسية: كالكتاب والسنة ـ موقفاً مختلفاً ومتعارضاً كل التعارض. فبينما يمثل اتجاه قبول العقل كمصدر قطعي ينتهي به إلى الحكم الشرعي يقف اتجاه آخر منه موقف المعارض، ويبعده كل البعد عن هذه الأهلية والقابلية، ويجمد طاقاته في إدراك الحكم الشرعي.
وبين هذين الاتجاهين: اتجاه ثالث يعتبر العقل أداة صالحة للمعرفة، ويمكن الاعتماد عليه في إدراك الحقيقة الشرعية في حدود إمكاناته المسطورة.
وسوف أعرض لهذه الآراء لدى الأعلام من أهل السنة والإمامية. فعند أهل السنة سأستجلي موقف الأشاعرة والمعتزلة والماتريدية، وهذه المذاهب يمثل كل منها رأياً خاصاً في اعتبار دليل العقل وعدم اعتباره.
أما عند الإمامية فسأعرض لموقف الأصوليين والأخباريين.
دليل العقل عند أهل السنة:
الحديث عن موقف أهل السنة من دليل العقل سأحصره في ثلاث طوائف؛ لأتحدث عن كل واحدة منها، موضحاً موقفها من هذا الدليل.
أولاً: الأشاعرة (15).
ترى هذه الفرقة: أنه ليس للفعل نفسه حسن وقبح ذاتيان، وإنما حسنه من جهة ورود الأمر الرباني فيه للعباد على سبيل الوجوب، أو الندب، أو الإباحة. وكذلك قبحه لورود الحظر من الشارع فيه على سبيل التحريم أو الكراهة، فكل ما يأذن به الشرع فهو حسن، وكل ما ينهى عنه فهو قبيح.
وإذا لاحظنا منشأ هذا الحسن والقبح نراه حكم الشارع، وليس العقل، كما يكون ذلك في الصلاة والصوم وأمثالهما مما أمر الله به حسن، وحسنه من جهة أمر الشارع به فقط.
وكذلك الزنا، والسرقة، والقتل عدوانا، وأكل أموال الناس بالباطل، كل ذلك قبيح؛ لنهي الشارع عنه فقط، فلو لم يكن أمر الشارع بما أمر أو نهى عما نهى لما كان حسناً أو قبيحاً.
فأوامر الله سبحانه إذن هي التي تحسن وتقبح الأفعال، ولا تكليف للعقل فيها من حيث تحسينها أو تقبيحها، ولا ثواب ولا عقاب إلاّ بمخالفة أوامر الشارع، ولا عبرة للعقل وأحكامه في ذلك، وإنما العبرة دائماً بأحكام الشارع الحكيم (16).
أدلتهم ومناقشتها:
أ ـ عرض الدكتور مدكور أهم أدلتهم في هذا الصدد، وحصرها في أربعة:
الأول: (لو كان الحسن والقبح عقليين لاختلف الحكم على الأفعال من ناحية تحسينها وتقبيحها، إذ العقول متفاوتة في حكمها على الأفعال، فقد يعقل البعض حسناً فيما يقبحه الآخر والعكس، بل أنّ العقل الواحد قد يحكم على الفعل تارة بالقبح وأخرى بالحسن تحت تأثير الهوى والغرض، أو مؤثرات أخرى) (17).
الثاني: (لو كان الحسن والقبح من الصفات الذاتية لكان ذلك مطرداً فيه، ولما تخلف عنه، بل يبقى الفعل حسناً دائماً أو قبيحاً دائماً، والواقع غير ذلك؛ لأن الكذب قد يكون قبيحاً، وقد يكون حسناً، بل يكون واجباً إذا ترتب عليه خير محقق: كإنقاذ بريء من يد سلطان جائر، أو من يد ظالم له بطش ونفوذ، ويقابل ذلك أنّ الصدق يكون قبيحاً في هذا المقام) (18).
الثالث: (لو قيل: إنّ الحسن والقبح عقليان للزم أنّ يكون الشارع الحكيم مقيداً في تشريعه للأحكام بهذه الأوصاف، وإلاّ لكان التشريع مخالفاً للعقول، وهذا نفسه قبح ينزه الله عنه).
الرابع: لو لم يكن الحسن والقبح في الأفعال بحكم الشارع نفسه وكان بحكم العقل لاستحق تارك الحسن وفاعل القبيح قبل بعثه الرسل العقاب، وهذا مخالف لصريح الكتاب، يقول تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً( (19)، ويقول: (ولولا أنّ تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فتتبع آياتك ونكون من المؤمنين فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى((20).
فإنّ احتجاج الكافرين برسالة محمّدٍ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ على إيقاع العذاب من غير إرسال
الرسل لو فرض وقوعه وعدم النكير من الله تعالى دليل على أنه لا عقاب ولا ثواب دون إرسال الرسل، كما يدل عليه قوله تعالى: (رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل((21).(22).
ب ـ وقد ناقش هذه الأدلة الأستاذ السيد محمّد تقي الحكيم بكل عمق، ونظراً لأهميتها أكتفي بها وأعرضها بشيء من التلخيص:
الأول: ويناقش دليلهم هذا: بأن العقول بما هي عقول فلا تتفاوت في إدراكها، إنما التفاوت ينشأ في درجات إدراك الناس نتيجة المؤثرات الخارجية والهوى والأغراض.
ومعنى المدركات العقلية: هي ما تطابق عليها العقلاء بما أنهم عقلاء، وبعد فرض تطابقهم العقلائي لا يمكن ـ حينئذ ـ فرض الهوى والأغراض والمؤاثرات الخارجية، وإلاّ للزم الخلف.
والظاهر أنّ هذه العوامل الخارجية كالهوى والأغراض وغيرهما من المؤثرات إنما تكون في الغالب في مجالات التطبيق، والتماس الصغريات لحكم العقل، وبها يكون الاختلاف، ولعل إدراك الكثير من هذه الصغريات يكون بقوى أخرى غير العقل وبخاصة إذا كانت جزئية؛ لأن العقل لا يدرك غير الكليات.
ومن المحتمل أنّ الأشاعرة قد اختلطت عليهم الكبريات العقلية بمجالات تطبيقها، فوقعوا في هذا الخلط.
الثاني: أنّ دليلهم هنا يرد ـ لو تم ـ على مبنى من يذهب إلى أنّ الحسن والقبح لا يكونان إلاّ ذاتيين، ولم يعرف قائل بذلك.
الثالث: أما بالنسبة لدليلهم هذا فما هو المحذور في أنّ تكون تشريعات الله سبحانه جارية على وفق المعقول ؟ وهل ينتظر المستدل أنّ يجري في تشريعه على غير المعقول مع نسبته إلى الحكمة في لسان الدليل ؟ فالله سبحانه هو خالق العقل، وقد وهبه القدرة وسيره على وفق مخطط اختاره له، وليس من الممكن بالنسبة إليه اختيار المرجوح
وترك الراجح، بل ليس من الممكن لأي عاقل مهما كان شأنه أنّ يختار المرجوح، وهو سليم معافى فكيف بخالق العقل ومدبره ؟ !
فالالتزام بتقيده في تشريعاته على وفق العقل: إنّ أريد به التقيد السالب للاختيار فليس بصحيح، وهو تعالى مما ينزه عنه. وإن أريد به نتيجة التقيد ـ وهو ما يقتضيه عمل العاقل المختار ـ فليس فيه أي محذور.
الرابع: ودليلهم الرابع لا يخلو من ملاحظة، فإن قولهم: لو لم يكن الحسن والقبح في الأفعال بحكم الشارع نفسه وكان بحكم العقل لا يستحق تارك الحسن وفاعل القبيح قبل بعثة الرسول العقاب فلا وجه لدعوى التلازم بين المقدم والتالي، إذ لاتنا في بين القول بأن الحسن بحكم العقل وبين عدم استحقاق العقاب.
فالعقول وإن أدعي بأن لها قابلية الإدراك إلاّ أنّ إدراكها منحصر في الكليات ولا يتناول الأمور الجزئية، كما لا يتناول مجالات التطبيق إلاّ نادراً، والكليات لا تستوعب شريعة، ولا تفي بحاجات البشر، ومع ذلك فالعقاب والثواب إنما يتولدان عن التكاليف الواصلة، ومجرد إدراك العاقل أنّ هذا الشيء مما ينبغي أنّ يفعل أو لا يفعل لا يستكشف منه رأي الشارع إلاّ إذا انتبه إلى ان العقلاء متطابقون على هذا المعنى بما فيهم الشارع، وإدراكه لتطابق العقلاء ليس من الأمور البديهية، وإنما هو من الآراء المحمودة التي تحتاج إلى تنبه وتأدب، وأين التأدب في أمثال هذه القضايا قبل بعثة الرسل ؟
فالتكليف إذن بالنسبة إلى نوع الناس غير واصل قبل البعثة، ولا تتم الحجة إلاّ بوصوله: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ((23).
ومن أوليات العقل تقبيحه للعقاب قبل وصول البيان، وعلى هذا فليس هناك ما يمنع من الالتزام بإدراك العقل للحسن، وعدم الالتزام بالعقاب والثواب.
والذي يبدو من بعض الأحاديث أنّ هناك من أدرك حكم الشرع من طريق العقل وخالفه فاستحق لذلك العقاب، ففي بعض الأحاديث: "امرؤ القيس قائد الشعر إلى النار" (24). وفي بعضها الآخر: "رأيت عمر بن لحي يجر قصبه ـ أي: أمعائه ـ في
النار"(25). لأنه أول من بحر البحائر وسيب السوائب. ومن المعلوم أنه لا عقاب بلا تكليفٍ واصلٍ، اللهم إلاّ أن يُدعى وصول التكليف إليهم من الرسل السابقين على الإسلام.
وعلى أي حالٍ، فالثواب والعقاب وليدا وصول التكاليف، وإدراك تطابق العقلاء الكاشف عن رأى المولى والموصل للتكاليف ليس من البديهيات، وكونه من الآراء المحمودة مما يحتاج إلى التأدب، وهو غير حاصل نوعاً في تلك العصور السابقة على بعثة الرسل قطعاً، فلا تلازم إذن بين إدراك العقل وعدم العقاب.
والقول بأن مدح الشارع ثوابه وذمه عقابه لا يعرف له وجه، فإن مدحه وذمه باعتباره سيد العقلاء شيء، وباعتباره مشرعاً شيء آخر. فالأول لا يتوقف على وصول حكمه، بخلاف الثاني، إذ الثواب والعقاب موقوفان على وصوله وامتثاله أو عصيانه، ولا يكتفى فيهما بصدور الفعل وعدمه(26).
ثانياً: الماتريدية (27).
وترى هذه الفرقة: (أنّ العقل يحكم بحسن الأشياء وقبحها، والحسن مطلوب أو مأذون فيه، والقبيح منهي عنه وغير مأذون فيه).
ويلاحظ: أنّ الشرع هو الذي يحكم بالطلب أو النهي إذا وجد دليل عليه، فإن لم يكن دليل من الشارع على الطلب ـ ويستحيل ذلك؛ لأن الله سبحانه لم يترك الإنسان سدى ـ فالعقل حينئذ يحكم، ولكن لا عقاب؛ لأن الله تعالى يقول(وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً(.
ويرون: (أنّ للأشياء حسناً ذاتياً وقبحاً ذاتياً؛ لأن الله تعالى لا يأمر بما هو قبيح في ذاته، ولا ينهى عن أمر هو حسن في ذاته).
ويقسمون الأشياء إلى حسنٍ لذاته، وقبيحٍ لذاته، وما هو بينهما، وهو تابع لأمر الله تعالى ونهيه(28).
وفي ضوء هذه النصوص نفهم: أنّ الماتريدية ينكرون ترتب حكم العقل؛ وذلك لأن العقول مهما بلغت درجة نضجها فإنها معرضة للخطأ والاشتباه، وكثير من الأفعال تشتبه فيها العقول فلا تحكم بالصواب (29). غير أن الملاحظ أنّ العقول ـ بما هي عقول ـ لا تتعرض للخطأ والاشتباه، وإنما هناك تخيلات لأحكام عقلية صادرة عن قوى أخرى في النفس، وفيها يقع الخطأ والاشتباه (30).
ثالثا: المعتزلة (31).
وتُقرر هذه الفرقة: أنّ العقل يحكم بحسن الأشياء وقبحها، ويحكم بالحلال والحرام، بل رتب على الحكم العقاب الاخروي، ولو لم يكن رسول مبعوث قد بين الشرع وأنزل الله عليه الحلال والحرام فأهل الفترة مكلفون بمقتضى حكم العقل، مثابون على الخير، معاقبون على الشر، وكذلك من يكون في جزيرة نائية قد انقطع من الناس ولا يعلم الشرع ولم يبلغ إليه فإنه بحكم العقل مكلف (32).
ويرون أنّ الأشياء تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ أشياء حسنة في ذاتها لا يجوز إلاّ أنّ يأمر الله بها.
2 ـ أشياء قبيحة في ذاتها، وهذه لا يجوز أنّ يأمر الله بها.
3 ـ أشياء مرددة بين الأمرين: القبيح والحسن، وهذا القسم يجوز الأمر به والنهي عنه، فإن أمر به فهو حسن للأمر به، وإن نهى عنه فهو قبيح للنهي عنه.
واستدلوا على ما قرروه بأدلة أهمها:
الأول: أنّ هناك أعمالاً وأقوالاً لا يسع العاقل إلاّ أنّ يفعلها، ومن شأنها أنّ فاعلها لا يذم بل يمدح، وهذه الأفعال حسنة في ذاتها، وأن هناك أعمالاً لا يجوز لعاقلٍ أنّ يفعلها: إما لأن العقل يوجب ألا تفعل، وإما لأنها تجلب مذمة الناس وعدم مدحهم، وهذه قبيحة لذاتها، وعلى هذا فالصدق حسن في ذاته، والكذب قبيح لذاته، ولا يجوز لأحد أنّ يفعله، فالعاقل لو خير بين الصدق والكذب لاختار الصدق.
الثاني: أنّ الحسن والقبح أمران يدركان بالعقل، وأن العلم بالحسن والقبح ضروري، فقد علم الناس بضرورة العقل أن الظلم قبيح، والعدل حسن، وأن الكذب قبيح ولو كان نافعاً، والصدق حسن ولو كان ضاراً، وقد تطابق الناس على ذلك، لافرق بين متدين وغير متدين.
الثالث: أنّ الأمور لو لم يكن فيها الحسن لذاته الذي لا يصح أنّ يخالف والقبيح لذاته الذي لا يصح أنّ يفعل لترتب أنّ تجيء المعجزة على يد الكاذب، وبذلك لا يعلم النبي من الكاذب، إذ أنّ خرق العادات من الممكن أنّ يجيء على يد الصادق الأمين وعلى يد غير الأمين، فيكون المبعوث إليهم في حيرة؛ لأن الخوارق تجيء على يد الكاذب والصادق. ولو قيل: إنّ مجيء الخارق للعادات مستحيل أنّ يكون على يد الكاذب لكان معناه: أنّ العقل هو الذي يحكم بأن ذلك غير حسن في ذاته، ويكون التسليم بالحسن الذاتي والقبح الذاتي.
وإن قيل بالجواز لكان مؤداه حيرة المبعوث إليهم، إذ لا تكون فائدة في خرق العادة، ولأدى إلى عدم إمكان أحد أنّ ينتفع بنبي(33). وبعد أن أورد الشيخ أبو زهرة هذه الأدلة عقب عليها بقوله: (هذا نظر المعتزلة، وتلك أدلتهم، وقد ترتب عليه ثلاثة أمور:
1 ـ إنّ أهل الفترة ومن يكونون في المجاهل مكفلون بان يفعلوا ما هو حسن
بذاته، وأن يمتنعوا عما هو قبيح في ذاته، فلا يحل لهم أنّ يكذبوا، ويجب عليهم أنّ يعدلوا فيما بينهم، وهم محاسبون على ظلمهم، مجزون على عدلهم.
2 ـ إنه إذا لم يكن نص يكونون مكلفين بما يقضي به العقل في الحكم على الأشياء: من حسن ذاتي، أو قبح ذاتي، فما يقضي به العقل في موضع لا نص فيه فهم محاسبون عليه.
3 ـ إنّ الله تعالى لا يمكن أنّ يأمر بأمر قبيح قبحاً ذاتياً، ولا ينهى عن شيء فيه حسن ذاتي(34). ويلاحظ أنّ المعتزلة قد اختلفت فيما بينها حول هل أنّ الحسن والقبح في الأفعال هما ذاتيان فيها، أو لصفةٍ عارضةٍ عليها؟
فقدامى المعتزلة ذهبوا إلى ذاتية الحسن والقبح، في حين ذهب الجبائية (35).إلى كونه لصفةٍ عارضةٍ عليها) (36).
وللمعتزلة تقسيم للحسن والقبح من حيث نوعية الإدراك كما عرضه الغزالي:
1 ـ ما يدرك بضرورة العقل: كحسن إنقاذ الغرقى والهلكى، وشكر المنعم، ومعرفة حسن الصدق، وكقبح قول الكفر، وإيلام البريء، والكذب الذي لا غرض فيه.
2 ـ ما يدرك بنظر العقل: كحسن الصدق الذي فيه ضرر، وقبح الكذب الذي فيه نفع.
3 ـ ما يدرك بالسمع:كحسن الصلاة، والحج، وسائر العبادات (37).
النتيجة:
بعد عرض آراء فرق أهل السنة الثلاثة في هذه المسألة وفي صدد الموازنة بينها نرى:
أولاً: أنّ الأشاعرة انفردت بتحييدها العقل عن الإدراك، وأنه لا وجود لحسن ذاتي أو قبح ذاتي، ولا تكليف إلاّ من الشارع، ولا عبرة بأوامر العقل، وبهذا خالفوا الماتريدية والمعتزلة.
ثانياً: أنّ الماتريدية أعطت العقل بعض القابلية في الإدراك، لكن لا يترتب على حكمه عقاب عند مخالفته؛ وذلك لأنه ليس للعقل المجرد قدرة على التكليف، بل لابد من الاستعانة بالشرع.
ثالثاً: أنّ المعتزلة قد اختلفت مع الفريقين السابقين، حيث قررت أنّ العقل يشرع الأحكام، ويبين المطلوب وغير المطلوب ولو لم يسبق شرع منه، ويهدي إلى طريق الحق.
> دليل العقل عند الإماميّة
أ ـ موقف الأصوليين:
يرى الأصوليون من الإمامية: أنّ العقل مصدر الحجج واليه تنتهي، وهو المرجع الوحيد في أصول الدين، وفي بعض الفروع التي لا يمكن للشارع المقدس أنّ يصدر حكمه فيها كأوامر الطاعة، وذلك للزوم الدور أو التسلسل.
كما يرى الأصوليون: أنّ فيه القابلية لإدراك الأحكام الكلية الشرعية الفرعية بتوسط نظرية التحسين والتقبيح العقليين، ولكن على سبيل الموجبة الجزئية. وعدم قابليته لإدراك جزئياتها وبعض مجالات تطبيقها؛ لعجزه عن إدراك الجزئيات، وتحكم بعض القوى الأخرى وتأثيرها في مجالات التطبيق(38).
ولم يعتمد الأصوليون على العقل بما أنه مشرع وحاكم، بل بما أنه مدرك ومميز تمييزاً كاملاًَ امتاز به الإنسان عن بقية الحيوانات.
ولم يكتفوا بإدراكه للمصلحة والمفسدة فقط، وإن قالوا بتبعية الأحكام لهما حيث يكون وجودهما من قبيل المقتضي، ومن الممكن فقدان شرطه أو وجود مانع(39).
وفي صدد تحديد المراد من العقل الذي تذهب الأصولية من الإمامية إلى حجية إدراكه لابد أنّ نرجع إلى تقسيم العقل ـ الذي مر ذكره ـ إلى نظري وعملي: فإن كان المراد:
العقل النظري فإننا نرى لأول وهلة أنه لا يمكن أنّ يستقل بإدراك الأحكام الشرعية ابتداء، والسبب في ذلك أنّ أحكام الله توقيفية، لا يمكن العلم بها إلاّ من طريق السماع من الرسول المبعوث من قبل الله لهذه المهمة.
بداهة أنّ أحكام الله ليست من القضايا الأولية، وليست مما تنالها المشاهدة بالبصر والحواس الظاهرة أو الباطنة، كما أنها ليست مما تنالها التجربة والحدس، وإذا كانت كذلك فكيف يمكن العلم بها من غير طريق السماع من مبلغها؟
وقال الشيخ المفيد: (اتفقت الإمامية على أنّ العقل يحتاج في علمه ونتائجه إلى السمع، وأنه غير منفك عن سمع ينبه الغافل على كيفية الاستدلال، وأنه لابد في أول التكليف وابتدائه في العالم من رسول) (40). وعلى هذا الأساس بنى نفاة حجية العقل دعواهم، مؤكدين أنّ أحكام الله سمعية لا تدرك بالعقول.
وقد اعتمد الأصوليون على إدراك العقل في موردين:
المورد الأول: أنّ يدرك العلة التامة المؤلفة من: المقتضي، والشرط، وعدم المانع للملازمة بين هذا الإدراك وحكم الشرع، لكنه نادر جداً.
قال المحقق النائيني: (إنّ العقل بعدما أدرك المصلحة الملزمة في شيء كالكذب المنجي للنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ أو لجماعة من المؤمنين ـ مثلاً ـ وأدرك عدم مزاحمة شيء آخر لها، وأدرك أنّ الأحكام ليست جزافية، وإنما هي لأجل إيصال العباد إلى المصالح وتبعيدهم عن المفاسد كيف يعقل أنّ يتوقف في استكشاف الحكم الشرعي بوجوبه ؟ ويحتمل مدخلية وساطتهم ـ عليهم السلام ـ، بل لا محالة يستقل بحسن مثل هذا الكذب، ويحكم بمحبوبيته) (41).
المورد الثاني: أنّ يدرك أمراً خارجياً ثابتاً مثل: استحالة اجتماع النقيضين، ويسمى بـ "العقل الفكري"، فيستتبع حكماً شرعياً لا محالة، فإن إدراكه ذلك يلزمه أنّ يدرك استحالة أنّ يأمر المولى بشيءٍ وينهى عنه أو يأمر بضده، وعليه فوجوب فعل في
الشريعة يستلزم حرمة ضده، ووجوب مقدمته، كما أنّ حرمة فعل تستلزم عدم الأمر به. فتحريم الكون في الدار المغصوبة مانع من الأمر به فتبطل الصلاة فيها لذلك.
وهذا الإدراك لأمر ثابت في الواقع ليس بإدراك لحكم شرعي ليشمله النهي عن استعمال الرأي فيه، وإنما هو إدراك لما يستتبع الحكم الشرعي: كاستحالة اجتماع النقيضين المستتبع لعدم طلب المولى للفعل الذي نهى عنه (42).
وهذه الملازمات وأمثالها أمور حقيقية واقعية يدركها العقل النظري بالبداهة أو الكسب؛ لكونها من الأوليات والنظريات التي قياسها معها، أو لكونها تنتهي إليها فيعلم بها العقل على سبيل الجزم، وإذا قطع العقل بالملازمة فإنه لابد أنّ يقطع بثبوت الملازم وهو حكم الشارع، ومع حصول القطع فإن القطع حجة يستحيل النهي عنه، بل به حجية كل حجة (43).
ولم ينكر الأخباريون حجية هذا العقل النظري الفطري، وإنما ناقشوا في حجية العقل العملي، وهو كذلك لا يمكن أنّ يستقل في إدراك أنّ هذا ينبغي عند الشارع بالخصوص أو لا ينبغي، فهو من الأمور الواقعية التي تدرك بالعقل النظري لا بالعقل العملي.
إنما كل ما للعقل العملي من وظيفة هو: أنّ يستقل بإدراك أنّ هذا الفعل في نفسه مما ينبغي فعله أولا ن مع قطع النظر عن نسبته إلى الشارع المقدس، أو إلى أي حاكم آخر. وإذا حصل للعقل العملي هذا الإدراك جاء العقل النظري عقيبه، فقد يحكم بالملازمة بين حكم العقل العملي وحكم الشارع، وقد لا يحكم، ولا يحكم بالملازمة إلاّ في خصوص القضايا المشهورة التي تطابقت عليها آراء العقلاء كافة بما هم عقلاء(44).
غير أنه لا أثر لهذا النقاش؛ لأن هذا الدليل العقلي وإن كان حجة ويسوغ العمل به لكنا لم نجد حكماً واحداً يتوقف إثباته على الدليل العقلي وإن كان حجة ويسوغ العمل به لكنا لم نجد حكماً واحداً يتوقف إثباته على الدليل العقلي بهذا المعنى، بل كل ما يثبت بالدليل العقلي فهو ثابت في الوقت نفسه بكتاب، أو سنة.
كما أنّ توافق الدليلين: العقلي واللفظي لا يبقي مجالاً للإيراد على الحكم الناتج عنهما.
فالظلم ـ مثلاً ـ أدرك العقل بنحو الجزم قبحه وحرمته، وصرح بهما الكتاب والسنة، فهما مرشدان إلى ما أدركه العقل بنظر الأصولي الذي يرى حجية إدراكه، ومولويان بنظر الأخباري الذي يناقش في حجيته، والنتيجة واحدة، وهي: ثبوت حرمة الظلم في الشريعة.
وإنما الخلاف في أنّ الدليل اللفظي مولوي أو إرشادي ولا أثر له. نعم، يظهر الأثر فيما لو تجرد العقل في إدراكه عن الدليل اللفظي، وقد مثل لذلك بوجوب تخليص المؤمن من المهلكة: كإنقاذه من الغرق ونحوه، فإن الأدلة اللفظية من الكتاب والسنة إنما وردت في حرمة ظلمه وهتكه وإيذائه، كما أنها ندبت إلى معونته وقضاء حوائجه، ولعظم حرمته عند الله تعالى أدرك العقل بنحو الجزم وجوب إنقاذه كما يدرك الخادم وجوب إنقاذ ابن ولي نعمته المشرف على الغرق وإن لم يصدر منه أمر بإنقاذه. ولحجية هذا الإدراك يجب الإنقاذ، فإن قام دليل لفظي على ذلك كان مرشداً إليه كما سبق (45).
ب ـ موقف الأخباريين:
بسبب عدم وضح مفهوم دليل العقل لدى الأخباريين من الإمامية فقد جمدوا على مصدرين فقط من مصادر التشريع، هما: الكتاب والسنة(46).
فقد رفض المحدث الاسترا آبادي دليل العقل الظني بكل أشكاله وفروعه، فرفض العمل بالاجتهاد والرأي القائم على الظن(47).
كما رفض وجود المجتهد المطلق (48). معتمداً في ذلك على أخبار وردت عن الأئمة ـ عليهم السلام ـ (49). فأورد عن الصادق ـ عليه السلام ـ قوله: "الحكم حكمان: حكم الله عز وجل،
وحكم أهل الجاهلية، فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية" (50). وأن الأخباريين لا يعتمدون في أحكامه تعالى على الظن(51).
وللشيخ المظفر تعليق على هذا، إذ قال: (ومن جهة أخرى يحدث رد فعل لهذا الغلو، فينكر الاستر آبادي على الناس أنّ يركنوا إلى العقل وتفكيره، ويلتجيء إلى تفسير التعبد بما جاء به الشارع المقدس بمعنى الاقتصار على الأخبار الواردة في الكتب الموثوق بها في كل شيء، والجمود على ظهورها...إلى آخره) (52).
فالمحدث الاسترآبادي ذهب إلى: (أنّ مناط تعلق التكاليف كلها السماع من الشرع) (53).
وقال المحدث الاسترآبادي في معرض حديثه عن الحسن والقبح، هل هما عقليان أم لا ؟: (وهنا مسألتان:إحداهما: الحسن والقبح الذاتيان(54)، والأخرى: الوجوب والحرمة الذاتيان، والذي يلزم من ذلك بطلان الثانية لا الأولى) (55).
كما أوضح هو: أنّ هناك فرقاً بين مسألة التحسين والتقبيح وبين حكم الشرع، أي: أنّ العقل لا يمكن الاعتماد عليه إلاّ في القضايا الضرورية، حيث قال: (بين المسألتين ـ أي: مسألة التحسين والتقبيح، ومسألة حكم الشرع ـ بون بعيد، ألا ترى أنّ كثيراً من القبائح العقلية ليس بحرام في الشريعة، ونقيضه ليس بواجب في الشريعة؟)(56).
وترى بعض المصادر: أنّ كلماتهم اختلفت في ذلك، فالذي يبدو من بعضهم إنكار إدراك العقل للحسن والقبح الواقعيين، وبعضهم يعترف بذلك، إلاّ أنهم ينكرون الملازمة بينه وبين حكم الشرع، وبعضهم يعترف بالإدراك والملازمة، إلاّ ا،هم ينكرون وجوب إطاعة الحكم الشرعي الثابت من طريق العقل(57).
ويرد على هذا:
أ ـ إنّ كان مرادهم إنكار الإدراك العقلي للحسن والقبح فهو مصادرة، وقد تقدم أنه لا مجال في إثبات ذلك إلاّ إدراك العقلاء وتطابق آرائهم على ذلك.
ب ـ وإن كان مرادهم إنكار الملازمة بني حكم العقل وحكم الشرع بعد فرض تطابق العقلاء بما فهيم الشارع فهذه مصادرة أخرى. (إذ لا معنى للتفكيك بين ثبوت الحسن والقبح، وبين إدراك العقل لهما إلاّ إذا جاز تفكيك الشيء عن نفسه) (58).
ج ـ (وإذا كان مرادهم إنكار حجية العقل: فإن كان من طريق العقل لزم من وجوده عدمه؛ لأن الإنكار لو تم فهو رافع لحجية العقل، فلا يصح العقل للدليلية عليه، ولا على غيره. وإن كان من غير العقل فما هو المستند في حجية ذلك الدليل ؟ فإن كان من غير العقل لزم التسلسل، وإن كان من العقل لزم من وجوده عدمه؛ لانتهائه إلى إنكار حجيته أيضاً، لفرض قيامه أخيراً على إنكار ثبوت الحجية له) (59). ولاستجلاء موقف الأخباريين من هذا الدليل والتعرف على ما ذهبوا إليه فالذي يتضح من كلماتهم: أنهم فرقوا بين الأمور البدديهية والأمور النظرية "غير البديهية" فإثبتوا الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع في البديهيات دون النظريات، وبذلك اشترطوا لتطابق العقل والشرع أنّ يكون الأمر المدرك المحكوم فيه بديهياً لدى جميع العقلاء، أما إذا كان نظرياً فلا تلازم بين حكم العقل وحكم الشرع فيه، فلا يستقل العقل بحكمه قبل التشريع والتبليغ، وهو إنما يكون في مسائل أصول الدين، أو في بعض الأمور الدنيوية البديهية دون الأحكام الفقهية.
قال الكركي حسين بن شهاب الدين: (واعلم: أنّ من نفى الحسن والقبح عقلاً لا يمكنه الجزم بشيء من أمور الدين؛ لتجويزه إجراء المعجزة على يد الكاذب، وخلف الوعد منه تعالى، ويلزم منه عدم الوثوق بصدق الأنبياء، وغير ذلك من المفاسد) (60).
وقد استحسن هذا التعريف المحدث الجزائري، حيث قال (فإن قلت: عزلت
العقل عن الحكم في الأصول والفروع فهل يبقى له حكم في مسألة من المسائل ؟ قلت: أما البديهيات فهي له وحده، وهو الحاكم فيها) (61).
والدليل على اختصاصه ببعض مسائل أصول الدين، أو بعض الأمور الدنيوية وعدم شموله للأحكام الفقهية هو: ما ذكره المحدث البحراني من: أنّ الأحكام الفقهية من عبادات وغيرها توقيفية، تحتاج إلى السماع من حافظ الشرع؛ لقصور العقل المذكور عن الاطلاع على أغوارها.
ثم قال: نعم، يبقى الكلام بالنسبة إلى مالا يتوقف على التوقيف. فنقول: إنّ كان الدليل العقلي المتعلق بذلك بديهياً ظاهر البداهة مثل: "الواحد نصف الاثنين" فلا ريب في صحة العمل به.
ثم في ضوء هذا التفصيل قال: لا ريب أنّ العقل الصحيح الفطري حجة من حجج الله، وسراج منير من جهته، وهو موافق للشرع، بل هو شرع من داخل، كما أنّ ذلك شرع من خارج، وهو قد يدرك الأشياء قبل ورود الشرع فيها، فيأتي الشرع مؤيداً له، وقد لا يدركها قبله ويخفى عليه الوجه فيها، فيأتي الشرع مبيناً له(62).
وقد أجيب عما ذكره المحدث البحراني من كون السماع من المعصومين ـ عليهم السلام ـ شرطاً في تنجز التكليف ووجوب امتثاله بـ:
أولاً: أنّ الأحاديث الواردة في المنع من استعمال الرأي في أحكام الشرع وبطلان العبادة بدون الرجوع إلى المعصوم إنما وردت تحذيراً عما كان شائعاً في تلك العصور من استقلال بعض الفقهاء بآرائهم، والعمل بالقياس، وعدم الرجوع إلى أهل البيت ـ عليهم السلام ـ لذا نددت بهم وبقياسهم مجموعة كبيرة من الأحاديث، وعليه فلا تنظر تلك الأحاديث إلى الفقيه الذي يرجع إلى أهل البيت ـ عليهم السلام ـ في أصول وفروعه، ويتمثل الحكم الذي يحصل له القطع به بواسطة الرسول الباطني.
قال الشيخ الأنصاري: (... كيف والعقل بعد ما عرف أنّ الله تعالى لا يرضى بترك
الشيء الفلاني، وعلم بوجوب إطاعة الله لم يحتج ذلك إلى توسط مبلغ ؟! ودعوى استفادة ذلك من الأخبار ممنوعة، فإن المقصود من أمثال الخبر المذكور عدم جواز الاستبداد بالأحكام الشرعية بالعقول الناقصة الظنية من غير مراجعة حجج الله، بل في مقابلهم ـ عليهم السلام ـ)(63).
ثانياً: أنّ الدليل العقلي صالح لتقييد المطلق اللفظي وذلك حينما يدرك العقل على نحو الجزم اختصاص الحكم ببعض مصاديق اللفظ المطلق الوارد في الدليل.
فقد ذكر الشيخ الطوسي لذلك عدة أمثلة:
منها: تخصيص الخطاب في قوله تعالى:(يا أيها الناس اتقوا ربكم( (64).
بالعقلاء، من أجل قيام الدليل العقلي على أنّ الأطفال والمجانين لا يحسن تكليفهم (65).
فالأخباريون يتحدد موقفهم من دليل العقل في جانبين:
الجانب الأول: هو إيمانهم القطعي والبديهي أو الفطري على حد ما ورد عنهم، وأنه حجة باطنة، وإيمانهم بالتحسين والتقبيح العقليين.
فقد أفاد الكركي حسين بن شهاب الدين في حديثه عن حسن الأفعال وقبحها:
(أنّ حسن بعض الأفعال كالعدل، بمعنى: استحقاق فاعله المدح والثواب في نظر العقلاء، وقبح بعضها كالظلم، بمعنى: استحقاق فاعله الذم والعقاب، فكذلك مما تشهد به العقول عند من لا يعرف الشرائع، ولا يقر بالصانع مع قطع النظر عن كون تلك الأفعال صفات كمال أو نقص، ومشتملة على مصلحة أو مفسدة) (66).
كما ذكر مذاهب القائلين بالحسن والقبح العقليين، واختار مذهب الشيخ الطوسي وهو: أنّ القبيح لا يخرج عن قبحه عقلاً، ولكن يجوز ارتكاب أقل القبيحين لمصلحة توجبه، كقتل القاتل أو الكذب لخلاص النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ)(67).
الجانب الثاني: يتمثل بعدم إيمانهم بإمكان إدراك العقل النظري بصورة استقلالية ابتداء. وأن الشبهة الواردة على الحسن والقبح الذاتيين أصلها اشتباه الأمر؛ لأنها ترد على من زعم أنّ الحلية والحرمة ذاتيتان، وأن القبح العقلي ملزوم الحرمة، ولكونهما ليسا ذاتيين، بل لوجوه واعتبارات؛ ولذلك جاز تبديلهما، فيكون الشيء حلالاً في شريعة حراماً في أخرى، والشرع كاشف عما لا يستقل العقل بإدراك حليتة وحرمته، ولو كانا داتيين لجرى ذلك في أفعاله تعالى وهو باطل اتفاقا(68).
والذي يبدو لي: أنّ كثيراً من الخلط وقع عند بعض الأصوليين في عرضهم لآراء الأخباريين في خصوص دليل العقل:
فمن ذلك: ما نسبه الشيخ الأنصاري إلى الأخباريين من عدم الاعتماد على القطع الحاصل من المقدمات العقلية القطعية غير الضرورية؛ لكثرة وقوع الاشتباه والخلط فيها، فلا يمكن الركون إلى شيء منها (69).
وهو بهذا يشير إلى نص نقله عن المحدث الاستر آبادي، قسم فيه العلوم النظرية إلى قسمين:
أولاً قسم ينتهي إلى مادة قريبة من الإحساس: كعلم الهندسة والحساب، وأكثر أبواب المنطق وقرر أنّ ما كان من هذا القسم لا يقع فيه الخلاف بين العلماء، ولا الخطأ في نتائج الأفكار؛ وذلك لأن الخطأ في الفكر: إما من جهة الصورة، وإما من جهة المادة، والخطأ من جهة الصورة لا يقع من العلماء؛ لان معرفة الصورة من الأمور الواضحة عند الأذهان المستقيمة، والخطأ من جهة المادة لا يتصور في هذا القسم؛ لقرب موارده من الإحساس.
ثانياً: وقسم ينتهي إلى مادة بعيدة عن الإحساس: كالحكمة الإلهية، والطبيعية، وعلم الكلام، وعلم أصول الفقه، والمسائل النظرية الفقهية، وبعض القواعد المذكورة في كتب المنطق. وقرر أنّ هذا القسم يشتد فيه الخلاف، ويكثر فيه الخطأ والاشتباه؛ والسبب في ذلك: أنّ القواعد المنطقية إنما هي عاصمة من الخطأ من جهة الصورة، لا من جهة المادة... إلى آخره(70).
فكلام المحدث الاستر آبادي صريح في عدم جواز الاعتماد على الظن المستفاد من المقدمات العقلية، ومحل كلامه ومورد نقضه هو العقل الظني لا القطعي، وغرضه من ذلك: إنما هو إثبات عدم جواز اتباع غير النقل فيما لا يحصل منه القطع، لا أنّ مورد نقضه وإشكاله هو عدم حجية القطع الحاصل من المقدمات العقلية.
ولذا قال: (الأول: في إبطال جواز التمسك بالاستنباطات الظنية في نفسه أحكامه تعالى شأنه، ووجوب التوقف عند فقد القطع بحكم الله، أو بحكم ورد عنهم ـ عليهم السلام ـ)(71).
وهكذا يتضح من النص المتقدم: عدم جواز اتباع غير النقل فيما لا قطع به، لا أنه ينفي حجية القطع الحاصل من المقدمات العقلية، وأن العقل القطعي لا إشكال في جواز الاستناد إليه.
أدلة الأخباريّين في نفي حجية دليل العقل بالمفهوم الأصولي:
لقد استدل الأخباريون على نفي حجية دليل العقل بأدلة كثيرة:
أولاً: أنّ هذه الأشياء المسماة بالبراهين إذا كانت في أنفسها براهين لكان كل من سمعها ووقف عليها وجب أنّ يتقبلها وأن لا ينكرها أصلاً، وحيث نرى أنّ الذي يسميه أحد الخصمين برهاناً فإن الخصم الثاني يسمعه ويعرفه، ولايفيد له ظناً ضعيفاً.
من هذا يحصل لنا العلم: أنّ هذه الأشياء ليست في أنفسها براهين، وإنما هي مقدمات ضعيفة أضيفت العصبية والمحبة إليها، فتخيل بعضهم كونها برهاناً، مع أنّ الأمر في نفسه ليس كذلك. وأيضاً فالمشبه يحتج على القول بالتشبيه بحجة، ويزعم أنّ تلك الحجة أفادته الجزم واليقين:
فإما أنّ يقال: إنّ كل واحدة من هاتين الحجتين صحيحة يقينية فحينئذ يلزم صدق النقيضين وهو باطل.
وإما أنّ يقال: أحدهما صحيحة والأخرى فاسدة، مع أن الذي تمسك بتلك الحجة جزم بصحة تلك المقدمات ابتداء، فهذا يدل على أن العقل يجزم بصحة الفاسد جزماً ابتداء (72).
كما تساءل المحدث الجزائري عن معنى دليل العقل وحجيته الذي جعلوه أصلاً في الأصول والفروع فقال: (إنّ أردتم ما كان مقبولاً عند عامة العقول فلا يثبت ولا يبقى لكم دليل عقلي؛ وذلك لأن العقول مختلفة في مراتب الإدراك، وليس لها حد تقف عنده، فمن ثم ترى كلاً من اللاحقين يتكلم على دلائل السابقين ولا ينقضه، ويأتي بدلائل أخرى فيما ذهب إليه.
أما إذا كان المراد به ما كان مقبولاً بزعم المستدل به واعتقاده فلا يجوز لنا تكفير الحكماء والزنادقة، ولا الطعن على من يذهب إلى مذهب يخالف ما نحن عليه؛ وذلك أنّ أهل كل مذهب استندوا في تقوية ذلك المذهب إلى دلائل كثيرة من العقل، وكانت مقبولة في عقولهم، معلولة لهم، ولم يعارضها سوى دلائل العقل لأهل القول الآخر، أو دلائل النقل، وكلاهما لا يصح للمعارضة؛ لما قلتم: إنّ دليل النقل يجب تأويله، ودليل العقل لهذا الشخص لا يكون حجة على غيره؛ لأن عنده مثله ويجب عليه العمل بذلك) (73).
ثانياً: الروايات الواردة في المنع عن استعمال الرأي: أمثال الرواية الواردة عن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ: "أنّ المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه، ولكن أتاه من ربه فأخذ به" (74).
ومنها: رواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنته فنتظر فيها ؟ فقال: "لا، أما إنك إنّ أصبت لم تؤجر، وإن أخطأت كذبت على الله" (75). إلى غير ذلك من الروايات المتواترة معنى، والتي اعتبرها المحدث البحراني دالة على كون الشريعة توقيفية لا مدخل للعقل في استنباط شيء من أحكامها بوجه (76).
ثالثاً: ما ورد من الأخبار المتواترة عن الأئمة عليهم السلام بانحصار طريق أخذ هذا العلم ـ العلم القطعي ـ في السماع عنهم ـ عليهم السلام ـ بواسطة أو بدونها كما أنه تواترت الأخبار عنهم ـ عليهم السلام ـ بأنه لا يجوز تحصيل الحكم الشرعي النظري بالكسب والنظر؛ لأنه يؤدي إلى اختلاف الآراء في الأصول وفي الفروع الفقهية: كالمناكح، والمواريث، والديات، والقصاص، والمعاملات، كما هو المشاهد، فتنتفي فائدة بعث الرسل وإنزال الكتب، إذ فائدتهما ـ كما هو المشهور بين علماء الإسلام ـ دفع الاختلاف ليتم نظام المعاش (77).
موازنة وتقويم:
بعد أنّ انتهينا من عرض آراء الأصوليين والأخباريين في هذه المسألة نستطيع أنّ نضع النقاط التالية في صدد الموازنة بين تلكم الأقوال:
أولاً: أنّ الأصوليين يعتبرون العقل مصدراً رابعاً للتشريع بعد الكتاب والسنة والإجماع، وأن له القابلية لإدراك الأحكام الكلية الشرعية الفرعية بتوسط نظرية التحسين والتقبيح العقليين، ولكن على سبيل الموجبة الجزئية، أو عدم قابليته لإدراك جزئياتها وبعض مجالات تطبيقها، لعجزه عن إدراك الجزئيات، وكذلك عدم إدراكه وحده لكثير من الأحكام الكلية: كالعبادات وغيرها؛ لعدم ابتناء ملاكاتها ـ على نحو الموجبة الكلية ـ على ما كان ذاتياً من معاني الحسن والقبح(78).
ثانياً: في حين اقتصر الأخباريون في استفاداتهم لأمورهم الشرعية على مصدرين فقط هما: الكتاب والسنة والروايات الواردة عن أهل البيت ـ عليهم السلام ـ تابعة للسنة في رأي الإمامية، وتسمى سنة آل البيت ـ عليهم السلام ـ (79).
ثالثاً: ومن خلال ما تقدم: فإن الأصوليين لا يرون أنّ العقل النظري يمكن أنّ يدرك الحكم الشرعي ابتداء دون الاستعانة بالملازمة بين ما يحكم به العقل أو الشرع بصورة قاطعة، وبين حكم آخر للشرع، ولذلك فالقول بأن الحرمة والحلية ليستا ذاتيتين ـ كما قال الاستر آبادي والكركي ـ إنما يصح رداً على من يرى أنّ إدراك العقل النظري للحكم الشرعي يكون ابتداء، لا بتوسط الملازمة.
رابعاً: مع تعريف دليل العقل لدى الأصوليين بأنه حكم العقل القطعي، وأن
الأحكام التي يصل إليها قطعية وبديهية فإن ذلك يكون ملتقياً مع ما اشترطه الأخباريون من إيمانهم بما قطع به العقل، أو ما كان ضرورياً، وعندئذ لا تشمله الأدلة السمعية المساقة لنفي العمل بالظن أو الرأي ولا يتناوله ما ذكره المحدث الجزائري والمحدث البحراني من الاختلاف بين العقلاء؛ لأن ما هو قطعي لا يختلف فيه، وإنما يختلف في الظنون والأوهام.
أما النصوص التي تقول: "إنّ دين الله لا يصاب بالعقول" (80). فموردها الأحكام الظنية، وليست القطعية التي هي العلم الذي ينتهي إليه كل دليل، كما أنها معارضة بما ذكرناه من موارد النصوص التي ترى أنّ العقل حجة باطنة.
يقول الشيخ المظفر في الخلاف بين الأصوليين والأخباريين بعد تحديده للدليل العقلي وكون حجيته ذاتية باعتبار رجوعها إلى القطع: (وإذا عرفت ذلك تعرف: أنّ الخلط في المقصود من إدراك العقل النظري وعدم التمييز بين ما يدركه من الأحكام ابتداء، وبين ما يدركه منها بتوسط الملازمة هو سبب المحنة في هذا الاختلاف) (81).
_____________________
1 ـ شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار بن أحمد: 564.
2 ـ النظام وآراؤه الكلامية والفلسفية لأبي ريدة، للدكتور محمّد عبد الهادي: 29.
3 ـ في التشريع الإسلامي لسيد خليل: 125.
4 ـ مقالات الإسلاميين للأشعري: 480.
5 ـ المستصفى للغزالي 1: 16.
6 ـ المصدر نفسه 1: 17.
7 ـ المصدر نفسه 1: 18.
8 ـ المصدر نفسه 1: 6.
9 ـ المستصفى للغزالي 1: 127 ـ 135.
10 ـ السيوطي، صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام: 69.
11 ـ قوانين الأصول، أبو القاسم القمي: 2.
12 ـ الفصول في الأصول، محمّد حسين بن محمّد رحيم الأصفهاني: 316.
13 ـ أصول الفقه للمظفر 3: 125.
14 ـ أصول الفقه للمظفر 3: 127.
15 ـ الأشاعرة: فرقة تنتسب إلى أبي الحسن الأشعري، ولد، بالبصرة عام (260هـ) وتوفي سنة نيف وثلاثين وثلاثمائة هجرية، تخرج على المعتزلة في علم الكلام، وتلمذ على أبي علي الجبائي، قاد حركة المقاومة ضد المعتزلة، وعارض أكثر آراءهم. راجع: النظم الإسلاميّة لصبحي الصالح: 173، وتأريخ المذاهب الإسلاميّة لمحمد أبي زهرة 1: 191.
16 ـ راجع لزيادة الاطلاع: مباحث الحكم عند الأصوليين لمحمد سلام مدكور 1: 168، وأصول الفقه لمحمّد أبي زهرة: 73، والإمام الصادق لمحمد أبي زهرة: 490.
17 ـ مباحث الحكم عند الأصوليين لمحمد سلام مدكور 1: 168.
18 ـ المصدر السابق.
19 ـ الإسراء: 15.
20 ـ القصص: 47.
21 ـ النساء: 165.
22 ـ مباحث الحكم عند الأصوليين للدكتور مدكور 1: 168.
23 ـ الإسراء: 15.
24 ـ مسند أحمد بن حنبل 2: 228.
25 ـ المصدر نفسه 3: 353.
26 ـ لزيادة الاطلاع يراجع: الأصول العامّة لمحمّد تقي الحكيم: 284 ـ 294.
27 ـ الماتريدية: فرقة تـنسب إلى أبي منصور محمّد بن محمّد محمود الماتريدي، حنفي المذهب، ولد في ماتريدـ وهي محلة بسمرقند فيما وراء النهرين ـ في حوالي منتصف القرن الثالث، وتوفي في عام (333هـ) وقد تصدى لآراء المعتزلة بالرد والمناقشة، وشارك الأشاعرة في هذا الميدان، وإن لم يكن مقتنعاً بكثيرٍ من آرائهم. راجع تاريخ المذاهب الإسلاميّة لأبي زهرة 1: 207 ت 210.
28 ـ راجع: الإمام الصادق لأبي زهرة: 490، وأصول الفقه لأبي زهرة: 72، وتاريخ المذاهب الإسلاميّة لابي زهرة 1: 212 ـ 215.
29 ـ مباحث الحكم عند الأصوليين 1: 174.
30 ـ الأصول العامة للسيد محمّد تقي الحكيم: 298.
31 ـ المعتزلة: فرقة فلسفية نشأت في العصر الأموي، وازدهرت في العصر العباسي،
وشغلت الفكر الإسلامي جدلاً ونقاشاً في كثير من المسائل الفلسفية، ويرى الكثير أنّ رأس المعتزلة هو واصل بن عطاء، وقد حضر على أبي الحسن البصري، ثم اعتزله بعد مخالفته في كثير من المسائل. ويرى البعض الآخر أنّ ظهورها كان بعد هدنة الإمام الحسن ـ عليه السلام ـ مع معاوية، فاعتزلوا جميع الناس، ولزموا منازلهم ومساجدهم، واشتغلوا بالعلم والعبادة. راجع: الإمام الصادق، لأبي زهرة: 489.
32 ـ المصدر نفسه.
33 ـ أصول الفقه، لأبي زهرة: 71.
34 ـ أصول الفقه لأبي زهرة: 72.
35 ـ الجبائية: فرقة من المعتزلة تـُنسب إلى أبي علي محمّد بن عبد الوهاب الجبائي المتوفى سنة (295هـ)، وهو من معتزلة البصرة، وكذلك ولده أبو هاشم عبد السلام المتوفى سنة (321)هـ، لهما آراء فلسفية كثيرة.
36 ـ الأصول العامة للفقه المقارن للحكيم: 294.
37 ـ المستصفى للغزالي 1: 36.
38 ـ الأصول العامة للسيد محمّد تقي الحكيم: 299.
39 ـ الاجتهاد والفتوى في عصر المعصوم لمحي الدين الغريفي: 104 ـ 105.
40 ـ أوائل المقالات للمفيد: 44.
41 ـ أجود التقريرات، تقريرات النائيني للسيد أبي القاسم الخوئي 2: 40.
42 ـ الاجتهاد والفتوى في عصر المعصوم للغريفي: 105.
43 ـ أصول الفقه للمظفر 3: 126.
44 ـ المصدر السابق 3: 128.
45 ـ الاجتهاد والفتوى لمحي الدين الغريفي: 107.
46 ـ الفوائد المدنية لمحمد أمين الاستر آپادي: 47.
47 ـ المصدر السابق: 56.
48 ـ المصدر السابق: 90، 94، 96، 97، 98، 101، 132.
49 ـ المصدر السابق: 111، 122، 132، 136، 176، 250.
50 ـ الفوائد المدنية للاسترآبادي: 99.
51 ـ المصدر السابق: 92.
52 ـ جامع السعادات لمحمد مهدي النراقي، المقدمة بقلم محمّد رضا المظفر 1: 9.
53 ـ الفوائد المدنية للاسترآبادي: 141.
54 ـ راجع: أصول الفقه للمظفر 2: 228 ـ 230، الأصول العامة لمحمد تقي الحكيم: 286ـ 288.
55 ـ الفوائد المدنية للاسترآبادي: 141.
56 ـ أصول الفقه للمظفر 2: 235.
57 ـ الأصول العامة، لمحمد تقي الحكيم: 298.
58 ـ المصدر السابق.
59 ـ المصدر السابق: 299.
60 ـ هداية الأبرار، حسين بن شهاب الدين الكركي: 251 ـ 252.
61 ـ الرسائل للأنصاري: 8 نقلاً عن المحدث الجزائري.
62 ـ الحدائق الناضرة للبحراني 1: 131.
63 ـ الرسائل للأنصاري: 90.
64 ـ النساء: 1.
65 ـ عدة الأصول للطوسي 1: 132 ـ 133.
66 ـ هداية الأبرار للكركي: 250.
67 ـ المصدر السابق: 251.
68 ـ الفوائد المدنية للاسترآبادي: 141، وهداية الأبرار لحسين بن شهاب الدين الكركي: 251.
69 ـ الرسائل للشيخ الأنصاري: 8.
70 ـ الفوائد المدنية للاسترآبادي: 129.
71 ـ الفوائد المدنية للاسترابادي: 90.
72 ـ الحدائق الناضرة للبحراني 1: 128.
73 ـ الأنوار النعمانية في بيان النشأة الإنسانية لنعمة الله الجزائري: 300 ـ 301.
74 ـ وسائل الشيعة للحر العاملي: ب 6 من أبواب صفات القاضي 18: 26، ح 14.
75 ـ المصدر السابق 18 : 24 ح 6.
76 ـ الحدائق الناضرة 1 : 132.
77 ـ الفوائد المدنية للاسترآبادي: 90.
78 ـ الأصول العامة للسيد محمّد تقي الحكيم: 300.
79 ـ راجع للاطلاع على سنة أهل البيت المصدر السابق: 145.
80 ـ الوافي 1: 57، طبع حجري.
81 ـ أصول الفقه للشيخ المظفر 3: 113.

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية