مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية

حول كليات الأحوال الشخصية المتفق عليه
بين المذاهب الإسلامية
الشيخ جعفر السبحاني


الوصيّة للوارث عند المذاهب الخمسة
اتفقت المذاهب الخمسة على أن الوصية التبرعية تنفذ في مقدار الثلث فقط مع وجود الوارث، سواء وقعت في المرض أم في الصحة، وما زاد عن الثلث يفتقر إلى إجازة الورثة، وإن كان الأفضل في بعض المذاهب أن لا يستوعب الثلث بالوصية (1)
وأما في مقدار الثلث فتنفذ وصيته عند الإمامية في الأقرب والأجنبي، ومن غير فرق في الأقرب بين الوارث وغيره. وأما المذاهب الأربعة فأجازت الوصية للأقرب بشرط أن لا يكون وارثاً، وأما الوارث فلا تجوز الوصية له، سواء كان بمقدار الثلث أم أقل أم أكثر، إلاّ بإجازة الورثة.
قال السيد المرتضى: (ومما ظن انفراد الإمامية به ما ذهبوا إليه من: أن الوصية للوارث جائزة، وليس للوارث ـ غير الموصى له ـ ردها، وقد وافقهم في هذا المذهب بعض الفقهاء، وإن كان الجمهور والغالب على خلافه) (2).
وقال الشيخ الطوسي: (تصح الوصية للوارث مثل: الابن والأبوين. وخالف جميع
الفقهاء في ذلك، وقالوا: لا وصية للوارث)(3).
وقال الخرقي في متن المغني: (ولا وصية لوارث إلاّ أن يجيز الورثة ذلك).
وقال ابن قدامة في شرحه: (إنّ الإنسان إذا أوصى لوارثة بوصيةٍ فلم يُجِزْها سائر الورثة لم تصحّ، بغير خلافٍ بين العلماء. قال ابن المنذر وابن عبد البرّ: أجمع أهل العلم على هذا، وجاءت الأخبار عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ بذلك. فروى أبو أمامة قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول: "إنّ الله قد أعطى كل ذي حقّ حقّه، فلا وصية لوارث) (4).
لان النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ منع من عطية بعض ولده، وتفضيل بعضهم على بعضٍ في حال الصحّة وقوّة الملك، وإمكان تلافي العدل بينهم بإعطاء الذي لم يعطه فيما بعد ذلك، لما فيه من إيقاع العداوة والحسد بينهم، ففي حال موته أو مرضه وضعف ملكه وتعلق الحقوق به وتعذّر تلافي العدل بينهم أولى وأحرى، وإن أجازها جازت في قول الجمهور من العلماء)(5).
ومع أن الكتب الفقهية للمذاهب الأربعة تنفي جواز الوصية للوارث إلاّ إذا أجاز الورثة، حتى أن بعضهم يقول: بأن الوصية باطلة وإن أجازها سائر الورثة إلاّ أن يعطوه عطية مبتدأه(6).
ومع هذا التصريح ينقل الشيخ محمد جواد مغنية: أن عمل المحاكم في مصر على المذاهب الأربعة، ثم عدلت عنها إلى مذهب الإمامية، ومازالت عمل المحاكم الشرعية السنية في لبنان على عدم صحة الوصية للوارث، ومنذ سنوات قدم قضاتها مشروعاً إلى الحكومة يجيز الوصية للوارث، ورغبوا إليها في تبنيه (7).
يلاحظ على ما ذكره ابن قدامة من الحكمة: أنها لا تقاوم الذكر الحكيم واتفاق أئمة أهل البيت عليهم السلام، ولو صحت لزم تحريم تفضيل بعضهم على بعض في الحياة في البر والإحسان؛ لأن ذلك يدعو إلى الحسد والبغضاء، مع أنه لاخلاف في جوازه، وما نقل عن النبي من النهي فهو محمول على التنزيه لا التحريم، إذ لم يقل أحد بحرمة التفضيل في الحياة.
والعجب استدلال من ينكر التحسين والتقبيح العقليين بهذه الحكم والمصالح التي لا يدركها إلاّ العقل، مع أنه بمعزل عندهم عن إدراكهما عند أصحاب المذاهب الأربعة !
وسيوافيك الكلام فيما تصور من الحكمة.
والأولى عرض المسألة على الكتاب والسنة.
أما الكتاب فيكفي في جواز الوصية قوله سبحانه: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين( (8).
فالمراد من حضور الموت: ظهور إماراته من المرض والهرم وغيره، ولم يرد:
إذا عاين ملك الموت؛ لأن تلك الحالة تشغل الإنسان عن الوصية.
وأيضاً يجب أن يراعى جانب المعروف في مقدار الوصية والموصى له، فمن يملك المال الكثير إذا أوصى بدرهم فلم يوص بالمعروف، كما أن الإيصاء للغني دون الفقير خارج عن المعروف، فإن المعروف هو العدل الذي لا ينكر، ولا حيف فيه ولا جور.
والآية صريحة في الوصية للوالدين، ولا وارث أقرب للإنسان من والديه، وقد خصهما بالذكر لأولويتهما بالوصية، ثم عمم الموضوع وقال: (والأقربين( ليعم كل قريب، وارثاً كان أم لا. وهذا صريح الكتاب، ولا يصح رفع اليد عنه إلاّ بدليل قاطع مثله.
وقد أجاب القائلون بعدم الجواز عن الاستدلال بالآية بوجهين:
1 ـ آية الوصيّة منسوخة بآية المواريث:
قالوا: إنّها منسوخة بآية المواريث، فعن ابن عباس والحسن نسخت الوصيّة للوالدين بالفرض في سورة النساء (9)، وتثبت للأقربين الذين لا يرثون، وهو مذهب الشافعي، وأكثر المالكيين، وجماعة من أهل العلم.
ومنهم من يأبى عن كونها منسوخة، وقال: إنها محكمة، ظاهرها العموم، ومعناها: الخصوص في الوالدين اللذين لا يرثان: كالكافرين والعبدين، وفي القرابة غير الورثة (10).
ومرجع الوجه الأول: إلى النسخ في الوالدين، وأنه لا يوصى لهما، وارثين كانا أو ممنوعين، والتخصيص في الأقربين، فيصح الإيصاء لهم إذا لم يكونوا وارثين.
ومرجع الوجه الثاني: إلى التخصيص في كلا الموردين.
وقال الجصاص في تفسير الآية: نسختها آية الفرائض.
1 ـ قال ابن جريج عن مجاهد: كان الميراث للولد، والوصية للوالدين والأقربين، فهي منسوخة(11).
2 ـ وقالت طائفة أخرى: قد كانت الوصيّة واجبة للوالدين والأقربين فنسخت عمن يرث، وجعلت للوالدين والأقربين الذين لا يرثون (12).
فعلى الوجه الأول: فآية الوصيّة منسوخة بالمعنى الحقيقي.
وعلى الثاني: فهي مخصصة، حيث أخرج الوارث منهما وأبقي غير الوارث، لكن لازم كون الوصيّة واجبةً وبقاء الأقربين تحت العموم وجوب الوصيّة لغير الوارث منهما، وهو كما ترى.
ونرى نظير هذه الكلمات في كتب التفسير والفقه لأهل السنة، ونعلق عليها بوجهين:
الأول: أن السابر في كتب القوم يقف على أن الذي حملهم على ادعاء النسخ والتخصيص في الآية هو: رواية أبي أمامة، أو عمرو بن خارجة، وأنه سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول في خطبته في حجة الوداع: (ألا إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) (13). ولولا هذه الرواية لما خطر في بال أحد بأن آية المواريث ناسخة لآية الوصيّة، إذ لا تنافي بينهما قيد شعرة حتى تكون إحداهما ناسخة أو مخصصة، إذ لا منافاة في أن يجعل سبحانه على الإنسان فرضا أو ندبا أن يوصي للوالدين والأقربين بشيءٍ لا يتجاوز الثلث، وفي الوقت نفسه يورث الوالدين والأقربين على النظام المعروف في الفقه.
والذي يوضح ذلك هو: أن الميراث في طول الوصيّة، ولا يصح للمتأخر أن يطارد المتقدم، وأن الوراث يرثون بعد إخراج الدين والوصيّة، قال سبحانه: (من بعد وصية يوصي بها أو دين( (14).وفي مورد آخر: (من بعد وصية يوصى بها أو دين((15) فلا موضوع للنسخ ولا للتخصيص.
وقد تفطن القرطبي لما ذكره البعض، وقال: (ولا هذا الحديث لأمكن الجمع بين الآيتين بأن يأخذوا المال عن المورث بالوصية، وبالميراث إن لم يوص، أو ما بقي بعد الوصيّة، لكن منع ذلك هذا الحديث والإجماع) (16).
أقول: أما الإجماع فغير متحقق، وكيف يكون كذلك مع أن أئمة أهل البيت عليهم السلام ـ كما سيوافيك ـ اتفقوا على جوازه، وكذلك فقهاء الإمامية طوال القرون وهم ثلث المسلمين، وبعض السلف كما يحدث عنه صاحب المنار ؟ وأما الحديث فسيوافيك ضعفه، وأنه على فرض الصحة سنداً قابل للتأويل والحمل على ما زاد الإيصاء والثلث.
الثاني: أن ادعاء النسخ أو التخصيص في الآية بآية المواريث متوقف على تأخر الثانية عن الأولى، وأنى للقائل بهما إثباته ؟ بل لسان آية الوصيّة بما فيها من التأكيد لأجل الإتيان بلفظ (كتب(، وتوصيفه بكونه حقاً على المؤمنين يأبى عن كونه حكماً مؤقتاً لا يدوم إلاّ شهراً أو شهور.
قال الإمام محمد عبده: (إنه لا دليل على أن آية المواريث نزلت بعد آية الوصيّة هنا، فإن السياق ينافي النسخ، فإن الله تعالى إذا شرع للناس حكماً وعلم أنه مؤقت وأنه سينسخه بعد زمن قريب فإنه لا يؤكده ولا يؤثّقه بمثل ما أكد به أمر الوصيّة هنا من كونه حقا على المتقين، ومن وعيد لمن بدله).
ثم قال: (وبإمكان الجمع بين الآيتين إذا قلنا: إن الوصيّة في آية المواريث مخصوصة بغير الوارث، بأن يخص القريب هنا بالممنوع من الإرث ولو بسبب اختلاف الدين، فإذا أسلم الكافر وحضرته الوفاة ووالداه كافران فله أن يوصي لهما بما يؤلف به قلوبهما) (17).
ولا يخفى ما في صدر كلامه من الإتقان لولا ما تنازل في آخره، وحاول الجمع بين الآيتين بتخصيص جواز الوصيّة لمن لا يرثان من الوالدين لسبب: كالقتل والكفر والسرقة، إذ لقائل أن يسأل الإمام: أنه إذا كان المراد من الوالدين والأقربين في آية الوصيّة هم الممنوعين من الوراثة فما معنى هذا التأكيد والعناية البارزة في الآية مع ندرة
المصداق أو قلته بالنسبة إلى غير الممنوعين ؟ أو ليس هذا أشبه بالتخصيص المستهجن فلا محيص عن القول بعموم الآية لكل والد ووالدة وأقرب، ممنوعين كانوا أم غيره؟!
وأما ما أثاروه حول الإيصاء للوالدين من كونه سبباً لظهور العداء فقد مر جوابه في صدر البحث، وهنا نزيد ما ذكره ذلك الإمام بقوله:
وجوز بعض السلف الوصيّة للوارث نفسه، بأن يخص بها من يراه أحوج من الورثة، كأن يكون بعضهم غنياً والبعض الآخر فقيراً، ومثال ذلك: أن يطلق أبوه أمه وهو غني ولا عائل لها إلاّ ولدها، ويرى أن ما يصيبها من التركة لا يكفيها، ومثله: أن يكون بعض ولده أو أخوته ـ إن لم يكن له ولد ـ عاجزاً عن الكسب، فنحن نرى أن الحكيم الخبير اللطيف بعبادة، الذي وضع الشريعة والأحكام لمصلحة خلقه لا يحكم أن يساوي الغني والفقير، والقادر على الكسب من يعجزه عنه، فإذا كان قد وضع أحكام المواريث العادلة على أساس التساوي بين الطبقات باعتبار أنهم سواسية في الحاجة كما أنّهم سواء في القرابة فلا غرو أن يجعل أمر الوصيّة مقدماً على أمر الإرث...، ويجعل الوالدين والأقربين في آية أخرى أولى بالوصية لهم من غيرهم؛ لعلمه سبحانه وتعالى بما يكون من التفاوت بينهم في الحاجة أحياناً، فقد قال في آيات الإرث في سورة النساء: (من بعد وصية يوصي بها أو دين( فأطلق أمر الوصيّة، وقال في آية الوصيّة هنا ما هو تفصيل لتلك.
لقد بان الحق مما ذكرنا، وأن الذكر الحكيم أعطى للإنسان حق الإيصاء للوالدين لمصالح هو أعرف بها على حد لا يتجاوز الثلث، وليكون إيصاؤه أيضاً على حد المعروف.
ويؤيده: إطلاق قوله سبحانه في ذيل آية المواريث، قال سبحانه: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلاّ أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً كان ذلك في الكتاب مسطوراً( (18). ويريد من الذيل: الإحسان في الحياة والوصية عند الموت فإنه جائز(19)، وإطلاقه يعم الوارث وغيره. والله سبحانه هو العالم بمصالح العباد.
فتارة يخص بعض الوراث ببعض التركة عن طريق تنفيذ الوصيّة ما لم تتجاوز الثلث.
وأخرى يوصي لغير الوارث بشيء منها، يقول سبحانه: (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتمى والمسكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولاً معروفاً((20).
والمراد من ذوي القربى: الأخ للميت الشقيق وهو لا يرث، وكذلك العم والخال والعمة والخالة، ويعدون من ذوي القربى للوارث الذي لا يرثون معه، وقد يسري إلى نفوسهم الحسد فينبغي التودد إليهم، واستمالتهم بإعطائهم شيئاً من ذلك الموروث بحسب ما يليق بهم ولو بصفة الهبة أو الهدية(21).
2 ـ آية الوصيّة منسوخة بالسنة:
قد عرفت مدى صحة نسخ الآية بآية المواريث، ونبين هنا مناقشة منسوخية الآية بالسنة التي رواها أصحاب السنن ولم يروها الشيخان: البخاري ومسلم في صحيحيهما، واليك ما نقل سنداً أو متناً.
روى الترمذي في باب ما جاء لا وصية لوارث:
1 ـ حدّثنا علي بن حجر وهناد قالا: حدّثنا إسماعيل بن عياش، حدّثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني، عن أبي أمامه الباهلي قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول في خطبته عام حجة الوداع: "إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث، الولد للفراش وللعاهر الحجر..." (22).
2 ـحدّثنا قتيبة، حدّثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمان بن غنم، عن عمرو بن خارجة: أن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ خطب على ناقته وأنا تحت جرانها وهي تقصع بجرتها (23)، وأنّ لعابها يسيل بين كتفي فسمعته يقول: "إن الله أعطى كل ذي حقٍّ حقّه، ولا وصيّة لوراثٍ، والولد للفراش وللعاهر الحجر..." (24). وفي الإسناد: من لا يحتج به:
1 ـ إسماعيل بن عياش:
قال الخطيب: عن يحيى بن معين يقول: أما روايته عن أهل الحجاز فإن كتابه ضاع، فخلط في حفظه عنهم.
وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن علي بن المديني: كان يوثق فيما روى عن أصحابه أهل الشام، فأما من روى عن غير أهل الشام ففيه ضعف.
وقال عمر بن علي: كان عبد الرحمان بن المهدي لا يحدث عن إسماعيل بن عياش(25).
وقال ابن منظور: وقال مضر بن محمد الأسدي، عن يحيى: إذا حدث عن الشاميين وذكر الخبر فحديثه مستقيم، فإذا حدث عن الحجازيين والعراقيين خلط ما شاء (26).
وقال الحافظ جمال الدين المزي: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سئل أبي عن إسماعيل بن عياش فقال: نظرت في كتابه عن يحيى بن سعيد أحاديث صحاح، وفي "المصنف" أحاديث مضطربة.
وقال عثمان بن سعيد الدارمي عن دحيم: إسماعيل بن عياش في الشاميين غاية، وخلط عن المدنيين.
وقال أحمد بن أبي الحواري : سمعت وكيعاً يقول: قدم علينا إسماعيل بن عياش فأخذ من أطراف لإسماعيل بن أبي خالد، فرأيته يخلط في أخذه.
وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: ما أشبه حديثه بثياب سابور يرقم على الثوب المائة، وأقل شرائه دون عشرة. قال: كان من أروى الناس عن الكذابين.
وقال أبو إسحاق الفزاري في حقه: ذاك رجل لا يدري ما يخرج من رأسه (27).
ونقل الترمذي بعد ذكر الحديث عن أبي إسحاق الفزاري: ولا تأخذوا عن إسماعيل بن عياش ما حدث عن الثقات، ولا عن غير الثقات.
2 ـ شرحبيل بن مسلم الخولاني الشامي:
قال ابن معين: ضعيف، وأختيُن في ولاية عبد الملك بن مروان (28)، ووثقه الآخرون.
(21)
3 ـ شهر بن حوشب:
تابعي توفي حدود عام (100هـ).
قال النسائي: ليس بالقوي (29).
وقال يحيى بن أبي بكر الكرماني عن أبيه: كان شهر بن حوشب على بيت المال، فأخذ خريطة فيها دراهم، فقال القائل:
لقد باع شهر دينه بخريطة فمن يأمن القراء بعدك يا شهر (30).
وقال جمال الدين المزي: قال شبابة بن سوار عن شعبة: ولقد لقيت شهراً فلم أعتد به.
وقال عمرو بن علي: كان يحيى لا يحدث عن شهر بن حوشب. وقال أيضا: سألت ابن عون عن حديث هلال بن أبي زينب عن شهر ؟ فقال: ما يصنع بشهر ؟ إنّ شعبة نزك شهراً، فقال النضر: نزكوه ؟ أي: طعنوا فيه.
وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: أحاديثه لا تشبه حديث الناس. وقال موسى بن هارون: ضعيف.
وقال علي بن المديني: كان يحيى بن سعيد لا يحدث عن شهر.
وقال يعقوب بن شيبة:... على أنّ بعضهم قد طعن فيه (31).
4 ـ روى أبو داود: حدّثنا عبد الوهاب بن نجدة، حدّثنا ابن عياش، عن شرحبيل
بن مسلم: سمعت أبا أمامة: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول: "إنّ الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" (32).
والإسناد مشتمل على إسماعيل نب عياش وشرحبيل بن مسلم وقد عرفت حالهما، فلاحظ.
5 ـ روى النسائي: أخبرنا قتيبة بن سعيد، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمان بن غنم، عن عمرو بن خارجة قال: خطب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فقال ك "إنّ الله قد أعطى كل ذي حق حقه، ولا وصية لوارث".
6 ـ أخبرنا إسماعيل بن مسعود، قال: حدّثنا خالد، قال: حدّثنا شعبة، قال: حدّثنا قتادة، عن شهر بن حوشب: أنّ ابن غنم ذكر أنّ ابن خارجة ذكر له أنه شهد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يخطب الناس على راحلته، وإنها لتقصع بجرتها وإن لعابها ليسيل. فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في خطبته: "إنّ الله قد قسم لكل إنسان قسمة من الميراث، فلا تجوز لوارث وصية". فالإسنادان اشتملا على شهر بن حوشب، وقد تعرفت عليه.
7 ـ أخبرنا عتبة بن عبد الله المروزي قال: أنبأنا عبد الله بن المبارك، قال أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قتادة عن عمرو بن خارجة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ: "إنّ الله عز اسمه قد أعطى كل ذي حق حقه، ولا وصية لوارث" (33).
وقد اشتمل الإسناد على قتادة بن دعامة بن قتادة، أبو الخطاب البصري ـ 61 ـ 117 هـ ـ الذي ورد في حقه عن حنظلة بن أبي سفيان: كنت أرى طاووساً إنّ أتاه قتادة يسأله يفر منه، قال: وكان قتادة يتهم بالقدر.
وقال علي بن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: إنّ عبد الرحمان يقول: اترك كل من كان رأساً في بدعة يدعو إليها. قال: كيف تصنع بقتادة ؟ ثم قال يحيى: إنّ ترك هذا الضرب ترك أناساُ كثيراً.
وقال الحاكم في علوم الحديث: لم يسمع قتادة من صحابي غير أنس.
وقال أبو داود: حدث قتادة عن ثلاثين رجلاً لم يسمع منهم (34).
8 ـ روى ابن ماجة: حدّثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، حدّثنا يزيد بن هارون: أنبأنا سعيد ابن أبي عروبة، عن قتادة ن عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمان بن غنم، عن عمرو بن خارجة: أنّ النبي خطبهم وهو على راحلته، وإن راحلته لتقصع بجرتها، وإن لعابها ليسيل بين كتفي، قال: "إنّ الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، فلا يجوز لوارث وصية، والولد للفراش..." كذلك فالإسناد مشتمل على شهر بن حوشب.
9 ـ حدّثنا هشام بن عمار، ثنا إسماعيل بن عياش، حدّثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول في خطبته عام حجة الوداع :"إن الله قد أعطى كلّ ذي حقٍّ حقّه، فلا وصيّة لوراث". وفي الإسناد إسماعيل بن عيّاش ، وقد عرفت حاله.
10ـ حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا محمّد بن شعيب بن شابور ، حدثنا عبد الرحمان بن يزيد ابن جابر، عن سعيد ابن أبي سعيد أنه حدثه عن أنس بن مالك قال: إني لتحت ناقة رسول الله يسيل علي لعابها فسمعته يقول: "إنّ الله قد أعطى كل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث" (35).
وفي السند من لا يحتج به:
1 ـ عبد الرحمان بن يزيد بن جابر الأزدي، أبو عتبة الشامي المتوفى عام 153هـ.
قال الفلاس: ضعيف الحديث...روى عن أهل الكوفة أحاديث مناكير(36).
2ـ سعيد ابن أبي سعيد، واسمه: كيسان المقبري، أبو سعد المدني المتوفى عام 125 هـ.
قال يعقوب بن شيبة: قد كان تغير واختلط قبل موته يقال بأربع سنين، وقال الواقدي: اختلط قبل موته بأربع سنين، وقال ابن حبان في الثقات: اختلط قبل موته بأربع سنين (37).
11 ـ روى الدار فطني: نا أبو بكر النيسابوري، حدّثنا يوسف بن سعيد، حدّثنا حجاج، عن جريح، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ "لا تجوز الوصيّة لوارث إلاّ أنّ يشاء الورثة"(38).
وفي الإسناد عطاء ابن أبي مسلم الخراساني المتوفى عام 135 هـ.
قال الدار قطني: لم يلق ابن عباس. وقال أبو داود: ولم يدرك ابن عباس ولم يره.
البخاري قد ذكر عطاء الخراساني في الضعفاء...، والبخاري لم يخرج له شيئاً.
وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ يخطئ ولا يعلم، فبطل الاحتجاج به (39).د
وقال البيهقي: عطاء هذا هو الخراساني، لم يدرك ابن عباس ولم يره. قاله أبو داود السجستاني وغيره. وقد روي من وجه آخر عن عكرمة، عن ابن عباس (40).
12 ـ حدّثنا علي بن إبراهيم بن عيسى، حدّثنا أحمد بن محمد الماسرجسي، حدّثنا عمرو بن زرارة، حدّثنا زياد بن عبد الله، حدّثنا إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن عمرو بن خارجة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ: "ولا وصية لوارثٍ إلاّ أنّ يجيز الورثة".
ولو صح الإسناد فهو محمول على ما إذا زاد عن الثلث، كما سيأتي نقله.
13 ـ حدّثنا عبيد الله بن الصمد بن المهتدي، حدّثنا محمد بن عمرو بن خالد، حدّثنا أبي، عن يونس بن راشد، عن عطاء الخراساني، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ: "لا يجوز لوراثٍ وصية إلاّ أنّ يشاء الورثة" (41).
ولا أظن أنّ فقيهاً يحتج بحديث في سنده:
(عكرمة البربري: أبو عبد الله المدني مولى ابن عباس: وقد عرفه أهل الرجال بما يلي:
قال ابن لهيعة، عن أبي الأسود: كان عكرمة قليل العقل خفيفاً، كان قد سمع
الحديث من رجلين، وكان إذا سئل حدث به عن رجل يسأل عنه بعد ذلك، فيحدث به عن الآخر، فكانوا يقولون: ما أكذبه.
وقال يحيى بن معين: إنما لم يذكر مالك بن أنس عكرمة؛ لأن عكرمة كان ينتحل رأي الصفرية (42).وقال عطاء:أن أباضياً.
وقال أبو خلف الخزاز، عن يحيى البكاء: سمعت ابن عمر يقول لنافع: اتق الله، ويحك يا نافع ! ولا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس. وعن سعيد بن المسيب أنه كان يقول لغلامه: لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس.
وعن عطاء الخراساني: قلت لسعيد بن المسيب: إنّ عكرمة يزعم أنّ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ تزوج ميمونة وهو محرم، فقال: كذب مخبثان.
وقال سعيد بن جبير: كذب عكرمة.
وقال وهيب بن خالد، يحيى بن سيعيد الأنصاري: كان كذاباً.
وكان مالك لا يرى عكرمة ثقةً، ويأمر أنّ لا يؤخذ عنه.
وقال حنبل بن إسحاق عن أحمد بن حنبل:... وعكرمة مضطرب الحديث يختلف عنه.
وقال ابن علية: ذكره أيوب فقال: قليل العقل.
وقال الحاكم: أبو أحمد احتج بحديثه الأئمة القدماء، لكن بعض المتأخرين أخرج حديثه من حيز الصحاح) (43).
14 ـ حدّثنا أحمد بن كامل، حدّثنا عبيد بن كثير، حدّثنا عباد بن يعقوب، حدّثنا نوح بن درّاج، عن أبان بن تغلب، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: قال رسول الله: (لا وصية لوارث، ولا إقرار بدين).
وفي الإسناد من لا يحتج به أهل السنة، وهو نوح بن درّاج المتوفّى عام 182 هـ، والحديث نقل محرفاً.
فقد تظافر عن جعفر بن محمّد صحّة الوصيّة للوارث، إلاّ إذا تجاوز عن الثلث، فإنّه إضرار بالورثة. ويؤيّده ذيل الحديث "ولا إقرار بدينٍ"، والإقرار بالدين والإيصاء فوق الثلث مظنّة الإضرار بالورثة.
15 ـ حدّثنا أحمد بن زياد، حدّثنا عبد الرحمان بن مرزوق، حدّثنا عبد الوهّاب، حدّثنا سعيد، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمان بن غنم، عن عمرو بن خارجة قال: خطبنا رسول الله بمنى، فقال: "إنّ الله عزّوجلّ قد قسّم لكلّ إنسانٍ نصيبه من الميراث، فلا يجوز لوارثٍ وصيّة إلاّ من الثلث". قال: و حدّثنا سعيد بن مطر، عن شهر، عن عمرو بن خارجة عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ مثله (44).
والسند مشتمل على شهر بن حوشب، والمتن يؤيّد مقالة الإمامية، حيث قال: فلا يجوز له إرث إلاّ من الثلث.
16 ـ روى الدارمي: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، حدّثنا هشام الدستوائي، حدّثنا قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمان بن غنم، عن عمرو بن خارجة، قال: كنت تحت ناقة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وهي تقصع بجرتها ولعابها وينوص بين كتفي، سمعته يقول: "ألا إنّ الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا يجوز وصية لوارث" (45). وفي الإسناد شهر بن حوشب وكفى به ضعفاً.
17 ـ روى البيهقي بأسانيد مختلفة لا تخلو من ضعف:
فالأول مقطوع برواية عطاء، عن ابن عباس، وقد عرفت عدم إدراكه له، وعطاء هذا هو عطاء الخراساني.
والثاني مشتمل على رواية عطاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، وقد عرفت حال الرجلين.
والثالث أيضاً مثل الثاني.
والرابع مشتمل على الربيع بن سليمان الذي كان يوصف بغفلة شديدة، وعن الشافعي: أنه ليس بثبت، وإنما أخذ أكثر الكتب من آل البويطي بعد موت البويطي(46).
وعلى سفيان بن عيينة المتوفى عام 198هـ، قال محمّد بن عبد الله بن عمّار: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أشهدوا أنّ سفيان بن عيينة اختلط سنة (97هـ)، فمن سمع في هذه السنة وبعدها سماعه لا شيء(47).
وعلى مجاهد بن جبر المكّيّ المولود في خلافة عمر المتوفى عام 100هـ. فمضافاً إلى أنّ الرواية مقطوعة فقد ورد في حقه: مجاهد معلوم التدليس فعنعنته لا تفيد الوصل (48).
والخامس مشتمل على ابن عياش، وشرحبيل بن مسلم، وقد تعرفت عليهما.
والسادس مشتمل على شهر بن حوشب.
والسابع: مشتمل على حماد بن سلمة، عن قتادة، والسند: إما مقطوع أو موصول بواسطة شهر بن حوشب، بقرينة الرواية السابقة.
والثامن: مشتمل عن إسماعيل بن مسلم، وهو مردد بين العبدي (أبو محمّد البصري)، والمكي (أبو إسحاق البصري) الذي ضعفه جمال الدين المزي بقوله: قال عمرو بن علي: كان يحيى وعبد الرحمان لا يحدثان عن إسماعيل المكي.
وقال أبو طالب: قال أحمد بن حنبل: إسماعيل بن مسلم المكي منكر الحديث.
وقال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: إسماعيل بن مسلم المكي ليس بشيءٍ وكذلك قال عثمان بن سعيد الدارمي وأبو يعلى الموصلي عن يحيى.
وعن علي بن المديني: إسماعيل بن مسلم المكي لا يكتب حديثه، وكان ضعيفاً في الحديث..، يكثر الخلط.
وقال أبو زرعة: هو بصري سكن مكة، ضعيف الحديث وقال النسائي:... متروك الحديث. وقال في موضع آخر: ليس بثقة(49).
والتاسع: مشتمل على عبد الرحمان بن يزيد بن جابر الأزدي، وسعيد ابن أبي سعيد وقد تعرّفت عليهما.
والعاشر: مشتمل على سفيان بن عيينة، وقد تعرّفت عليه، وعلى طاووس بن كيسان اليماني، وهو تابعي لم يدرك النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ، وإنما ينقل ما ينقل عن ابن عباس(50).
18 ـ روى الحافظ سعيد بن منصور المكي ـ المتوفى 227 هـ ـ في سننه هذا الحديث بأسانيد مختلفة.
فالأول ـ مضافا إلى أنه مقطوع بمجاهد ـ مشتمل على سفيان بن عيينة.
والثاني: مقطوع بعمرو بن دينار ـ المتوفى حدود عام 125هـ ومشتمل على سفيان بن عيينة.
والثالث: مشتمل على إسماعيل بن عياش، وشرحبيل بن مسلم.
والرابع: مشتمل على شهر بن حوشب.
والخامس: مشتمل على سفيان بن عينية، وهشام بن حجر المكي الذي ضعفه يحيى بن معين، وعن غيره أنه يضرب على حديثه، وعن أبي داود أنه ضرب الحد بمكة (51).
19 ـ روى الصنعاني بسند ينتهي إلى شهر بن حوشب، عن عمرو بن خارجة، قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول: "لا وصية لوارثٍ" (52)، وقد تعرفت على حال "شهر".
ملاحظات على نسخ الآية بالسنة:
ويلاحظ على هذه الإجابة ـ أي: نسخ الكتاب بهذه الروايات ـ بوجوه:
1 ـ الكتاب العزيز قطعي السند، وصريح الدلالة في المقام. وظاهر الآية كون الحكم أمراً أبدياً، وأنه مكتوب على المؤمنين، وهو حق على المتقين، أفيصح نسخه أو تخصيصه برواية لم يسلم سند منها عن خلل ونقاش ؟ فرواتها مخلط: من أروى الناس عن الكذابين، لا يرى ما يخرج من رأسه، إلى ضعيف أختتن في كبر سنه، إلى بائع دينه بخريطة، إلى مسند ولم ير المسند إليه، إلى محدود أجري عليه الحد في مكة إلى خارجي يضرب به المثل، إلى، إلى، إلى (53)....!
ولو قلنا بجواز نسخ الكتاب فإنما نقول به إذا كان الناسخ دلالة قرآنية، أو سنة قاطعة.
2 ـ كيف يمكن الاعتماد على رواية تدعي أنّ الني الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ خطب في محتشد كبير لم ينقل لنا التاريخ له مثيلاً في حياة النبي إلاّ في وقعة الغدير، وقال: "إنه لا وصية لوارث" ولم يسمعه أحد من الصحابة إلاّ أعرابي مثل: عمرو بن خارجة الذي ليس له رواية عن رسول الله سوى هذه (54).أو شخص آخر كأبي أمامة الباهلي ؟ وهذا مايورث الاطمئنان على وجود الخلل فيها سنداً أو دلالة.
3 ـ لو سلم أنّ الحديث قابل للاحتجاج لكنه لا يعادله ولا يقاوم ما تواتر عن أئمة أهل البيت عليهم السلام من جواز الوصيّة للوارث.
فهذا هو محمّد بن مسلم، أحد فقهاء القرن الثاني ن من تلاميذ أبي جعفر الباقر ـ عليه السلام ـ يقول: سألت أبا جعفر عن الوصيّة للوارث ؟ فقال: "تجوز"، ثم تلا هذه الآية: (إنّ ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين((55).
وهذا أبو بصير المرادي، شيخ الشيعة في عصر الصادق ـ عليه السلام ـ يروي عنه أنه سأله عن الوصيّة للوارث ؟ فقال: "تجوز" (56).
4 ـ إنّ التعارض فرع عدم وجود الجمع الدلالي بين نص الكتاب والحديث، إذ من المحتمل جداً أنّ الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ ذكر قيداً لكلامه ولم يسمعه الراوي، أو سمعه وغفل عن نقله، أو نقله ولم يصل إلينا، وهو أنه من قال: "ولا تجوز وصية للوارث" إذا زاد عن الثلث أو بأكثر منه، كما ورد كذلك من طرقنا، وطرق أهل السنة. وقد عرفت: أنّ
الدار قطني نقله عن الرسول الأكرم بهذا القيد (57)، وقد ورد من طرقنا عن النبي الأكرم أنه قال في خطبة الوداع: "أيها الناس، إنّ الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، ولا تجوز وصية لوارث بأكثر من الثلث"(58).
وبعد هذه الملاحظات لا يبقى أي وثوق للرواية بالصورة الموجودة في كتب السنن أضف إلى ذلك: أنّ الإسلام دين الفطرة، ورسالته خاتمة الرسالات، فكيف يصح أنّ يسد باب الإيصاء للوارث ؟ مع أنه ربما تمس الحاجة إلى الإيصاء للوارث، بعيداً عن الجور والحيف، من دون أنّ يثير عداء الباقين وحسد الآخرين، كما إذا كان طفلاً، أو مريضاً، أو معوقاً، أو طالب علم لا يتسنى له التحصيل إلاّ بعون آخرين.
كل ذلك يدعو فقهاء المذاهب في الأمصار إلى دراسة المسألة من الأصل، عسى أنّ يتبدل المختلف إلى المؤتلف، والخلاف إلى الوفاق بفضله وكرمه سبحانه
قال الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ
"من أوصى بالثلث فقد أضر بالورثة، والوصية بالربع والخمس أفضل من الوصيّة بالثلث، ومن أوصى بالثلث فلم يترك" وسائل الشيعة 13: 360.
_____________________
1 ـ المغني لابن قدامة 6: 78.
2 ـ الانتصار للسيد المرتضى: 308.
3 ـ الخلاف للطوسي 2: كتاب الوصية 1.
4 ـ رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي في سننهم.
5 ـ المغني لابن قدامة 6: 79.
6 ـ المصدر نفسه.
7 ـ الفقه على المذاهب الخمسة: 465.
8 ـ البقرة: 180.
9 ـ في قوله تعالى في الآية: (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد...(.
10 ـ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2: 262.
11 ـ رواه الدارمي في سننه 2 419 مرسلاً عن قتادة.
12 ـ أحكام القرآن للجصاص 1: 164.
13 ـ سيوافيك نصه وسنده.
14 ـ النساء: 11.
15 ـ النساء: 12.
16 ـ الجامع لأحكام القرآن 1: 263.
17 ـ المنار 2: 136.
18 ـ الأحزاب: 6.
19 ـ الجامع لأحكام القرآن 14: 126.
20 ـ النساء: 8.
21 ـ المنار 2: 396.
22 ـ سنن الترمذي 4: 433.
23 ـ "الجران": هو من العنق ما بين المذبح إلى المنحر. و"تقصع بجرتها": أراد شدة المضع وضم بعض الأسنان على بعض، وقيل قصع الجرة: خروجها من الجوف إلى الشدق. النهاية الأثيرية (مادة: جرن).
24 ـ سنن الترمذي 4: 433، باب ما جاء لا وصية لوارث، الحديث 2120 و2121.
25 ـ تاريخ بغداد للخطيب 6: 226 ـ 227.
26 ـ مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 4: 376.
27 ـ تهذيب الكمال لجمال الدين المزي 3: 175 ـ 178.
28 ـ سنن الترمذي 4: 433، الحديث 220.
29 ـ سنن النسائي: الضعفاء والمتروكين: 134 برقم 310.
30 ـ تهذيب التهذيب لابن حجر 4 : 286، برقم 570.
31 ـ تهذيب الكمال الجمال الدين المزي 12: 581.
32 ـ سنن أبي داود 3: 114، باب ما جاء في الوصيّة للوارث، برقم. 287.
33 ـ سنن النسائي 6: 207، كتاب الوصايا باب إبطال الوصيّة للوارث، الحديث بإسناده الثلاثة ينتهي إلى عمرو بن خارجة الذي قال البزار في حقه: إنه لا نعلم له عن النبي إلاّ هذا الحديث.
34 ـ تهذيب التهذيب لابن حجر 8: 319، تهذيب الكمال لجمال الدين 23: 509.
35 ـ سنن ابن ماجة 2: 905، كتاب الوصايا باب لا وصية لوارث، الأحاديث 2712 ـ 2714.
36 ـ تهذيب التهذيب لابن حجر 6: 266 برقم 581.
37 ـ تهذيب التهذيب 4: 34 برقم 61.
38 ـ سنن الدار قطني 4: 152، الوصايا، الحديث 10 و11.
39 ـ المصدر نفسه 7: 190 برقم 395.
40 ـ السنن الكبرى للبيهقي 6: 264.
41 ـ سنن الدار قطني 4: 152 (الوصايا) الحديث 10و11.
42 ـ "الصفرية": طائفة من الخوارج.
43 ـ تهذيب التهذيب لابن حجر 7: 234 ـ 237 برقم 476.
44 ـ سنن الدار قطني 4: 152 "الوصايا" الحديث 12 و13.
45 ـ سنن الدارمي 2: 419، باب الوصيّة للوارث.
46 ـ تهذيب التهذيب لابن حجر 3: 213 برقم 473.
47 ـ تهذيب الكمال لجمال الدين المزي 11: 196.
48 ـ تهذيب التهذيب لابن حجر 10: 40 برقم 68.
49 ـ تهذيب الكمال لجمال الدين المزي 3: 198 برقم 483.
50 ـ السنن الكبرى للبيهقي 6: 264.
51 ـ تهذيب التهذيب لابن حجر 11: 32 برقم 74.
52 ـ المصنف لعبد الرزاق بن همام 9: 70 برقم 16376.
53 ـ لاحظ ما نقلناه عن أئمة الرجال في حق رواة الحديث ونقلته.
54 ـ الإصابة لابن حجر 2: 527، وتهذيب الكمال للمزي 21: 599، والثقات لابن حبان.
55 ـ البقرة: 180.
56 ـ وسائل الشيعة: 13، الباب 15 من أبواب أحكام الوصايا، وفيه ثلاثة عشر حديثاً تصرح على جواز الوصيّة للوارث.
57 ـ لاحظ الفقرة 15 مما سلف، وفيها: فلا يجوز لوارث وصية إلاّ من الثلث.
58 ـ تحف العقول: 34 للحسن بن علي بن شعبة، وهو من محدثي القرن الرابع.
 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية