مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية

الوحدة الإسلاميّة من منظور الثقلين
تأليف:السيد محمّد باقر الحكيم
عرض : عبد الله الفريجي


مقدمة:
تمتاز الأبحاث والدراسات التي تتناول معضلات الأمة الحضارية بأهمية خاصة يمكننا تسميتها بالحيوية أو الاستراتيجية ؛ لأنها إسهام في بناء الأسس والقواعد التي يقوم عليها التواصل الحضاري الحالي والمستقبلي ، أو أي بناءٍ فوقيٍٍ آخر يمت إلى ذلك بصلة.
ويأتي كتاب "الوحدة الإسلاميّة من منظور الثقلين" لمؤلفه العلامة السيد محمّد باقر الحكيم، ليضرب على أحد هذه الأوتار الحساسة ، وليعالج أهم معوقات النمو والنهوض ، ألا وهي : التجزئة ، مقدماً أطروحته هذه التي تمتاز بالشمولية والاستيعاب لبعض ما يطرأ على الأذهان من إشكالات وتساؤلات بخصوص الموضوع ، ومن زاوية معاصرة لم تتجاوز الأصول والقواعد التي أرساها الأقدمون ، ولم تتجاهل الواقع القائم المعقد إلى الدرجة التي تجعل من التقدم والنجاح خطوة مستحيلة ـ لاستكمال البناء النظري لمشاريع النهضة تلك .
لقد اختار المؤلف الوحدة عنواناً لأهميتها الخاصة ، باعتبارها من أهم الموضوعات التي نواجهها في عصرنا الحاضر كأمة على طريق النهوض . وحيوية موضوع الوحدة لا تحتاج إلى مزيد من الإطناب.
يتألف الكتاب من (207) صفحات توزعت على ما يقرب من سبعين عنواناً ، استغرق البحث التمهيدي منها (34) صفحةً أما بقية الكتاب فتشتمل على بابين : يبدأ الأول منها من صفحة (35 ـ 114) ، ويبدأ الباب الثاني من صفحة (115 ـ 190) ، وأخيراً الخاتمة.
تناول البحث التمهيدي أهمية الوحدة وفق الظروف العالمية الحالية ، وعنونه بـ"الوحدة من منظور حضاري" والباب الأول عنوانه "الوحدة الإسلاميّة من منظور قرآني" ، والباب الثاني "الوحدة الإسلاميّة في نظرية أهل البيت" . وسنحاول المرور على مباحث الكتاب بصورة مختصرةٍ ، مستعرضين أهم الأفكار التي وردت على صفحاته المئتين.
أبحاث الكتاب :
يطالعنا البحث الأول ـ بعد كلمة المجمع العالمي لأهل البيت ـ عليهم السلام ـ التي افتتح بها الكتاب ـ وهو بحث تمهيدي ، لكنه أساسي يدخل في صميم موضع الكتاب ، كمقدمة تؤدي إلى النظرية التي يريد المؤلف تقديمها حول الوحدة ، إذ سماها "تمهيد الوحدة الإسلاميّة من منظور حضاري" ، وضمنه مجموعة من الأبحاث الفرعية التي كان أولها "أهمية الوحدة الإسلاميّة" ، فهي من أهم الموضوعات المعاصرة ..، وخصوصاً بعد وجود الكيان السياسي الإسلامي المتمثل بالجمهورية الإسلاميّة في إيران ، ووجود النهوض الإسلامي 1، فهذان عاملان داخليان أضفيا على
الوحدة أهميةً ، وشجعا قيام دول أخرى كـ "السودان ، وأفغانستان" انطلاقاً من نفس التوجهات.
وتزداد هذه الأهمية عندما ننظر إلى الظروف العالمية(2)، أي : العوامل الخارجية التي زادت من أهمية الوحدة ، إذ حدد أبرز نتائجها بتغير "اتجاه رياح الحرب الباردة" في اتجاهين:
الأول : اتجاه الانكفاء عن الذات .
الثاني : اتجاه الحرب الباردة لمواجهة النهوض الإسلامي بسبب تنامي الخوف من الصحوة . ويتوقع المؤلف أنّ يكون الانكفاء على الذات في محورين هما :
أ ـ الصراع الأوربي الأمريكي الذي بدأ يتحول إلى صراع اقتصادي بصورة رئيسية.
ب ـ الصراع الغربي ـ الشرقي الذي يدور الآن بين الولايات المتحدة واليابان ، ثم بروز دول شرقية جديدة في المعترك مثل : "كوريا الجنوبية" و"تايوان". هذا إلى جانب المشكلات التي خلفها انهيار الاتحاد السوفياتي ويوغسلافيا .
أما الاتجاه الثاني ـ أي : محاربة الصحوة الإسلاميّة ـ فقد اتخذ طابعاً جديداً بعد فشل المحاولات السابقة لضرب الصحوة ، ويمكننا ملاحظته من خلال جملة مؤشرات هي :
أ ـ ارتفاع درجة حساسية الأمة تجاه محاولات الحضارة الغربية في الانتقاص من الإسلام والعقيدة الإسلاميّة المتمثل بتسخير المرتد "سلمان رشدي".
ب ـ التراجع الحضاري والسياسي للحضارة الغربية وأطروحاتها وأتباعها ، حيث استطاع التيار الإسلامي من إقامة دول ، كما هيمن المد الإسلامي على ساحات مهمة مثل : "الجزائر".
ج ـ ازدياد الشعور لدى أتباع الحضارة الغربية ومنظريها بالعجز واليأس بالرغم من سعة دائرة التآمر.
د ـ تطور الخطاب السياسي الإسلامي بشكل واضح من خلال ما طرحته الثورة الإسلاميّة في إيران ، الأمر الذي قاد إلى الصمود في وجه القمع .
فهناك اذن صراع اتخذ أبعاداً جديدة في ضوء النهوض الإسلامي والتغييرات في البناء الداخلي للعالم الاستكباري ، فيطرح المؤلف سؤاله المهم ضمن فقرة "مستلزمات الموقف الإسلامي من الصراع" ؟ ويجيب على السؤال من خلال إلفات النظر إلى أبعاد ثلاثة هي :
أ ـ مواجهة التحديثات المعاصرة.
ب ـ تطوير المضمون المعنوي للحالة الإسلاميّة.
ج ـ الوحدة الإسلاميّة .
ويندرج تحت كلّ من هذه الأبعاد عناوين فرعية : فالبعد الأول ـ أي : مواجهة التحديات ـ يضم عدة قضايا : أولها : "قضية التوفيق بين متطلبات الحرية الإنسانية على المستوى الفردي ، أو الاجتماعي ، والاستقلال والإرادة في القرار السياسي ، والتحرر من الهيمنة ، أو التبعية في الاقتصاد والثقافة والعلوم من ناحية ، ومتطلبات العدالة الاجتماعية والرفاه الاقتصادي والتعايش من ناحية أخرى (3).
وثانيها : قضية الصراع بين الاستكبار والاستضعاف ، حيث لا بد للحالة الإسلاميّة أنّ تتحول من حالة الدفاع وامتصاص الهجمات المتوالية التي تشنها قوى الاستكبار العالمي إلى حالة الهجوم(4).
وثالثها : قضية النظام العالمي الجديد الذي أصبح حقيقة قائمة من خلال التطور العلمي والمدني ، والعلاقات الإنسانية الجديدة ، وبالتالي فلابد من بناء هذا
النظام وتطويره باتجاه التكامل الإنساني وخدمة مسيرة التطور البشري.
ثم يتسائل عن كيفية علاج هذه التحديات الحضارية؟
ويجيب على هذا التساؤل من خلال نظرية الوحدة التي أسسها القرآن ، وممارسات أهل البيت وفق بعدين : أحدهما نظري ، والآخر عملي (5).
أما قضية تطوير المضمون : فقد ورد فيها عنوان رئيسي تضمن عدة نقاط سماها المؤلف : "التمييز بين العقل والعاطفة" وهو منهج تربوي لتزكية النفس ، يقول فيه : "إننا دون أدنى شك بحاجة إلى العاطفة والمشاعر ، الجياشة المتسمة بالحب والولاء لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين ... لكن المواجهة بحاجة ـ في نفس الوقت ـ إلى منهجٍ عقلي وعلميٍ في التخاطب والعمل والمواجهة"(6). وضم هذا العنوان ما يلي:
1 ـ الرؤية والبرنامج الاقتصادي الواضح.
2 ـ الخطة والبرنامج الاجتماعي الذي يكون قادراً على معالجة قضايا الشباب والمرأة والأسرة بشكل خاص.
3 ـ البرامج الثقافية والروحية التي تكون قادرة على مواجهة تطورات الفكر الإنساني.
أما بالنسبة للوحدة الإسلاميّة فقد اعتبرها أهم مستلزمات الصراع ، ثم عرج على أبحاث تكميلية للفقرة (ج) ضمت أيضاً جوانب رئيسية منها : مبررات الوحدة ، ومجالات الوحدة.
وعن المبررات قال : توجد ثلاث مبررات :
الأولى : أنّ الوحدة الإسلاميّة توفر القدرة الحقيقية التي يمكن أنّ يستند إليها المسلمون في صراعهم الحضاري بعد الله سبحانه وتعالى.
والثانية : أنّ الوحدة الإسلاميّة يمكنها أنّ توفر فرصاً كبيرةً وواسعةً للبحث
والتقصي والاجتهاد والاستنباط للنظرية الإسلاميّة بما يخدم مواجهة التحديات الفكرية والنظرية .
والثالثة : أنّ الوحدة يمكنها أنّ توفر فرص التطور والنمو في العالم الإسلامي على المستويين : المادي بجميع أبعاده ، والمعنوي.
أما مجالات الوحدة فهي كالآتي:
أوّلاً : النظرة الكلية لدور الدين في الحياة الإنسانية ، وأنه هل هو مجرد علاقة روحية والتزامات قلبية بين الإنسان وربه ، أو أنّ دور الدين أوسع من ذلك وأشمل بحيث يعالج الحياة السياسية بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والإدارية والعلاقات الإنسانية ؟
وثانياً : الموقف العام تجاه الحقوق الإنسانية العامة في الفكر والرأي والعمل السياسي ، والممارسة العبادية ، والحقوق المدنية لأتباع المذاهب الإسلامية في العالم الإسلامي .
وثالثا : النظرة الكلية تجاه أعداء الإسلام الأساسيين ، سواء على المستوى العقائدي مثل : حركة الإلحاد والتحلل من الالتزامات الأخلاقية الفطرية، أو على المستوى السياسي : كحركة الكفر العالمي .
ورابعاً : الخلافات المذاهبية التي لابد من توحيد النظرة الكلية والمنهج الذي يتم على أساسه التعامل معها.
وخامساً : توحيد النظرة الكلية إلى صيغة الحكم الإسلامي ودوره في الحياة السياسية والإنسانية.
وبنهاية هذه الفقرة ينتهي البحث التمهيدي الذي لاحظنا أنّه رسم منهجاً واضحاً لما يأتي بعده ، وبين الأجواء العامة التي تفرض الخوض في الموضوع كلياً وأهمية ذلك .
الباب الأول : وهو باب معنون باسم "الوحدة من منظورٍ قرآني" ويضم
فصلين ، هما :
الأول : ظاهرة الوحدة والاختلاف في التأريخ الإنساني. وينقسم هذا الفصل إلى قسمين:
أولهما : الاختلاف والوحدة كظاهرة إنسانية.
وثانيهما : الاختلاف والوحدة بين الديانات الإلهية.
والثاني : الوحدة في المجتمع الإنساني.
وضم القسم الأول من البحث عنوان "ظاهرة الاختلاف" التي هي ظاهرة موجودة في مختلف المراحل التأريخية (7) ولأسباب منها : الهوى الذي يدعو إلى إطلاق العنان للشهوات ، ويدعو إلى الاهتمام بالمصالح الذاتية ، ويقابله العقل الذي يدعو إلى السيطرة على الشهوات . وعندما يتبع الإنسان الهوى ويخرج عن نواهي العقل فحينئذ ينشأ الاختلاف . وهناك منشا آخر للاختلاف سببه العقائد ، وهو ينشأ بعد أنّ يحصل تطور وتعقيد في الحياة البشرية .
وللقضاء على أسباب الاختلاف فإن المؤلف يستخلص قانونين من القرآن الكريم ، هما :
الأول : قانون الاستغفار والتوبة والإنابة .
والثاني : قانون الانتقام الدنيوي للجماعات عندما تتفاقم حالة الانحراف .
أما القسم الثاني ـ أي : "الاختلاف والوحدة بين الديانات الإلهية" ـ فغنه يقوم على قاسمين ، هما :
أولاً : الإيمان بالله تعالى ، والوحي ، والرسالات ، واليوم الآخر.
ثانياً : القبول بالعزة والكرامة الإنسانية ، والاحترام للإنسان وحريته في العقيدة ، والفكر، والعمل.
ويحدد المؤلف تحت عنوان"إطار الوحدة بين الديانات الإلهية" بعض المعالم التي
تعتمد على المشتركات بين هذه الديانات بالأسلوب الذي حدده ودعا إليه القرآن الكريم.
وعلى الصفحة (73) من الكتاب يطالعنا الفصل الثاني من الباب الأول والمعنون "الوحدة في المجتمع الإسلامي" ، ويعالج فيه الوحدة والاختلاف في المجتمع الإسلامي في ضوء العقيدة الإلهية ، وفيه أبعاد ثلاثة:
البعد الأول : "أسس الوحدة الإسلامية" ، أي : وحدة العقيدة ، والطاعة للرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ ، ورعاية القيادة الإسلاميّة ، والأخوة الإيمانية ، والقاعدة الأخلاقية ، وهذه فيها تفصيل ؛ لأنها ترتبط بجميع مجالات الحياة ، وتشكل أيضاً أرضيةً للوحدة . ولها معالم هي : العهد والميثاق ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والحكم بالقسط والعدل ، وإشاعة الخير والبر.
البعد الثاني : هو وسائل تحقيق الوحدة ، وأولها : الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، وقد اعتمد القرآن ثلاثة أساليب في تحقيق ذلك :
أ ـ دعوة الإنسان إلى الرجوع إلى العقل والتدبر والتفكر.
ب ـ الاعتماد في الوصول إلى الحقائق على الحجة والدليل والبرهان.
ج ـ الجهاد في سبيل الله.
أما الوسيلة الثانية : فهي الصلح والمساعي الحميدة ، حيث دعا القرآن إلى تطويق الخلافات بالصلح.
والوسيلة الثالثة : هي العفو والصفح.
والرابعة : هي الوقوف في وجه العدوان.
والخامسة : الاعتماد على العلم في معالجة الحوادث.
والسادسة : التعامل على أساس ظاهر الإسلام عند هذا الحدّ.
وفي صفحة (110) ندخل في البعد الثالث ، أي : النتائج والآثار ، وهي :
أوّلاً : الوحدة تحقق القوة والمنعة.
وثانياً : أنها تمثل نتاجاً طبيعياً للتكامل الإنساني ، وتعبيراً عن تطور المجتمع الإسلامي . وقد حدد المؤلف مجموعة صفات مجتمع الوحدة وهي:
أ ـ التوحيد الخالص.
ب ـ القانون والحكم الإلهي.
ج ـ العلاقة والارتباط بين الحاكم والحكومة ، والأمة والقيادة.
د ـ علاقة الودّ والحبّ بين المسلمين وتآلف القلوب.
هـ ـ مجتمع الأخلاق الفاضلة والتكامل الروحي والمعنوي .
و ـ الجماعة التي تتبع منهج العقل.
ز ـ الشعور بالمسؤولية الإلهية والإنسانية.
وأخيراً ، يقودنا المؤلف إلى موضوع الوحدة الإسلاميّة في نظرية أهل البيت ـ عليهم السلام ـ ، ويبدأها بعنوان "الوحدة والأوليات الإسلامية" ، مؤكداً على أنّ أولى الأوليات هي : العقيدة الإسلامية ؛ لأنها الهدف من جميع الرسالات والنبوات ، والتي ضحى الأئمة ـ عليهم السلام ـ أجمعين من أجلها.
وثاني الأوليات هي : الدولة الإسلاميّة ، مما يفرض المحافظة عليها ، (ومن هذا المنطلق لم يكن ـ الأئمة ـ يسمحون لأنفسهم إلاّ في حالات خاصة ـ كحالة الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ أنّ يقوموا بأعمال ثورية مضادة) ، ولهذا فالأئمة كانوا يشاركون في المظاهر العبادية العامة : كدفع الزكاة أو الحج أو العيد أو صلاة الجمعة ، لكن ذلك لا يعني عدم النقد أو التوجيه بحسب المصلحة.
أما ثالث الأوليات فهو : الوحدة الإسلاميّة ذاتها ، الأمر الذي يقودنا إلى بحث الأطروحة المتكاملة لأهل البيت ـ عليهم السلام ـ للوحدة من خلال عنصرين هما : منهج الوحدة الإسلامية ، وهامش الاختلاف والتعدد.
ومنهج الوحدة يبحثه المؤلف في صفحة (129) من خلال رؤية أهل البيت ـ عليهم السلام ـ في معالم أربعة:
أولها : إرساء الوحدة على أساس النظرية القرآنية والتي تتضح من خلال النقاط التالية:
أولاً : التوحيد الإلهي ، والعقيدة الإسلاميّة الصحيحة .
وثانياً : طاعة الرسول ، والالتزام بالسنة النبوية.
وثالثاً : التأكيد بشكل واضح على أهمية دور رعاية الراعي للرعية.
ورابعاً : تأكيدهم لحقوق المسلمين.
وخامساً : التربية الروحية ، وأساليب التكامل الإنساني.
وثانيها : تبني قضايا الأمة الكبرى بدلاً عن تبني القضايا الجزئية أو الفئوية أو المذاهبية . ويسوق المؤلف بعض النماذج من قبيل : موقف الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ عندما تعرضت العقيدة والحكم الإسلامي إلى الخطر بتعيين يزيد.
وثالثها : التعايش الاجتماعي بين الجماعات الإسلاميّة ، وقد أرسى أهل البيت تطبيقات هذا التعايش ، وفي هذا الإطار يأتي التعايش بين أبناء المذاهب الإسلاميّة معتمداً على عدة أفكار هي :
1 ـ الفكرة الاجتماعية التي تقول بحاجة المجتمع الإنساني إلى التعاون ورفض العزلة .
2 ـ ضرورة الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع ، والوفاء بالالتزامات القانونية أو الروحية.
3 ـ ضرورة المساهمة في تطوير المجتمع وتكامله .
أما رابعها : التقية ، وخيار من ثلاث خيارات ، أو الحدّ الأوسط بين الانعزال والمواجهة ، وهو بحق خيار التعايش الاجتماعي . وللتقية أيضاً موارد:
منها : "تعرض الإنسان إلى الخطر والضرر" بسبب نوع المعتقد والسلوك .
ولها مورد آخر : عند "كتمان الأسرار" ؛ لأن عملية الكتمان تتيح لأتباع الأئمة إيصال الأفكار إلى الأمة ، ولا تتيح للسلطات قمعها.
والمورد الثالث : "المجاملة والتلطف وحسن المعاشرة مع الناس" ، وهذا ينطلق من مبدأ التعايش ووصايا الرسول والأئمة ـ عليهم السلام ـ كبقية الموارد السابقة.
وفي الفصل الثاني ـ "هامش الاختلاف والتعدد" ـ يأتي بحث أهمية وجود هامش الاختلاف (ذلك أنّ الهامش سوف يكون صيانةً ووقايةً لهذه الوحدة..، وعل أحد الأسباب الرئيسية لما شهده العالم الإسلامي في تأريخه الطويل من اختلافات وصراعات حادة ـ سفكت فيها الدماء وشرد فيها الآلاف من أبناء هذه الجماعة أو تلك الجماعة هو : عدم وجود مثل هذا الهامش المعترف به) ، وفي نظرية أهل البيت ـ عليهم السلام ـ يوجد مثل هذا الهامش ، وقد تناول المؤلف فيه أبحاثاً هي:
الأول : مجالات الهامش التعددي . ومنها : الحرية الفكرية والعقائدية ، ومنها : الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية الفقهية ، ومنها : القبول بالتعددية السياسية.
الثاني : "الحدود الموضوعية لحركة هذا الهامش" ، أي : نوعين من الضوابط : 1 ـ "ضوابط التعدد الفكري والعقائدي" وفيها نقطتين :
الأولى : الحوار والاختلاف على أساس الضوابط العلمية والاحترام المتبادل.
الثانية : أن يكون الاختلاف محدوداً بعدم تجاوز الأصول العقائدية الضرورية في العقيدة الإسلاميّة .
2 ـ "ضوابط التعددية في إطار الفقه والاجتهاد" وفيه نقاط استناد الاستنباط في النهاية إلى دليل علمي وتعييني ، والموافقة للكتاب والسنة ، وأن يمارسه الإنسان الورع . وفي هذا الاطار يواجهنا موضوع حدود التعددية السياسية ، وهي:
1 ـ الاعتراف بالنظام الإسلامي نفسه ، أي : لا يسمح للجهات التي تريد الإطاحة بالنظام .
2 ـ الالتزام بالقوانين الاجتماعية العامة التي وضعها الإسلام لتنظيم حياة الناس.
3 ـ أنّ لا يكون العمل السياسي موجباً للإخلال بالأمن والنظام العام.
وأخيراً وفي صفحة (169) نصل إلى الخاتمة التي تدور حول قضية التقريب، ويعالجها المؤلف من حيث الأهداف والمناهج والأساليب والنتائج بصورة مركزة من عدة نقاط:
الأولى : وهي حول الهدف من التقريب ، وهو عمل وحدوي ، ولكن على أساس الاعتراف وليس الاندماج.
الثانية : في معالجة أسباب الاختلاف لاجتنابها ، والتي ترجع إلى ما يلي :
1 ـ الهوى.
2 ـ الأنشطة المعادية للإسلام.
3 ـ الجهل بأوضاع المسلمين ، والاعتماد على التهم والظنون.
4 ـ الاختلاف في ثبوت النص المروي.
5 ـ الاختلاف في فهم النص.
6 ـ الاختلاف في قيمة النصوص الصادرة عن أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ .
الثالثة : حاجة التقريب إلى أجواء روحية وسياسية واجتماعية وأخلاقية وثقافية مناسبة يعيش فيها وينمو.
الرابعة : في الإشارة إلى بعض الوسائل النافعة في التقريب وهي :
أوّلاً : القرآن الكريم في نظر العترة الطاهرة ، للرد على بعض الشبهات .
وثانياً : توضحي الموقف من الصحابة.
وثالثاً : توضيح العلاقات المشتركة بين المذاهب الإسلاميّة .
ورابعاً : الأبحاث المقارنة في الفقه بين المذاهب.
وخامساً : الفصل في البحث العقائدي بين المواقف السياسية والفكرية وبين المواقف الفقهية.
وسادساً : تشجيع إقامة الجمعيات والمنظمات والمراكز التي تعمل للتقريب.
وسابعاً : تحكيم منطق البلاغ والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، والحوار العلميالهادي.
وبنهاية هذه الصفحات ينتهي استعراضنا المختصر جداً لأهم مطالب الكتاب:
ملاحظات ورأي:
إنّ أول ما يرد في ذهن من يطالع الكتاب يجد ما يلي:
أوّلاً : أنّ الكتاب كان محاولة لبلورة نظرية الوحدة.
وثانياً : التركيز على طرح الممكنات في المسائل التطبيقية.
وثالثاً : أنّه جاءت من خلال رؤية عميقة للواقع الداخلي للأمة وما يدور حولها من تغييرات عالمية . وتعتبر هذه النقاط من أبرز نقاط القوة في الكتاب ، حيث إننا غالباً ما نشاهد لدى أغلب من تطرقوا إلى هذا الموضوع أنهم أغفلوا أحد هذه الجوانب ، وبالتالي الانتهاء إلى ثغرات لا يمكن ردمها ، أو على الأقل تجعل من تلك الأبحاث تجريدات تناغي صورة ذهنية أكثر مما تتحدث عن واقع قائم يتسم بالحركة والحياة .
كما يجب أنّ لا يغيب عن أذهاننا نقطة أخرى تفوق أخرى تفوق كلّ ما ذكرناه ، وهي : التأسيس لعلاقة بين الوجودات الدينية الأخرى ، سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية من خلال نفس المرتكزات الفقهية والعقائدية ، دون أنّ تلوح في الافق أي امارة للاستعارة ، أو اضطرار إلى التأويل ، أو تحميل النصوص ، أو ضغطها لجعلها أكثر قرباً من الواقع المعاصر ، بل إنّ المؤلف تمكن من جمع الخطوط النظرية لفكرته بكل يسر وسهولة ، دون إفراط أو تفريط.
ويمكننا أنّ ننظر إلى أصل النظرية ولبها التي بحثهما المؤلف تحت عنواني: "الوحدة في القرآن" و"الوحدة عند أهل البيت ـ عليهم السلام ـ " ، ولذلك فإنه ركز فيها على استكمال البناء النظري لقضية الوحدة.
وقد أجاد المؤلف في التأكيد على قضية غاية في الأهمية من خلال تفصيله
للبحثين : "الوحدة في القرآن" و"الوحدة عند أهل البيت" في إلفات نظر المعنيين بالارتباط الصميمي بين استعاذة الأمة لبنائها العقائدي والروحي ، وبين قضية الوحدة ، وطبقاً للأساس الفكري والعقائدي القائل : بأن أغلب مشكلات الأمة نشأت نتيجة للابتعاد عن المنهل العذب الذي كرمنا الله به بهذا الدين الحنيف ، وقد أشار إلى أنّ قضية هذا الارتباط واستعادة الهيمنة العقائدية والأخلاقية على نفوس الأفراد والجماعات إنما هو كفيل بتوفير أفضل الأسس بقيام وحدة ،ولهذا فإن المؤلف أرجأ الخطوات العلمية إلى آخر الكتاب وكأنه يشير إلى مسألة الترابط والى المنهج الإسلامي في التغيير الذي يختلف عن بقية المناحهج التجزيئية في المعالجة ، فهو يطرح الترابط بين الأخلاق والمشاكل الاجتماعية والسياسية ، وأثر كلّ ذلك على البناء العام للأمة ، ولا يعتبر ـ مثلاً ـ المشكلة السياسية أو سواها هي مشكلة في ذلك الإطار ، ويجب أنّ تحل في ضوئه ، بل يحيلنا إلى الجذر العميق الذي يختفي خلف هذه المظاهر ، ولا يتقدم بأطروحة الحل إلاّ بعد أنّ تتهيأ المستلزمات ، وحتى بعد ذلك ، فإن المؤلف لا يحاول التقدم سريعاً باتجاه الحل ، بل يعتبر الوحدة هي الاعتراف والتعايش ، وليس الاندماج أو توحيد المذاهب ، وهذا أيضاً ليس عملاً سهلاً ؛ لأنه يحتاج إلى خطوات تمهيدية عديدة بدء بالتقريب في الفقه ، وانتهاء في تبني الأمة للتقريب من خلال نشر ثقافة التقريب.
________________________
1 ـ المصدر : 13.
2 ـ المصدر : 13.
3 ـ المصدر : 22.
4 ـ نفس المصدر : 23.
5 ـ المصدر نفسه : 23.
6 ـ المصدر نفسه : 26.
7 ـ المصدر : 40.

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية