مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

لو لا أعيب السياسة
لتآخى المسلمون..!
أ. د. احمد أمين(*)
استاذ بكلية الاداب ـ الجامعة المصرية

(كتب أحمد امين هذه الصفحات كمقدمة لكتاب المرحوم أبي عبد الله الزنجاني / تاريخ القرآن وقد ارتأت (رسالة التقريب) ان تنشرها لما تحتويه من نفس تقريبي ايجابي يحمل رسالة الوحدة والتقارب بين المسلمين اضافة لمكانة الكاتب العلمية في مصر والعالم العربي).
 


أتيحت لي فرصة أن أقدم للقراء تاريخ القرآن للأستاذ أبي عبد الله الزنجاني، فاغتبطت لذلك لأسباب:

أولها: أن من أكبر علماء الشيعة ومجتهديهم، وكاتب هذه السطور سنٍي، وطالما حزٍ في نفسي أن أرى الخلاف بين السنيين والشيعيٍين يشتد ويحتد ويؤدي إلى جدل عنيف، وتدابر وتقاطع، ولم يقف الأمر عند الجدل الكلامي، والبغض النفساني، بل كثيرا ما تعداه إلى تجريد السيف واحتدام القتال.

ولو أحصينا ما كان بينهم من عهد علي(رض) إلى الآن لبلغت حوادثه المجلدات الضخمة، كلها خلاف وكلها دماء، ولو كان أنفق هذا الجهد في سبيل الإصلاح لبلغ المسلمون ذروة المجد، ولكن أبت السياسة أحيانا، والمطامع الشخصية أحيانا، إلا أن تثير الفتن، وتدبر الدسائس، وتفرق بين الأخوة. ويعجب المؤرخ أن يرى النزاع يبلغ هذا المبلغ بين فئتين يجمعهم الاعتقاد بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن المؤمنين إخوة. ولئن ساغ في العقل أن يقتتلوا أيام كان هناك نزاع على الخلافة، من هو أحق بها ومن يتولاها، فليس يسوغ بحال من الأحوال ان يقتتلوا على خلاف أصبح في ذمة التاريخ لا يستطيع القتال والنزاع أن يعيده إلى الوجود، بل بعد أن أصبحت الخلافة نفسها مسألة تاريخية بحتة، وليس للمسلمين خليفة فعلي، يضم كلمتهم، ويجمع شتاتهم، وأصبح كل الخلاف خلافاً في التاريخ، وخلافاً في الاجتهاد. ولولا ألاعيب السياسة واستغفال الماكرين لعقول العامة، واحتفاظ أرباب الشهوات والمطامع بجاههم وسلطانهم، لنمحى الخلاف بين الشيعي والسني، ولأصبحوا بنعمة الله إخوانا، ولتعاونوا على جلب المصالح ودرء المفاسد لجميعهم، ولنظر بعضهم إلى بعض كما ينظر حنفي إلى مالكي، ومالكي إلى شافعي.

وأظن أن الوقت قد حان لأن يفكر عقلاء الطائفتين في سبيل الوئام، ويعملوا على إحياء عوامل الألفة وإماتة الخصام، ويتركوا للعلماء البحث حراً في التاريخ، ويتلقوا النتائج بصدر رحب، كما يتلقون النتائج في أي بحث علمي وتاريخي، وتبعة هذا الخلاف تقع على رؤساء الطائفتين، ففي يدهم تقليله وفناؤه، كما في يدهم إشعاله وإنماؤه.

ففرصة سعيدة أراها أن يؤلف الكتاب شيعي، ويقدمه للقراء سنّي، ولعلها بادرة حسنة من بوادر السير للوئام، والدعوة إلى السلام، والعمل لخير المسلمين من غير نظر إلى فرقة أو مذهب، وهو ما يتطلبه ويوجبه موقف المسلمين الحاضر.

وثانيها: أنه كان من حسن التوفيق أن عرفت أبا عبد الله الزنجاني حين زيارته مصر سنة 1935، فتوثقت بيننا الصلة، وتأكدت الصداقة على قرب العهد بالتعارف، وقصر زمن اللقاء، ولكن قرب الأرواح يفعل ما لا يفعله تراخي الزمن وطول العهد، وصدق الحديث: »الأرواح جنود مجنّدة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف« وقد رأيته واسع الاطلاع، عميق التفكير، غزير العلم بالفلسفة الإسلامية ومناحيها وأطوارها، على صفاء في نفسه، وسماحة في خُلقه، مما حبّبه إلي، وحبّب لي أن اقدم كتابه لقرائه.

وثالثها: موضوع الكتاب أو الرسالة وهو تاريخ القرآن من حيث الخط والجمع والترتيب والإعراب والإعجام، وهو موضوع شاق عسير تعرض له الأقدمون، ولايزال مجال القول فيه ذا سعة.

وقد كان في نية الزنجاني أن يفيض فيه، ويخرج كتاباً واسعا يجمع إلى سعة الرواية إعمال العقل، ولكن حالت ظروف دون ذلك فخرج الكتاب موجزا مختصرا، ومع هذا فقد جمع فيه كثيراً مما تشتت في ثنايا الكتب من مؤلفين سنيين وشيعيين.

ولعل الزمن والظروف تهيئ له أن يتبع خطوته هذه بخطوة أخرى، فيهدي للقراء في هذا الموضوع بحثا أوفى، وكتاباً أوسع يكشف ما غمض من هذه المسائل العويصة، والدقائق العميقة، وهو بذلك جدير، وفقه الله.


مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية