مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

المرأة المسلمة والتحديات العالمية
 أ.الشيخ محمد علي التسخيري

 

التحديات المستقبلية اننا نشهد اليوم حركة لا تهدأ، مؤتمرات وندوات علمية، ودراسات شاملة تقام هنا وهناك. كل ذلك لمواجهة التحديات المتنوعة.الدول بمؤسساتهاالكثيرة والمنظمات الدولية بل وحتى المؤسسات الخاصة، والمشروعات التجارية، والاعلامية منهمكة اليوم في مجال تقييم حالتها العشرينية استعداداً للانطلاق في هذا القرن، وربما تجاوز الامر الحالة القرنية ليصل الى الحالة الالفية فنحن في الالفية الثالثة، وإذا كانت الدول لاتقيم مسيرتها بالتقييم الألفي فإن الانسانية بلاشك يجب ان تقيم مسيرتها الالفية حضاريا.ومما يؤسف له ان البشرية ليست على مستوى التقييم الالفي، ولم تصدر أية دراسة تتحدث عن خصائص الالفية (94) الثانيةوحوادثها لتنتقل الى تحديات الالفية الثالثة وكيفية مواجهتها. ولم تفكر الامم المتحدة بهذا العمل وكأنها (اي البشرية واممها المتحدة) تجد نفسها عاجزة عن هذا العمل العظيم نظرا لسرعة التحولات وتنوعها وانقلاب الموازين والمفاهيم. فحتى النمو الانساني الذي استغرق انتقاله من المليار الاول الى الثاني 123 سنة لم يستغرق انتقاله من الخامس الى السادس سوى 11 عاماً ،ولم تعد الارقام تكفي بحدها المتعارف لتحسب مستوى التحولات المالية؛ فإن الارقام مثلا تتحدث عن تبادل العملات الصعبة ومضارباتها بمستوى الالف وخمسمائة مليار دولار في اليوم، الامر الذي يترك اقتصاديات الدول في مهب التلاعب الطامع حتى ولو كانت من امثال النمور الأسيوية القوية، وحتى التكنيك المتقدم للحاسوب والذي ينظم سير الطائرات والصواريخ وحركة الصناعة والتجارة امكن التلاعب به عبر قدرة فيروسية تسحق كل قدراته وتتلاعب بمقدارته. ومن هنا يقف العالم عاجزا امام تقييمه لألفيته الثانية فضلا عن قدرته على التخطيط لمواجهة الالفية الثالثة والدخول بخطى قوية حكيمة ونظرة واعية بعيدة.
الموقف القرآني الكريموالحقيقة التي تتجلى يوما بعد يوم هي عجز الانسان وضعفه مهما بلغ من القوة امام خالقه العظيم الذي تتصاغر أمامه الالفيات حتى تعود اياماً.(وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (1).(في يوم كان مقداره خمسين الف سنة) (2).ويعود عمر الانسان كله ساعة من نهار:(كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا الا ساعة من نهار) (3). (95)وهكذا يشعر الإنسان بحاجته الى الرؤية الكونية التي تتجاوز ألفيات التاريخ.ان القرآن يحلل التاريخ مرجعاً اياه الى خطينخط خلافة الانسان: (ثم جعلكم خلائف الارض) وخط التدخل الرباني لهداية الانسان وهو خط الشهادة (وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) فالرسول هو الشهيد على الامة الاسلامية، والامة الاسلامية هي الشهيدة على مسيرة الحضارة الانسانية نحو تحقيق مقتضيات الخلافة الالهية. ثم ان القرآن عندما يحلل مصائب التاريخ يرجعها الى أمرين:الالحاد أوعدم الايمان بأية قيمة، والشرك وهو الايمان بالالهة الوهمية التي تحولت من نسبيات الى مطلقات (ما تعبدون من دون الله الا اسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان)(4) ويأتي دور الانبياء ليحل هاتين المشكلتين. يقول تعالى:(ولقد بعثنا من كل امة رسولاً ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) لتنتفي المشكلتان معاً. وهكذا فان علينا كمسلمين ان نعود الى قرآننا العظيم اذا اردنا أن نقيم المسيرة تقييماً يمكنه ان يستوعب التاريخ وان نستعد لمسيرة يمكنها ان تستوعب الألفيات المقبلة.بعد هذا لنعد الى التحديات التي تواجه المرأة المسلمة اليوم ويمكن ان نصنفها على النحو التالي:
1 ـ التحديات الاجتماعية العائليةودون حاجة الى الاستدلال نجد اليوم تخطيطاً عالمياً لمحو الدور العائلي للمرأة من خلال المناداة بشعارات التحرير والتطوير وضرورة تغيير تعريف (96) العائلة ودورها الاجتماعي، وتغيير نوعية العلاقة بين المرأة والرجل في المحيط العائلي الى ما يتصورونه من المساواة في جميع الاحوال وبالمقياس المادي الحسابي دون اي لحاظ للإعتبارات الاخرى وكأن المساواة هي القيمة العليا التي لا تتعارض معها اية قيمة اخرى.. وحتى عندما كنا نقترح في بعض المؤتمرات الدولية ان نقيدها بالعدالة او الانصاف كان المخططون يرفضون ذلك بكل اصرار معتبرين ذلك ذريعة لظلم المرأة باسم العدالة.

اما الحقيقة القرآنية فهي تؤكد ما يلياولاً: ان البناء العائلي بمفهومه المتداول بين الاديان والمجتمعات هو لبنة البناء الاجتماعي ولايمكن تصور قيام مجتمع انساني الا عبر تصور اللبنة العائلية، بها بدأت المسيرة الانسانية وبها تستمر، وعلى اساس منها وافتراضها يأتي التشريع الاجتماعي ويقوم البناء التنظيمي، ويجب ان يحافظ المجتمع عليها وينميها ويسد كل سبل الاشباع الغريزي من خلالها:(وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً) (5).(ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا إليها) (6).ثانياً: ان المرأة تشكل حجر الزاوية في البناء العائلي، وان الجنة تحت اقدام الامهات وانها يجب ان تقوم بالدور العاطفي الكبير لتربية الابناء، وتحويل البيت الى جنةٍ لزوجها وأطفالها: جنة الرحمة والسكينة والعفاف.ثالثاً: ان المسؤوليات توزع بين اعضاء العائلة تبعاً لمقتضيات العدالة الانسانية. والدور الانساني لكل عضو وفقا لتصور وقيم مذهبية تنسجم مع مجمل النظرية الاجتماعية الإسلامية. وهذه المسؤوليات هي تارة اقتصادية (97)واخرى تربوية وثالثة قيادية. وعليه فان على المرأة المسلمة دائما وفي كل عصر ان تستعيد القيم العائلية، وتنميها وتفضلها على أية قيم أخرى حتى توفّر أرضية التنمية الإنسانية المستدامة.
2 ـ التحديات الثقافيةونظراً للتعريف الجامع للثقافة والذي يعني التهذيب العلمي والاخلاقي والفكري، وبملاحظة الطبيعة الانثوية لها والقدرة التي تمتلكها في المجال الإنساني باعتبارها انساناً يستطيع ان يتكامل على خط الفطرة ويملأ الجو الاجتماعي بالعاطفة الايمانية، والتقوى والعفّة، بل وينتقل بالايمان العقلي الى الوجدان بل الوجود الانساني كله تحقيقاً لقوله تعالى: (ألم يأن للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله ومانزل من الحق ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون). (7)فان المرأة لها تأثيرها الكبير في المجال الثقافي.هذا من جانب ومن جانب آخر تمتلك المرأة القدرة الاخرى التي يمكنها بها ان تخرج هي وتخرج المجتمع عن خط الفطرة الى خط الفسق والانحراف والتمزق.ومن هنا عادت غرضاً لاعداء الامة والطامعين في سلبها شخصيتها المتماسكة، واستغلالها لتحقيق مآربهم المشؤومة. كما لاحظنا ذلك بوضوح في القرن السالف . وعليه فان على المرأة المسلمة ان تعد العدة لتكاملها العلمي والفكري والاخلاقي وبالتالي التأثير على مجمل المسيرة الإجتماعية التأثير الإيجابي المطلوب لتعود مثلا يحتذى به (ضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله). (98)وذلك عبر الذوبان في الحب الإلهي والتخلص من فرعون الذات واللذات وطلب الاستظلال بظل العناية الإلهية فعادت هذه المرأة الطاهرة مثلا لكل الذين آمنوا عبر التاريخ كله.ولأمر ما نجد القرآن الكريم يؤكد على تساوي الجنسين في عملية التكامل، وفي مواضع عديدة اذ يقول تعالى:(اني لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكر أو أنثى) (8).(ومن يعمل من الصالحات من ذكر او انثى و هو مؤمن فاولئك يدخلون الجنة) (9).(يوم ترى المؤمنين و المؤمنات يسعى نورهم بين ايديهم) (10) .(ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين و الصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين و المتصدقات و الصائمين والصائمات والحافظين لفروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات اعد الله لهم مغفرة واجراً عظيماً). (11) ان هذا الاصرار وهذا التكرار انما هو لتقرير حقيقة المساواة على طريق التكامل الإنساني ونفي اي تمايز انساني بين الرجل و المرأة، وتأكيد دورهما المشترك في عملية البناء. فالمرأة المسلمة مدعوة لاتخاذ دورها الثقافي المناسب واثراء الفكر الإسلامي بكل ما يؤهلّه لصنع امة صاعدة.
3 ـ التحديات الإجتماعية والسياسية والاقتصاديةرغم القدرات التي تمتعت بها المرأة عبر التاريخ في المجالات السياسية والاقتصادية - وقد حدثنا القرآن عن بعض منها موضحاً العبرة فيها - الا ان (99)المرأة ظلت والى عهدٍ قريب جداً على المستوى العالمي محرومة من التمتع بحقوقها الانسانية الاجتماعية بفعل ظروف خاصة بها بل ظلت محرومة حتى في ظل السيطرة الإسلامية ـ مع الاسف ـ رغم ان الإسلام منحها حقوقها الاقتصادية كاملة وأوكل اليها كما او كل الى الرجل مسألة الولاية المتبادلة.(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض)، (وأمرهم شورى بينهم).وتحملت الى جانب اخيها الرجل مسؤولية الخلافة الانسانية منذ البدء، حيث آدم وحواء (عليهما السلام) الا أنها بقيت بعيدة عن القرار السياسي بفعل بعض الموروثات وربما بعض الاستدلالات الناقصة في رأينا ـ.وان عليها اليوم ان تستفيد من حقها الطبيعي في المشاركة في البناء السياسي والاقتصادي للمجتمع بما لايتنافي مع وظائفها الاجتماعية الاخرى، ولايخدش جانب العفة الاجتماعية.ان الامة الإسلامية اليوم محرومة من كثير من الطاقات النسائية التي تستطيع صنع المستقبل الرائع، وان عليها ان تواجه تحدي الاقصاء السياسي والاقتصادي وتدخل الى الساحة والمعترك بكل قوة ونشاط لتتحمل مسؤولياتها قبل ان تتجه بروح استيفاء حقوقها المشروعة.ما الذي يمنع المرأة المسلمة المفكرة ان تساهم في صنع القرار السياسي، وما الذي يمنعها من صياغة السوق الاقتصادية ودفع عملية الانتاج الى الامام؟ان تاريخنا الإسلامي يزخر بالنساء اللواتي صنعن التاريخ، وكفى المرأة فخراً انها ساهمت في توفير الجو الصالح لانطلاقة الرسالة من مكة، ولولاها لما امكن لنبتة الإسلام ان تنمو و تترعرع.وان القرآن ليحدثنا عن بلقيس ملكة سبأ وحكمتها وتشاورها وقرارها (100)الحكيم. وقد كانت المرأة الطليعة في صنع التغيير السياسي الكبير في ايران؛ فالمرأة المسلمة اذن يجب ان تساهم في صنع البناء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمجتمع الى جنب اخيها الرجل وتتحمل عبء الولاية المتبادلة لتحقيق هدف الخلافة الانسانية.
4- التحدي الدوليالمسؤولية الدولية ضرورة، وقد اهتم القرآن الكريم بقضية المظلومين والمستضعفين منذ انطلاقته الكبرى، ووجه هم المسلمين الى الارض كل الارض، حتى حينما كان المسلمون في اشد الضعف واعتبر رسالته عالمية (وان يكاد الذين كفروا ليزلقونك بابصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون انه لمجنون وما هو الا ذكر للعالمين) انه يخاطب الانسان ويعتبره مسؤولا عن الكيان البشري على عرضه العريض.الا ان تشكيل المؤسسات الدولية هو تشكيل حديث، وربما أملته ضرورة استعمارية لحفظ توازن القوى او المتاجرة بالرأي العالمي او حتى لمنع المحرومين من الثورة كما يبدو من العبارات التي تبرر الاعلان العالمي لحقوق الانسان نفسه.وما زلنا نشهد الدول الكبرى تستغل المحافل الدولية لتفرض ارادتها على الشعوب وتستمد منها مشروعيتها وتسوّق فيها شعاراتها البراقة.والذي يهمنا من هذا الموضوع انها بدأت تستغل موضوع المرأة وحقوقها المغتصبة والظلم الواقع عليها لصالح فرض مفاهيمها التحللية ولا اخلاقياتها المنحطة على كل الشعوب وخصوصا شعوب العالم الثالث باعتبار ذلك تنفيذا لقرارات دولية تستفيد هي من قدرتها الاقتصادية ونفوذها العالمي لصياغتها واقرارها، لتحقيق الكثير من اهدافها المعادية للانسانية من قبل تغيير تعريف (101) العائلة، وفسح المجال لما يسمى بالحرية الجنسية، وتعميم ما يسمى بالحقوق الجنسية للشباب، وكذلك فتح باب التعليم الجنسي الاباحي وامثال ذلك.والمرأة المسلمة هنا مدعوة عبر جهودها الشخصية او جهودها المنظمة بشكل منظمات غير حكومية اهلية او اقليمية او دولية مدعوة للوقوف بوجه هذا التحرك الهدام بل واستغلاله للاتجاه الايجابي دفاعاً عن حقوق المرأة واعلاناً لشأنها تحقيقاً للجو المناسب لنشاطاتها في صنع المسيرة الحضارية.فالمرأة المسلمة اذن تحمل مسؤولية انسانية في التصدي لمحاولات استغلالها وتحويل الجهود الدولية لصالح البناء الاجتماعي الانساني الحضاري.
5- التحدي الفيمينيواستكمالاً للبحث وخطورة «اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة» والضرورة الملحة الى توحيد الموقف الاسلامي تجاه هذه الاتفاقية تجدر الاشارة الى ان هذه الاتفاقية التي وافقت عليها الأمم المتحدة في سبتمبر 1979 تعد من اكثر الاتفاقيات الدولية إثارة للجدل. وربما اعتبرت تتويجا للحركة الفيمنية التي انطلقت في أواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين في الغرب لغرض استرجاع المرأة حقوقها.والحقيقة أن الإنسان الغربي منذ بدء عصر ما يسمى بالنهضة (بين منتصف القرن 17 وحتى القرن 18) ورواج الروح العلمية والعقلية، سعى للابتعاد عن الدين، وكان للاتجاهات الحسية للفلاسفة من امثال: فرنسيس بكين، وتوماس هوبز و جون لوك وديفيد هيوم وجورج باركلي، والاتجاهات العقلية لامثال رينيه ديكارت، واسبينوزا، ونينتس كان لها دورها في ذلك. وقد ركز هذان الاتجاهان، الحسي (آمبريسم) والعقلي (راسيوناليسم) على محورية الانسان (102)(الاومانية) ورفض الفكرة الالهية، فأمعن الانسان الغربي في تمجيد نفسه. ولما كان قد امتلك زمام القدرة الصناعية فقد راح ـ بالتدريج ـ يعتبر نفسه سيد الكون، وبدأ يصدر ثقافته الى الارض كلها؛ كي يسيطر عليها باعتبار ذلك مصدر السعادة للبشرية، وتطورت الشعارات حتى طرحت اخيرا فكرة (النظام العالمي الجديد) و(القرية العالمية) وتم العمل على تأسيس المنظمات الدولية وسن (القوانين الشمولية) في مختلف الابعاد. وأوكلت بعض المهام الى هذه المنظمات لتحقيقها مع الاحتفاظ بصمام الامان الغربي فيها.وقد اعطيت صفة المشروعية الدولية لتستطيع التدخل في مختلف الشؤون ومنها الشؤون الاجتماعية.ويمكننا ان نعتبر هذه الاتفاقية نموذجاً صارخاً لعملية فرض الهيمنة الثقافية الغربية على الثقافات الاخرى، و ان كنا لاننكر ايجابياتها.
موجز عن الاتفاقيةتتكون الاتفاقية من تمهيد مفصل نسبيا يتحدث عن ايمان ميثاق الامم المتحدة بحقوق الانسان الاساسية، ومنها المساواة في المنزلة والقيمة بين الرجل والمرأة، وعن ان الاعلان العالمي لحقوق الانسان يرفض التمييز بينهما، ويعلن قلقه لاستمرار التمييز مما يمنع من امكان اسهام المرأة في عملية التنمية في مختلف المجالات كما يمنع من تحقيق سعادة المجتمع والعائلة، وكذلك القلق من ان المرأة في ظروف الفقر لا تحصل على المستوى الادنى من الغذاء والصحة، والعلاج، والتعليم، وفرص العمل وباقي الحاجات. ويؤكد ان اقامة النظام العالمي الاقتصادي الجديد القائم على العدل والانصاف يقوم بدور هام في تحقيق المساواة بينهما، وان ذلك يعتمد على محو التمييز(الابارتايد) (103) والاستعمار بأشكاله والعنف والاحتلال، والتدخل في الشؤون الداخلية، كما يؤكد على ان تحكيم السلام العالمي، ومنع التوتر، والتعاون المتبادل بين الاقطار بغض النظر على نظمها، ونزع السلاح العام والكامل وخصوصا السلاح النووي يساهم في تحقيق الهدف، ويشير الى الدور الاساسي للمرأة في تحقيق الرفاه والتنمية الاجتماعية التي لم تعرف ابعادها بعد، واهمية الأمومة ودور الوالدين في العائلة وتربية الاطفال وتقسيم المسؤوليات.وبعد هذا التمهيد تأتي ثلاثون مادة في ستة فصول مؤكدة في الاجمال على ما يلي:1ـ تعريف التمييز بأنه يعني حذف اي تفرقة على اساس الجنس 2ـ ادانة كل الدول للتمييز بكل اشكاله، وادخال ذلك في دساتيرها وقوانينها الفرعية، والعقاب عليها، وحماية حقوق النساء في قبال التمييز، والامتناع عن اي عمل تمييزي وامثال ذلك.3 ـ تعهد الدول بتمتع النساء بحقوق الانسان كلها.4 ـ اصلاح الأنماط الإجتماعية لسلوك الجنسين والتي تبتني على افضلية احدهما على الآخر، والثقة بتعليم عائلي سليم يفهم دور الأمومة كواجب اجتماعي ومعرفة المسؤولية الاجتماعية المشتركة في تربية الاطفال وتحقيق مصالحهم.5 ـ اسهام المرأة في الحياة السياسية والحكومية كالانتخابات والاستفتاءات والتعيينات وتدوين السياسات والمشاركة في المؤسسات الاجتماعية، والنشاطات الدولية.6ـ منحها حق المواطنة وتغيير الجنسية، واختيار الزوج وكذلك الامر بالنسبة للابناء. (104)7 ـ منحها حقوق مساوية للرجال في مجال التعليم في كل مستوياته وتشجيع التعليم المختلط والاستفادة المتساوية من المنح والبرامج التكميلية والتربية البدنية وغير ذلك.8 ـ منحها فرص العمل المتساوية بكل انواعها.9 ـ منحها فرص التمتع بالحماية الطبية وخصوصا في دورات الحمل والولادة والارضاع ومابعدها.10 ـ منحها حقوقها المتساوية في سائر الامور الاجتماعية كالاستفادة من حقوق العيلولة والقروض الاجتماعية والنشاطات الترفيهية والرياضية والثقافية.11 ـ التركيز على المرأة الريفية ومشكلاتها وحلها.12 ـ منحها حقوقها العائلية في عقد الزواج واختيار الزوج والطلاق وعدد الاولاد والقيمومة والحضانة والتبني واختيار الاسم العائلي والتخصص والعمل والملكية والكسب والادارة ومنع زواج الاطفال.14 ـ تشكيل لجنة لتنفيذ الاتفاقية.15 ـ كل تحفظ لاينسجم مع اهداف الاتفاقية و موضوعها مرفوض.موارد تعارض الاتفاقية مع الشريعةوقد تراوحت الدراسات التي اجريت على الاتفاقية في هذا المجال بين مضيق وموسع تبعا لاطلاقات الالفاظ وملاحظة ملازماتها وتفسيراتها. وبالتالي تراوحت المواقف من الانضمام اليها بين مجموع الدول الاسلامية بل وغير الاسلامية.فكانت المواقف الثلاثة التالية اهم ما طرح في البين: (105)الاول: عدم الانضمام للاتفاقية وعدم المشاركة في مجامعها الدولية مطلقالثاني: الانضمام اليها بدون تحفظ.الثالث: الانضمام اليها مع التحفظ على ما يخالف الاسلام منها والسعي لتغييرها بما يناسب الرؤية الاسلامية.واتهمت النظرية الاولى بالانزوائية وعدم الاستفادة من الايجابيات والوقوف بوجه العرف العالمي مع انضمام الاكثرية الساحقة من الدول للاتفاقية فلم يبق الا بضع دول مترددة.واتهمت الثانية – بحق - بالانجرار الفضيع لتحقيق الاهداف المنحرفة. واتهمت الثالثة بانها تخادع نفسها، وأنها لا تستطيع ان تحقق ما تريد في وسط هذا الحشد الدولي وان الاتفاقية نفسها ترفض التحفظات المنافية لروحها.ومن هنا فعلينا تبيين الموقف بروح موضوعية مبدئية: وهنا نقول:ان موارد التعارض المتصورة تتلخص فيما يلي:1 ـ المادة 1 والمادة 15 تتعارضان مع احكام الحجاب الاسلامي.2 ـ المادة العاشرة تتعارض مع احكام حرمة النظر لغير المحارم.3 ـ المادتان 1 و 15 تتعارضان مع احكام الشهادة واحكام الدية و اذن الاب في الزواج والعقوبات الاسلامية واحكام الارث، واقامة الزوجة، والولاية.4 ـ المادتان 1 و 16 تتعارضان مع احكام اختلاف الابن والبنت من حيث سن البلوغ، زواج المسلمة بغير المسلم، واذن الاب.5 ـ المادة 16 تتنافى مع احكام حرمة الزواج بالمحارم، واخت الزوجة، وحرمة العقد حال الاحرام، وبعض احكام الزنا، والطلاق، وواجبات الزوجة، وتعدد الزواج، وعيوب الفسخ، والعدة، والحضانة والاجهاض وامثال ذلك. (106)ونعود فنكرر ان بعض التعارض ناتج من عمومات الالفاظ واطلاقاتها ونحن قد نختلف مع بعض ما ذكر من تعارض الا ان الحقيقة التي لامراء فيها ان هناك تنافياً بين اصل الفكرة واطلاقات بعض المواد بل وبعض نصوصها مع احكام الشريعة بلاريب.ولكننا لا نستطيع ان ننكر الافكار الايجابية التي تحملها والتي ستعود بالنتائج الايجابية بلاريب ايضا على وضع المرأةفي عالمنا الاسلامي.
الموقف المختاراننا نعتقد على ضوء ما تقدم ان الموقف الثالث هو الأقرب للصواب وان كنا في الجمهورية الاسلامية لم نقرر ذلك بعد. وهناك معارضة واسعة من قبل العلماء والجمعيات النسوية وغيرها لهذه الاتفاقية.فنحن نرجح الانضمام النشط الإيجابي للاتفاقية ولكن بتحفظ يشمل مايلي:المادة الاولى يتحفظ عليها بالنقاط التاليةأ ـ بملاحظة وجود الاختلاف الطبيعي بين الرجل والمرأة مما يؤدي بشكل طبيعي للاختلاف في المسؤوليات الاجتماعية فان وجود التفاوت المتناسب مع ذلك لايعد من التفرقة المرفوضة.ب ـ حينما نحاول ان ندرس الحقوق في اي نظام فان علينا ان نلاحظ التناسب العام بينها وبين الواجبات في اطار النظرية الاجتماعية لذلك النظامد ـ يجب تعميم النقطتين السابقتين لكل مواد الاتفاقية.المادة السابعة (البند ب): لا نرى ضرورة الالتزام بموضوع صدور الحكم القضائي من قبل المرأة وان كان لها الحق في العمل في الشؤون القضائية الاخرى. (107)المادة التاسعة: يتحفظ عليها لمخالفتها للقوانين الداخلية.المادة الخامسة عشرة والسادسة عشرة: يتحفظ عليهما بالتفصيل.المادة 29 : يتحفظ على البند رقم (أ) منها وترتبط بالتحكيم.
واخيراً فاننا نرىاولاً: ان الاسلام جعل الاسرة لبنة المجتمع الاسلامي، وبنى الكثير من احكامه على هذا الاساس.ثانيا: ان الوضع الحالي للمرأة في مجتمعنا الاسلامي متاثر جداً ببعض العادات الغربية من جهة والتقاليد الغريبة على الاسلام من جهة اخرى.ثالثاً: ان علينا ان ننظم روابط اكثر انسجاما بين الرجل والمرأة بعيداً عن اي افراط او تفريط.رابعاً: ان علينا ان نصحح نظرة الغرب للمرأة المسلمة من خلال التوعية الشاملة اعلامياً، ومن خلال اعطائها حقوقها المشروعة.خامساً: اننا نؤيد التعامل مع الاتفاقية المذكورة بايجابية دونما انغلاق او انجرار.سادساً: اننا ندعو لتبادل التجارب بين الدول الاسلامية للوصول الى حلول افضل لوضع المرأة.اما الحديث عن تفصيل الحقوق والواجبات فيحتاج الى مجال آخر.وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمينالهوامش:  1- الحج: 22.
2- المعارج: 70.
3- الاحقاف: 46.
4- يوسف: 40.
5- الفرقان: 54.
6- الروم: 21.
7- الحديد: 57.
8- آل عمران: 3.
9- النساء: 4.
10- الحديد: 57.
11-الاحزاب.

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية