مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

الدفاع عن حرمة الرسول(ص)
أ. الشيخ شفيق جرادي
مدير معهد المعارف الحكمية (للدراسات الدينية والفلسفية) - لبنان

 تقوم الثقافة الحضارية في عالم اليوم، على إعادة إحياء مبحث القيم، كرافعة انسانية لكل معالم الوفرة العلمية، والسياسية، والتقنية، والفكرية، التي تصطرع حياة الأمم والشعوب.. ويدور النقاش بين صنفين من القيم.القيم الأحادية بما تعنيه من اختزالية تتقوّم على أساسها الهوية... وقيم تعددية تتشتت فيها الهويات وتتذرر، في الوقت الذي تعمل فيه لتجسيد سبل التواصل، بفسيفساء ثقافية، تتشاكل بحسب روح القيم المصلحية التي تتحكم فيها سطوة الدولة المركزية...كأصل تلتحق فيه مجموع شعوب، ودول العالم على ترامي أطرافه، بنسيج من عباءة ثوب العولمة المتوحشة.. وهو ما يعيد الكرة ثانية من دائرة التعددية الى دائرة قيم المركزية الاختزالية.وهذا ما أفسح المجال واسعاً لدول العالم الغربي لنصب الاسلام كعدو مستهدف في مسار حركة العولمة المتوحشة، سعياً لإخراج قيم الرسالة (42) الاسلامية كخيار متاح في اصطفافات القيم العالمية المفتوحة على بعضها.. اذ ان الهوية الغربية الأمريكية لا تستطيع ان تتقوم الا بنقيضٍ ما وسلبٍ ما، وقد كان هذه المرة... رمز تقوُّمها السلبي شخص النبي محمد(ص) بما يمثل من مثال أعلى لروح الديانة والأمة الإسلامية...وما الموقف الهجومي على دول العالم الاسلامي وشعوبه، وتقويض قدرات الممانعة في فلسطين وسوريا ولبنان والعراق وغيرهم.. والحث الدفاعي عن كل موقف توهيني بالاسلام سواء أكان صادراً من كتاب مبتذل كالآيات الشيطانية او فيلماً جارحاً يستعرض الآيات القرآنية على أجساد فاضحة أو رسوماً كاريكاتورية على صفحات الجرائد والثياب أو غير ذلك، مما يندى له الجبين الإنساني الا وجهاً من وجوه هذا القوام الحضاري المتهتك للولايات المتحدة الأمريكية ودول الالتحاق بها..مما يعني لنا بالضرورة أن المواجهة والحضور الحضاري اذا كان مشروطاً بسؤالين: عن ال «لماذا»؟ وال «كيف»؟ فان السؤال الأول قد أصبح واضحاً وضوحاً بيناً لا لبس فيه.. وهو ينطلق من أساسين منهجيين اولهما داخلي: يتعلق بالاسلام باعتباره الأطروحة الألهية العالمية التي صدع بها رسول الرحمة محمد(ص).. وثانيهما خارجي تقتضيه وقائع احداث الصراع الحضاري المفتوح، والذي أوصل الأمر الى مفترق طرق وجودي فيه نكون كما نحن، بل كما ينبغي ان نكون.. او أن لا نكون اصلا بعد تفريغنا من كل مضمون، قطفاً لثمار نشوب انياب الإستكبار في روح هذه الأمة وجسدها وغرسه فيها ما أسماه مالك بن نبي بقابلية الإستعمار.. لإلقائنا في أتونه كماً فارغاً مستتبعاً... (43)وهنا لا بُدَّ لنا من وقفةٍ تاريخية حضارية كبرى تتأسس على إجابات لكيفية المواجهة الكبرى...وعلى رأس تلك الاجابات نمتثل روح رسول الله(ص) وحضوره الخالد كتأكيد لمنطق يفيد ان نجاة الأمة ونهوضها انما يكون ببسم الله وباسم رسول الله محمد(ص)، وان قيم الأمة وقيمتها الكبرى هو عبدالله ورسوله محمد(ص)... وإن الدم الدافق، والعزة التي لا تعرف الذل، والعلو الذي لا يركن الى الوهن هو رسول الله محمد(ص) وبهذا كان نداء الله فينا (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وهل في ايماننا سر أعظم من رباط الروح والنفس والكيان برسول الله محمد(ص)..فمن حاضنة النبي(ص) نؤسس جملة كيفيات النهوض ومنها:أولاً: ان نتراحم ونتواصى بصحبة رسول الله(ص) «محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم»، فبقدر الشدة في أتون المعركة ضد العدو ينبغي ان يكون التراحم بين الذين تجمعهم قيادة رسول الله(ص) .. وهذا ما يفرض اليوم أخذ موقف من التشتت المذهبي الذي يثير المختلف دوماً.. كما وموقف من النزعة التكفيرية، ومن أي رهان سياسي او مصلحي عليها.. دون الغفلة عن أخذ موقف من نزعة ما اصطلح عليه بالاسلامويات او بمعن آخر اسلام اللاإسلام...ثانياً: العمل على تقويض وازالة الصورة النمطية السوداء التي رسمها اعداء رسول الله للنبي (ص) ... والتي اظهرته بوجوه نستنكف عن ذكرها.. وذلك عبر اجراء عملية نقد ذاتي لطريقة عرض السيرة النبوية الشريفة في مطاوي كتبنا التاريخية التي أدخل فيها ما أدُخل من شوائب.. كما والقيام بنقد (44) منهجي لآليات القراءة التاريخية سواء أصدرت عن حركة الاستشراق، او منهجيات النقد التاريخي والانثروبولوجي.. بل دعونا نشدد على ضرورة نقد الروحية الكلامية والمؤسطرة للتاريخ بطريقة خرجت عن الموضوعية، وخرجت عن المعنوية التي ترسم الحياة الإسلامية بالتأسي برسول الله(ص) مقتصرة على الحرفية والاسقاطية، وهذا الجهد النقدي يقتضي منا التفكير الجدي، وعلى مستوى العالم الاسلامي بمفكريه وعلمائه بإنشاء مركز دراسات متخصص بكتابة التاريخ النبوي وتقويم الذات على ضوء الخصائص النبوية..ليتركز الجهد بعد ذلك على بث الرسائل التاريخية والإعلامية والتثقيفية بغية تقديم النمط النبوي لرسالة الكمال والقيومية الوحيانية التي يمثلها الاسلام وخاتمية الرسول(ص).. مستهدين بكل ذلك قيم الصدقية في مقاربة الحقائق... والانتماء الكياني لرسول الرحمة في كل عناوين الهداية واخلاقية الإقتدار والعزة والحرية المسؤولة...ثالثاً: إنشاء حوار حضاري بيننا وبين أهل الأديان وأصحاب الطروحات الإنسانوية، على أرضية واضحة من الإنتماء لرسالة النبي(ص).. متخلين عن تلك التلفيقية التي ترتهننا اليوم لفكي التبعية الأسمية للإسلام.. أو الإنفتاح على الآخر بعقلية قيم ومفاهيم ذاك الآخر...مما أسّس لإنفصامات في الشخصية الإسلامية المحاورة بفعل الغربة عن المحيط والواقع...ولعل أحد السبل الضرورية لتجاوز الإضطراب الانفصامي يحصل بتوفير أرضية توافق مدروسة واجتهادية بين الجماعات الإسلامية نفسها، والذي يمكن ان نعبِّر عنه بصياغة موثقة لوثيقة فهم يحدد الثوابت والمتغيرات ويرسم سمات (45) وخصائص الإسلام في مفاهيمه وقيمه الرسالية المتجاوز لكل اختزالية تكفيرية او التحاقية تتلطى تحت عناوين الحداثوية وغيرها...رابعاً: انفاذ الدراسات الدينية العاملة على فهم شخصية النبي(ص).. وما ترمز اليه أقواله، وأفعاله، وتقريراته، وسلوكياته من أبعاد ومعانٍ مفتوحة على دلالات عقائدية وأخلاقية وعملية داخل مؤسساتنا العلمية ومعاهدنا الدينية وبرامج الأحزاب والحركات الاسلامية، وجعل حفظ ذكر وقيم رسول الله(ص) على رأس اهم المبادئ الحاكمة في صياغة الأهداف والسياسات والبرامج المعمول بها.. ساعين من ضمن ما نتوخاه من هذه الأمور ردم الهوة المفتعلة بين ما بات يصطلح عليه بخط العلماء والآخر خط الدعاة.. والذي بات ينبئ بإرهاصات تشبه إزدواجية الأكليروس من جهة والعلمانيين من جهة أخرى.. الأمر الذي بات يهدد بانقسامات حادة في مواجهة المستجدات العدوانية على قدسية الإسلام والنبي (ص)..خامساً: الجرأة والوضوح في إبراز الموقف العقائدي والفقهي تجاه كل مس بقدسية النبي (ص).. دون الالتفات الى حسابات تتعلق بإدعاءات الموضوعية والتسامح والليونة لأن هذه الوجوه وان كانت من أصول الشخصية الإسلامية إلا أن مقتضى الصدقية يقول: ان أي مس بالمقدس سيلقى وجهاً عنفياً لا تردد فيه..ولنرسم في أثناء ذلك معالم مفاهيمية توضح الفرق بين حرية التفكير.. وحقوق التعبير المسؤول. (46)وبين ما فيه نقاش فكري، وما فيه روحية التشتيم والتوهين.. وصولاً لتحديد قاعدة ومبدأ ضمان المصلحة الاسلامية العليا المتمثلة بحفظ كرامة القرآن والنبي(ص). كرمز نهائي لكرامة الأمة.. وهذا ما ينبغي أن ندفع كل المنظمات الإسلامية الدولية والحكومية والمدنية إلى تبنيه في رؤيتها وسياساتها التثقيفية والتبليغية.. بحيث يتحول الهدوء الى عاصفة جارفة عند مقاربة الخطوط الحمر التي وحدها امة محمد(ص) من يحق لها رسمها وتحديدها..سادساً: العمل على تكتيل قوى تمثيلية دينية إسلامية وغير اسلامية لتشكيل جبهة ايمانية تدافع عن المقدسات، وتعمل على صياغة قرار دولي يفيد منع المس بأي مقدس ديني.سابعاً: انشاء شبكات تواصل وعمل اعلامي (فضائية تلفزيونية، وموقع على الانترنت) تعني بإبراز حياة النبي(ص) وخصائصه النبوية والرسالية.كما ومن المفيد في هذا الصدد توقيع اتفاقيات ومواثيق بين المحطات الفضائية في العالم الإسلامي على انتاج وبث برامج مشتركة او منفردة خاصة برسول الله(ص).ثامناً: وأخيراً... الاعلان عن يوم عالمي دفاعاً عن حرمة رسول الله(ص) ونصراً لمظلوميته المقدسة..

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية