مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية

الخمس والأنفال عند المذاهب الإسلاميّة
الشيخ حسين النوري

 
قد وقع الخلاف بين الإمامية وبين الجمهور في مسألة الخمس من جهتين:
الأولى: فيما يتعلق به الخمس.
الثانية: في عدد أسهم الخمس ومستحقيه.
والاختلاف في هاتين الجهتين ـ سيما الأولى منها ـ قد أوجب اختلافاً كثيراً بالنظر إلى المسائل المرتبطة بهما والفروع المتشعبة عنهما، وبالنتيجة: صار الخمس عند الجمهور مسألة لا أهمية ولا شأن، ولذلك لم يعنونوا كتاباً في الفقه باسمه، ولم يبحثوا عنه في طي الفقه مستقلا (1)، وإنّما ذهبوا في الجهة الأولى إلى تعلقه بالغنائم الحربية، وفسروا الآية (2) التي هي أساس البحث في مسألة الخمس بها وبحثوا عنها في ضمن
كتاب الجهاد، والى تعلقه بالزكاة استناداً إلى الحديث النبوي (3) الوارد في ذلك وفسروه بالمعدن أو الكنز أو بهما، وبحثوا عنهما في ضمن كتاب الزكاة، ولذلك أورد الشيخ الطوسي ـ رحمه الله ـ في الخلاف المسائل المرتبطة بخمس المعدن أو الكنز في كتاب الزكاة، وعقد أيضاً في الخلاف كتاباً باسم الفيء وقسمة الغنيمة، وبحث فيه عن الغنائم الحربية، ولم يعقد فيه كتاباً باسم الخمس.
وذهبوا في الجهة الثانية إلى عدم وجود سهم لله تعالى أصلاً، وقالوا: إنّما ذكر اسمه ـ تعالى ـ افتتاحاً للمسألة تبركاً وتيمنا، وسقوط سهم النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بوفاته، وكذا سهم ذي القربى. وأن المراد من اليتامى والمساكين وابن السبيل في الآية: يتامى المسلمين ومساكينهم وأبناء سبيلهم، لا خصوص الهاشمي منهم على تفصيلٍ يأتي في محله إنّ شاء الله تعالى.
كما أنّ مسألة الأنفال أيضاً عند الجمهور مسألة غير مهمة، إذ هي عندهم: عبارة عن الأشياء المرتبطة بمسألة الغنائم الحربية، وليس لها شأن على حدة.
وأما عند الإمامية فلمسألة الخمس والأنفال أهمية خاصة من جهاتٍ مختلفة:
فمن جهة وسعة متعلق الخمس من الغنائم الحربية والمعادن والكنوز والغوص وأرباح المكاسب والحلال المختلط بالحرام والأرض التي اشتراها الذمي من المسلم(4) مسألة اقتصادية ذات شأن خاص في إدارة الأمة الإسلاميّة ، وفي غناء بيت المال، وفي منعه من تراكم الثروة.
ومن جهة كونه تحت زعامة ولي أمر المسلمين الجامع لشرائط الزعامة والولاية من الفقه والعدالة والبصيرة والتدبير مسألة سياسية وحكومية، ولها أهمية من حيث إيجابه اقتدار الحكومة، وإدارة الأمور، وكيفية التوزيع والمصرف.
كما أنّ الأنفال عند الإمامية من جهة كونها عبارة عن منابع الأموال والثروة
من الأراضي الموات والمعادن ورؤوس الجبال وبطون الاودية والآجام والبحار وكل أرض لا رب لها، وغيرها من سائر المنابع الاقتصادية، وأنها بأجمعها متعلقة بالنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ والولي القائم مقامه المتصدي لإدارة أمور المسلمين على أساس العدل. ومحور الرقاء والكفاية مسألة سياسية اقتصادية ذات أهميةٍ خطيرةٍ موجبةٍ للعمران الاقتصادي، واقتدار حكومة المسلمين وعظمتهم ورقائهم ورفاههم.
وحينئذٍ، فالحري بنا أنّ نبحث عنهما ـ بتوفيق الله تعالى ـ بحثاً مستوفياً وكاملاً حتّى يتبين الحق، وعليه التوكل وبه الاعتصام.
وحيث إنّ الآية الشريفة من قوله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيءٍ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إنّ كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كلّ شيءٍ قدير((5). مصدر أحكام الخمس ومنبعها. وقد وقع الخلاف بين الإمامية والجمهور في تلك الآية من جهتين:
إحداهما: في المعنى المراد من الغنيمة، فقال أهل الجمهور: إنّ المراد بها: ما يغنمه المسلمون من الكفار بقتال، وهم بين طائفتين من المفسرين لها:
فطائفة منهم ـ مثل: الفخر الرازي في التفسير الكبير، والقرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن، والآلوسي في تفسيره روح المعاني، والمراغي والثعالبي في تفسيريهما (6) ـ قد اعترفوا بكون معنى الغنيمة في اللغة عاماً، ولكن قالوا: يكون المراد في الآية المعنى الثانوي الاصطلاحي على زعمهم للاتفاق الحاصل على ذلك.
وطائفة منهم ـ كالطبري والبيضاوي وابن كثير وصاحب الدر المنثور وفي ظلال القرآن والجلالين (7) ـ قد فسروا الغنيمة بما يغنمه المسلمون من غير ذكر كونها في اللغة عامة.
وثانيهما: من جهة عدد سهام الخمس وسمتحقيه.
أما الكلام في الجهة الأولى فإن الذي يظهر من كلام اللغويين وكثيرٍ من المفسرين ومن تتبع موارد استعمال هذه الكلمة والمادة في الكتاب والسنة وغيرهما: أنّ معناها في أصل اللغة والعرف العام يغاير معناه الاصطلاحي إنّ ثبت حصول النقل إلى المعنى الاصطلاحي الثانوي، ولم يكن من باب تطبيق المفهوم الكلي على المصداق في المورد الذي استعملت فيه، ومن المعلوم أنّ اللازم حمل الكلمات الواقعة في الكتاب العزيز والسنة على المعنى اللغوي الدائر في العرف العام حين نزول القرآن وورود السنة من صاحب الشريعة والقائم مقامه ما لم يثبت النقل عنه، فاللازم ـ حينئذٍ ـ قبل كلّ شيءٍ تحصيل المعنى اللغوي لكلمة "الغنيمة" ومادتها، وهو إنّما يكون بطرقٍٍ ثلاثة:
الأول: الرجوع إلى كلمات علماء اللغة:
ففي القاموس: (غنم ـ بالكسر ـ غنماً بالضم وبالفتح وبالتحريك، وغنيمةً وغنماناً بالضمّ: الفوز بالشيء بلا مشقة) (8).
وفي لسان العرب: (الغنم: الفوز بالشيء من غير مشقةٍ وقال: وفي الحديث "الرهن لمن رهنه، له غنمه وعليه غرمه"؛ غنمه: زيادته ونماؤه وفاضل قيمته) (9).
وفي تاج العروس: (الغنم: الفوز بالشيء من غير مشقة).
وفي كتاب العين: (الغنم: الفوز بالشيء في غير مشقة) (10).
وفي أقرب الموارد: (غنم الشيء غنماً: فاز به بلا مشقةٍ وناله بلا بدل) (11).
وفي المنجد: (غنم الشيء يغنم: فاز به وناله بلا بدل) (12).
ولابد أنّ يتنبه في هذا المقام أنّ عبارة "من غير مشقة، أو بلا مشقة" المأخوذة في كلام بعض اللغويين في تفسير هذه المادة ـ على ما رأيت ـ ليس على ما ينبغي، وإلا يلزم عدم شمول الغنيمة لأظهر أفرادها وهي: الغنائم الحربية؛ لوضوح أنّ الغنائم الحربية مما لا تحصل ولا تظفر بها إلاّ بالمشقة. وأي مشقة أشق من بذل النفس والنفيس؟ فذكر هذا القيد في تفسيرها غير سديدٍ، ولذا لم يذكر في المنجد، وقد صرح بذلك صاحب تفسير المنار حيث قال:
(إنّ صاحب القاموس أضاف هذا القيد ـ أي: من غير مشقةٍ ـ على حسب ذوق اللغة، ولكنه غير دقيق، فالمتبادر من الاستعمال: أنّ الغنيمة والغنم ما يناله الإنسان ويظفر به من غير مقابلٍ ماديٍ يبذله في سبيله ـ كالمال في التجارة مثلاً ـ فإن جاءت الغنيمة بغير عملٍ ولا سعيٍ مطلقاً سمّيت الغنيمة الباردة) (13).
قال الراغب في مفرداته: الغنم ـ بفتحتين ـ معروف، قال تعالى: (ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما( (14) والغنم ـ بالضم والسكون ـ إصابته والظفر به، ثم استعمل في كلّ مظفور به من جهة العدى وغيرهم، قال تعالى: ( واعلموا إنما غنمتم من شيءٍ( (15) ( فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً( (16) والمغنم:، ما يغنم جمعه: المغانم، قال تعالى: (فعند الله مغانم كثيرة( (17).
وفي نهاية ابن الأثير: (قد كرر في الحديث ذكر الغنيمة والغنم والمغنم والغنائم،
وهو ما أصيب من أموال أهل الحرب وأوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب، ومنه الحديث: "الرهن لمن رهنه، له غنمه وعليه غرمه"، غنمه: زيادته ونماؤه وفاضل قيمته)، ويظهر من آخر كلامه هذا أنّ لهذه المادة في أصل اللغة معنى عاماً، وأنّ ما فسرها به في أول كلامه هو: المعنى الذي قد ورد به الحديث المتكرر، وهو معنىً ثانوي (ان لم يكن من باب تطبيق المفهوم على المصداق).
وفي مجمع البحرين: (الغنيمة: في الأصل: هي الفائدة المكتسبة، ولكن اصطلح(18) جماعة على أنّ ما أخذ من الكفار: إنّ كان من غير قتالٍ فهو فيء، وإن كان مع القتال فهو غنيمة، واليه ذهب الإمامية وهو مروي عنهم). (19).
الطريق الثاني: هو الرجوع إلى كلمات المفسرين، فالمفسرون من الإمامية كلهم ـ على ما رأينا عباراتهم ـ قد فسروا كلمة "ما غنمتم" الواقعة في الآية بما تقتضيه اللغة، وهو المعنى العام:
ففي كنز العرفان: (الغنيمة في الأصل: هي الفائدة المكتسبة، واصطلح جماعة على أنّ ما أخذ من الكفار: إنّ كان من غير قتالٍ فهو في، وإن كان مع القتال فهو غنيمة) (20).
وفي زبدة البيان: (والغنيمة في اللغة، بل العرف: الفائدة) (21).
وفي التبيان: تفسير الغنيمة بمطلق الفوائد حيث قال: (ويمكن الاستدلال على وجوب الخمس في كلّ فائدةٍ تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارات، والكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك مما ذكرنا في كتب الفقه بهذه الآية؛ لان جميع ذلك يسمى غنيمة) (22).
وفي مجمع البيان: (الغنيمة في اللغة: ما أخذ من أموال أهل الحرب من الكفار بقتالٍ، وهي هبة من الله تعالى للمسلمين وما أخذ من غير قتالٍ فهو فيء.
وقال أصحابنا: إنّ الخمس واجب في كلّ فائدةٍ تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارات، وفي الكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك مما هو مذكور في الكتب، ويمكن أنّ يستدل على ذلك بهذه الآية، فإن في عرف اللغة يطلق على جميع ذلك اسم الغنم والغنيمة) (23).
ومراده من المعنى الأول للغنيمة على ما يشهد به كلامه: هو المعنى الاصطلاحي الثانوي إنّ ثبت هذا الاصطلاح، ولم يكن من باب تطبيق المفهوم على المصداق كما ذكرنا، وإلا فقد صرح في آخر عبارته: إنّ للغنيمة والغنم في عرف اللغة معنى عاماً يشمل كلّ فائدة تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارات والكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك مما هو مذكور في الكتب.
وفي تفسير الميزان: (الغنم والغنيمة: إصابة الفائدة من جهة تجارة أو عملٍ أو حربٍ، وينطبق بحسب مورد نزول الآية على غنيمة الحرب).
ثم قال في آخر كلامه: (وظاهر الآية: أنها مشتملة على تشريع مؤيدٍ كما هو ظاهر التشريعات القرآنية، وأن الحكم متعلق بما يسمى غنماً وغنيمةً، سواء كان غنيمةً حربيةً مأخوذةً من الكفار أو غيرها مما يطلق عليه الغنيمة لغةً: كأرباح المكاسب والغوص والملاحة والمستخرج من الكنوز والمعادن، وإن كان مورد نزول الآية هو غنيمة الحرب فليس للمورد أنّ يخصص) (24).
وفي تفسير أبي الفتوح الرازي: بعد ذكر الأشياء التي يجب فهيا الخمس(على أساس مباني الشيعة الإمامية وعقائدهم).
وبالجملة: أنّ مفسري الإمامية كلهم قد فسروا كلمة "ما غنمتم" الواقعة في هذه الآية بما تقتضيه اللغة والعرف العام كما ذكرنا.
وأما مفسروا الجمهور فهم على طائفتين: فطائفة منهم ـ كمفسري الإمامية ـ قد فسروها بما تقتضيه اللغة ذاتاً وإن عدلوا عنه إلى المعنى الخاص بسبب الاتفاق الحاصل على زعمهم، ونجيب عليه:
ففي تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: الغنيمة في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي (25)، ومنه قول الشاعر:
> وقد طوفت في الآفاق حتّى * * * * رضيت من الغنيمة بالإياب
ثم قال: واعلم: أنّ الاتفاق حاصل على أنّ المراد بقوله تعالى: (غنمتم من شيء( مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر، ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص على ما بيناه، ولكن عرف الشرع قيد اللفظ بهذا النوع (26).
وفي التفسير الكبير للفخر الرازي: (الغنم: الفوز بالشيء، والغنيمة في الشريعة ما دخلت في أيدي المسلمين من أموال المشركين على سبيل القهر بالخيل والركاب) (27).
وفي تفسير الثعالبي: (الغنيمة في اللغة: ما يناله الرجل بسعيٍ، ومنه قوله ـ صلى الله عليه وآله ـ: "الصيام في الشتاء هي الغنيمة الباردة" ) (28).
وفي تفسير روحٍ المعاني: (وغنم في الأصل من الغنم بمعنى: الربح، وفسروها بما أخذ من الكفار قهراً بقتالٍ أو إيجاف) (29).
وفي تفسير المراغي: (الغنم والمغنم والغنيمة: ما ينال الإنسان ويظفر به بلا مقابلٍ ماديٍ، وقولهم: الغرم بالغنم، أي: يقابل به) (30).
وفي تفسير المنار: (الغنم ـ بالضم ـ والمغنم والغنيمة: ما يصيبه الإنسان ويناله ويظفر به من غير مشقةٍ، كذا في القاموس، والغنيمة في الشرع: ما أخذه المسلمون من المنقولات في حرب الكفار عنوة) (31).
والطائفة الثانية منهم قد فسروها بالمعنى الخاص: وهو ما أخذ من الكفار بقتالٍ من دون إشارةٍ إلى المعنى اللغوي الأصلي، وترى ذلك في تفاسير البيضاوي(32).
وفي ظلال القرآن(33) وابن كثير (34) والطبري(35) والدر المنثور(36).
والجلالين(37) وأحكام القرآن لابن العربي(38).
وحيث كان، اللازم حمل الألفاظ الواقعة في القرآن الكريم على معناها اللغوي، ومعنى هذه المادة ـ أي: مادة الغنم كما بينا وسنزيده بياناً ونبين حدوده أيضاً ـ عام، فتفسير الطائفة الثانية منهم إياها بالمعنى الخاص ـ وهو: ما أخذ من الكفار بقتال ـ مخالف للقاعدة، وخروج عن ضابط التفاهم العرفي، كما أنّ تفسير الطائفة الأولى أيضاً إياها بالمعنى الخاص في المقام بعد اعترافهم بكونه في أصل اللغة عاماً غير سديد ومخالف للقاعدة. ومن المعلوم أنّه لو ثبت حصول النقل عن معناها الأصلي إلى ما فسروها به لكان ذلك النقل، وتحقق الاصطلاح بعد عصر نزول القرآن، وذلك لا يقتضي حمل ما وقع في القرآن على المعنى الاصطلاحي الحادث.
إنّ قلت: إنّ ذلك الحمل من جهة وجود القرينة المقتضية في المقام.
قلت: الظاهر عدم وجود قرينة في المقام غير القول بأن الآية قد نزلت في غزوة بدرٍ، ومن الواضح أنّ مورد النزول لا يوجب التخصيص، فالتعبير بقوله تعالى: "ما
غنمتم" مع كونه في اللغة عاماً وبيانه بقوله تعالى: "من شيء" يقتضي كون ذلك حكماً عاماً وتشريعاً مؤيداً نازلاً في ذلك المورد، والنزول في المورد الخاص لا يوجب تخصيصاً للعام، ولو كان المقصود من الآية وجوب أداء الخمس مما غنموا في الحرب خاصة لكان ينبغي أنّ يقول عزّ اسمه: واعلموا إنّما غنمتم في الحرب، أو أنّ ما غنمتم من العدى، وليس يقول: "أنّ ما غنمتم من شيء".
إنّ قلت: إنّ اللغة وإن لا تقتضي هذا التخصيص ولكن الاتفاق حاصل بكون المراد بها مال الكفار إذا ظفر بها المسلمون على وجه الغلبة والقهر كما في كلام القرطبي.
قلت: لا ندري ما المراد من الاتفاق في المقام، وليس كلّ اتفاق حجة، وإنما الحجة منه: هو الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم عليه السلام، وليس المورد منه.
إنّ قلت: إنّ هذه المادة في أي مورد وقعت في القرآن العزيز قد أريد بها الغنائم الحربية وذلك مثل قوله تعالى: ( سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم( (39).(وأثابهم فتحا قريباً ( ومغانم كثيرة يأخذونها( (40). (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين( (41). (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا( (42).
وعليه، فلابد من حمل "ما غنمتم من شيء" الواقع في مورد البحث على الغنائم الحربية.
قلت: بعد أنّ ثبت بما ذكرناه عمومية معنى هذه المادة لغة إنما يجب حمل اللفظ على مقتضى اللغة ما لم تقم قرينة على خلاف المعنى اللغوي، وفي الموارد المذكورة قد قامت القرينة المقتضية للحمل على المعنى الخاص من باب تطبيق المفهوم على المصداق، وهي الغنائم الحربية، وذلك باقتضاء سوق الكلام. وأما في مورد البحث للآية
لم تقم قرينة على ذلك، وليس فيها شيء غير نزولها في غزوة بدر، وقد ذكرنا: أنّ المورد لا يوجب التخصيص.
وأما ما ذكرت من: أنّ هذه المادة في أي مورد وقعت في القرآن قد أريد بها الغنائم الحربية فغير صحيح، فإن من جملة ما ورد في قوله تعالى: (يا أيها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة( (43).
وليس المراد فيها الغنائم الحربية كما يظهر من التفاسير:
ففي تفسير مجمع البيان: جميع متاع الدنيا عرض، يقال: إنّ الدنيا عرض حاضر، ويقال لكل شيءٍ يقل لبثه: عرض. ومنه: العرض الذي هو خلاف الجوهر عند المتكلمين؛ لأنه ما لا يجب له من اللبث ما يجب للأجسام، إلى أنّ قال: (فعند الله مغانم كثيرة(،أي: في مقدوره فواضل ونعم ورزق إنّ أطعتموه فيما أمركم به (44).
وفي تفسير الميزان: فعند الله مغانم كثيرة: جمع مغنم: وهو الغنيمة، أي: ما عند الله من المغانم أفضل من مغانم الدنيا التي يريدونها لكثرتها وبقائها فهي التي يجب عليكم أنّ تؤثروها(45).
وفي تفسير الطبري: فإن عند الله مغانم كثيرة من رزقه وفواضل نعمه فهي خير لكم (46).
وفي تفسير الفخر الرازي: فعند الله مغانم كثيرة يعني: ثواباً كثيراً(47) ومثله في تفسير المنار(48).
________________________
1 ـ قال العلامة الراحل محمّد الحسين آل كاشف الغطاء في ص: 113 من كتابه أصل الشيعة وأصولها بعد اثبات الخمس مع السعة التي نذكرها: هذا حكم الخمس عند الإمامية من زمن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ إلى اليوم.
2 ـ وهي الآية: 41 من سورة الأنفال من قوله تعالى: (واعلموا أنّ ما غنمتم من شيءٍ فإن لله خمسه وللرسول...(.
3 ـ عوالي اللئاليء 2: 226.
4 ـ في كون الخمس في الأخيرين من الخمس المصطلح بحث وكلام يأتي في بابه.
5 ـ الأنفال: 41.
6 ـ التفسير الكبير 15: 164، والجامع لأحكام القرآن 8: 1 وروح المعاني، وتفسير المراغي، وتفسير الثعالبي للآية.
7 ـ تفسير الطبري، وتفسير البيضاوي، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير، والدر المنثور، وفي ظلال القرآن وتفسير الجلالين. للآية السابقة.
8 ـ القاموس المحيط (مادة: غنم).
9 ـ لسان العرب: (مادة: غنم).
10 ـ العين للفراهيدي 4: 426.
11 ـ أقرب الموارد: (مادة: غنم).
12 ـ المنجد: (مادّة: غنم).
13 ـ تفسير المنار 10: 3.
14 ـ الأنعام: 146.
15 ـ الأنفال: 41.
16 ـ الأنفال: 69.
17 ـ النساء: 94.
18 ـ وليعلم أنّ هذا الاصطلاح لو ثبت فهو اصطلاح مستحدث قد تحقق بعد نزول القرآن، فلا تحمل عليه كلمات العزيز، ويعتبر في حمل اللفظ عليه من إثبات تاريخ تحقق الاصطلاح وتحقق الاستعمال بعده.
19 ـ مجمع البحرين: (مادة: غنم).
20 ـ كنزل العرفان 1: 248.
21 ـ راجع ص 210.
22 ـ راجع 5: 123.
23 ـ راجع 4: 835.
24 ـ راجع 9: 89.
25 ـ راجع 5: 414.
26 ـ راجع 8: 1، بتصرف.
27 ـ راجع 15: 164.
28 ـ راجع 2: 98.
29 ـ راجع 10: 2.
30 ـ راجع 10: 4.
31 ـ راجع 10: 3.
32 ـ راجع 3: 5.
33 ـ راجع 4: 12.
34 ـ راجع 2: 310.
35 ـ راجع 10: 2.
36 ـ راجع 3: 148.
37 ـ راجع: ص 245.
38 ـ راجع 2: 855.
39 ـ الفتح: 15، و18 ـ 19.
40 ـ الفتح: 15، و18 ـ 19.
41 ـ الفتح: 20.
42 ـ الانفال: 69.
43 ـ النساء: 94.
44 ـ تفسير مجمع البيان 3: 94.
45 ـ تفسير الميزان 5: 40.
46 ـ تفسير الطبري 5: 140.
47 ـ تفسير الفخر الرازي: 11: 4.
48 ـ تفسير المنار 1: 69.

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية