مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

دراسات تقريبية
وحدة الامة والدولة في الإسلام
 الدكتور عبد العزيز الخياط(1)

 الباحث يعالج موضوعا هاما من مواضيع التقريب، وهو الوحدة السياسية للامة، ويعرض آراء الفقهاء والمفكرين السنة والشيعة في هذا المجال، ويبيّن إجماع المسلمين على ضرورة الحكم الاسلامي ووحدة الحكم في المجتمع الاسلامي.
  
تعريف الأمة
الأمة في اللغة: الجماعة التي أُرسل لهم رسول، أو الجيل من كل حي، أو من كان على الحق مخالفا لسائر الأديان(2). وقد استعملت في القرآن الكريم في معاني عدة، قال تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير)(3) أي جماعة، وقال (أن تكون أمة هي أربى من أمة)(4) أي جماعة، (ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون)(5) أي لكل جيل من كل حي، وقال تعالى (وادّكر بعد أمة)(6) أي طائفة من الزمان(7) وقال تعالى (إن إبراهيم كان أمة قانتاً للّه حنيفاً)(8) أي عندما كان عند أمة وهي الجماعة الكثيرة من الناس(9) أو مأموما أي الإمام الذي يقتدى به(10) وقال (إنا وجدنا آباءنا على أمة)(11) أي على دين ومذهب(12).
والأمة في نظر الإسلام: الجماعة من الناس التي تربطها عقيدة واحدة ويسودها نظام واحد، ويلحق بها من يقبل بسيادة النظام الإسلامي فيها، سواء اختلفت اجناسها أو اتفقت أو تعددت الشعوب التابعة لها أو كانت شعبا واحداً فهي أمة واحد، ولذلك نجد القرآن الكريم يؤكد هذا المعنى في كل آياته التي تحدث فيها عن الأمة الواحدة، قال تعالى (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)(13) قال العلماء: "القوم الذين يجتمعون على دين واحد" قال الآلوسي: "والأمة بمعنى الجماعة، أي إن هؤلاء جماعتكم التي لزمكم الاقتداء بهم مجتمعين على الحق غير مختلفين، وقد أطلقت على نفس الدين أي الملة"(14).
وفرق بين الأمة والشعب، فالشعب مجموعة من الناس تنحدر من أصل واحد، أو من أصول متفرقة إلا أنها تلاحمت في أرض واحدة نسباً وصهراً; أما الأمة فقد تكون من أصل واحد أو من أصول متفرقة إلا أنها ربطتها عقيدة واحدة لها لغة واحدة، ولها نظام تشريعي وأخلاقي ينبثق عن عقيدتها.
وقد اشترط القانونيون في الشعب أن يتعارف أفراده ويتفاهموا على الخضوع للنظام المشترك، وقد قالوا: "إذا كانت مجموعة قد وجدت معاً لمصادفة والتقت دون سابقة تعارف فإن الدولة لا تقوم بهم".
ومن هنا نجد اتفاق الشريعة الإسلامية والقانون على أن الأمة ضرورية لقيام الدولة وأن القانونيين يرون التعارف على نظام مشترك واحد، غير أن نظرة الشريعة كانت أعمق حين اعتبرت تكوين الأمة بعقيدتها ونظامها المنبثق عنها، وهذا معنى تعارف الشعب على نظام واحد، والاتجاه الحديث عند القانونيين عدم اعتبار الجنس وإنما اعتبار الرابطة الاجتماعية كما في أمريكا، وليس أسمى من الإسلام رابطة تربط المجموعة من الناس وتكون الأمة الواحدة.
وقد حرص الإسلام على أن تكون الأمة قوية البنيان موحدة الكلمة، منفية الخبث بين أفرادها ومجموعها، واعية حكامها وسياسة دولتها، ولذلك قرر الإسلام نقاء خلقها ومنع المفاسد فيها، وضرورة خلوها من المنكرات والموبقات ومحاربة المجرمين والعابثين فيها ومقاومة الانحراف العقائدي والفكري والسلوكي، وأن تكون مناهج تعليمها ونظم حكمها وقوانين دولتها منبثقة عن دستور إسلامي ، تؤخذ مواده من كتاب الله الذي لا يضل وسنة نبيه الصحيحة، قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)(15).

وحدة الأمة
حرص الإسلام على تكوين الأمة على الأساس العقائدي، حتى تكون الأعراف والتقاليد واللغة والأخلاق والتشريع منبثقة عن هذه العقيدة، وبذلك يتبلور ذوق الأمة على وجهة واحدة وسياسة موحدة، وتقاليد وأعراف واحدة أو متقاربة ، وهذا ما كنا نشاهده ونشهد آثاره الباقية في وحدة أعراف المسلمين وتقاليدهم ومشاعرهم، تهزهم كلمة "اللّه أكبر" وتجمعهم رابطة الدين ، وتشعرهم بأن قضاياهم واحدة كقضية القدس والمسجد الأقصى وفلسطين.
والتجزؤ الظاهر في الأمة الإسلامية في تفريقها إلى دول عربية متعددة، ودول أخرى تسمى إسلامية تجزؤ طارئ بفعل السياسة الاستعمارية والانحراف الفكري بالتمسك بآراء وأفكار ليست من الإسلام، والدعوة إلى الحكم بنظم وتشريعات ليست إسلامية تكرس تفرقة الأمة إلى دول على الأساس العرقي أو الجغرافي ولو اتحد دينها.
وتعد الأمة الإسلامية وحدة إنسانية واحدة، بغض النظر عن الطائفة أو العرق أو الجنس، ولا يشترط في أفرادها إذا كانوا غير مسلمين إلا المواطنة (الرعوية)، وهي الولاء للدولة الإسلامية التي تحكم الأمة بنظام الإسلام دون أي تعرض لعقائدهم وشعائرهم وعباداتهم، لأن حرية العقيدة والعبادة والقيام بالشعائر الدينية مضمونة لجميع أفراد الأمة في دولة الإسلام، ولا ينظر لأحد أو مجموعة من الأمة على أنها "أقلية" أو "طائفة" لها حكم خاص وقانون خاص، ولا يجوز أن ينظر إليها بمنظار العزلة وإشعارها بأنها منبوذة في المجتمع الإسلامي، ولذلك فليس في أمة الإسلام جاليات أو أقليات; بل أمة واحدة على اختلاف أديانهم وأجناسهم مواطنون، لكل فرد حق المواطنة(16) وكل من خرج عن الولاء للدولة والنظام لا يستحق أن يكون مواطناً ولو كان مسلماً وليس له من حقوق المسلمين شيء، قال تعالى: (والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء)(17).

عوامل تكوين الأمة الإسلامية
خلق اللّه البشر من ذكر وأنثى، وتفرع منهما نسل كثير توزع قبائل تعتز كل قبيلة بأصلها، وتؤلف بين أفرادها عصبة القرابة، ويتولى أمرهم أكبرهم سناً وأكثرهم حكمة، ثم تفرعت من القبيلة الواحدة قبائل متعددة، يجمعها أصل واحد ولغة واحدة، وتكون من هذه القبائل شعوباً كثيرة، تفرقت في المنطقة الواحدة فكانت في أرض واحدة ومنطقة واحدة يعملون ويأكلون من خيراتها، كما قال اللّه عزوجل: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)(18) وكما قال: (واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات)(19) ثم أنزل اللّه بعد ذلك الرسل يهدون الناس بالحق وإلى الحق، ويؤلفون قلوب أقوامهم بالدين ليكونوا أمة واحدة، تجمعها اللغة والدين والأرض ، فمنهم من آمن وكثير منهم تمردوا على رسلهم وكفروا بما أنزل اللّه فهلكوا، قال سبحانه: (ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا اللّه جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب... فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين)(20) وقال: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى اللّه ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين)(21)والأقوام الذين آمنوا قد تكونت منهم الأمم إذ بين اللّه سبحانه أن القبائل والشعوب حين تتعارف تتوحد على دين واحد وعقيدة واحدة فتتكون منهم أمة. وقد جاء في كتاب النبي(صلى الله عليه وآله) الذي نظم به العلاقات بين الناس في مدينة يثرب مسلمين وغير مسلمين:
"ومن تبعهم أي (المسلمين) فلحق بهم وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه، وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة (عظيمة) ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين الناس، وأن أيديهم عليه جميعاً، ولو كان من ولد أحدهم... وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم"(22).
والذمي جزء من الأمة الإسلامية، مواطن مع المسلم يواليه ويؤاخيه، ظلمه حرام، واضطهاده حرام، ونصرته واجبة، وحريته العبادية مكفولة، يتساوى في الحق والواجب مع المسلم لأنهما في وحدة الأمة وتماسكها ، قال - عليه الصلاة والسلام - : "من آذى ذمياً فقد آذاني"(23) وقال "من آذى ذمياً فأنا خصمه"(24) وقال "من ظلم معاهداً أو تنقّصه حقه أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب من نفسه فأنا خصمه يوم القيامة"(25).
وتتضح وحدة الأمة في قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض)(26) ، وقوله سبحانه : (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)(27) وقال: (إنما المؤمنون إخوة)(28) على اختلاف أصولهم العرقية وانتمائهم القومي، إذ تربطهم رابطة العقيدة والدين والفكرة الواحدة والثقافة الواحدة والعادات والأعراف الواحدة، وليست رابطة دم أو نسب أو أرض، ومن هؤلاء جميعاً تتكون الأمة الإسلامية(29)، تتمايز أفرادها وجماعاتها بالعمل الصالح من أجلها ولمصلحتها ، كما قال عز من قائل: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم)(30) قال المفسرون: "إن التعارف هو التفاهم والالتقاء على طريقة واحدة وغاية واحدة وتكون من الشعوب وحدة متعارفة في الدين والعقيدة، تتفاوت في التقوى أفرادها"(31).
ومن هنا نرى أن عوامل تكوين الأمة الإسلامية هي:
1- العقيدة وما ينبثق عنها من قيم ومفاهيم.
2- الثقافة المشتركة المنبثقة عن القرآن والسنة.
3- اللغة العربية باعتبارها لغة المسلمين كافة.
4- التشريع الإسلامي المتناول لجميع نواحي الحياة.
5- العبادات.
وقد نمت عوامل تكوين الأمة الإسلامية فأصبحت تشمل الأعراف الاجتماعية الناشئة عن التزام الأحكام الشرعية والأخلاق الإسلامية، مثل عادات الأعياد والزواج والأكل والشرب والزيارات والاتصال الجغرافي الذي يربط بين أجزاء العالم الإسلامي ووحدة الأهداف والآمال والتحديات(32) ولا عبرة بالانفصال الجغرافي اليوم، فهو انفصال طارئ أوجدته العوامل الاستعمارية والسياسية والاحتلالات الغربية. وبهذا نجد أن الإسلام يقيم من أتباعه أمة متكاملة موحدة مصداقاً لقوله تعالى الذي وصف المسلمين بالأمة فقال: (كنتم خير أمة أخرجت للناس)(33) وقوله: (وإن هذه أُمتكم أمة واحدة وأنا ربُّكم فاتقون)(34) وقال: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا)(35).
مفهوم الدولة الإسلامية
الأصل في المجتمع أن يكون له دولة تدير شؤونه وتهيمن على أمره، وبدونها تكون الأمور فوضى، والحياة مضطربة، يأكل فيها القوي الضعيف، ويظلم المتسلط المغلوب، ومن خصيصة البشر العدوان والظلم، فإذا لم يكبح السلطان واليد القاهرة، لم يستقم للبشر أمر، ولذلك اتفقت المجتمعات البشرية من أول شأنها في الحياة أن يقوم فرد منها يعاونه من المجتمع أفراد آخرون على تنظيم الأمور وسياسة المجتمع، مهما كان اسم هذا ملكاً أو أميراً أو شيخ قبيلة أو خليفة أو إمام(36). وضرورة ذلك واضحة لجميع الناس، إذ كلما اجتمع الناس وانتظموا وجب وجود من يمنع الفساد والتعدي بعضهم على بعض، وارتكاب المعاصي ومن يقوم بدفعهم إلى الطاغة والعبادة وإنصاف الناس والمروءة، وبذلك تتسق أمور المواطنين وتنتظم أحوالهم وتكون أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد(37).
وطبيعة الإسلام توجب إقامة الدولة وتفرضها، لأن الإسلام عقيدة وشريعة وخلق وقيم سامية ذات أنظمة متعددة عادلة تحكم الإنسان في تصرفاته ومعاملاته وعلاقاته، ولابد لتنفيذ النظام وضبط أمور الناس من دولة إسلامية. ولمّا كانت مهمة الإسلام وطبيعة حمل الدعوة الإسلامية بعقيدتها وأنظمتها إلى العالمين كان لابد أن تكون مهمة دولته كذلك في حراسة الدين ونشره، وتطبيق أنظمته لتحقيق العدالة بين الناس، وإيجاد المجتمع الفاضل والحياة المثلى، ومنع الظلم والعدوان، وقمع شهوات التسلط والبغي وكبح جماح طغيان الأثرة والمصلحة الخاصة، وإيقاف الإذلال والاستغلال والاحتكار ، ونصرة البائسين وحماية المستضعفين، وتوفير الطمأنينة والأمان لكل المواطنين، ومن هنا كانت مهمة الدولة في الإسلام حراسة الدين وسياسة الدنيا وهداية الناس ورحمتهم(38).
وإذا كانت الدول الحديثة تتخذ أشكالاً متعددة لها، منها الملكي ومنها الجمهوري ومنها مايكون رئيس الدولة فيها ممارساً للحكم فهو رئيس الدولة ورئيس الوزراء، ومنها ما يكون فيها رئيس الدولة يحكم ويرسم وله رئيس وزراء وجهاز حكم ينفذ، ومنها من لا يملك رئيس الدولة فيها سلطان، بل هو رمز لوحدة الأمة وانتظام أمورها; فإن الإسلام قد كون من أول أمره شكل الدولة في المدينة المنورة (على ساكنها أفضل الصلاة والسلام) بوجود رئيس للدولة يعاونه في الحكم جهاز من الولاة والعمال والقضاة والمعلمين والجند والشرطة والجباة لأموال الزكاة وغيرها والموظفين والحجّاب وغيرهم وكل مايلزم للدولة ورئيسها من أجهزة الدولة لكل شأن من شؤونها.
والمدار في شكل الدولة الإسلامية على تنصيب رئيس أعلى للدولة بكيفية تحقق اختيار من تتوافر فيه أهلية الرئاسة. وقد وضح الفقهاء أهلية الإمام استنباطاً من الآيات الكريمة وسنة النبي(صلى الله عليه وآله) وما فعله الخلفاء الراشدون وأجمعت عليه الأئمة، ووضحوا ما يشترط فيه وكيفية تعيينه، وبينوا صلاحيته، ومما يذكر أن النبي(صلى الله عليه وآله) لم يحدد شكلاً معيناً للدولة بعد تعيين الإمام، وإنما ترك للأمة تحديد الشكل الذي يمكن الإمام من حراسة الدين وسياسة الناس.
وقد انعقد إجماع المسلمين على وجوب تنصيب خليفة أو إمام أو سلطان أو أمير للمسلمين، يقول ابن حزم "اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عدل يقيم فيهم أحكام اللّه ويسوسهم بأحكام الشريعة التي جاء بها رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)(39).
ويقول الماوردي: "الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا وعقدها لمن يقوم بالأمة واجب بالإجماع"(40) ويقول ابن تيمية: "يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيامة للدين إلا بها فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم بالإجماع إلا بها لحاجة بعضهم إلى بعض، ولابد لهم عند الاجتماع من رئيس حتى قال النبي(صلى الله عليه وآله) "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّروا أحدهم" وجاء في مسند أحمد أن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: "لا يحق لثلاثة يكونون في فلاة من الأرض إلا أمرّوا عليهم أحدهم" فأوجب الرسول تأمير واحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الاجتماع، ثم إن اللّه أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة"(41).
ومثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سائر ما أوجبه اللّه من الجهاد والعدل وإقامة الحدود لا يتم إلا بالقوة والإمارة، يقول الغزالي: "إن الدين والأمن على الأنفس والأموال لا ينتظم إلا بسلطان مطاع وهذا ما تشهد له مشاهدة أوقات الفتك بموت السلاطين والأئمة، وأن ذلك لو دام ولم يتدارك بنصب سلطان آخر مطاع دام الهرج وعم السيف وشمل القحط"(42) والأدلة على ذلك كثيرة ; فقد روي عن نافع قال: قال لي عمر: سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) يقول "من خلع يداً من طاعة الله لقي اللّه يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" وروى مسلم عن أبي هريرة عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: "الإمام جُنّة يقاتل من ورائه ويتقى به" ويقول الدكتور عبد الكريم زيدان: "فمن البديهي أن في أحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها ما يتعلق بالدولة ونظام الحكم فيها ، كمبدأ الشورى، ومسؤولية الحكام ووجوب طاعتهم في المعروف وأحكام الحرب والسلم والمعاهدات إلى غير ذلك من الأحكام المتعلقة بالدولة وشؤونها، وفي السنة النبوية تتكرر ألفاظ "الأمير" و"الإمام" و"السلطان"(43) ، وقال الشيخ محمد مهدي الخالصي: "الإمامة رئاسة عامة لحفظ ما جاء به النبي(صلى الله عليه وآله) فإن النبي محتاج إليها من جهتين: الأولى تبليغ الأحكام من اللّه تعالى والوساطة بينه وبين خلقه في إيصال أوامره إليهم، والثانية حفظ تلك الأحكام من التحريف والدثور وإجرائها ورفع الخصومات والتنازع وإدارة شؤون الناس في كل ما يحتاجون إليه من أمور معاشهم ومعادهم، وإذا توفي النبي(صلى الله عليه وآله) انقطع الوحي لأن الشريعة والأحكام تكمل في زمنه فيبقى حفظها وإجراؤها، وإدارة أمور الناس بحاجة إلى من يقوم بها فلابد من رئيس يقوى على ذلك وهو إمام، وإذا لم يكن ذلك الرئيس عطلت الأحكام واختلت أمور الناس"(44).
ولم يشذ عن الإجماع إلا من لا يعتد برأيه كأبي بكر بن عبد الرحمن بن كيسان الأصم المعتزلي(45) والنجدات من الخوارج الذين قالوا بأنه لا يلزم إمامة بين الناس وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق فيما بينهم(46) وقد تعرض لهذا الخلاف علماء العقائد كالأيجي والجرجاني وذكروا أن الأئمة اختلفوا في وجوب نصب الإمام أم لا، وهل هو واجب عقلاً أم شرعاً، فقال أهل السنة والشيعة بالشرع، وقال بعض الزيدية والمعتزلة: بل عقلا، وقال الجاحظ وأبو الحسين الخياط وغيرهما من المعتزلة: بل عقلاً وشرعاً، وقالت بعض الخوارج: لايجب نصب الإمام علينا أصلا بل هو من الأمور الجائزة(47).
وقد رد الإسلام على المخالفين في وجوب نصب الإمام، أي في وجوب إقامة الدولة أو ممانعتهم لإقامة الإمام، وأثبتوا بالأدلة القاطعة وجوب إقامة الدولة وضرورة الطاعة لها شرعاً، وعلى الرغم من ذلك فلايزال أناس يزعمون أن الإسلام لا يرى نصب الإمام ولا إقامة الدولة الإسلامية، وهم يرون العالم كله لا يقوم إلا بدول وملوك ورؤساء ، وأن جميع أصحاب نظرية عدم الوجوب تخلّوا عنها عملياً وفي كل حين يطلع علينا واحد منهم يؤلف كتاباً في عدم إقامة الإمام، كعلي عبد الرازق في كتابه "الإسلام وأصول الحكم"(48) أو خالد محمد خالد في كتابيه "من هنا نبدأ"، و"الديموقراطية أبداً"(49) أو صادق العظم في كتابه "الفكر الديني" ويذهب كل ذلك هباء وصيحة في واد من غير صدى (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)(50) لأن الحق وأقلام الحق تقذف الباطل فتدمغه، ونصاعة الإسلام في قرآن اللّه وسنة محمد(صلى الله عليه وآله)واجتهادات الفقهاء وقيام الدولة عبر التاريخ تؤيد الكاتبين في تفنيد باطل هؤلاء وامثالهم كما فعل الشيخ محمد خضر الحسين شيخ الأزهر سابقاً في كتابه "نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم"(51) والشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية سابقاً في كتابه "حقيقة الإسلام وأصول الحكم"(52) والشيخ محمد الغزالي في كتابه "من هنا نعلم"(53) والشيخ تقي النبهان في كتابه "نظام الحكم في الإسلام"(54)والشيخ علي الصافي في كتابه "نقد الفكر الديني"(55).
وإذا كانت الدولة في الإسلام قامت بسيطة في تركيبها أول الأمر; نظراً لبساطة الأمة وقلة عددها فإنها قامت مستوفية شروطها مستكملة عناصرها موضحة أجهزتها وكان الرسول (عليه السلام) نبياً رسولاً وحاكماً منفذاً، وقائداً وقاضياً، يحمل أمانة الرسالة وأعباء الحكم معاً، وكانت العلاقة واضحة بين الحاكم والمحكوم.
وإني أخالف ماذهب إليه الدكتور صبحي الصالح في كتابه "النظم الإسلامية" من أن النبي(صلى الله عليه وآله) مهد لدولة الإسلام بإنشاء الجو الصالح لها جاعلاً في تقديره احتياج الحياة الإنسانية إلى التطور والنماء(56) لأني أعتقد أن الرسول(صلى الله عليه وآله) أقام الدولة الإسلامية منذ وطئت قدماه يثرب، ومذ آخى بين المهاجرين والأنصار وأذاع العهد (المنشور) لفئات السكّان في المدينة المنورة، وقد مهد لقيام الدولة بإنشاء الكتلة الإسلامية بالدعوة الصالحة وبيعتي العقبة الصغرى والكبرى وبـإرسال مصعب بن عمير وعبد الله بن أم مكتوم إلى المدينة المنورة قبل هجرته(صلى الله عليه وآله)، وبتقدم الدولة الإسلامية الناشئة واتصالها بالشعوب المختلفة والحضارات المتعددة، وباتساع رقعتها وصهرها الشعوب المختلفة في أمة واحدة اتسع مفهوم الدولة في الإسلام منذ عهد النبي(صلى الله عليه وآله) حتى زوال هذه الدولة بزوال الدولة العثمانية، وأصبح واضحاً كل الوضوح بالأسس والقواعد التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية وظهر بالتطبيق في دولة الرسول(صلى الله عليه وآله) والخلافة الراشدة.
ومن هنا نجد أن مفهوم الدولة في الإسلام يقوم على أمرين اثنين:
1- العقيدة الإسلامية بمفهومها الواضح الذي يعطي أهمية إيجابية خاصة لحاجات الإنسان على اختلاف نزعاتها واتجاهاتها، والتي تحل مشكلات الإنسان المادية وأشواقه الروحية; بالإيمان باللّه وملائكته ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر، والتي تفرض العبادة لتنظيم علاقة الإنسان باللّه، وتحيط العقيدة بالقيم العليا والأخلاق الفاضلة حتى تظل في جو من الطهر والسمو مستمر بأنظمتها التي تنبثق عنها، والتي تضع القواعد الثابتة والأحكام المستنبطة لمعالجة جميع شؤون الحياة وتحقيق مصلحة الفرد والجماعة، فهي تشمل المعاملات والقضاء والأحوال الشخصية والميراث والوصايا والحدود والعقوبات وعلاقات الدولة بغيرها وأحكام الجهاد (السير) والسلم وغيرها.
2- أجهزة الحكم التي تنفذ ما تتطلبه العقيدة من النشر والأنظمة من التطبيق، وأجهزة الحكم هذه تشمل السلطة التنفيذية والسلطة القضائية ; أما السلطة التشريعية في الإسلام فموكول أمرها لمجتهدي هذه الأمة يستنبطون الأحكام الشرعية من مصادرها الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وتتبنى الدولة من الأحكام المستنبطة ماينظم جميع شؤونها من أي مجتهد أو مذهب كان يختارها الحاكم بواسطة أهل الحل والعقد أو بواسطة مجلس تشريعي أو أي هيئة تمثل الدولة.
ومن واقع حياة الرسول(صلى الله عليه وآله) وواقع فعل الصحابة (عليهم الرضوان) وواقع الأمة الإسلامية في تاريخها اتخذت الدولة الإسلامية في مسيرتها الطويلة الشكل الذي يمكن أن يتطور في تحديث الدولة، وما يناسب تطور معاش الناس وأساليب حياتهم ونمو طرائق تعاملهم واستعمال وسائل التقنية الحديثة في حياتهم ضمن الإطار الإسلامي، وفي نطاق المضمون الذي رسم الإسلام خطوطه العريضة، ووضح حدود معالمه، فلم تكن الدولة في شكلها إمبراطورية لأن الشكل الامبراطوري يعني أن تشتمل الدولة على ولايات مستقلة في شؤونها الداخلية وأحكامها وقوانينها، ولكنها ترتبط بدولة يرأسها الامبراطور ارتباطاً في السياسة العامة، ويشارك في موازنة الدولة بجزء من أموالها الخاصة ، وتساعد الامبراطور بجيشها وقواتها أمام خصوم الامبراطورية . وشكل الدولة الإسلامية لم يكن كذلك.
ولم تكن الدولة الإسلامية ملكية وراثية بشكل الدولة القائمة حاليا في إنجلترا وهولندا وأمثالها من بلدان العالم، وإن اسم الملك على الخليفة والإمام في بعض عصور الدولة الإسلامية وإن حصرت الخلافة في أسرة معينة في بعض الدول الإسلامية كالأموية والعباسية والفاطمية ولم تكن الدولة في شكلها جمهورية تحدد فيها مدة رئيس الجمهورية بخمس سنوات أو أربع، وإنما تحدد مدة رئيس الدولة بمدى صلاحيته للحكم وتطبيق الإسلام.
ولا ينطبق أي شكل من أشكال الدول الحديثة على شكل الدولة الإسلامية من حيث إن الدولة الإسلامية تكون فيها السيادة للشرع لا للشعب والمشرّع فيها هو الله تعالى، فالحاكمية له سبحانه، والعلماء المجتهدون هم الذين يستنبطون الأحكام والقوانين من مصادرها الشرعية الكتاب والسنة والإجماع والقياس، والدولة تتبنى من اجتهادات العلماء القوانين اللازمة للتطبيق. والسلطان للشعب يختار رئيس الدولة (عند أهل السنة) ولا تتم رئاسته الا بالبيعة له من عامة الناس أو من أهل الحل والعقد فيها، ولا تملك الأمة عزله مادام صالحاً للحكم مطبقاً للأحكام والقوانين الشرعية، فاذا أخلّ بذلك استحق العزل، ويقرر ذلك محكمة تسمى محكمة المظالم. تعين من القضاة ولا تملك الدولة ان تعزل أعضاءها، وإنما يعزلون أنفسهم إذا أصبح العضو غير صالح للنظر في القضاء، ولهم السلطة الشاملة على الأمة ورئيس الدولة والحكومة كما للقضاء بعامة.
وليس فيها مجلس نيابي يشرع، وإنما يكون فيها مجلس نيابي يمثل الأمة في مراقبة رئيس الدولة ومن يعاونه في الحكم. وفيها مجلس شورى يرجع إليه رئيس الدولة مستشيراً في مهمات الأمور. والمساواة مقررة لجميع المواطنين. وأخوة المؤمنين واجبة لا يتميز أحد عن أحد إلا بالعمل والتقوى(57).
وقد ترك الإسلام للمسلمين; بعد أن وضح قواعد الحكم في سيادة الشرع وسلطان الأمة وعدالة القضاء وتساوي المواطنين وأخوة المؤمنين; وبعد أن قرر تنصيب الإمام (رئيس الدولة) وبيعة الأمة له; ترك للمسلمين أمر الشؤون التفصيلية في الدولة الإسلامية وشكلها ليتسع لأولي الأمر أن يضعوا أنظمتهم ويشكلوا حكومتهم ويعينوا وزراءهم ويكوّنوا مجالسهم بما يلائم أوضاعهم وأحوالهم ويتناسب مع تجديد أساليب الحياة ومعايش الناس(58).وحدة الدولة الإسلامية
عبرّ الفقهاء عن وحدة الدولة الإسلامية بوحدة الإمامة أو وحدة الخلافة، ذلك لأن الإسلام يهدف إلى تجميع المسلمين ووحدة صفهم، ولا يريد لهم الفرقة والضعف باعتبار أنهم أمة واحدة، فلابد أن يكونوا تحت رئاسة واحدة، تجنباً للفوضى والخلافات وضبطاً لأمور الأمة وشؤونها وتوحيداً لصفوفها قال جل جلاله: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)(59) ،وقال جل جلاله: (واعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرقوا)(60). وقال (عليه السلام): "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما"(61) وقال: "من أتاكم وأمركم جميع على أمر واحد يريد أن يفرق جماعتكم فاقتلوه"(62)، وقال "من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر"(63) والأمر بقتله محمول على ما إذا أصر على الخلاف فحينئذ يكون باغياً، فإذا لم يندفع إلا بالقتل قتل، وروي عنه(صلى الله عليه وآله) أنه قال: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، أعطوهم حقهم فإن اللّه سائلهم عما استرعاهم"(64).
ويؤخذ من هذه النصوص عدم جواز أن يكون أئمة متعددون، يستقل كل منهم بـإمامته وينفرد بحكمه، لكن لابد أن يكون إمام واحد تنضوي تحت لوائه جميع الأمة الإسلامية ويرتبط به جميع الأحكام، ضمن تعاليم الإسلام وأنظمته. وقد فهم المسلمون الأولون ذلك يوم اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة حين رفضوا أن يكون أميران لأنه لا يصلح سيفان في قراب واحد، يقول صاحب المسامرة "والمعنى في امتناع تعدد الإمام أنه مناف لمقصود الإمامة من اتحاد كلمة أهل الإسلام واندفاع الفتن، وأن التعدد يقتضي لزوم امتثال أحكام متضادة"(65).
تعدد الإمامة في البلد الواحد
اختلف العلماء على عدة آراء:
1- ذهبت طائفة من العلماء - وفي طليعتهم الإمام الغزالي - إلى أن الإمامة تنعقد صحيحة لمن انعقدت له من أكثر الخلق، والمخالف للأكثرية يعتبر باغياً يجب رده إلى الانقياد للحق(66).
2- ذهب أكثر أهل السنة إلى اعتبار الأسبقية في عقد الإمامة، فإذا بايع الأقل ذا أهلية أولاً، ثم بايعت الأكثرية غيره، فالإمامة الصحيحة للأول ولو كان المبايعون هم الأقل، ويجب رد إمامة الثاني، أو أن يتخلى عنها للإمام السابق في البيعة(67).
3- ذهبت طائفة إلى أن الإمامة تنعقد صحيحة للإمام الذي بويع له في نفس البلد الذي مات فيه الإمام السابق أو في عاصمة الخلافة حيث يكون أهل الحل والعقد فيها، وتعد إمامة غيره فاسدة في المصر الواحد.
4- وذهبت طائفة رابعة إلى أنه يجب على كل من الإمامين أن يتخلى عن الإمامة لصاحبه ويختار أهل الحل والعقد أو جميع الناس إذا أمكن واحداً منهما.
ويرجح الماوردي أن تكون الإمامة لأسبقهما بيعة وعقداً كالوليين في نكاح المرأة إذا زوجاها باثنين كان النكاح لأسبقهما عقداً، وقد ذكر أن هذا ما عليه المحققون(68).
والذي أميل إليه - استهداء باختيار عثمان وميل الناس له لأنه قبل أن يكون على شرط الشيخين أبي بكر وعمر - أن الإمامة تنعقد لمن اختاره أكثر الناس(69)لأن السلطان للأمة في اختيار الإمام الذي يحكمها بشرع اللّه ويرجح جانب الأكثرية إذا تساوى الإمامان في الشروط المعتبرة، لاسيما وأن إمكانية اختيار رئيس الدولة في زماننا هذه أسهل منها في الأيام الماضية.
ولا يفوتني أن أذكر هنا مؤكدا أن موقف الشيعة يفترق عن موقف أهل السنة، فهم يرون أن الخلافة ثبتت لعلي - كرم الله وجهه - بالنص على لسان النبي(صلى الله عليه وآله)ثم لمن بعده من آل البيت على لسان علي(رضي الله عنه) ورد في كتاب عقائد الإمامية للسيد محمد رضا المظفر "نعتقد أن الإمامة كالنبوة، لا تكون إلا بالنص من اللّه تعالى ولسان الإمام المنصوب بالنص إذا أراد أن ينص على الإمام من بعده وحكمها حكم النبوة بلا فرق"(70). واستدلوا بآيات من القرآن الكريم مثل قوله جل جلاله: (إنما وليكم اللّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) وأحاديث نبوية مثل حديث غدير خم، ولكل من أهل السنة والشيعة رأيه، ولا نجعل اختلاف الرأي مدعاة شقاق بين المسلمين(71) ونحن نواجه أعداء الإسلام والمسلمين ونسعى لإقامة حكم اللّه في الأرض، فإن وجد من يصلح للإمامة من آل البيت فهو أولى وإلا فمن المسلمين القادرين على أحكام الإسلام، ولا عبرة بالمغالين المتعصبين تعصب جهالة، فإن ذلك يضر بوحدة الأمة ويؤدي إلى فرقتها وضعفها.
خاتمة
ولابد أن نفرق بين وحدة الأمة ووحدة الدولة من جهة وبين الوحدة الإسلامية من جهة أخرى، والفرق بين وحدة الأمة الإسلامية ووحدة الدولة ظاهر مما تناولناه في الحديث عنهما، فالأمة غير الدولة وإن كانت لا تستغني إحداهما عن الأخرى، فالأمة نظام منفرط ينتظمه السلك القوي وهو الدولة ويمنعه من الانفراط.
والوحدة الإسلامية اليوم تعني أن نوحد هذه الشعوب التي تكوّن الأمة الإسلامية والمنضوية تحت دول مختلفة سمي بعضها دولاً عربية لها حكومات متعددة تحكم شعباً عربياً واحداً معظمه مسلمون، وسمي البعض الآخر دولاً إسلامية لها حكومات تحكم شعوباً متعددة أغلبهم مسلمون، وتوحيدها يكون بتوحيد ثقافتها وأنظمتها ومناهج تعليمها وسياستها الخارجية والداخلية وإزالة الحواجز الجمركية فيما بينها وحرية التنقل وتوحيد النقد وغير ذلك.
وقد نشأ الخلاف الكبير في مطلع القرن العشرين بين دعاة الوحدة الإسلامية ودعاة الوحدة العربية، ولم يتمكن دعاة الوحدة الإسلامية من الاستمرار في العمل لها لوجود عوامل مما تركه الاستعمار والاحتلال الأجنبي والتخلف الفكري وضبابية الفهم للإسلام ونزعات القبلية والتسلط وتمسك الحكام والأمراء والملوك بكراسيهم وضعف الإيمان والتقوى عند بعضهم وغيرها ، فصرفوا النظر عن الدعوة للوحدة الإسلامية. واستمر دعاة الوحدة العربية في دعوتهم وجندوا أقلامهم وأفكارهم لها، وحشدوا جموعهم وأحزابهم وزعماءهم وتشدقوا بألفاظ الوطنية والقومية والكبرياء القومي والوحدة، ونشأ أبناء العرب في القرن العشرين ينشدون الأناشيد التي تمجد هذه الدعوة إلى الوحدة وأنشئت مؤسسات ومنظمات وحدوية، ولكن الواقع كان يشهد فرقة وتمزقاً وتمسكاً بالنزعات القبلية والولاءات الإقليمية كالفلسطينية والسورية والأردنية والمصرية والفرعونية والمغربية والجزائرية وغيرها بحسب الدول أو الدويلات أو الإمارات التي نشأت، ولم تفلح منظمة الجامعة العربية أن توجد أي نوع من أنواع الوحدة العربية، وبذلك أصبحت الدعوة إلى الوحدة العربية جعجعة في الهواء وطحناً ولا قمح ولا طاحون.
وأصبحت الدعوة إلى الوحدة الإسلامية إلى تلاقي حكومات ومؤتمرات فأنشئت منظمة الدول الإسلامية وكانت كسالفتها منظمة الجامعة العربية... 

-----------------------------
1- باحث جامعي اردني.
2- الفيروزآبادي، القاموس المحيط.
3- آل عمران / 104.
4- آل عمران / 104 .
5- يونس / 47 .
6- يوسف / 45 .
7- تفسير الآلوسي 4/64 ، حاشية الجمل على الجلالين 1.
8- النحل / 120 .
9- تفسير الآلوسي 4/455 .
10- تفسير الزمخشري 1/698 ، تفسير ابن كثير 2/590 ، تفسير الألوسي 4/455 .
11- الزخرف / 22 .
12- حاشية الجمل على الجلالين 3/144 .
13- الأنبياء / 21 .
14- تفسير الالوسي 5/388 .
15- البقرة / 143 .
16- محمد مبارك، نظام الإسلام والحكم / 99 .
17- التوبة / 72 .
18- الحجرات / 13 .
19- النحل / 72 .
20- إبراهيم / 9 - 13 .
21- النحل / 36 .
22- سيرة ابن هشام 2/431 - 144 .
23- العجلوني، كشف الخفاء / 218 .
24- كنز العمال 3/109 .
25- رواه أبو داود، المنذري الترغيب والترهيب 4/11 .
26- الأنفال / 17 .
27- التوبة / 71 .
28- الحجرات / 10 .
29- محمد مبارك ، نظام الإسلام / 100 .
30- الحجرات / 13 .
31- تفسير الآلوسي 8/194 .
32- أنور الجندي ، معلمة الإسلام المجموعة الثانية / 266 .
33- آل عمران / 110 .
34- المؤمنون / 52 .
35- البقرة / 143 .
36- ابن خلدون المقدمة / 274 ، محمد موسى، نظام الحكم في الإسلام / 7 .
37- محمد باقر المجلسي، حياة القلوب 3/23 .
38- الأحكام السلطانية للماوردي / 5 .
39- الفصل في الملل والأهواء والنحل / 72 .
40- الأحكام السلطانية للماوردي / 5 .
41- السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية / 172 .
42- الاقتصاد في الاعتقاد / 135 .
43- الفرد والدولة في الشريعة الإسلامية للدكتور عبد الكريم زيدان / 4 .
44- إحياء الشريعة في مذهب الشيعة لحجة الإسلام محمد مهدي الخالصي / 58 .
45- هو عبد الرحمن بن أبي بكر الأصم صاحب المقالات في الأصول، ذكره عبد الجبار القاضي في طبقاتهم وكان من أفصح الناس وأورعهم وله تفسير قالوا عنه إنه عجيب ولم اطلع عليه، وليس هو حاتم الأصم الزاهد المشهور.
46- ابن حزم في كتاب الفصل 4/187 ، الماوردي في الأحكام السلطانية ، وهذا الرأي قريب من رأي الاشتراكية في فلسفتها الأصلية ولم تطبقها الشيوعية وثبت فشلها نظرياً وتطبيقاً.
47- شرح المواقف للجرجاني / 603 - 4 .
48- صدر في رمضان عام 1334 هج 1925م في القاهرة.
49- صدر الأول عام 1950م والثاني 1952م.
50- الرعد / 17 .
51- صدر عام 1925 بالقاهرة.
52- صدر عام 1344هج من المطبعة السلفية بالقاهرة.
53- صدر عام 1370هج، 1950م عن دار الكتاب العربي.
54- صدر عام 1951 ط أولى.
55- صدر عام 1970 .
56- النظم الإسلامية / 34 .
57- نظام الحكم للدكتور محمد موسى / 141 .
58- السياسة الشرعية لعبد الوهاب خلاف / 17 .
59- الأنفال / 40 .
60- آل عمران / 103 .
61- رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري.
62- رواه مسلم .
63- رواه مسلم في كتاب الإمارة.
64- رواه مسلم، وورد في المسامرة للكمال بن شريف شرح المسايرة للكمال بن الهمام 280.
65- المسامرة شرح المسايرة / 280 .
66- المسامرة / 280 .
67- المسامرة / 280 .
68- الأحكام السلطانية للماوردي / 9 .
69- شرح المسامرة / 280 .
70- ص / 72 .
71- الاختلاف الذي يشير اليه الباحث يرتبط بالامامة والخلافة أيام وجود الائمة الاثني عشر في الساحة الاجتماعية، وهذا الخلاف غير موجود بالنسبة للحاكم الاسلامي في عصرنا الراهن (التحرير).

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية