مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

مشكلات العالم الإسلامي ودور الوحدة في التغلب عليه
عبد الغني شمس الدين(1)

  لقد تناول الكثير من الباحثين والعلماء المسلمين المعاصرين مشكلات العالم الإسلامي بالبحث والشرح بأساليبهم الخاصة ، منهم - مثلا - الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ حسن حبنكة الميداني والشيخ فتحي يكن والشيخ محمد الغزالي والدكتور عبد العظيم ابراهيم وغيرهم. وهناك أيضا بحوث ودراسات تقدم في الندوات العلمية والمؤتمرات الدولية تتناول بالتمحيص مشكلات وعوامل ضعف الامة في الماضي والحاضر.
  ولم أشأ هنا أن أعيد ما قالوه ، بل ما أرجوه هو أن أوفق في تبيان بعض هذه المشكلات المستعصية بشكل عام، ثم أبين كيفية التغلب عليها ودور الوحدة الفكرية والسياسية والاقتصادية ونحوها في تحجيم هذه المشاكل واستئصالها من جذورها، حسب تصوري الخاص، مستعينا بالأطروحات والدراسات الجادة التي قام بها العلماء.
 
مشكلة العقيدة
  إذا أمعنا النظر في جميع بقاع العالم الاسلامي سنجد كثيرا من التصورات الفاسدة والمعتقدات التي قد لا تمت للدين بأية صلة تنتشر في عقول العوام وبعض البسطاء من أفراد هذه الامة.. هناك البهائية وهناك القاديانية وهناك حركة منكري
1- مفكر اسلامي من ماليزيا.السنة النبوية ونحوها. ومن المعلوم أن الضلالات والبدع يكون انتشارها أكثر بين الأوساط الشعبية وهم السواد الأعظم دائما للأمة، ومن هنا يأتي خطرها الكبير الذي يتمثل في إسدال الستار على العقل الاسلامي وإيجاد ظلمات بعضها فوق بعض في موكب الحياة العامة وإضاعة الفكر في متاهات غريبة لدى جماهير عريضة من أبناء الامة وهو ما يحول الامة المسلمة الى أمة مقعدة في عالم يجري كالريح المرسلة(1). ولقد كان من المفروض أن تضمحل هذه الضلالات بفضل التقدم العلمي وكثرة الدارسين والعلماء، الا أن الواقع يثبت عكس ذلك، فقد زادت الضلالات والامية الدينية لدى المثقفين العلمانيين وخاصة فيما يتعلق بأساسيات الدين. وما هو معلوم من الدين بالضرورة(2).
ولعل الضلالات الفكرية التي مني بها المثقفون الجدد أخطر من ضلالات العوام الذين يروجون المنكرات والتدجيل لأخذ أموال الناس ويتخذون القرآن للتبرك فقط، غافلين عن دوره في الهداية والإرشاد لصراط  مستقيم. إن الأمية الدينية أخطر بكثير من تلك الخزعبلات القديمة.
 
 مشكلة الافكار
  لا يخفى على أحد أن فساد الفكر يقترن دائما بفساد العقيدة كليا أو جزئيا، إذ أن الفكر أساس العمل، ويتحدث القرآن الكريم عن هذه الظاهرة في كثير من آياته كسبب من الاسباب التي تؤدي الى سقوط الأمة وخراب عمرانها وحضارتها. كما أن السنة النبوية أيضا تبين هذه الحالة - أي حالة سقوط الحضارات - حيث ينغلق الفكر ويختلط الحق بالباطل ، وينتشر الكفر الفعلي والانحراف العاطفي ويسود الهوى وتروج النظريات الفاسدة ويتحزب الناس أحزابا ويتحولون الى أدعياء دجالين. ومن الاحاديث التي تفيد ذلك، مارواه أبو هريرة: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)قال:
1- د. عاصم احمد عجيل، حرية الفكر وترشيد الواقع الاسلامي / 37. القاهرة 1990م.
2- مناع القطان معوقات تطبيق الشريعة الاسلامية / 8، القاهرة 1991.
 
"والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قتل ولا يدري المقتول علي أي شيء قُتِل" رواه مسلم. وفي حديث آخر إن النبي عليه الصلاة وسلم قال: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض". والكفر هنا كفر فكري، أي ضلال وانحراف صاحبه مع أنه مسلم(1) . وفي حديث آخر قال حذيفة: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: "تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء. وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى يصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة مادامت السموات والارض. والآخر أسود... لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا الاما أشرب من هواه" رواه مسلم.
  والانحراف في هذا الصدد يسميه البعض بمرحلة التيه الفكري. ففي مرحلة التيه الفكري تظهر طبقة من المثقفين المضلين المتشدقين الذين يخدعون الناس بنوع من الكلمات المبهمة ويقودونهم بهذه الكلمات الرمزية والشعارات المدوية الى الهاوية.
  وفي الواقع أن التمزق الفكري الداخلي للافراد أو للامم هو أول داء تصاب به الأمة . وعن طريق هذه الخلل الفكري، تدخل صنوف الخلل السلوكية نتيجة حتمية لخلل الفكر.والواقع خير شاهد بهذه المشكلة المستعصية .الانظمة العلمانية المتسلطة
  انتشرت العلمانية الحاكمة في كثير من دول المسلمين شرقا وغربا. وتاريخ اضطهاد الساسة العلمانيين للدعاة والحركات الاسلامية مليئة بمعاملات غير انسانية منافية للدين والاخلاق، فضلا عن تعارضها مع أبسط قوانين حقوق الانسان. فأقصي الاسلام عن الحكم والتشريع في الامور الجنائية ونحوها. وبقي محصورا فيما سمي بالاحوال الشخصية كما أقصي الإسلام عن التوجيه والتأثير في الحياة الثقافية والتربوية والاجتماعية الا في حدود ضئيلة وفسحوا المجال كل
1- عبد الحليم عويس ، تفسير التاريخ علم اسلامي / 72  القاهرة 1406 .المجال للتوجيه الغربي والثقافة الغربية والتقاليد الغربية(1).
 
مشكلة القيادة أو الامامة
  الامامة أو القيادة قضية محورية وجوهرية في معالجة مشاكل المسلمين في كل أقطار العالم الإسلامي. فبالامام التقي ينصلح أمر الامة. وغياب القيادة المؤثرة أو الامام القائم بتطبيق الشريعة والدفاع عن الحوزة الاسلامية يؤدي الى ضياع كثير من مصالح الامة وحدوث كثير من الانشقاقات والتحزب البغيض لدى طوائف الامة على اختلاف مناهجهم ومشاربهم. ولقد عانى كثير من الشعوب الاسلامية من الاضطهاد والاذلال من جراء القيادة التي فرغت السلطة السياسية من محتواها الشرعي وحولتها الى أداة القمع، وتعميق ركائز التغريب، والعلمنة في المجتمع الاسلامي . كما أن السلطة التي تكون في أيدي العلمانيين دائما تستخدم من أجل تشكيك الناس بصلاحية العلماء للقيادة، وتشويه سمعتهم ونزاهتهم، حتى تفر الامة من حول القيادة الرسالية، ويستأثر هؤلاء العلمانيون بالتوجيه والحكم كما يحلولهم .
 
الطائفية والعصبية
  إن النزاعات الطائفية والعصبية والنزوع الى التنازع بدلا من الحوار الهادئ البناء في حسم الخلافات بين أفراد الشعب أو  بين المنظمات لها أثر كبير في تردي الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية الى مستنقع أسوأ في الأقطار المسلمة.
  لقد استطاعت الدول الغربية أن تبني وحدات عديدة، ووضعت صيغا للاتفاق في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي بالرغم من اختلاف مذاهبهم الدينية والسياسية. ولكن فشلنا نحن كامة واحدة في أن نضع صيغة من الحلول المناسبة
1- "نحو وحدة فكرية للعاملين الاسلاميين مكتبة وهبه مصر 1992/1412 ص / 54.حيث يتفق عليها الجميع في مستوى من المستويات.
  ومن المعلوم جميعا ان العصبية المذهبية أوجدت حواجز كثيفة بين المسلمين في الماضي وأورثت فيما بينهم من العداوات ما شغلهم عن أعداء الاسلام - على اختلاف أنواعهم - وعن الأخطار المحدقة بالاسلام. وقد كان أهمها في هذا الامر الاستعمار والالحاد والتشكيك بالاسلام(1). مؤامرات قوى مناوئة للاسلام
  لاشك أن هناك كثيرا من المؤامرات والشرك تقوم بها قوى مناوئة للاسلام والحركات الاسلامية في العالم من قبل الاستعمار والصهيونية والمؤسسات الدولية، سواء كانت ثقافية أو اقتصادية لمنع الاسلاميين من تولي السلطة السياسية في الاقطار الاسلامية. لقد حاولوا إطفاء جذور الانبعاث الاسلامي بكل طرق وفي كل مكان وقدموا مساعدات ضخمة اقتصاديا وإعلاميا بل وعسكريا من أجل توطيد أركان الحكام العلمانيين المتسلطين. وشوهوا سمعة الرموز الاسلامية والشخصيات الحركية الناشطة بل أساءوا الى سمعة الاسلاميين .الفقر الاقتصادي وضعف الصناعة
  ابتلي العالم الاسلامي بسلسلة من المشكلات المستعصية، من الفرقة والحرب الاهلية، والاستعمار، وكيد الاعداء من الصهيونية وغيرها، مما أنتج عن ذلك ركودا في الثقافة وانحسارا في مستوى التعليم وندرة الايدي العاملة الكفوءة، وضعف الصناعة وتدني مستوى الانتاج، وذلك ما أدى الى وقوع الامة في الحلقة المفرغة بين الفقر والتأخر التعليمي والجهل والمرض ونحوها. ومما يزيد الطين بلة أن القروض الخارجية التي تقدمها الدول الغربية والبنوك الدولية للدول النامية في الغالب مقترنة بالسياسة الاقتصادية التي تكرس التبعية ومزيداً من التعلق بالدول الغربية ومزيدا
1- محمد المبارك، المجتمع الاسلامي المعاصر / 89  بيروت، 1971.من الفقر، بالاضافة الى ضياع الاستقلال الحقيقي للدول المعنية. ومن هنا كانت المشكلة الاقتصادية من أكبر المشاكل.
  ومن ناحية أخرى فان انعدام الاستقرار; سواء على مستوى السياسة الخارجية أو الداخلية وانعدام الشعور بالامن ، وانتهاك حقوق الافراد وانعدام حرية التصرف، يحول دون تقدم العالم الاسلامي في الاقتصاد والصناعة. ثم إن تغرير الدول النامية وكبت طاقاتها وتحجيم حقيقتها وخلق الاعذار في طرقها من قبل الدول المستعمرة، كزعمهم أن صناعات الآلات الحقيقية تحتاج الى وقت طويل، وإن على الدول النامية أن تقوم بصناعة الحاجات الأساسية،  وأن التقدم يحتاج الى مراحل متعددة ومتوالية، وتثبيط عزائم الامة يؤدي الى تخلف واضح،  والى جعل البلاد الاسلامية وعموم البلاد النامية سوقا رائجة لمنتجات الغرب. إن هذا الاسلوب ابتكرته أوروبا الغربية للسيطرة على العالم، فيما استغلت أمريكا الضعف المالي لمنظمة تحرير فلسطين كي ترضى بالحل الامريكي الصهيوني لمشكلة فلسطين بالرغم من بعده عن العدالة ومبادئ حقوق الانسان. وهناك من رضخ تحت وطأة الديون والفقر الاقتصادي لمخططات القوة الغربية لكي يقوموا بتنفيذ برامج ثقافية وسياسية واجتماعية  من شأنها أن تضاعف من وطأة العلمنة والتغريب في شخصية أفراد الامة.ضعف فعالية التنظيمات الاسلامية
  لقد تناول علماؤنا الاجلاء ودعاتنا الابرار بالتمحيص والتشخيص مظاهر الضعف في كيان المنظمات الاسلامية في كتبهم. فمنهم الدكتور السيد محمد نوح في كتابه: آفات على الطريق . حيث ذكر فيه الآفات التي تعتري العاملين الاسلاميين على المستوى الفردي، مثل الفتور في الحماسة، والاسراف، والاستعجال، والعزلة، والاعجاب بالنفس، والغرور، والتكبر ونحوها. وتناول الشيخ يوسف القرضاوي أيضا هذه القضية حيث قال: إن مصدر الخلل في الحركة الاسلامية هو ضعف النقد
الذاتي، والانقسام، والاختلاف، وغلبة الاتجاه العاطفي على الاتجاه العقلي والعلمي، والخوف من التجديد ونحوها.
  إن العمل الجماعي الناجح يتطلب في الواقع توافر شروط معينة، مثل وجود الطاقة العاملة النشيطة، والتنظيم الفعال، بالإضافة الى وجود وسائل تقنية تتناسب ومتطلبات العصر والاخلاقيات الحركية تحول دون تصدع المنظمات الاسلامية من الداخل. ومن الملاحظ أن أكثر هذه المنظمات والحركات الاسلامية تعاني كثيرا من أنواع العجز في مجالات شتى، سواء في التخطيط أو التنظيم أو الرجال أو المال.
 
ضعف تواجد الكيانات الدولية الاسلامية
  ومن ناحية أخرى فان المنظمات الدولية الاسلامية كمنظمة مؤتمر العالم الاسلامي وغيرها ضعيفة من حيث تأثيرها في الاحداث وإمكانيتها في تسيير دفة السياسة العالمية لصالح الامة المستضعفة . لقد رأينا إخفاقات عديدة في معالجتها لقضية المسلمين في بوسنا والهرسك وفي الصومال وفلسطين وغيرها.
  وحيث أن العوامل التي تضعف قوة هذه الكيانات الدولية الاسلامية كثيرة فينبغي النظر ومعالجة مسبباتها واقتلاع هذه العلل من جذورها.الاعلام الاسلامي دون مستوى المواجهة
  إن الجرائد والمجلات والنشرات أو المطبوعات وحتى الاذاعات الاسلامية مازالت محدودة من حيث تأثيرها في تكوين العقلية الاسلامية الصافية في كثير من أقطار العالم الاسلامي. والإعلام الاسلامي أضعف ما يكون في الدول الغربية أو دول آسيا الوسطى، ذلك لان العوامل الحيوية التي تساعد على نشاط الاعلام وتوسيع دائرة نفوذه تكاد تكون مفقودة، ومن هنا فان المنظمات الاسلامية وأجهزتها ينبغي أن تعمل جاهدة من أجل تعزيز جهاز الإعلام الإسلامي كي يكون في مستوى العصر.غياب الممارسات السياسية الناضجة والصحية
  من الملاحظ أن محاولات تطوير المجتمع طبقا للمسار الاسلامي ترتطم بالتدابير القمعية . والغريب أن طلائع العمل الاسلامي دائما يواجهون الصعوبات الجمة من أجل ممارسة حقوقهم السياسية والاجتماعية بالمقارنة مع فصائل أخرى علمانية أو قومية أو طائفية. فهؤلاء دائما ضحية المطاردة والاقصاء والتنكيل والاذلال من قبل حكوماتهم. فكأن الساسة في أقطار العالم الاسلامي أكثرهم ينظرون الى طلائع العمل الإسلامي بعين التخوف والشكوك والريب. ومن هنا فلا غرابة إذن أن يتحول الوضع السياسي  فيها الى أسوأ ما يكون.ضعف التربية الإسلامية
  الحركات والمنظمات الإسلامية تزداد باطراد بفعل الإنقسامات والانشقاقات الداخلية أو ظهور جيل جديد لا يؤمن بصلاحية قوالب من سلفهم، ولذا فإن ضعف مستوى التربية الحركية في كثير من هذه المنظمات أمر ملحوظ ومشهود.
  ثمة عوامل عديدة تساهم في إحداث هذه الظاهرة، منها قلة الخبراء والعلماء الذين صقلتهم الخبرة والتجربة، وكذلك ضعف الموارد المالية والرجال ، بالإضافة الى احتكاكات فردية بين عناصر القيادة، ومحاربة رجال الحركات الإسلامية. أما في مجال التعليم الرسمي في هذه الدول فمازالت تكتنفه الازدواجية وتسرب المفاهيم العلمانية والقومية في تدريس المواد الدراسية، مما يضعف رابطة الاخوة الاسلامية العالمية، وتتضاءل نزعة التدين، ويتردى مستوى الالتزام الخلقي، وينسلخ المراهقون والشبان من التراث والأصالة . ولقد دلت الاحصاءات التي نشرت من قبل المسؤولين من حين لآخر الى أن مقدار الجريمة والزنا والجنح والمخالفة التي ارتكبها الجيل الناشئ والشبان في هذه الدول يزداد باطراد.دور الوحدة في معالجة هذه المشاكل
  الوحدة لها أبعادها العديدة. ولعل البعد الجذري منها هو البعد الفكري أو
العقائدي. إذ أن الفكر أساس العمل والتصرف. والفكر في حد ذاته يعتمد على عناصر وعوامل عديدة. فبالاضافة الى رصيد العلم والفهم ووضوح التصور فإن الفكر ينبني على المنهج أو الاسس المنطقية السليمة للتوصل الى خلاصة فكرية صحيحة.
  وعلى ذلك كان من الضروري تأصيل المنهج الفكري المستقيم في المجتمعات الاسلامية ليتبناه أفراد الامة، كي يصلوا الى مستوى معين في التماثل الفكري. وبذلك يستطيعون أن يتوحدوا فكريا الى حدما. واذا استطعنا أن نحقق تقدما في مجال الفكر والوصول الى مستوى معين في التماثل الفكري عن طريق تقريب الهوة وإزالة الفجوة الحاصلة بين المناهج الفكرية المتباينة أو على الاقل عن طريق الاتفاق على المنطلقات الجوهرية في فهم المشاكل نكون قد قطعنا شوطا لابأس به في الاتجاه نحو التوحد.
  ومن ناحية أخرى، لابد أن تتضافر الجهود من أجل محاربة البدع  والخزعبلات أو الفكر الخرافي والامية الدينية والافكار العلمانية أو الهزيمة النفسية. إن الطاقة الذهنية لمفكري الامة ينبغي أن توظف توظيفا سليما بحيث تعالج قضايا حيوية ومصيرية لصالح الامة، بدلا من أن تبدد في قضايا فرعية وهامشية لا تسمن ولا تغني من جوع.
  وفيما يتعلق بالعلمانية فان الوحدة في الفكر فقط قد لا تأتي بالثمار المرجوة، فلابد من إقامة قلعة أو قلاع إسلامية لندك حصونها بشكل مؤثر. أقول لابد أن نقيم كيانا سياسيا إسلاميا قويا في كل أقطار العالم الاسلامي ليكون قاعدة للانطلاق الرسالي وبداية للتغيير الاجتماعي على نهج شامل في مختلف مناحي الحياة الاسلامية.
  ووجود هذا الكيان السياسي مرتبط بوجود قيادة دينية سياسية موحدة يحترمها جميع فصائل العمل الاسلامي فوق مستوى التأثر بنزاعات مذهبية أو طائفية أو عنصرية . ومن المعلوم أن الوحدة الفكرية قد تساهم في تعزيز قناعات إيجابية لدى الامة من أجل التغلب على نزاعات الانفراد والتشرذم أو الفرقة، وذلك
بواسطة تنصيب قيادة دينية سياسية عالمية . وبالرغم من أن هذا الاتجاه قد يحاربه كثير من القوى المناوئة شرقا أو غربا بيد أنه قد يعيد الامة الى مجدها وقوتها.
  أرى أن القيادة الاسلامية الموحدة أمر حيوي وملح. ومالم تحسم هذه القضية فان الصحوة الاسلامية مازالت في طور الوهن والضعف المستمر، لا حول لها ولا قوة.
  لابد أن نقيم مراكز العمل في كل قطر مزودة بجميع الامكانات اللازمة لتحقيق إنجازات جزئية ومستمرة في هذا الاتجاه. وإذا كان أعداء الصحوة الاسلامية لهم مراكز العمل ومراصد ومرافق في جميع أقطار العالم، ولهم عيون ورجال من جميع الجنسيات، فلا أقل أن يكون لنا نحن أيضا مثل هذه الإمكانيات، ثم لابد من مواجهتهم بما يواجهوننا به.
  واذا ما نجحنا في بناء قلعة أو قلاع إسلامية، وتحولت دولة ما الى حصن من حصون العمل الاسلامي، فبفضل التعاضد والتكاتف ووحدة الصف والعمل نستطيع أن نواجه المؤامرات، ونتغلب على كثير من الافخاخ المنصوبة من قبل المستعمرين وأذنابهم في كل المستويات.
  وفيما يتعلق بمشكلة الفقر الذي يعاني منه كثير من الدول الاسلامية فيمكن التغلب عليه بواسطة إيجاد نوع من التحالف على المستوى الاقليمي أو العالمي فيما بينها، وتنسيق السياسة المالية والتنموية والتصنيع بما يكمل النقص، وتسديد احتياج الدول من قبل الدول المسلمة الاخرى طبقا لبرنامج تنموي شامل وسياسة تصنيع متكاملة. ثم إن تطبيق فكرة إقامة السوق المشتركة قد يساهم بدوره أيضا في حل هذه المعضلة.
  علاوة على ذلك فان وحدة الفكر الحركي الاسلامي بدورها تساهم في تقريب وجهات النظر فيما بين فصائل العمل الاسلامي في كل قطر، ومن ثم يمكن وضع صيغة لميثاق الدعوة الاسلامية تقلل من أثر الانشطار الحركي واختلاف قوالب الدعوة، وتباين نوعية القيادة. إن الوحدة الإسلامية إذا تحققت سواء كانت في السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة أو العمل الحركي أو الاعلامي أو في المجال السلوكي
يمكن أن تذلل كثيرا من الصعوبات أو المشاكل التي يواجهها المسلمون كأمة واحدة. وهي بمثابة درع واق مهم لمواجهة تحديات المستقبل. ولذلك حاول الاعداء باستماتة - من حين لآخر - بث عوامل الفرقة والتباغض فيما بين المسلمين مستغلين تباين المواقف والمدارس والمناهج والعرق والاقطار والانتماءات. واذا استطاع المؤمنون أن يرتفعوا بأنفسهم دون الانشغال بالقضايا الهامشية، وركزوا جهودهم في تحسين مصائرهم والانكباب على الاعمال التي من شأنها أن توحد صفوفهم وتكرس جهودهم لصالح الامة ككل، فيومئذ يتحقق النصر الموعود لهم إن شاء اللّه. قال اللّه جل جلاله في محكم تنزيله: (ولينصرن اللّه من ينصره إن اللّه لقوي عزيز). 
 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية