مؤلفات الإمام الشهيد السيد محمد صادق الصدر ( قدس سره)

كتاب فقه الطب لسماحة السيد الشهيد محمد صادق الصدر

القسم الأول : مع الطبيب :: قبل الدراسة ::خلال الدراسة ::بعد الدراسة::
 

القسم الثاني : مع المريض :: كتاب الطهارة :: موجبات الوضوء :: الوضوء :: أسباب غسل الجنابة :: كيفية غسل الجنابة :: أحكام الحيض :: أحكام النفاس :: الاحتضار :: الغسل :: بقية التجهيز :: غُسل مسّ الميت :: مسوّغات التيمّم :: كيفية التيمم :: النجاسات :: المطهرات :: كتاب الصلاة ::أفعال الصلاة :: مبطلات الصلاة


القسم الثالث : سؤال وجواب


القسم الأول
مع الطبيب

أعني ما يعود إلى التكليف الشرعي للطبيب بصفته تلك
قبل الدراسة :
1. يعتبر الطب دينياً ودنيوياً من الصناعات الضرورية للمجتمع ، ودراسته والتخصص فيه من الواجبات الكفائية شرعاً . بمعنى أن الوجوب شامل لكل قادر على ذلك ، فإن قام به عدد كاف لسد حاجة المجتمع فقد أنجزوا الواجب . وإلا عوقب المجتمع سواء لم يقم أحد به أو قام به عدد أقل من الحاجة .
2. وهذا المعنى شامل لكل فروع الطب الضرورية . سواء كانت عامة كالباطنية أو جراحات التجميل الضرورية التي يمكن للفرد معايشة الناس دونها كبعض التشويهات . ولكنها غير شاملة لجراحات التجميل غير الضرورية كإزالة التجاعيد وغيرها .
3. كما أن الوجوب المشار إليه شامل للفروع الطبية الأخرى . وإن اتخذت اختصاصاً معيناً يختلف عنه ، كالصيدلة وصناعة المستلزمات الطبية والأدوية والأطراف الصناعية وغيرها . كما يشمل الإسعافات الأولية حال كونها ضرورية .
4. كما يشمل هذا الوجوب المشار إليه ، العمل من أجل نجاح النتائج الطبية كزراعة الحشائش الطبية وصناعنها وحفظها وبيعها ، وكذلك تحضير المواد التي تتوقف عليها الأعمال الطبية ، كالقطن زراعةً وإنتاجاً وتسويقاً لأجل إنتاج القطن الطبي ، والشاش الطبي ، وكذلك المعادن لأجل إنتاج الأجهزة الطبية وغير ذلك كثيراً .
5. كما يشمل هذا الوجوب كل عمل طبي يرجع إلى مراعاة المريض ، والإشراف على صحته كالتضميد والتمريض وزرق الإبر ونحوها داخل المستشفيات أو خارجها .
6. لا فرق في كل ما قلناه بين الرجال والنساء ، لكن يجب أن يكون كل منهما ملتزماً في عمله فيما كان آتياً بالواجبات الشرعية وترك المحرمات والتقيد بتعاليم الشريعة المقدسة . وهناك بعض التفاصيل سنشير إليها ضمن المسائل الآتية إن شاء الله تعالى .
7. قد يتعين على النساء العمل في مجال الطب في الحدود التي أشرنا إليها لقطع الحاجة في مراجعة النساء للرجال في أي فرع طبي. وإنما تكون عندئذ مراجعتهن للنساء خاصة سواء في المجال الطبي العام ، أو الاختصاصي، وخاصة في الأمراض النسائية التي يكون إشراف الطبيب عليها أشد حرمة من غيرها مع وجود الطبيبات .
8. يجوز بل يجب الالتحاق بالمعاهد الطبية مع الإمكان في حدود الواجب الكفائي الذي أشرنا إليه في المسألة الأولى . وفي حدود الالتزام بالحدود الشرعية التي اشرنا إليها في المسألة السادسة .
9. ينبغي أن يكون القصد من الالتحاق بالدراسة الطبية إنجاز الهدف الديني والإنساني منها ، وهي إفادة المجتمع في هذا الحقل وسد حاجاته، دون الأهداف الدنيوية كالحصول على الأرباح المتزايدة أو العيش المضمون.
10. لا فرق في جواز أو وجوب الدراسة الطبية في المكان في أي مستوى من مستويات الدراسة . سواء كان في بلده أو في بلد آخر مسلم أو في بلد غير مسلم . ولكن يجب على أي حال الالتزام بالتعاليم الشرعية وعدم التأثر والتقليد فيما يكون خارجاً عن ذلك في أي بلاد الله كان .
11. إذا كان الاختصاص الطبي المعين كجراحة القلب مثلاً ضرورياً للمجتمع فيجب على الفرد مع الأمكان . أو على مقدار الكفاية من الأفراد أن يقصدوا البلد الذي تتم فيه هذه الدراسة مسلماً كان أو غير مسلم ضمن الحدود المشار إليها .
12. لا يبعد أن يكون الاشتغال باختصاصات أخرى مفيدة للمجتمع ، مسقطاً للوجوب عن ذمة الفرد وهي كثيرة كرجل الدين والحلاق والافان وغيرها . وإنما يتنجز هذا الوجوب الكفائي في صور :-
الصورة الأولى :- أن يكون الفرد ممن لا عمل له أو في أوائل حياته الدراسية ، ويكون المجتمع محتاجاً لمزيد من العناية الطبية . فيجب على الفرد المبادرة إليها أو إلى دراستها مع الإمكان .
الصورة الثانية :- إذا كان العملون في اختصاص الفرد غير الطبي قليلين نسبياً ، والعاملون في المجال الطبي أنقص وأحوج أو أكثر ضرورة ، ولو لبعض الطوارئ كانتشار مرض معين ، فيجب ترك الفرد عملة ، والالتحاق بالمجال الطبي .
13. من النادر فقهياً أن نتصور أن العمل الطبي أو الدراسة الطبية تكون حراماً . فهي لا تكون حراماً باعتبار ما يزامنها أو يلحقها . أما ما يزامنها كترك الآداب الشرعية في العلاقات مع الجنس الآخر ، وأما ما يلحقها أو نتائجها كالتسبيب إلى الإضرار بالمريض ، أو قتله أو سرقته أو غشه ونحو ذلك .
وبالجملة فإن المحرمات في كل حقول الحياة محتملة وموجودة ، وخاصة في المجال الطبي في أي مرحلة من مراحله . فعلى الفرد أن يلاحظ طاعة الله سبحانه في كل صغيرة وكبيرة من حياته ، كما قيل في الحكمة: أخلص لله في نيتك وعملك ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، ولا تكن من الذين ( يحسبون أن الله لا يعلم كثيراً مما يعملون ) . فإن كان الفرد كذلك ارتفع عنه أي إشكال ديني أو دنيوي ، وسيأتي تباعاً الحديث عن بعض المحرمات الممكن حدوثها في مجال الطب .

خلال الدراسة

1. كما يجب دراسة الطب – كما قلنا - يجب بنفس الأهمية تدريس الطب . والتصدي لذلك لمن يعرف في نفسه القابلية لذلك مع الإمكان مع حفظ التعاليم الشرعية لنفسه ولطلابه بأن لا يطلب منهم أنجاز ماهو محرم في الشرعية المقدسة .
2. بالنسبة إلى الطالبة والمدرّسة ، فإنها يجب عليها خلال الدراسة ستر ما يجب عليها ستره شرعاً من جسمها وشعرها عن الرجال من طلاب ومدرسين وغيرهم . ومع وجود معهد خاص بالنساء فأن الأحوط اختياره على المعاهد المختلطة .
3. بالنسبة إلى الطالب والمدرس ، فإنه يجوز له النظر إلى وجوه النساء من طالبات ومدرسات وغيرهن وسماع أصواتهن ، كل ذلك بغير شهوة وكذلك يجوز النظر إلى شعور الطالبات أو المدرسات أو غيرهن من السافرات إذا كن بحيث ( إذا نهيتهن لا ينتهين ) . يعني مصرات على استمرار حالهن في السفور . ويجوز سماع أصواتهن أيضاً ، لكن كل ذلك بغير شهوة . وهذا القيد أعني ترك الشهوة لا بد منه شرعاً ، وإن كان صعباً ونادراً بالنسبة إلى فترة الشباب للإنسان .
4. يجوز المناقشة بين الجنسين من طلاب ومدرسين في حدود ما قلناه في المسألة السابقة ، في الأمور العلمية والاختصاصية التي تهمهم في الدراسة . بل وفي غيرها ما لم يبلغ حد الخضوع في القول ، وهو الكلام المثير للشهوة بالمباشرة أو بالتسبيب .
5. الجنسان مشتركان فيما يجوز النظر إليه وفيما لا يجوز، وفيما يجوز سماعه وما لا يجوز من الجنس الآخر، بل وفي وجوب التستر عن الجنس الآخر أيضاً ، وخاصة فيما كان محتمل الإثارة الجنسية للآخرين . لا يستثنى من ذلك إلا الشعر ، حيث يجب على المرأة ستره دون الرجل لا يختلف ذلك في كل أماكن المجتمع .
6. يجوز للنساء كشف وجوههن بالمقدار الذي يجب غسله في الوضوء ، وكشف أيديهن وهي الكف فقط إلى الزند ، دون ما فوقه . بشرط أن يكون الوجه والكفان خالية من الزينة تماماً . ولكن لا بأس بحف الشعر الخالي من الإثارة الجنسية .
7. يجب على المرأة تجريد الكف الظاهر من الزينة . وإذا كان في ذلك حرج إجتماعي ، وجب ستر الكف إلا مع وجود الحرج أيضاً .
8. كل ما وجب ستره على المرأة أو الرجل يجوز كشفه مع التقية وخاصة إذا اشتملت على الخوف على النفس أو التشويه أو أي ضرر بليغ .
9. لا يجوز للمدرسين أن يطلبوا من طلابهم ما يحرم عليهم فعله ولو في مجال الدراسة نفسه ، كتشريح جسم المسلم أو النظر إلى عورته بلا ضرورة . أو أن تكشف المرأة عما لا يجوز لها كشفه من جسمها كشعرها وذراعيها . وكذلك فيما أذا كان الدرس منافياً لأوقات الصلاة ، بحيث تفوت معه الصلاة تماماً ، إلى غير ذلك من المحرمات المحتملة .
10. في التشريح عدة أحكام إلزامية إلا مع الضرورة التي نشير إليها في المسألة التالية ، منها : -
أولاً : لا يجوز النظر إلى عموم الجسد العاري المسجى ولو بدون شهوة من قبل الجنس الآخر ، ولكن يجوز النظر مع الموافقة بالجنس .
ثانياً : لا يجوز (المثلة) بالمسلم بل بأي إنسان بل بأي ذي روح حتى الحشرات على الأحوط ، فضلاً عن الحيوان فضلاً عن الإنسان . والمثلة هو لدى المتشرعة التقطيع للتشفي أو للتشهي ، فاللازم الأقتصار من التشريح على ما هو لازم للدراسة فقط ، فإن زاد على ذلك ولو قليلاً كان حراماً .
ثالثاً : جسد الميت قد يكون نجساً ، يوجب لمسه تطهير اليد أو غيرها . فإن أجساد الموتى من الكفار كلهم نجسة ، وكذلك المسلمين بعد بردهم بالموت وقبل تغسيلهم صحيحاً على الأحوط وجوباً .
رابعاً : يضاف إلى ذلك : أن جسد الميت المسلم بعد برده وقبل تغسيله ، وكذلك جسد الكافر حتى لو تم تغسيله ، فإنه يوجب بمسه (غسل مس الميت) الذي لا تصح الصلاة بدونه . ومع إنجازه لا يجب الوضوء معه ، لا يختلف في ذلك ظاهرا الجسد وباطنه ، أعني مس اللحم أو العظم لدى التشريح . كما لا يختلف في هذا الوجوب المدرسون والطلاب ذكوراً وإناثاً . أما جسم الحيوان الميت فلا يجب بمسّه الغسل أطلاقاً .
خامساً : أن باطن الجسد قد يحتوي على عين نجاسة ، حتى لو كان ظاهره طاهراً ، كالدم والبول والغائط . وأما مع نجاسة الظاهر – كما أشرنا في ( رابعاً ) - فباطن الجسد كله نجس كظاهره لا يفرق في ذلك الدم عن اللحم والبول عن الكلية والأمعاء عن الغائط الذي تحويه .
11. يجوز التشريح في الموارد الآتية :
أولاً : الأحوط اختيار جسد غير المسلم للتشريح ، ولا يصار إلى جسد المسلم إلا مع التعذر .
ثانياً : التشريح جائز للدراسة وبمقدار الحاجة ، فيما يتوقف عليه بعلم الطب ، مما هو في مصلحة المجتمع ، حتى لو لزم منه النظر إلى العورة ، ويكون الزائد عن ذلك حراماً .
ثالثاً : التشريح لمعرفة سبب الموت غير جائز شرعاً إلا في مورد الترافع أمام القاضي الشرعي الجامع للشرائط .
رابعاً : تشريح الجسد الحي ، كما في العمليات الجراحية ، جائز في حدود الضرورة ويكون الزائد على ذلك حراماً ومضموناً على الفاعل.
خامساً : تشريح جسد الميت أو قطعه لأجل الحصول على بعض أعضائه لتركيبها في الحي ، جائز مع الضرورة الفعلية . وأما الحصول عليها لأجل حفظها لإحتمال الحجة ، فلا يجوز على الأحوط ووجوباً نعم ، مع الأطمئنان بحصولها ، واستمرار ذلك في المستشفيات فإن الحرمة تكون مرتفعة .
سادساً : إذا ماتت الأم الحامل ، وبقي جنينها حياً ، وجب شق بطنها وإخراج الجنين منها . وإذا مات الجنين في بطن الحامل وجب إخراجه ولو مقطعاً ،إذا لم يمكن إخراجه كاملاً . ومع توفر المرأة العاملة لذلك وما قبله يتعين بها .
12. يجوز الصناعة المجسمة للدراسة للأجزاء الداخلية للإنسان، كالعظام والقلب والرئتين والكيتين وغير ذلك، حتى السن واللسان . وأما الأجزاء الظاهرة للجسم فلا يجوز على الأحوط ، صناعة المجسم منها كالعين والأنف والكف والقدم وغيرها ، إلا مع إنحصار ضرورة الدراسة بها .
13. لا يجوز تجربة الدواء على إنسان حي ، سواء كان مريضاً أم سليماً ، فيما إذا كان يحتمل الاضرار به معتداً به ، حتى وإن توقفت الدراسة عليه ومع الضرورة يمكن التجربة على الحيوان أو الكافر .
14. ما قلنا في المسألة السابقة لا يشمل تجربة الدواء الذي لا يكون مضراً ، أو محتمل الضرر ، بل يراد مراقبة مقدار نفعه في الشفاء بمرض معين مثلاً . ولكن إن لم ينفع فإنه لا يضر ضرراً معتداً به ، فتكون التجربة جائزة.
15. من زاوية الفرد الشارب للعقار المشار إليه ، فإنه لا يجوز له ذلك إن كان هناك ظن بالضرر المعتد به . وهذا الحكم يشمل كل العقارات وأكل أي نبات أو جزء من حيوان ، سواء كان على شكل التجربة أم لم يكن الظن بالضرر موجوداً ، بل كان إحتماله ضعيفاً أو كان الضرر المحتمل ضئيلاً ، كصداع لمدة ساعة مثلاً جاز شرب العقار .
16. ما لا يجوز من الأمور السابقة ، في ضمن الدراسة أو في غيرها لا يجوز أيضاً إنجازها لو أمر بها المدرس ، بل يحب تركها تفضيلاً لأمر الشريعة لا محالة . نعم ، ما جاء من المظورات خلال الدراسة أو لأجلها ، كما أشرنا إلى جانب منها ، جاز إطاعة وتنفيذ أمر المدرس بها في تلك الحدود .
17. أراضي وبنايات المدارس والمستشفيات والمستوصفات والمصحات وكثير غيرها من المؤسسات ، هي في عالمنا الحاضر ، في الأعم الأغلب ، من الأموال المجهولة المالك . فيجب تطبيق حكم المال المجهول المالك عليها . ومن جهة المؤلف : فإنه يجيز هذه التصرفات في حدود ما هو جائز شرعاً ، بشرط إعطاء أجور رمزية إلى المحتاجين المؤمنين ، بمقدار معتدّ به نسبياً ، آخذين بنظر الأعتبار مقدار تصرف الفرد في مثل هذه الأموال . هذا حكم غير المنقول من الأموال المجهولة المالك مما لا يمكن للفرد حيازته لنفسه ، دون ما سواها ، من أشكال المال المجهول المال
18. بالنسبة إلى الصلاة خلال الدوام في المعاهد عموماً ، بما فيها المعاهد الطبية ، فأن حكمها هو الإتمام على كل حال ، وكذلك وجوب الصوم . وذلك عن كل الصور المحتملة التي نشير إليها إجمالاً فيما يلي :
أولاً : أن تكون دراسته في بلد سكناه نفسه .
ثانياً : أن يبعد محل دراسته عن بلدة أقل من نصف مسافة القصر
ثالثاً :أن يبعد محل دراسته عن بلده نصفاً فأكثر من مسافة القصر بحيث لو كان سفره اعتياداً لوجب التقصير لمريد الرجوع ليومه.
رابعاً : أن يبعد عنه مسافة بمقدار القصر فأكثر ، وهو يذهب ويعود إليه كل يوم أو أسبوعياً .
خامساً : أن يبعد عنه بمقدار المسافة ، وهو ساكن في محل دراسته .
سادساُ : أن يبعد بمقدار المسافة وهو يشك في مقدار بقائه خلال أيام الدراسة ، بحيث لو كان سفراً أعتيادياً لاستمر القصر إلى شهر كامل .
فإن الطالب والمدرس وأضرابهما ، هم ممن يتوقف عملهم على السفر. وما دام الفرد كذلك يجب عليه التمام في الذهاب والمجئ وحال البقاء في عمله ، فإن عاد إلى وطنه موقتاً أو دائماً صلى تماماً أيضاً .
نعم ، إذا خرج من وطنه أو من محمل دراسته لسفر خارج عن عمله وجب عليه القصر. ولو كان هذا السفر داخلاً في عمله كالبحوث الميدانية وجب التمام أيضاَ ، ذهاباً ومجيئاً وبقاء .

بعد الدراسة

وأعني به حال الطبيب بعد تخرجه في عمله في العيادة أو المستشفيات أو غيرها . وهو الجزء الأهم من تاريخ حياته.
1. لا يجوز الغش في وصف الدواء ، سواء من أجل النفع الاقتصادي أو تشفياً بالمريض أو لأي غرض آخر . فإنه غير جائز سواء أوحب قتل المريض أو زيادة مرضه أو طول مدته أو إتعابه في التردد وصرف الأموال أو إحداث مرضآخر في جسمه أو غير ذلك. بل يجب على الطبيب أن يبذل جهده في مصلحة المريض تماماً بإخلاص ، بعد أن أوكل المريض أمره إليه ووثق به بمقتضى مراجعته إياه . ومهمة الطبيب إنسانية قد يؤدي الغش فيها إلى ما لا تحمد عقباه.
2. إذا بذل الطبيب جهده بإخلاص لمريضه فأخطأ لم يكن عليه شئ فإن شك المريض في ذلك أمكنه مرافعته أمام القضاء ، ومن الناحية الشرعية يمكن للمريض أن يطلب منه القسم على أنه مخطئ غير متعمد . فأن أقسم انحسمت الدعوى ودفع للمريض غرامته من بيت المال ، وأما إذا لم يقسم الطبيب وجب عليه دفع الغرامة من ماله .
3. لا يختلف حكم الغش المؤدي إلى الضرر ، بين أن يكون في وصف الدواء أو تعيين الغذاء أو العمليات الجراحية أو في بعض الاختصاصات كطب العيون أو الأسنان أو القلب أو الحنجرة أو غيرها .
4. يجوز استقبال الأطباء للمريضات حتى لو كن سافرات أذا كن ممن (إذا تهيتهن لا ينتهين) ، سواء كان ذلك في العيادات أو المستشفيات أو غيرها . ولكن لا يجوز للطبيب أن ينظر إلى مريضته بشهوة على أي حال ، ولا أن يلمسها لغير الضرورة الطبية بشهوة أو بدونها . ولكن له أن يبادلها الكلام بغير شهوة أو تسبيب لها . أما مقدار فحصهم لهن فهو مما سنذكره في بعض المسائل الأتية .
5. لا يجوز للطبيبات أن يستقبلن المرضى من الرجال إذا كن في الحجاب الشرعي . ولا يحوز لأي منهما النظر بشهوة أو السماع بشهوة ، كما لا يجووز اللمس لغير الضرورة الطبية وإن لم يكن بشهوة .
6. ما قلناه للأطباء ينطبق على الصيادلة أيضاً ، سواء بالنسبة إلى حرمة الغش في الدواء أو جواز استقبال الجنس الآخر مع حرمة استعمال الشهوة .
7. يحرم على الطبيب أن يكشف من المرأة ما سترته من جسمها ، حتى لو كانت سافرة . إلا بمقدار الضرورة الطبية سواء كان ذلك في المعاينة أو العملية الجراحية أو بأي سبب آخر .ولا يجوز للمريضة أن تكشف له أكثر من مقدار الضرورة أيضاً . وأما تحديد الضرورة فهو بيد الطبيب المعالج نفسه . وأما رضاها بالكشف عن بعض جسمها أو طلبه لها بذلك أكثر من الضرورة ، فهو لا يجعله جائزاً في الشريعة .
8. ما قلناه في المسألة السابقة ينطبق على حال الطبيبات مع الرجال ايضاً وعلى كل من له عمل طبي كالتضميد والتمريض بالنسبة إلى الجنس الآخر .
9. وأما مع اتحاد الجنس أعني الرجال للرجال والنساء للنساء ، فيجوز الكشف اختياراً فيما عدا العورة ، كما هي محددة فقهياً . فتبقى محرمة حتى مع اتحاد الجنس إلا مع الضرورة الطبية مما هو خاص بها .
10. ولذا قال الفقهاء : إن الشخص المسلم إذا بلغ غير مختون ، أو أسلم الكافر وهو غير مختون ، وجب عليه أن يختن نفسه ، لحرمة انكشافه للأخرين مع وضوح أن زوجته عاجزة عن ذلك ، كما هو الأغلب ، جاز له إجراء هذه العملية عند طبيب موثوق . نعم ، إذا انحصر الأمر بالجنس الآخر ، أيضاً إذا كانت المضاعفات ضرراً معتداً به .
11. لأغلب الأدوية مضاعفات إلى جانب تأثيرها في الشفاء . ولعل من الواضح عند الأطباء لزوم تقليل هذه المضاعفات إلى أقل مقدار ممكن ، من حيث تقليل الكمية أو إعطاء المانع لها ونحو ذلك . وهذا واجب شرعأ أيضاً إذا كانت المضاعفات ضرراً معتداً به .
12. لا يجوز في العمليت الجراحية حتى البسيطة منها كقلع السن ، فضلاً عن المعقدة لا يجوز فيها تصرف الجراح في جسد المريض أكثر مما هو سبب للشفاء . وأما الزائد عن ذلك فيضمنه الطبيب سواء كان همداً أو خطأ . وأما لو كان العمل بمقدار الضرورة وحصل الخطأ ، فيشمله ما قلنا في المسألة (2) من هذا الفصل .
13. لا يجوز إجراء التجارب بإجراء العمليات الجراحية ، إلا ما كان ضرورياً للتعلم لأجل المصلحة العامة . وموافقة الفرد عليها لا دخل لها في تحريم الحلال أو تحليل الحرام منها. ولا يجوز إرضاؤه بالمال إذا كان حراماً ولا يحل المال له .
14. من العمليات الجراحية ما هو واجب شرعاً ، ومنها ما هو جائز ، ومنها ما هو حرام ، أعني حسب التكليف الشرعي للطبيب . ويجوز أخذ الأجرة من المريض في القسمين الأولين دون الأخير .
15. فالعمليات الجراحية الواجبة لا يجوز للطبيب تركها حتى لو رفض المريض أو أهله . ما يتوقف عليها إنقاذ النفس المحترمة من الوفاة أو الضرر العظيم . والعمليات الجراحية الجائزة هي التي لا تندرج في الواجب منها ولا الحرام .
16. العمليات الجراحية المحرمة على الطبيب، هي التي تكون ظلماً للمريض. كالعمل أكثر من الحاجة الضرورية، أو لمجرد إجراء التجربة كما سبق، أو لأن احتمال نجاحها ضعيف ، أو لأن مضاعفاتها أكثر من نفعها ، أو لأنها غير ضرورية بطبعها ، فيجب أخذ موافقة المريض عليها ، فإن لم يوافق كانت حراماً .
17. وهناك من العمليات الجراحية ما يكون حراماً لأسباب أخرى أهمها تنفيذها للجنس الآخر ، وخاصة في منطقة العورة ، إلا مع الضرورة وانحصار المداواة بغير الجنس المماثل .
18. إذن فعمل الأطباء في الجراحات مع النساء حرام ، وعمل الطبيب النسائي أشد حرمة ، إلا مع الضرورة المشار إليها . بل وكذلك الطبيبات النسائيات للمريضات ، فيما يلزم منه النظر إلى العورة أو لمسها إلا مع الضرورة المشار إليها . ومعه ، فيما يسمى بالفحص الداخلي لا يجوز للطبيب ولا للطبيبة ولا للمريضة عمله ، إلا في حال الضرورة وهي المبادرة إلى دفع مرض فعلي مضرّ بالحال .
19. إذا لم يلزم من الفحص الداخلي للطبيبة ، النظر إلى العورة أو لمسها ، لو بأعتبار التحرر من ذلك ووضع الموانع منه ، جاز الفحص . فإن النظر واللمس حرام للقسم الظاهر من عورة المراة لا للأعضاء الداخلية .
20. لا يجوز وصف الخمر كدواء لأي مرض ، إلا مع الضرورة والانحصار بالتداوي به ، وهو المسكر المتخذ من المواد الطبيعية التالية : العنب والتمر والشعير والعسل . وحكمه النجاسة وحرمة الشرب . وأما سائر المسكرات فشربها حرام إلى أنها غير نجسة . ولكن لا يجوز وصفها أيضاً إلا لتلك الضرورة .
21. إن كانت الكحول متخذة من المواد السبقة شملها حكم الخمر ، وإلا شملها حكم المسكر ، بما فيها الكحول المتخذة من مستحضرات كيمياوية .
22. لا يجوز وصف دواء يحتوي على خمر، بالمعنى السابق، مهما كانت نسبته قليلة. إلا مع الضرورة المشار إليها . فمن الناحية العملية يكون حكمه حكم الخمر . وأما الأدوية المحتوية على غير الخمر من الكحول ، فيجوز تناولها إذا كانت نسبة الكحول فيها مستهلكة وهي 1,5 % أو أقل . وأما إذا كانت نسبتها أكثر فلا تجوز إلا مع الضرورة المشار إليها أيضاً . وإذا شككنا أن الكحول الموضوع في الدواء من نوع الخمر أو غيره ، أمكننا اعتباره شرعاً من غيره ، ولا يفرق بين هذه الأحكام في الأدوية السائلة أو الجامدة كالحبوب ، بل وحتى التزريق بالإبر على الأحوط وجوباً.
23. ما قلناه في المسائل السابقة ، لا يفرق فيه بين الطبيب والصيدلي والمريض . في مورد الحرمة كما لا يجوز للطبيب أن يصفه ، لا يجوز للصيدلي أن يعطيه للمريض ويكون ثمنه حراماً ، كما لا يجوز للمريض أن يشربه . وفي مورد الحلية ، يجوز كل ذلك .
24. لا يجوز إجراء التجارب في تناول الأدوية على الإنسان المسلم ، إذا كان فيها إحتمال ضرر معتد به ، إلا في صورة أشرنا إليها في مسألة (13) من هذا الفصل .
25. وصف الموسيقى كدواء لبعض الأمراض النفسية أو الجسدية ، غير جائز ، إلا مع الضرورة والانحصار كما قلنا في الخمر . وإن كان لجوازه هنا وجه إذا كانت الموسيقى بدون صوت بشري ، إلا أن هذا الوجه يكون باطلاً مع الغناء البشري .
26. يجوز للطبيب أخذ الأجرة على المعاينة ، حتى مع الضرورة والانحصار به ، فضلاً عن غيرهما ، سواء كان ذلك في العيادات أو المستشفيات . نعم ، لو كان المستشفى شخصياً واشترط صاحبه المجانية للمرضى اكتفاءً على ما يعطيه هو من أجر ، وجب على الطبيب انجاز الشرط .
27. يجوز للصيدلي أخذ ثمن الدواء حتى مع الضرورة والانحصار ، فضلاً عن غيرهما .
28. العمل في الاماكن ذات صفة (المال المجهول المالك) وهي المؤسسات الحكومية عموماً . بما فيها المستشفيات والمستوصفات ، وغيرها تحتاج إلى تطبيق حكم هذا المال ، كما أشرنا في المسألة ( 17 ) من الفصل السابق سواء بالنسبة إلى الأطباء أو الممرضات أو المضمدين أو الخدمة أو الطلاب أو المراجعين أو الأطباء المقيمين أو الإداريين أو أي شخص آخر .
29. التصرف فيما هو منقول من الأموال المجهولة المالك، مما لا يمكن حياظته للفرد عرفاً أو قانوناً أو شرعاً، مثل أجهزة الفحص والأشعة وأجهزة العمليات والأدوية التي في المستشفيات تناولاً أو بيعاً . إلى غير ذلك من التصرفات ، حتى مثل كنس الساحة أو تنظيف أسرة المرضى أو غيرهما ، كلها منوطة بالشرط المذكور في المسألة (17) المشار إليها سلفاً .
30. حيازة الأموال المنقولة المجهولة المالك مما هو ممنوع قانوناً ، منوط بإذن الحاكم الشرعي . ومن ناحية المؤلف فإنه لا يعطي بذلك إجازة ، ما دام ممنوعاً قانوناً. ويكون بمنزلة السرقة عرفاً وقانوناً ، سواء أمكن للسلطة التعرف عليه أم لا. لا يختلف في ذلك كل مرافق الدولة وما تشرف عليه من الأموال . إلا ما كان لضرورة حياته وطعامة وشرابه فإنه مجاز ولكن يشمل حكم الخمس .
31. إذا وقع في يد الفرد من الأموال المجهولة المالك ، من غير النقود ، إما صدفة أو عصياناً ، فلا يجب بل لا يجوز إرجاعه إلا مع خوف الضرر . بل له عندئذ أن يتصدق بقيمته يوم حيازته ، ثم يجري عليه حكم المجهول المالك الذي نشير إليه في المسألة التالية .
32. النقود المجهولة المالك ، يمكن إعطاؤها للحاكم الشرعي أو التصرف بها بإذنه . ومن ناحية المؤلف فإنه يجيز التصرف بها بشرط أن لا تكون من ظلم ولا إلى ظلم ، ولا على شكل السرقة ( التي أشرنا إليها في المسألة 30 قبل قليل ) ويقول عند قبضه للمال : أقبضه نيابة عن الحاكم الشرعي ، وأتملكه لنفسي . فيدخل في ملكه ، ويكون حسابه حساب أمواله الأخرى في جواز التصرف ووجوب الخمس ، وغير ذلك .
33. إذا أمره شخص ظالم بالإضرار صحياً بأي مسلم محقون الدم ، وجب عصيانه وأخذ الأجر على ذلك حرام . سواء كان الضرر هو القتل أو ما دونه ويضمنه الطبيب لو حصل .
34. مع حصول الأكراه بالضرر المشار إليه ، كان له اختيار أخف الضررين : المطلوب منه والواقع عليه ، فإن وصل الإكراه ، إلى حد النفس قدم نفسه إلا أن يعلم أن الآخر باطل العقيدة .
35. لا يجوز وصف الدواء إلا بعد الأطمئنان بحقيقة المرض والاطمئنان بتأثير الدواء . إذ بخلافه فإما أن يكون الدواء غير نافع أو مضراً . فإن لم يكن نافعاً كان وصفه ظلماً للمريض من عدة جهات أهمها الجهة الأقتصادية . وأولى بالحرمة فيما إذا كان مضراً ضرراً معتداً به ، وأما المضر ضرراً غير معتد به فهو ملحق بغير المضر ، كالذي قلنا قبل سطرين .
36. لا يجوز الشهادة بالموت من قبل الطبيب ولا غيره ، إلا مع الاطمئنان بحصوله بغض النظر عن سبب حصوله ، ومع عدمه يجب تأخير الدفن إلى حين حصوله ، ولو بإعتبار حصول الرائحة .

التالي

السيرة الذاتية || الصور || المؤلفات || ما كتب حوله