مؤلفات الإمام الشهيد السيد محمد صادق الصدر ( قدس سره)

كتاب فقه الأخلاق لسماحة السيد الشهيد محمد صادق الصدر


ويمكن تلخيص ذلك فيما يلي:
أولاً: انه كما مات هذا وغيره، فسوف يموت هو وغيره. فإن كان غافلاً عن ذلك التفت قهراً.
ثانياً: انه من النعمة أن يبقى هو من الأحياء الآن، بينما يرى هذا الفرد قد انتهت حياته وانقطع أمله وانتهى عمله وزال رزقه وأغلقت أمامه باب التوبة، في حين أنَّ الفرد في الدنيا ما زالت كلُّ هذه النعم متوفرةً لديه.
ومن هنا ورد استحباب أن يقول الفرد إذا رأى جنازةً: [الحمدُ لله الذي لم يجعلني من السواد المخترَم][[198]]، يعني: من الموتى، من حيث أنه ما زال يتمتع بالحياة.
ثالثاً: انه هل يرجح الحزن على الميت ولماذا؟ هل لمجرد أنه مات، أم لأنه من أهل النار، أم لأنه من أهل الجنة، أم لسببٍ آخر. أما مجرد الموت، فهو قانونٌ عامٌّ لا يمكن الفرار منه. فـــــ[كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ المَوتِ][[199]] بالضرورة، والحزن عليه قد يشكِّل اعتراضاً على القدر الإلهيِّ فيكون حراماً.
وأما إن كان هذا من أهل النار، فهو مستحقٌّ لها، وليس أنك أرفق به ولا أعلم بحقيقته من الله عزَّ وجل. وليس من المنطقيِّ أن تحزن لشخصٍ يستحقُّ النار.
وأما إذا كان من أهل الجنة، ولا أقلَّ أنه من الراجح أن تشمله رحمة الله الواسعة. إذن، فهو في راحةٍ الآن، وليس من المنطقيِّ الحزنُ على من يكون في راحةٍ، بحيث يكون هو مرتاحاً وأنت محزون؟!.
رابعاً: يمكن ملاحظة كثيرٍ من الموتى الذين كانوا أولياءَ أو مشرفينَ على أسرةٍ أو تجارةٍ أو غير ذلك. فإنَّ الفرد العاديَّ ممن كان معهم يرى بعدهم فراغاً دنيوياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً هائلاً.
وهذا إنما يكون من قلة اليقين بالله عزَّ وجل، والإعتقاد أنَّ الحافظ والرازق والمدبر هو هذا الميت، فإذا زال وجوده زال أثره، فلا يبقى هناك حافظٌ ولا رازقٌ ولا مدبر!!.
وهذا المعنى أقرب إلى الكفر منه إلى الإيمان، لولا أنَّ بعضهم يفكر فيه بحسن نيَّة. مع العلم بأنَّ الحافظ الحقيقيَّ والرازق الحقيقيَّ والمدبر الحقيقيَّ حيٌّ لم يمت ولن يموت، وهو الله سبحانه وتعالى.
خامساً: انَّ من أعظم العبر أن نجد فرداً قريباً أو صديقاً نجامله ويجاملنا، ونعامله ويعاملنا، ونزوره ويزورنا، ونحترمه ويحترمنا، ثمَّ ينسحب بالمرَّة عن كلِّ نشاطه وفعالياته وينقطع صوت كلامه وصوت مشيه، وتدفن معه كلُّ آرائه ووجهات نظره، ويبقى المكان فارغاً منه كأنه لم يكن على الإطلاق، ولم يبقَ من دليلٍ على وجوده إلا ماخلَّف من أولادٍ أو متاع.
المستوى الرابع: ملاحظة أثر الموت على الآخرين من ناحية الحياة الدنيا.
أولاً:  فيما يتعلق بالجسد، فإنَّ الفرد كما يجب احترامه حياً يجب احترامه ميتاً، وقد أصبح بحالةٍ مزريةٍ ومنظرٍ قبيحٍ لا بدَّ من المسارعة إلى ستره.
ثانياً: انَّ الشريعة أمرت بأمورٍ معينةٍ في تجهيز أجساد الموتى، يجب على المسلمين القيامُ بها ولا يجوز إهمالُها.
ثالثاً: ملاحظة أنَّ في الدفن فوائدَ للموجودين في الدنيا، من حيث أنَّ الجثة إذا استمرت بدون دفنٍ أضرَّت بالآخرين جزماً، إذن فالدفن نعمةٌ وليس نقمةً كما قد يخطر في بال المحزونين عليه.
رابعاً: انه من الراجح تجديد ذكر الموت في أكثر الأوقات، فإنه حياةٌ للقلوب، فكيف إذا حصل ذلك بين يدي الفرد.
خامساً: من الراجح أن يدرك الفرد عند ذكر الموت: أنَّ هذه الحياة مادامت مختومةً بالموت، فمن الراجح أن يختار الموتة الشريفة التي تكون في رضاء الله وعلوِّ القدر في الدنيا والآخرة. وهذا هدفٌ يستحقُّ التضحية من أجله بالحياة وعناصر الحياة، فإنَّ الموتة لن تكون إلا واحدة، والتضحية لن تنتجَ موتاً متعدِّداً.

الفقرة (9)

 تعدد الموت والحياة
 
انه من الراجح، ما دمنا لدى الحديث عن الموت، أن نفهم تفسير الآية الكريمة: [رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ][[200]]. فإنَّ ذلك، وان كان خالياً من الجانب الفقهي، إلا أنه غير خالٍ من الجانب الأخلاقي، الذي هو أحد جانبي هذا الكتاب.
فإنَّ السؤال يقع في أنَّ المنظور في هذه الحياة أنَّ الحياة واحدةٌ وهي هذه التي نعيشها، والموت واحدٌ وهو هذا الذي نراه، فأين الحياة الثانية والموت الثاني الذي بشرت بهما الآية الكريمة؟.
ويمكن الجواب على ذلك بعدة وجوه، نذكر منها ما يلي:
الوجه الأول: وهو المشهور بين المفسرين وغيرهم، بأنَّ العدم السابق على الحياة اعتبرته الآية الكريمة موتاً والوجود اللاحق لهذه الحياة في الآخرة اعتبرته الآية الكريمة حياةً، فحصل لدينا حياتانِ وموتان[[201]].
الوجه الثاني: انَّ المشهور بين المتشرِّعة: أنَّ الملكينِ المسؤلينِ عن سؤال الميت في القبر بعد دفنهيأتيانه فيعيدانِهِ إلى الحياة، وبعد أن يتمَّ السؤال يموت مرةً ثانية، ويبقى ميتاً إلى يوم القيامة، وبذلك فقد حصل عندنا موتٌ ثانٍ وحياةٌ ثانية.
الوجه الثالث: انَّ الحياة والموت الآخرينِ اللذينِ تبشر الآية الكريمة بهما ليسا ماديينِ، وإنما هما معنويان، وذلك: بعد ملاحظة أنَّ الآية الكريمة تنقل هذا الكلام عن الكفار والمنافقين وليس عن المؤمنين كما هو واضحٌ من سياق القرآن الكريم.
ومعه يكون الموت المعنويُّ هو حالة الكفر ونحوه، الموجودة لديهم، والحياة المعنوية هي انكشاف الحقِّ في الآخرة، حين لا ينفعهم ندمٌ ولا تقبل منهم توبة، ولذا يقولون: [هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ][[202]].
الوجه الرابع: انَّ الحياة والموت المعنويينِ كما يمرُّ بهما الكفار والمنافقون، يمرُّ بهما المؤمنون أيضاً. إذن، فالتثنية بالحياة والموت شاملةٌ للجميع.
وبالنسبة إلى المؤمنين، يكون الموت عبارةً عن الغفلة عن الحقّ والتلهي بأمور الدنيا حقبةً من الزمن. وتكون الحياة المعنوية هو صعودهم بالسباق المعنويِّ إلى العالم الأعلى، وانكشاف الحقيقة لهم.
الوجه الخامس: انَّ التثنية بالحياة والموت، ليست على نحو الحصر، بل يمكن أن تكون إشارةً إلى مجرد التعدد. فقد تكون الحياة أكثر من اثنتين، والموت أكثر من اثنين، كالحياة في عالم الذرِّ السابقة على الدنيا، والحياة في الدنيا، والحياة في البرزخ، والحياة في يوم الحساب، والحياة في الثواب أو العقاب الموعودين بعده. مضافاً إلى الحياة المعنوية التي سمعناها. ولكلِّ حياةٍ موتٌ يقابلها.
هذا مضافاً إلى وجوهٍ أخرى محتملةٍ في الآية الكريمة لا حاجة إلى الإفاضة فيها.

الفقرة (10)

 الموتة الأولى
 
بقي لنا: اننا ينبغي أن نشير إلى قوله تعالى: [لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى][[203]]. حيث دلَّت على وجود موتٍ واحد، في حين دلَّت الآية السابقة على وجود موتتين. فكيف حصل ذلك؟، وما المراد بهما؟
 
ويمكن أن يجاب ذلك بعدة وجوهٍ، منها:
الوجه الأول: انَّ المراد من الآية قطعاً، هو نفي حصول الموت بعد الدخول إلى الجنة. والمراد بالأولى: السابقة. كما كانوا يقولون: العام الأول يعني العام السابق. وهي على الأرجح إشارةٌ إلى الموت الذي تنتهي به الحياةُ الدنيا.
الوجه الثاني: انَّ المراد أنَّ أهل الجنة وهم المؤمنون في الدنيا لا يذوقون إلا موتاً واحداً، بخلاف الكفار والمنافقين، فإنهم يموتون مرتين، وقد سبق أن قلنا أنَّ تلك الآية الكريمة هي نقلٌ عن كلام الكفار والمنافقين. وهذه الآية تصف حال المؤمنين في الجنة، ولعلَّ الإشارة إلى الموت الثاني للكفار هو الموت الثاني الناتج عن كفرهم، وهذا غير موجودٍ للمؤمنين.
الوجه الثالث: انَّ المشهور بين العارفين: انَّ المؤمن العالي الدرجة عند الله عزَّ وجل، لا يمرُّ بالموت الطبيعي، وإن توهم أهله وأصدقاؤه والآخرون ذلك، وإنما يكون له ذلك من بعض درجات التكامل لا أكثر.
ومعه فالموت الذي سبق مروره به، هو موتٌ أسبق من ذلك، وهو إما إشارةٌ إلى العدم السابق على الحياة، لو قلنا به، وإما إشارةٌ إلى عصر الغفلة والتلهي بالدنيا، قبل الوصول إلى الدرجة الرفيعة من الإيمان، كما ذكرنا في بعض الوجوه السابقة في الفقرة السابقة.

الفقرة (11)

 في تلقين الميت
 
يستحبُّ تلقين الميت حال احتضاره، بعد توجيهه إلى القبلة وجوباً[[204]].
وذلك: انَّ المشهور: أنَّ الشيطان يمكنه أن يتسلط عليه في ذلك الحيّ، ويحاول أن يردَّه عن عقيدته ودينه، لكي يموتَ وهو كافرٌ ويسمى بالعديلة، بمعنى أنَّ الفرد يعدل من عقيدته إلى عقيدةٍ أخرى فاسدة، ولا أقلَّ من الإعتراض على القدر الإلهيِّ الذي قضى بموته وفراقه أحبابَه وأموالَه وهناءَه. مع أنَّ الله هو الحكيم العليم.
ومعه، يكون التلقين دافعاً لأثر الشيطان، ومعطياً للفرد قوةً ضدَّه.
والفرد المشارف على الموت يسمع التلقين جزماً، إما لكونه مازال حياً سامعاً لم ينقطع سمعه حتى ذلك الحين، وإما لكونه يسمع بروحه بعد خروجها. فإن قلنا: بأنه يمرُّ بفترةٍ لا يسمع فيها، وذلك ما بين انقطاع سمعه إلى خروج روحه، فإن كان التلقين في تلك الفترة لم يستفد الميت منه شيئاً، إلا أنَّ هذا لا ينافي الإستحباب، لاحتمال أن يكون الميت بحالةٍ تساعده على السماع.
والتلقين يكون بالعقيدة الحقة، وبتذكير الميت بأصول الدين الرئيسية، وبما هو حقٌّ وواضحٌ في الشريعة الإسلامية، لكي يموت وهو متذكرٌ لهذه الأمور، فيموت موتةً طيبةً، فتكون آخرته طيبة.
وليس للتلقين نصٌّ معينٌ واجب الإتباع، وإنما النصوص الموروثة كلُّها استحبابية، وأياً منها كان، كان مجزياً، إذا كان محتوياً على ما ينبغي ذكره من العقيدة الحقة.
وفيما يلي أحد النصوص المروية للتلقين[[205]]:
[اللهمَّ فاطر السَّماواتِ والأرض، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم. إني أعهد إليك أني أشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً 9 عبده ورسوله، وأنَّ الساعة آتيةٌ لا ريب فيها وأنَّ الله يبعث من في القبور، وأنَّ الحساب حقٌّ، وأنَّ الجنة حقٌّ، وأنَّّ ما وعد فيها من النعيم من المأكل والمشرب والنكاح حقٌّ، وأنَّ النار حقٌّ، وأنَّ الإيمان حقٌّ، وأنَّ الدين كما وضعت، وأنَّ الإسلام كما شرع، وأنَّ القول كما قال، وأنَّ القرآن كما أنزل، وأنَّ الله هو الحقُّ المبين. وإني أعهد إليك في دار الدنيا أني رضيت بك رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد9 نبياً، وبعليٍّ ولياً، وبالقرآن كتاباً، وأنَّ أهل بيت نبيك عليه وعليهم السلام أئمتي. اللهمَّ أنت ثقتي عند شدَّتي، ورجائي عند كربتي، وعدَّتي عند الأمور التي تنزل بي، وأنت وليِّي في نعمتي، وإلهي وإله آبائي، صلِّ على محمدٍ وآله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عينٍ أبداً، وآنسْ في قبري وحشتي، واجعل لي عندك عهداً يوم ألقاك منشوراً].
ومن الواضح أنَّ هذا النصَّ إنما هو بلسان الميت، وأنه ينبغي للميت أن يتابعه ويتلفظه، إما بصوته إن كان قادراً، وإما بروحه إذا تمَّ موتُه.
ويمكن أن يكون التلقين بأسلوبٍ آخر، وهو: يا فلان بن فلان اشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله… إلى آخر العقائد الحقَّة.
والمعروف أنه ينبغي أن يكون التلقين بصوتٍ عال، لا مجرد أن يكون مسموعاً، وذلك باعتبار ثقل السمع المحتمل للميت قبل موته، او باعتبار الشدَّة التي هو فيها والتي تجعله لاهياً عن أهله وسماع أصواتهم، فقد يكون الصوت العالي ملفتاً له في تلك الحال.
وهناك تلقينٌ آخرُ بعد وضعه في القبر، قبل طمِّه والبناء عليه، وهو لا يختلف مضموناً عن هذا التلقين، وكلاهما مستحبٌّ، والجمع بينهما، يعني إنجازَهما معاً أفضل.
وينبغي أن نلتفت إلى: أنَّ الإنسان في حال احتضاره يكون زمان التوبة قد انتهى بالنسبة إليه، وكذلك الإستغفار من الذنوب والتبرِّي من العيوب ونحو ذلك. ومعه فإنَّ التلقين لا يفيد شيئاً من التوبة أو من التكامل أو الإيمان، وإنما يموت على الحال الذي كان عليه في آخر ساعات الدنيا على كلِّ حال. وإنما التلقين يكون لمجرد التذكير إن كان حال الميت أو مستواهُ يناسب ذلك.
نعم، إذا كان التلقين قبل البدء بخروج روحه، بحيث يكون في تلك الحال في الدنيا تماماً كان مؤثراً فيه، لأنَّ التوبة إنما تنقطع مع البدء بالموت، والمفروض أنَّ وسواس الشيطان والعديلة إنما تكون في ذلك الحين، أعني قبل بدء الموت. لأنَّ الشيطان إنما هو في الدنيا ولا تسلط له على الموتى، فالتلقين ينفع في دفع ذلك.
وهناك نصٌّ يسمى دعاء العديلة ينفع في ذلك، لا حاجة إلى سرده، وإنما يؤخذ من مصادره عند الحاجة إليه[[206]].
 

الفقرة (12)

مستحبات حال الإحتضار

قال الفقهاء في مستحبات حال الإحتضار: إنه يستحبُّ نقله إلى مصلاه إن اشتدَّ به النزع. ويكره أن يحضره جنبٌ أو حائضٌ، وأن يمسَّ حال النزع. وإذا مات يستحبُّ أن تغمض عيناهُ ويطبق فوه، ويشدَّ لحياهُ، وتمدَّ يداهُ إلى جانبيه وساقاهُ، ويغطّى بثوب.
وأن يقرأ عنده القرآن، وخاصَّةً سورة ياسين والواقعة والدخان، ويسرج في المكان الذي مات فيه إن مات في الليل، وإعلام المؤمنين بموته ليحضروا جنازته، ويعجل تجهيزه، إلا إذا شكَّ بموته، فينتظر به حتى يعلم موته، ويكره أن يثقل بطنه بحديدٍ أو غيره، وأن يترك وحده[ 207].
وذكر الفقهاء في مستحبات التغسيل: أن يوضع الميت على مرتفعٍ حال التغسيل، وأن يكون تحت الظلال، لا تحت السماء، وأن يوجه إلى القبلة كحال الإحتضار، وأن ينزع قميصه من طرف رجليه وإن استلزم فتقه بشرط إذن الوارث.
وتلين أصابعه برفق وكذلك جميع مفاصله، وأن يغسل رأسه برغوة السدر وفرجه بالأشنان[208 ]، وأن يبدأ بغسل يديه إلى نصف الذراع في كلِّ غسلٍ ثلاث مرات، ثمَّ بشقِّ رأسه الأيمن ثمَّ الأيسر، ويغسل كلُّ عضوٍ ثلاثاً في كلِّ غسلة، ويمسح بطنه في الأولين إلا الحامل التي مات ولدها في بطنها، فيكره فيها ذلك.
وأن يقف الغاسل على الجانب الأيمن للميت، وأن يحفر للماء حفرةٌ خاصَّةٌ، ولا يسلط الماء على الكنيف[209]. وأن ينشف بدنه بعد الغسل بثوبٍ نظيفٍ وطاهر[210].
وذكروا أيضاً: أنه يكره إقعاد الميت، وترجيل شعره[211]، وقصُّ أظافره، وإن قصت أو انقطع منه شيءٌ وجب دفنه معه داخل الكفن.
ويكره جعله بين رجلي الغاسل، وحلق رأسه أو عانته، وقصُّ شاربه. فإن حصل وجب دفنه معه.
ويكره: تخليل ظفره، وغسله بالماء الساخن بالنار، أو بأيِّ ماءٍ ساخن، إلا مع الإضطرار، والتخطي عليه قبل التغسيل أو مطلقاً [212].
وذكر الفقهاء في مستحبات الكفن أموراً منها:
أن يضاف للرجل العمامة، ويكفي فيها مسماه. والأولى أن تدار على رأسه ويجعل طرفاها تحت حنكه على صدره، الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن، وتضاف المقنعة للمرأة، ويكفي فيها أيضاً المسمى، ولفافةٌ لثدييها يشدانِ بها إلى ظهرها، وخرقةٌ يعصب بها وسط الميت ذكراً كان أم أنثى، وإضافة لفافةٍ أخرى للفخذين تلفُّ عليهما، ولفافةٌ فوق الإزار يلفُّ بها تمام بدن الميت، والأولى أن تكون برداً يمانياً، كما يمكن استعمال البرد اليماني كإزار.
كما يستحبُّ أن يجعل القطن أو نحوه بين رجليه يستر به العورتين، ويوضع عليه شيءٌ من الحنوط، وأن يحشي دبره ومنخراه، وقبل المرأة إن خيف خروج شيءٍ منها.
ويستحبُّ إجادة الكفن، وأن يكون من القطن، وأن يكون أبيضَ، وأن يكون من خالص المال وطهوره، وأن يكون ثوباً قد أحرم أو صلى فيه، وأن يلقى عليه الكافور والذريرة، وأن يخاط بخيوطه إن احتاج إلى الخياطة، وإن كان الأفضل تجنب الخياطة إلا ما يضطر إليه، وهو تكميل مساحة القطع الواجبة من الكفن.
ويستحبُّ أن يكتب على حاشية الكفن أو على أيِّ قطعةٍ منه: فلان ابن فلان يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً رسول الله، ثمَّ يذكر الأئمة  واحداً بعد واحد. وأن يكتب على الكفن دعاء الجوشن الصغير والجوشن الكبير، والأفضل أن يكون ذلك بماء الزعفران، أو بأيِّ لونٍ غير أسود، ويلزم أن يكون ذلك كله في موضعٍ يؤمن عليه من النجاسة والقذارة، كما لو كتب في الكفن الذي من طرف رأسه أو جعلت الكتابة في علبةٍ معدنية[213].
ويستحبُّ في التكفين أيضاً أن يجعل الطرفُ الأيمنُ من اللفافة على أيسر الميت والأيسرُ على أيمنه. وأن يكون المباشر للتكفين على طهارةٍ من الحدث. وإن كان المباشر لذلك هو الذي باشر الغسل، فيغسل يديه من المرفقين، بل المنكبين ثلاث مرات، ورجليه إلى الركبتين، ويغسل كلَّ موضعٍ تنجس من بدنه. وأن يجعل الميت حال التكفين مستقبل القبلة، والأولى أن يكون كحال الصلاة عليه[214].
ويكره قطع الكفن بالحديد، وعمل الأكمام والأزرار له. ولو كفن في قميصه قطع أزراره.
ويكره بلُّ الخيوط التي يخاط بها الكفن بريقه، وتبخيره وتطييبه بغير الكافور والذريرة. وأن يكون الكفن أسودَ، بل مطلق المصبوغ، بل مطلق الملوَّن أو المزوَّق، ويكره أن يكتب عليه بالسواد ، وأن يكون من الكتان، وأن يكون ممزوجاً بإبرسيم.
وتكره المماكسة في شراء الكفن، وجعل العمامة بلا حنك، وكونه وسخاً، وكونه مخيطاً[215].
ويستحبُّ لكلِّ أحدٍ أن يهيِّءَ كفنه قبل موته، ويثاب كلَّما نظر إليه[216].
ويستحبٌُّ أن يجعل مع الميت جريدتانِ رطبتان، أحدهما من الجانب الأيمن من عند الترقوة ملصقة ببدنه، والأخرى من الجانب الأيسر من عند الترقوة بين القميص والإزار. والأولى أن تكونا من جريد النخل، فإن لم يتيسر فمن السدر، فإن لم يتيسر فمن الخلاف أو الرمان، فإن لم يتيسر فمن أيِّ عودٍ رطب[217].
والرطوبة مطلوبةٌ في الجريدتين على أيِّ حال، والمرويُّ أنَّ العذاب يدفع عن الميت مادامتا رطبتين[218].
والأولى أن يكتب عليهما ما يكتب على حواشي الكفن، كما أنَّ الأولى الإحتفاظ عن تلوثهما بما يوجب المهانة ولو بلفِّهما بما يمنعهما عن ذلك من القطن ونحوه.
 
 
الفقرة (13) : الصلاة على الميت
 
وصلنا الآن إلى الحديث عن الصلاة على الميت. فإنَّ المفروض بل اللازم أن يكون البدء بالتغسيل، ثمَّ التكفين، ثمَّ الصلاة عليه، ثمَّ دفنه. وهذه الصلاة ليست كالصلاة الإعتيادية، فليس فيها ركوعٌ ولا سجودٌ ولا أذانٌ ولا إقامة، ولا تجب فيها الطهارة من الحدث والخبث. ومن هنا صرَّحوا أنَّ تسميتها بالصلاة مجازيٌّ وليس حقيقياً.
وهي تتكون من خمسة تكبيرات، بعد كلٍّ منها بعض الأذكار، وخير من ضبط هذه الأذكار في بيت شعرٍ واحدٍ سهل الحفظ هو السيد مهدي بحر العلوم في منظومته، حيث يقول:

شهادتان فصلاة فدعا
للمؤمنين ولـه مودعا

ولم يذكر التكبيرات فيه إلا تكبيرة الختام أو الوداع. وليس للأذكار نصٌّ معينٌ سوى ما يؤدي المعنى، ومن هنا يمكن أن تكون مطوَّلةً، كما يمكن أن تكون مختصرة. فالمختصر أن يقول المصلِّي: الله أكبر أشهد أنَّ لا إله الا الله وأنَّ محمداً رسول الله. الله أكبر اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمد. الله أكبر اللهمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات. الله أكبر اللهمَّ اغفر لهذا الميت. الله أكبر. وينصرف[[219]].
وأما المطوَّلة فيمكن فيها نصوصٌ عديدة، نذكر واحداً منها فيما يلي كنموذج: الله أكبر. أشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له. وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحقِّ بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة. [أو يقول] : أرسله بالهدى ودين الحقِّ ليظهره على الدين كلِّه ولو كره المشركون. الله أكبر. اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمدٍ، وبارك على محمدٍ وآل محمدٍ، وارحم محمداً وآلَ محمدٍ، كأفضل ما صليتَ وباركتَ وترحمتَ على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد. وصلَّ على جميع الأنبياء والمرسلين، [ويضيف]: والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. الله أكبر. اللهمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، وتابع بيننا وبينهم بالخيرات، إنك مجيب الدعوات، إنك على كلِّ شيءٍ قدير. الله أكبر. اللهمَّ إنَّ هذا عبدك وابن عبدك وابن أمتك، نزل بك وأنت خير منزولٍ به، اللهمَّ إنا لا نعلم منه إلا خيراً وأنت أعلم به منا. اللهمَّ إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته، واغفر له خطاياه، وارحمنا بعده، فإنا لا نقيم بعده إلا قليلاً. اللهمَّ اجعله عندك في أعلى عليين، واحشره مع أوليائه الطاهرين، واخلف على أهله في الغابرين، وارحمه برحمتك يا أرحم الراحمين. ثمَّ يقول : الله أكبر وينصرف[[220]]. وإن كان الميت أنثى جعل هذا الدعاء الأخير بضمير المؤنث. وإن كانا اثنينِ أو أكثر جعله بضمير التثنية أو الجمع. وقد قال الفقهاء: انه لا يتعين تأنيث الضمير وتذكيره، بل للمصلي أن يذكره باعتبار لفظ الميت، وأن يؤنثه باعتبار لفظ الجنازة، ومعنى ذلك أنه لا يجب عليه أن يستعلم نوعه.
وإذا كان الميت مستضعفاً قال بعد التكبيرة الرابعة: [اللهمَّ اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم][[221]]. وإن كان طفلاً غيرَ بالغٍ قال: [اللهمَّ اجعله لأبويه ولنا سلفاً وفرطاً وأجراً][[222]].
ويستحبُّ أن يقف المصلي لا سيما الإمام في مكانه حتى ترفع الجنازة، ويقول بعد الإنتهاء من الصلاة: [ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار][[223]].
ولا شكَّ أنَّ المطلوب في هذه الصلاة استحباباً وأخلاقياً: التوجه والخشوع كأيِّ صلاةٍ أخرى، مع الإعتبار بالميت الذي يراه الفرد عياناً، والذي سوف يكون مثله في زمنٍ غير بعيد.
وتستحبُّ في هذه الصلاة إقامة صلاة الجماعة، وتكون متابعة المأموم بالتكبير لا بالأدعية.
 

الفقرة (14)

 تشييع الميت
 
يستحبُّ إعلام المؤمنين بموت المؤمن ليشيعوه، ويستحبُّ لهم تشييعه. وقد ورد في فضله أخبارٌ كثيرةٌ، وله آداب كثيرةٌ، مثل أن يكون المشيع ماشياً خلف الجنازة خاشعاً متفكراً معتبراً. ويكره الضحك واللعب واللهو والإسراع بالمشي والكلام بغير ذكر الله تعالى والدعاء والإستغفار.
ويكره الركوب والمشي قدام الجنازة، وإنما يمشي خلفها أو في أحد طرفيها.
ويكره وضع الرداء لغير صاحب المصيبة، فإنه يستحبُّ له ذلك، وأن يمشي حافياً.
وإذا كان حاملاً للجنازة قال: [بسم الله وبالله وصلى الله على محمدٍ وعلى آل محمد. اللهمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات][[224]].
ويستحبُّ للحاملين التربيعُ للجنازة، بأن يبدأ أحدهم من الطرف الأماميِّ الأيمن للنعش، ثمَّ ينتقل إلى الجانب الأماميِّ الأيسر، ثمَّ ينتقل إلى الجانب الخلفيِّ الأيسر، ثمَّ ينتقل إلى الجانب الخلفيِّ الأيمن، ثمَّ إلى الجانب الأماميِّ الأيمن الذي كان فيه.
 

الفقرة (15)

شكل القبر
 
يستحبُّ ـ كما قال الفقهاء ـ حفر القبر قدر قامةٍ أو إلى الترقوة، يعني لحدِّ الكتف، وأن يجعل له لحدٌ مما يلي القبلة في الأرض الصلبة، بقدر ما يكون فيه الجلوس. وفي الرخوة يشقُّ وسط القبر شبه النهر على طول الجسد ويجعل فيه الميت ويسقف عليه، ثمَّ يهال عليه التراب[[225]].
والمفهوم من الفقهاء، هو بناء اللحد فوق جسد الميت من جميع أطرافه كغرفةٍ صغيرة، وارتفاعها بقدر الجلوس. ثمَّ يهال التراب في الفضاء الباقي من الحفرة.
ويمكن الإستغناء عن كلِّ هذا البناء بالحفر في الأرض في جانب القبر بمقدار هذه الأوصاف، وبناء فوهته من جانب واحد، وملء الحفرة الباقية بالتراب، وأما جعل ارتفاع اللحد قليلاً بحيث يسع الجسد فقط، فهو على خلاف الإستحباب الشرعيّ.
وأما ما يسمى بالسرداب، وبناء لحودٍ متعددةٍ ذات طبقاتٍ قد تكون ثلاثةً أو أكثر، فهذا وإن كان جائزاً شرعاً، ـ إذا كان سقف اللحد الأعلى ينزل عن سطح الأرض ولو قليلاً، وأما إذا كان أعلى من سطح الأرض، فهو غير جائزٍ حتماً ـ إلا أنَّ عدم الجواز يختصُّ بالطبقة العليا دون ما دونها.
أقول: إنَّ هذا الأسلوب، وإن كان جائزاً، إلا أنه لا يخلو من خلاف الإحتياط الإستحبابي، ولست أدري أيَّ شخصٍ مبتدعٍ أشاع فكرتها بين الناس.
أما الطبقة السفلى التي تكون الأجساد فيها على الأرض فلا إشكال في دفنها، إلا أنَّ الإشكال يكون من عدة نواحٍ، بعضها أكيدٌ وبعضها محتمل:
أوَّلاً: هو دفن في بناء، وإن كان تحت الأرض.
ثانياً: يحتوى على دفن ميتٍ فوق ميتٍ أو أكثر.
ثالثاً: يحتوي على دفن ميتينِ في قبرٍ واحد، وهو لا يخلو من إشكال. ولم يقل الفقهاء : إنَّ الممنوع أوالمرجوح دفن ميتينِ في لحدٍ واحد، بل في قبرٍ واحد، وإن كانا في لحدين، وهذا يصدق على أسلوب [السرداب] الشائع، بلا شكّ.
رابعاً: إننا لو أزلنا السقف عن السرداب ككلٍّ لأشرقت الشمسُ على أرضه، وبدا واضحاً أنَّ الموتى قد دفنوا في بناءٍ وليس في الأرض، بل إنَّ المبادرة إلى دفنهم بهذه الطريقة في سردابٍ مكشوفٍ غيرُ جائزٍ جزماً.
خامساً: إنَّ البناء لطبقات اللحود، إن لم يصل إلى فوق سطح الأرض أحياناً، فإنهم يوصلونه إلى سطحها مباشرةً، وهذا معناه: أننا لو أزلنا من سطحها مقدار أربعة أصابع لبرز اللحد فوق الأرض، فهل نقول فقهياً بحرمة تسوية الأرض وتعديلها، باعتبار أنه ملازمٌ لصعود اللحد فوق سطحها؟!.
إنَّ كلَّ ذلك لا يلزم إذا كان القبر انفرادياً، كما أراده الشارع المقدس، وكما عرَّفنا إياهُ الفقهاء، أن يكون.
وقال الفقهاء في بقية مستحبات الدفن: انه يستحبُّ الذكر عند تناول الميت، وعند وضعه في لحده، ويستحبُّ التحفِّي للنازل إلى داخل القبر، وحلُّ الأزرار، ويستحبُّ أن تحلَّ عقد الكفن بعد الوضع في القبر من طرف الرأس، وأن يكشف وجهه، ويجعل خدُّه على الأرض، ويعمل له وسادةٌ من التراب، وأن يوضع شيءٌ من تربة الحسينA معه، مع وضعها بشكلٍ بعيدٍ عن النجاسة، وكذلك لو جعل معه مصحفٌ أو أدعيةٌ وأحراز، كما لو يوضع ذلك في علبةٍ معدنية، كما سبق أن قلنا [[226]].
أقول: غير أنَّ الكشف عن وجهه لا يخلو من إشكال، لأنه يكون بمنزلة إزالة الكفن الواجب عنه. ومعه يمكن جعل خدِّه على التراب، لا بالمباشرة، بل حال كونه في الكفن.

 
الفقرة (16)

التلقـين في القـبر
 
ويستحبُّ في القبر تلقينٌ آخرُ غير ذلك الذي كان حال الإحتضار، ووقته عند إنزال الميت وإضجاعه، إما قبل سدِّ اللحد أو بعده، فإنه لا يفرق في شأن الميت بعد أن أصبح روحاً بلا جسد، وأصبح جسده بلا روح.
قالوا: ينزل إلى القبر وليُّ الميت أو من يأذن له الوليّ، ويكون نزوله من عند رجلي القبر ويقول: [اللهمَّ اجعلها روضةً من رياض الجنة، ولا تجعلها حفرةً من حفر النار][[227]]
وينبغي أن ينزل القبر حافياً مكشوف الرأس محلول الإزار، ثمَّ يتناول الميت، فيبدأ برأسه فيأخذه وينزل به القبر، ويقول: [باسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملَّة رسول الله. اللهمَّ إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك. هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله. اللهمَّ زدنا إيماناً وتسليماً][[228]]
ثمَّ يضجعه على جانبه الأيمن ويستقبل بوجهه القبلة، ويحلُّ عقد أكفانه كما سبق، ثمَّ يشرج عليه اللبن[[229]]. ويقول: [اللهمَّ صلْ وحدته، وآنس وحشته، وارحم غربته، وأسكنْ إليه من رحمتك رحمةً يستغني بها عن رحمة من سواك، واحشره مع من كان يتولاه من الأئمة الطاهرين][[230]].
قالوا: ويستحبُّ أن يلقن الميت الشهادتين وأسماء الأئمة F عند وضعه في القبر قبل تشريج اللبن عليه، فيقول: يا فلان بن فلان [أو يا عبد الله]: اذكر العهد الذي خرجت عليه من دار الدنيا، شهادةَ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً عبده ورسوله، وأنَّ علياً أمير المؤمنين، والحسن والحسين [وذكر الأئمة واحداً واحداً] أئمتك أئمة الهدى الأبرار[[231]].
فإذا فرغ من تشريج اللبن عليه أهال عليه التراب، ويهيل كلُّ من حضر استحباباً بظهور الأكفِّ، ويقولون عند ذلك: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله. اللهمَّ زدنا إيماناً وتسليماً[[232]]. ويقرأون على روحه سورة الفاتحة وثلاثَ مراتٍ سورة التوحيد.
فإذا أراد الخروج من القبر خرج من قبل رجليه، ثمَّ يطمُّ القبر، ويرفع عن الأرض مقدار أربعة أصابع، ولا يطرح فيه من غير ترابه، ثمَّ يصبُّ الماء على القبر ـ يبدأ بالصبِّ من عند الرأس، ثمَّ يدار من أربعة جوانب القبر حتى يعود إلى موضع الرأس ـ  فإن فضل من الماء شيءٌ صبَّ على وسط القبر.
فإذا سوِّيَ القبر وضع يده على القبر من أراد ذلك، ويفرج أصابعه ويغمرها فيه ويدعو للميت، فيقول: [اللهمَّ آنس وحشته، وارحم غربته، وأسكن روعته، وصلْ وحدته، وأسكن إليه من رحمتك رحمةً يستغني بها عن رحمة من سواك، واحشره مع من كان يتولاه][[233]].
فإذا انصرف الناس عن القبر تأخَّر أولى الناس بالميت، ويترحَّم عليه، وينادي بأعلى صوته ـ إن لم يكن في موضع تقية ـ : يا فلان بن فلان، إنَّ الله ربُّك، ومحمداً نبيُّك، والقرآنَ كتابُك، والكعبةَ قبلتُك، وعلياً إمامُك… إلى آخر التلقين[[234]]. وهو ثالث تلقينٍ للميت منذ احتضارِه.
ثمَّ يقول بعده: [ثبَّتك الله بالقول الثابت، وهداك إلى صراط مستقيم، وعرَّف الله بينك وبين أوليائك في مستقرِّ رحمته][[235]].
ثمَّ يقول: [اللهمَّ جافِ الأرضَ عن جنبيه، واصعد بروحه إليك، ولقِّهِ منك برهاناً. اللهمَّ عفوَك عفوَك][[236]].
 
الفقرة (17): ماذا للميت في الدنيا بعد موته؟
 
هناك الأموال التي تقسَّم بين الديانة والوراث، وهذا ما سيأتي في محلِّه، في كتاب الإرث وغيره.
وهناك الوصية والوصاية، وهذا ما سيأتي في الكتاب الموسوم بهذا العنوان نفسِه.
وهناك الولاية على القاصرين إن كانوا، وهل لأمِّهم حقُّ الولاية عليهم أم لا، ونحو ذلك، ويأتي أيضاً في محلِّه.
وإنما يحسن السؤال هنا، عما إذا كان للميت عملٌ صالحٌ بعد موته أم لا، وخاصةً بعد أن ورد: [انه في الدنيا عملٌ ولا حساب، وفي الآخرة حسابٌ ولا عمل][[237]]. فإذا كان مطلق العمل منفياً، إذن فكيف يكون العمل الصالح؟.
يجيب عن ذلك الخبر الآخر الوارد: [إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: كتاب علمٍ ينتفع به، وصدقةٍ جارية، وولدٍ صالحٍ يستغفرُ له][[238]].
والحديث بنصِّه واضحٌ لا يحتاج إلى إيضاح. غير أنه تبقى بعض الجوانب من الحديث حوله:
الجانب الأول: انَّ معنى كتاب العلم يشمل كلَّ العلوم المطلوبة للشرع المقدَّس، وغير المحرَّمة فيه. ولا يختصُّ بعلوم الشريعة والتفسير ونحوها، بل يشمل علوم اللغة والتأريخ والعلوم الطبيعية والعلوم الطبية وغيرها.
الجانب الثاني: إن لم يكن الكتاب في العلم، وإنما كان كتاب صناعةٍ كتعليم النجارة أو البناء مثلاً، أو كان كتاب فكاهةٍ لترويح النفس بغير الباطل، فهل يكون خارجاً عن تطبيقات الحديث الشريف؟، ومن ثمَّ لا ينفع الميت بعد موتِه؟
 ويمكن أن يجاب على ذلك بأسلوبين:
الأسلوب الأول: إنَّ معنى العلم أوسع مما نظنّ، فالصناعات على اختلافها، وسائر الخبرات الإختصاصية وغيرها هي نوعٌ من العلم، ولا يمكن أن تنتج إلا بعلم، وليس في الحديث الشريف تقييدٌ يخرجها.
نعم، لو كان الكتاب من قبيل الفكاهة أو تعليم الألعاب المسلية أو نحوها مما ليس علماً جزماً، لم يكن مندرجاً في الحديث من هذه الناحية.
الأسلوب الثاني: إنَّ في الحديث قرينةً واضحةً على تعميم المعنى لكلِّ انتفاع، سواءٌ كان علماً أم لم يكن علماً، بل سواءٌ كان كتاباً أم لم يكن كتاباً، بل كان آلةً أو ظرفاً أو بناءاً أو فرشاً. وتلك القرينة أمران:
أحدهما: قوله: ينتفع به. فالمدار هو النفع لا غير، كما هو المفهومُ من الخبر.
وثانيهما: قوله: صدقة جارية، لو استطعنا غضَّ النظر عن أرباحها، ونظرناها كشيءٍ نافعٍ ليس إلا. وإنما النظر إلى أرباحها كأهمِّ الأساليب للإنتفاع منها.
الجانب الثالث: المراد بالصدقة الجارية، بمعناه اللفظيِّ أو المطابقي: كلُّ ما يدرُّ مالاً باستمرارٍ لقضاء حاجة المحتاجين، أو تغطية بعض المصالح المشروعة أياً كانت. والإستمرار مفهومٌ من لفظ >جارية<، كما هو واضح.
إلا أنَّ حمل الصدقة على الإيراد الماليِّ خاصَّةً، لا يخلو من ضيقٍ في التصور، بل هو أوسع من ذلك، بل المهمُّ هو قضاء حاجة المحتاجين. فما الفرق بين أن يعيش على موارد دارٍ مثلاً، أو أن يسكن تلك الدار بنفسه. وعندئذٍ ستكون نفس الدار صدقة، أو قل: إنَّ سكناها صدقة، وكذلك لو كان آلةً أو فراشاً مثلاً.
وكذلك لو لم يكن فيه موردٌ ماليٌّ كالمسجد، فإنَّ الصلاة فيه ستكون صدقةً جاريةً، وهكذا.
وكذلك، لو لم تكن الصدقة جاريةً، بل كانت محدودةً بزمانٍ معين، أو بمرةٍ واحدةٍ فقط بعد موت صاحبها، فإنَّ معنى الحديث يشملها بلا إشكال.
الجانب الرابع: في استغفار الولد الصالح، فإنَّ الأمر ليس منحصراً بالإستغفار، بل بكلِّ ثوابٍ لأيِّ عملٍ صالحٍ يمكن تقديمه إلى الميت.
بل يمكن أن نفهم من الإستغفار ما يكون سبباً للمغفرة، سواءٌ كان دعاءاً بالغفران أم عملاً من أعمال الرضوان، فإنه استغفارٌ بالحمل الشائع على أيِّ حال.
الجانب الخامس: إذا كان الإستغفار صادراً من غير الولد، فهل يشمل الحديث أم لا؟. كما إنه إذا كان صادراً من ولدٍ غير صالح. فهل يشمله الحديث أم لا؟.
لا شكَّ أنه غير داخلٍ في الدلالة المطابقية للحديث الشريف، إلا أننا بعد ضمِّ القرائن الشرعية الداخلية والخارجية، يمكن أن نخلص إلى القول: بأنَّ المهمَّ إيجاد سبب الغفران، سواءٌ كان الولد صالحاً أم غير صالح، بل سواءٌ كان المستغفر له والداً أم لم يكن، فإنَّ صلاح الولد لا دخل له بصلاح الميت، كما لا دخل لكونه ولداً في ذلك، فلو استغفر له أيُّ إنسانٍ أمكن أن يصله الغفران والرضوان.
الجانب السادس: في النظر في النسبة بين الخبرين السابقين، فإنَّ قوله: في الدنيا عملٌ ولا حسابٌ، وفي الآخرة حسابٌ ولا عمل، لا ينافي قوله: انقطع عمله إلا من ثلاث، فإنَّ هذه الثلاث أعمال تحصل في الدنيا،
وما نفاه الحديث الآخر إنما هو العمل الذي يحصل بالآخرة، وما دام الميت سبباً بشكلٍ وآخر لوجود تلك الثلاثة، إذن، سيكون مستحقاً لوصول الثواب إليه، وتكون بمنزلة أعماله في الدنيا.
الجانب السابع: مقتضى قوله: في الآخرة حسابٌ ولا عمل: أنَّ أيَّ رحمةٍ زائدةٍ سوف لن تصل إليه، لأنها إنما تصل بالعمل، فإذا انقطع العمل انقطعت الرحمة. فهل هذا الفهم صحيح؟
والجواب: إنه غير صحيح بكلِّ تأكيد، لعدَّة وجوهٍ نذكر منها:
الوجه الأول: إنَّ كثيراً من الرحمات لا تحتاج إلى سببٍ، بل هي تفضُّلٌ ابتدائيٌّ من الله سبحانه، وقد ورد في الدعاء [يا من كلُّ رحمته ابتداء]. أي بدون سببٍ سوى إرادته سبحانه.
وإذا تمَّ ذلك، فمن الممكن أن تصله الرحمة في الآخرة بدون عمل.
الوجه الثاني: إننا يمكن بقرينة [الحساب] أن نحمل [العمل] على العمل غير الصالح لأنه هو المحاسب عليه، وليس كما نتصور ابتداءاً، من أنَّ المراد به العمل الصالح، فيكون المعنى نفي وجود الذنوب في الآخرة، وهذا أمرٌ قطعيٌّ لا شكَّ فيه.
الوجه الثالث: إننا يمكن أن نحمل معنى [العمل] على العمل المأمور به، أي إنَّ الشريعة تطلبه أو أنها تنهى عنه، بحيث يكون مرتبطاً بها بشكلٍ وآخر، فيكون معنى الحديث: إنه في الآخرة لا يوجد عملٌ مرتبطٌ في الشريعة، لأنَّ الشريعة هناك منتفية، وهذا أيضاً أمرٌ قطعيٌّ لا شكَّ فيه.
الوجه الرابع: إنه دلَّ الكتاب والسنة على وجود بعض الأعمال الصالحة للمؤمنين في الآخرة، كذكر الله سبحانه، قال تعالى: [وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ][[239]]، وغيرها من الآيات، وكالشفاعة في إنقاذ بعض أهل النار من العذاب، قال تعالى: [وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى][[240]].
وقد ورد في السنة ما مؤداه[[241]]: [إنَّ المؤمن لا عبادة له في الجنة إلا التحية والذكر]. أقول: فالتحية فيما بينهم، والذكر لله سبحانه.
وقوله: في الآخرة حسابٌ ولا عمل، معنىً مطلقٌ يمكن تقييده بمثل هذه الأدلَّة، وهذه الوجوه.
الجانب الثامن: في قوله: في الدنيا عملٌ ولا حسابٌ. فإذا لم يكن الحساب موجوداً، فهذا يخالف ما ورد في الكتاب والسنة والتجربة من وجود العقوبات الدنيوية البسيطة والمهمة، نتيجةً لذنوب الناس، وهذا قطعيٌّ لا شكَّ فيه.
 
ويمكن الجمع بين الفكرتين بأحد وجوهٍ، نذكر منها:
الوجه الأول: أنَّ المنفيَّ في الخبر هو [الحساب] لا العقاب، وما هو الثابت في الدنيا هو [العقاب] لا الحساب، فإذا اختلف الأمران انتفى التنافي.
الوجه الثاني: أنَّ المراد بالحساب الذي ينفيه الحديث عن الدنيا، ما يحصل في الآخرة من استقراء أعمال الفرد واحدةً واحدة، لينال جزاءه منها بالعدل الإلهي، إن خيراً فخيرٌ، وإن شراً فشرٌّ. وهذا الحساب غير موجودٍ في الدنيا يقيناً، ومن الواضح أنَّ أنواع العقوبات الدنيوية ليس من هذا القبيل.
الوجه الثالث: أنَّ العقوبات الدنيوية ليست [عقوبات] بالمعنى الكامل، بل هي لمجرد إلفات النظر، مقدمةً للإستغفار والتوبة، ومن هنا قال سبحانه: [لعَلَّهُمْ يَتَذكَّرُونَ][[242]] و [لَعَلَّهُمْ يَتَفكَّرُونَ] [[243]]. وأما العقاب الكامل، فهو منحصرٌ في الآخرة، وهذا كافٍ في فهم الحديث الشريف.
الجانب التاسع: إنه لا شكَّ أنه ثبت لدى المتشرعة، أنَّ هناك من الناس في الآخرة يدخلون الجنة بلا حساب، ومن الناس من يدخل جهنمَ بلا حساب[[244]]، فكيف قال الحديث الشريف: إنه في الآخرة حسابٌ ولا عمل.
 
ويمكن أن يجاب على ذلك بوجوهٍ، منها:
الوجه الأول: أنَّ [حساب] نكرةٌ في سياق الإثبات، فلا تفيد إلا الإثبات الجزئي، ولا يمكن أن تفيد العموم أو الكبرى الكلية، فيكون المعنى: أنَّ هناك حساباً في الآخرة لبعض الناس أو لبعض الأعمال، وهذا صحيحٌ وأكيد، ولم يقل الحديث إنَّ الحساب عامٌّ وشامل، لينافي ثبوت انتفاء الحساب عن بعض الناس.
الوجه الثاني: أنَّ المهمَّ في هذه الفقرة من الحديث: هو نفي وجود العمل في الآخرة، وليس إثبات الحساب فيها، فإذا صدق وجود الحساب بأيِّ شكلٍ كفى في صحة السياق، وإنما المهمُّ أن يصدق انتفاء العمل الذي هو الأهمُّ في السياق، وهذا هو ما سبق أن ناقشناه.
الوجه الثالث: أنه يمكن أن نقول بعموم الحساب لكلِّ الأفراد. وهل الحساب إلا تقييم العدل الإلهيِّ للأعمال، وهذا معنى عامٌّ وشامل، إلا أنَّ الحساب تارةً يكون ظاهراً للعيان، وأخرى يكون ضمنياً أو سريعاً ]وَهُو سَرِيعُ الحِسَاب[[[245]] بحيث لا يحتاج إلى مزيدٍ من الوقت، بحيث يكون مجرد الإلتفات إليه كافياً في تحصيل النتيجة، فهذا الأخير يكون هو المراد من الذين يدخلون الجنة أو جهنم بلا حساب، أي بلا حسابٍ ظاهريٍّ معلوم.

الفقرة (18)

التيمُّم
 
بعد الإنتهاء من أحكام الأموات يصل الفقهاء في كتاب الطهارة إلى أحكام التيمُّم:
ويحتوي التيمُّم بصفته بدلاً عن الوضوء على معنى البديل الأقلِّ بعد تعذُّر الأصيل الأهمّ، كمن يفقد داراً تفي بكلِّ حوائجه ومتطلباته، فيضطرُّ إلى السكن في دارٍ تفي بحاجاته الضرورية فقط.
 
غير أنَّ الملاحظ في بداية التيمُّم أمور:
أولاً: أنَّ هذه البدلية تشريعيةٌ، يعني أنَّ الشريعة اختارت التيمُّم بدلاً عن الوضوء، ولولا ذلك لم يكن بدلاً عنه.
ثانياً: انَّ هذه البدلية حصلت في استعمال التراب دون أيِّ شيءٍ آخر.
ثالثاً: انَّ هذا البديل هو الجانب الأضعف وليس كقوة الأصيل، بمعنى أنَّ الطهارة الناتجة عن التيمُّم أقلُّ من الطهارة الناتجة عن الوضوء، حتى قيل: إنه مبيحٌ غير رافع[[246]].
رابعاً: انَّ هذا البديل مهما كان ضعيفاً، فإنه يفي بالمقصود الأساسيّ، وهو إباحة الدخول في الصلاة، أو أيِّ عملٍ متوقفٍ على الطهارة.
خامساً: انَّ مجرد الكون على الطهارة، لم تثبت صحته بالنسبة إلى التيمُّم، بينما هو في الأصل، وهو الوضوء ثابت.
سادساً: انه لا يستعمل البديل وهو التيمُّم إلا بعد الوثوق بعدم إمكان الوضوء، إما لعدم الماء أو لعدم إمكان استعماله، كما هو مشروحٌ في محله.
وبعض هذه الأمور تحتاج إلى شيءٍ من الشرح في عدة نواحٍ:
الناحية الأولى: في اختيار التراب للتيمُّم.
فإنَّ التراب النظيف يصبح منظفاً للأوساخ الإعتيادية ومزيلاً لها، سواءٌ كانت صلبةً أو سائلة، كما إنه يعتبر في بعض الفروض معقماً، وأحياناً دواءاً، وذا آثارٍ طبيةٍ مهمة.
وكما هو مؤثرٌ في الطهارة المادِّية، كذلك هو مؤثرٌ في الطهارة الحكمية والمعنوية، قال رسول الله : [جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً][[247]]. أي طاهراً في نفسه مطهراً لغيره، وهذا يشمل سائر أشكال الطهارة.
غير أنَّ الماء أكثر تطهيراً منه وأشدُّ تنظيفاً، فمن هنا كان من المنطقيِّ تقديمه عليه، ولكن ليس من المنطقيِّ مع فقد الماء أن يبقى الفرد بلا طهارةٍ مع إمكان تطهيره بالتراب.
الناحية الثانية: انَّ التيمُّم بالتراب هو البديل الأضعف للطهارة بالوضوء بالماء، وذلك لاختلاف طبع كلا المادَّتين أو العنصرين، فإنَّ الماء كما هو واضحٌ أشدُّ تنظيفاً كما قلنا، وهذا شاملٌ لكلا المستويين المادِّيِّ والمعنويِّ من الطهارة.
ويكون من آثار ذلك أنه لا يعقل مع توفُّر الطهارة الأفضل الإلتفاتُ إلى الطهارة الأضعف.
كما يكون من آثار ذلك وقوع الخـلاف بأنَّ التيمُّم هل هو رافعٌ للحدث أم لا، في حين لا شكَّ في كون الوضوء رافعاً.
ومن آثاره القريبة أنَّ الحصول على الطهارة الترابية الضعيفة لم يكن مطلوباً لذاته، وإنما فقط لنتائجه كالدخول في الصلاة، ولا أقلَّ أنه لا دليل على هذه المطلوبية فقهياً، وإن كان الأمر يختلف معنوياً ومنطقياً، لأنَّ الحصول على الطهارة الضعيفة أولى من البقاء في الأوساخ أو [الرجس] أو [الحدث]. كما انَّ مقتضى بدلية التيمُّم عن الوضوء هو ذلك، أعني مطلوبيته في كلِّ موضعٍ يكون الآخر مطلوباً، بما فيه الكون على الطهارة.
الناحية الثالثة: في الوثوق من عدم إمكان الوضوء لتؤول الوظيفة إلى التيمُّم  .فإنَّ الحرص على الطهارة العالية، ينبغي أن يكون عالياً، بحيث يتمُّ فيه إتعاب النفس في البحث عن الماء إن كان مفقوداً، والبحث في [غلوة] سهم أو سهمين من مكان وجود الفرد، كما أوجب الفقهاء، وبدون ذلك يكون الفرد مهملاً لنفسه ومتسامحاً في طهارته، فلا يكون تيممه صحيحاً. هذا بحسب الحكمة التي نعرفها. ولها مستوياتٌ معنويةٌ لا حاجة إلى الدخول في تفاصيلها.

الهوامش
_________________________________
[[198]] الكافي للكليني: ج 3. الباب 38 من كتاب الجنائز. حديث 21. ص 167 ـ الوسائل: ج 1 م 2. الباب9 من أبواب الدفن. حديث 1 و3. ص 230.
[[199]] سورة آل عمران: آية185.
[[200]] سورة غافر: آية11.
[[201]] أي إن العدم السابق موت، ثم يحيى الإنسان بخروجه إلى الدنيا ثم يفارقها بالموت ثم يحيى عند نشوره ووقوفه بين يدي الله عزَّ وجل للحساب. وقد ذكر سماحة المؤلف الموت الأول [وهو العدم السابق] والحياة الثانية [حياة الآخرة] فقط، وذلك باعتبار أن الحياة الدنيا والموت الموجود بعدها واضحان من خلال معايشتنا لهما فلم يكن من سماحته إلا أن يشير إلى الموت والحياة الآخرين. فتمل.
[[202]] سورة الشورى: آية44.
[[203]] سورة الدخان: آية56.
[[204]] انظر منهج الصالحين للمؤلف: ج 1. ص 88. مسألة 287.
[[205]] مستدرك الوسائل: الباب 29 من أبواب الإحتضار. حديث 3 ـ مصباح المتهجد للطوسي: ص 11. ط حجري ـ المصباح للكفعمي: الفصل الأول. ص 7.
[[206]] انظره في مفاتيح الجنان للشيخ عبا س القمي: ص 84.
[[207]] انظر منهج الصالحين للمؤلف: ج 1. ص 88. مسألة289.
[[208]] الأُشنان والإِشنان: ما تغسل به الأيدي من الحًمض وهو أنواع ألطفها الأبيض ويسمى "بخرء العصافير" والأصفر يسمى "بالغاسول" وكلاهما مُنَقٍّ . [المنجد في الغة ص12 ــ مادة اشن].
[[209]] الكنيف: الموضع المعد للخلاء وكل ما ستر من بناء أو حضيرة [للإبل والغنم وما شابه] فهو كنيف. [مجمع البحرين للطريحي: ج 5. ص 116. مادة كنف].
[[210]] انظر منهج الصالحين للمؤلف: ج 1. ص 95. مسألة 314.
[[211]] رجَّل شعره: أي سرّحه [أقرب الموارد: م 1. ص 392. مادة رجل].
[[212]] انظر منهج الصالحين للمؤلف ج 1. ص 95. مسألة 314.
[[213]] انظر منهج الصالحين للمؤلف: ج 1. ص99 ـ 100. مسألة 332.
[[214]] انظر المصدر السابق: ص 100. مسألة 333.
[[215]] انظر المصدر السابق: ص 101. مسألة 334.
[[216]] انظر المصدر السابق: ص 101. مسألة 335.
[[217]] انظر المصدر السابق: ص 102.
[[218]] الوسائل: ج 1 م 2. أبواب التكفين. الباب 7. حديث 1 و 4 و 7. والباب 8. حديث 1.
[[219]] انظر منهج الصالحين للمؤلف: ج 1. ص 104. مسألة 346.
[[220]] من لايحضره الفقيه: ج 1. باب 25. حديث 16. ص 100. المصباح للكفعمي: الفصل الأول. ص 8.
[[221]] الوسئل: ج 1 م 2. الباب 3 من أبواب صلاة الجنائز. حديث 2 و 3 و 4. ص 768. الكافي للكليني: ج 3. الباب 57 من كتاب الجنائز. حديث 1 و 2. المصباح للكفعمي: الفصل الأول. ص9.
[[222]] الوسائل: ج 1 م 2. الباب 12 من أبواب صلاة الجنائز. حديث 1 المصباح للكفعمي: الفصل الأول. ص 9.
[[223]] فقه الرضا: ص 19. ط حجري.
[[224]] الوسائل: ج 1 م 2. الباب 9 من أبواب الدفن. حديث 4. ص 831.
[[225]] انظر منهج الصالحين للمؤلف: ج 1. ص 112. مسألة 370.
[[226]] انظر المصدر السابق: ج 1. ص 112. مسألة 372.
[[227]] فقه الرضا: ص 18. ط حجري جواهر الكلام: ج 4. ص 308 ـ المصباح للكفعمي: الفصل الأول. ص 9.
[[228]] الوسائل: ج 1 م 2. الباب 29 من أبواب الدفن. حديث 1 و 2 ـ جواهر الكلام: ج 4. ص 311 ـ المصباح للكفعمي: الفصل الأول. ص9.
[[229]] اللبن: ما يُعمل من الطين ويبنى به. [مجمع البحرين: ج 6. ص 306. مادة لبن]. وشرجت اللبن شرجً: أنضدته أي ضممت بعضه إلى بعض. [مجمع البحرين: ج 2. ص 312. مادة شرج].
[[230]] الوسائل: ج 1 م 2. الباب 21 من أبواب الدفن. حديث 5. وحديث6. المصباح للكفعمي: الفصل الأول. ص 9.
[[231]] جواهر الكلام: ج 4. ص 307. نقل عن الشيخين والعلامة في المنتهى ـ مصباح الكفعمي: الفصل الأول. ص 9.
[[232]] مستدرك الوسائل: الباب 28 من أبواب الدفن. حديث3 ــ جواهر الكلام: ج 4. ص 310.
[[233]] مصباح المتهجد للطوسي: ص 16. ط حجري ـ مستدرك الوسائل: الباب 32 من أبواب الدفن. حديث 3. ونحوه في فقه الرض: ص 19.
[[234]] مستدرك الوسائل: الباب 33 من أبواب الدفن. حديث 4.
[[235]] الوسائل: ج 1 م 2. باب 21 من أبواب الدفن. حديث 6.
[[236]] نفس المصدر.
[[237]] نهج البلاغة للدكتور صبحي الصالح: خطبة 42. ص 84 ـ رشاد القلوب للديلمي: الباب الثاني. ص 19.
[[238]] منية المريد للشهيد الثاني: ص 25.
[[239]] سورة يونس: آية10.
[[240]] سورة الأنبياء: آية28.
[3] انظر نحوه في الإختصاص للشيخ المفيد: ص 34. هـ
[[242]] سورة البقرة: آية221.
[[243]] سورة الأعراف: آية176.
[[244]] الخصال للصدوق: ص 80 ـ الإختصاص: ص 237.
[[245]] سورة الرعد: آية41.
[[246]] أي مبيح للأعمال العبادية المشروطة بالطهارة كالصلاة، ولكنه غير رافع للحدث.
[[247]] الوسائل: ج 4 م 3. الباب 1 من أبواب ما يسجد عليه. حديث 8.

الفهرس || السابق || التالي

السيرة الذاتية || الصور || المؤلفات || ما كتب حوله