مؤلفات الإمام الشهيد السيد محمد صادق الصدر ( قدس سره)

كتاب اليوم الموعود بين الفكر المادي والديني للسيد الشهيد محمد صادق الصدر - قد -

إن الماركسية، لم تستطع ان تؤكد بوضوح ارتباط الدين بالوجود الطبقي في المجتمع، وإن مالت إلى ذلك كل الميل. وذلك لوجود عقبة كؤود دون ذلك، وهو وجود الدين في عصور بشرية متقدمة جدا. وفي تلك العصور لم تكن الطبقية موجودة، قي نظر الماركسية، لوجود المجتمع الشيوعي البدائي في ذلك الحين. إذن، فمن المتعذر القول: بأن الدين نشأ من الوجود الطبقي.
نعم، رأت الماركسية: ان الدين اصبح- بعد وجوده- احد الأساليب الرئيسة التي تستعملها الطبقات في الصراع فيما بينها:
قال انجلز:
" إن الدين قد ولد في عصور بدائية من تخيلات الناس الجاهلة الغامضة البدائية عن طبيعتهم ذاتها، وعن الطبيعة الخارجية التي تحيط بهم (1).
وقال بوليتزر عن المراسيم الدينية:
" انها تعبر جميعا عن معطى معين حقيقي عن الفعل الانساني! ألا وهو عجزه النسبي الكبير في مطلع الانسانية وهو عجز أمام الطبيعة، ذلك العجز الذي يتعلق بنمو الانتاج الضعيف. وهو أيضا عجز أمام الظواهر الاجتماعية إلذي يتعلق الاضطهاد الطبقي وفقدان الأمل وضعف الوعي الاجتماعي.
يعرف كل واحد منا أن على المراسيم الدينية ان تضمن النجاج والفوز، في الأعمال " والانتصار على العدو، وأن تعود بالسعادة الأبدية... وهكذا تبدو الديانة كأنها وسيلة يستخدمها الانسان لبلوغ أهدافه، وهي مراسيم تتعلق بجهل أسباب شقائه، او سعيه نحو السعادة " (2).
" إن الديانة لما كانت تتولد من الجهل فإنها تحل محل التفسيرات العلمية تفسيرات خيالية، فتعمل بذلك على ستر الواقع وإسدال الستار على التفسير الموضوعي للظواهر ولهذا كان الرجل المتدين مناوئأ لمبادىء العلم التي هي من عمل الشيطان، لأنه حريص على أوهامه.
وتستخدم الطبقات المستغلة هذه الخاصية، لاهتمامها بإخفاء استغلالها عن أعين الطبقات الكادحة... فهي بحاجة إلى سلبية هذه الطبقات وجمودها، كي يستمر إضطهادها، كـما انها بحاجة لخضوعها وايمانها بالقضاء المحتوم، هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى: يجب توجيه أمل الجماهير بالسعادة نحو العالم الآخر وهكذا
(1) لودفيج فورباخ: انجلزص 64.
(2) أصول الفلسفة الماركسية: جررج بوليتزر وآخرين ص 241.
125

يعرض الأمل والعزاء بدخول الجنة، على أنها تعويض عما بذلته الطبقات الشعبية من تضحيات على الأرض. فيتحول الاعتقاد بخلود النفس، الذي كان ينظر إليه في القدم على أنه مصيبة مرهقة، إلى أمل بالخلاص في الآخرة.
استخدمت الديانة، إذن، منذ اقدم العصور كقوة فكرية " للمحافظة على النظام وكأفيون للشعب، حسب قول ماركس، بالرغم من أن الطبقات الحاكمة المـتنيرة لم تعد تعتقد بأية كلمة من النظريات التي كانت تعمل على استمرار تأثيرها في الطبقات ا لكادحة " (1).
هذا ما قالته الماركسية عن الدين من الزاوية التاريخية، وهناك مناقشات فلسفية او عقائدية، لا مجال لسردها ونقاشها في هذا البحث. وستأتي بعض التفاصيل لدى التعرض إلى الهيكل الأساسي للمادية التاريخية.
ومن ذلك: وجود الفلسفة والعلوم عموما. فهي مستندة في وجودها وتطورها إلى وسائل الانتاج.
وقد اكدت الماركسية بهذا الصدد، على عدة نقاط:
النقطة الأولى: ما سمعناه من انجلز: من ان التطور السياسي والحقوقي والفلسفي والديني والأدبي والفني، يستند إلى التطور الاقتصادي (2) .
النقطة الثانية: ما سمعناه عن لينين من انه انتقد الموضوعية واللاتحيز انتقادا حادا، واعتبرها شكلا مستورا ومقنعا للتعبير عن الحزبية (3).
النقطة الثالثة: إنكار الحقيقة المطلقة بالمرة، وان الحقائق دائما نسبية.
قال انجلز:
"كذلك تحطم هذه الفلسفة الديالكتيكية جميع التصورات عن الحقيقة المطلقة النهائية، وعن أوضاع الانسانية المطلقة المناسبة لها. فليس هناك بالنسبة للفلسفة الديالكتيكية شيء نهائي مطلق مقدس. إنها ترى حتمية الانهيار في كل شيء... " (4).
النقطة الرابعة: ان المعارف والعلوم عموما ناشئة من المصلحة.
(1) المصدر ص 243.
(2) انظر: نصوص مختارة، لانجلزص 179.
(3) المادية التاريخية: كيللة، كوفالسون ص 28.
(4) لودفيج فوربغ: انجلزص 10.
126

" ويقوم بين المعرفة والمصلحة تطابق، وتتجلى المصلحة في السعي وراء المعرفة الحقيقية. ولكن إذا تناقضت المصلحة والمعرفة نشأت الخرافات والأوهام. والتصورات المشوهة عوضا عن العلم. ان المصلحة إنما هي قوة جبارة. ولو أن البديهيات الهندسية أو النظريات الهندسية- مثلا- كانت تناقض مصالح معينة، لتواجد بكل تأكيد، أناس يعمدون إلى دحضها" (1).
النقطة الخامسة: إن النظرية الماركسية نفسها حزبية:
قال كوفالسون:
" إن العلم الاجتماعي الماركسي يربط نفسه على المكشوف بمصالح الطبقة العاملة، بالنضال من أجل تحرير الكادحين من الاستثمار، بتحرك المجتمع نحو الاشتراكية والشيوعية. وفي هذا تقوم حزبيته " (2).
النقطة السادسة: إن الماركسية أكدت على قانون الديالكتيك، الذي يتضمن ان كل شيء متضمن لنفيه ولنفي النفي ايضا، الذي هو معنى الأطروحة والطباق والتركيب. وقد عرفنا ذلك مفصلا.
وإذا كان هذا القانون شاملا لكل الأشياء، إذن فهو شامل للفكر الماركسي، بكل تفاصيله أيضا، وإلا لم يكن قانون الديالكتيك عاما بطبيعة الحال.
وإذا شمل هذا القانون الفكر الماركسي، فسوف يؤول إلى الانتفاء والتغييب، لا محالة. لأننا إما أن نفرض هذا الفكر، اطروحة أو طباقا أو تركيبا. ولا شيء غيرذلك.
فإن فرضناه أطروحة، كان الطباق نافيا له، فضلا عن التركيب.
وإن فرضناه طباقا، باعتباره نفيا للفكر السابق عليه، كان التركيب فكرا غير الأطروحة والطباق، او غير الفكر القديم والفكر الماركسي معا. وإن فرضناه تركيبا، كان التركيب بدوره أطروحة يحتوي على نفيه لا محالة، لوضوح ان الديالكتيك لا يكف عن العمل بعد إنجاز (التركيب) لا محالة. إذن، فالفكر الماركسي ينتفي حتما ويتبدل إلى غيره، طبقا للقانون الماركسي نفسه.
النقطة السابعة: إن الفلسفة والعلوم جميعا إذا كانت من نتاح التطور الاقتصادي- كما سمعنا من انجلز- فهذا لا يعني، فقط، ان العلوم تكون
(1) المادية التاريخية: كيللة، كوفالسون صر 26.
(2) المادية التاريخية: كيللة، كوفالسون.
137

مسببة لهذا التطور، كما فهمناه من النقطة الأولى، بل يعني انها تتطور بتطورها ايضا. فإذا عرفنا، بالاضافة إلى ذلك، ان الفكر الماركسي وجد في عصر الرأسمالية، وكان الوضع الاقتصادي الرأسمالي في عصر الراسمالية، وكان الوضع الاقتصادي الرأسمالي مسببا له... إذن، فسوف يتغير بتغير هذا الوضع، ولا يمكن أن يكون له بقاء واستمرار بعد زوال الراسمالية طبقا لنفس القاعدة الماركسية. فإن كان لها بقاء، كان ذلك نقطة ضعف في القاعدة الماركسية للتطور نفسها.
فهذه سبعة نقاط ماركسية، تدل على سبعة نقاط ضعف في الفكر الماركسي على الخصوص، وفي الفلسفة والعلوم كلها على وجه العموم. والماركسية اعترفت بهذه النقاط كلها، في الفلسفات والعلوم كلها، وانكرتها في الفكر الماركسي نفسه ... فالفكر الماركسي في نظر الماركسيبن، يدل على الواقع الموضوعي نفسه، وهو مرآة صادقة عنه. فإنه يرسم بصورة موضوعية لوحة عن الواقع، ونسبة القوى، والتناقضات القائمة واتجاهات التطور
ومن ذلك: وجود الأخلاق.
قال انجلز:
" ولهذا فإننا نرفض كل طمع بأن تفرض علينا أية عقائدية أخلاقية كقانون إضافي سرمدي نهائي، لا يتزعزع بعد اليوم بذريعة ان لعالم الأخلاق، هو أيضا مبادئه الدائمة التي هي فوق التاريخ والفوارق القومية. فنحن نؤكد- بالعكس- ان كل نظرية في الأخلاق حتى اليوم إنما كانت في التحليل الأخير نتاج الوضع الاقتصادي للمجتمع في أيامها. وكما ان المجتمع قد تطور اليوم ضمن تعارضات طبقية، فقد كانت الأخلاق على الدوام أخلاقا طبقية: أما انها كانت تبدو سيطرة ومصالح الطبقة السائدة، واما انها كانت منذ ان تصبح الطبقة المضطهدة على جانب من القوة، تمثل الثورة على هذه السيطرة ومصالح المستقبل للمضطهدين.
وأضاف:
"وما من شك أن تقدما قد حدث مع هذا إجمالا- بالنسبة للأخلاق، كما بالنسبة لجميع فروع المعرفة البشرية الأخرى. ولكننا لم نتجاوز بعد الأخلاق الطبقية. ولن يصبح ممكنا وجود اخلاق إنسانية حقأ موضوعة فوق التعارضات الطبقية وذكراها،
(1) المصدر نفسه ص 26.
128

إلا في مستوى للمجتمع لا يكون قد تم فيه فقط التغلب على التعارض الطبقي، بل يكون قد نسي فيه أيضا في ممارسة الحياة اليومية، ماذا كان هذا التعارض ، ويعتبر انجلز كثرة التطورات الأخلاقية وتعددها وتعارضها، دليلا على عدم كون الأخلاق سرمدية ونهائية.
اسمعه يقول:
" بأية اخلاق يعظوننا اليوم؟ إنها اولا الأخلاق الاقطاعية المسيحية الموروثة من
إيمان القرون الماضية. وهي بدورها تنقسم أساسا إلى اخلاق كاثوليكية وأخلاق بروتستانتية، الأمر الذي لا يمنع انقسامها ثانية إلى اقسام فرعية... وإلى جانب هذا تقوم الأخلاق البرجوازية الحديثة. ثم من جديد إلى جانب هذه أخلاق المستقبل، اخلاق البروليتاريا... فما هي الصحيحـة إذن؟ ولا واحدة بمعنى مطلق ونهائى ". وأضاف:
" ولكن الأخلاق التي تحتوي على النصيب الأصدق من العناصر الواعدة بالبقاء هي دائما الأخلاق التي تمثل في الحاضر، انقلاب الحاضر، تمثل المستقبل، إنها إذن الأخلاق البروليتارية " (2).
وقال انجلز ايضا:
" فمنذ اللحظة التي تطورت فيها الملكية ألخاصة للأشياء المنقولة، كان لا بد لجميع المجتمعات التي تسود فيها هذه الملكية الخاصة، أن يكون فيها هذه الوصية الأخلاقية المشتركة: لا تسرق. فهل يعني هذا أن تصبح هذه الوصية وصية اخلاقية سرمدية! كلا أبدا!!. ففي مجتمع ازيلت منه دواعي السرقة، حيث السرقات، بالتالي، لا يمكن ارتكابها، مع مرور الزمن، غير المجانين. كم سيضحك الناس من الواعظ الأخلاقي الذي يود ان يعلن على رؤوس الأشهاد الحقيقة السرمدية: لاتسرق! " (3).
وإذا كانت الأخلاق طبقية، ومتطورة بالتالي بتطور وسائل الانتاح وعلاقات الانتاج، إذن يوجد لكل مرحلة من مراحل المجتمع البشري أخلاقه الخاصة، ولكل طبقة أخلاقها الخاصة... الخ...
-10-
ومن ذلك: وجود العدالة والقانون ككل.
فإنها- ايضا- من نتائج الوضع الاقتصادي، المتمثلة بعلاقات الانتاج ووسائل الانتاج
(1) نصوص مختارة: انجلزص 160.
(2) المصدرص 159.
(3) المصدرص 160.
9
ولعل أوضح نص ماركسي يوضح ذلك، ويكشف عن تطور الفكرة القانونية في نظر الماركسية، من صورتها البدائية، إلى فكرة العدالة، بشكلها " الميتافيزيقي "!! الكامل... ما قال انجلز:
" في مرحلة جد بدائية من تطور المجتمع، يشعر بالحاجة إلى جمع العقود اليومية المتجددة للانتاج والتوزيع ومبادلة المنتجات في قاعدة مشتركة، وإلى السهر على أن يخضع كل فرد لشروط الانتاج والتبادل المشتركة. وهذه القاعدة التي تكون في البداية عرفا، تصبح بعد قليل قانونا.
ومعه تنبثق بالضرورة هيئات مكلفة بمراعاته: السلطات العامة، الدولة.
وخلال التطور اللاحق للمجتمع يتطور القانون إلى تشريع اكثر أو اقل اتساعا.
وكلما ازداد تعقيدا ازدإدت اصطلاحاته بعدا عن الاصطلاحات المعبرة عن ظروف المجتمع الاقتصادية الجارية. واذ ذاك يبدو هذا التشريع كعنصر مستقل، يستمد مبرر وجوده وأساس تطوره اللاحق لا من الظروف الاقتصادية، بل من دواعيه العميقة الخاصة، أو - إذا شئتم- من " فكره الارادة ". وينسى الناس ان الظروف الاقتصادية لحياتهم هي منشأ الحقوق لديهم. مثلما نسوا انهم قد نسلوا من عالم الحيوان.
ومع تطور التشريع إلى مجموعة معقدة وموسعة تظهر ضرورة تقسيم جديد للعمل الاجتماعي وتتكون طائفة من رجال القانون المحترفين. ومعهم يولد علم الحقوق. وهذا العلم لدى تطوره، يقارن بين النظم القانونية لمختلف الشعوب ولمختلف العصور، ناظرا إليها لا كصورة للعلاقات الاقتصادية في حينها، بل كنظم تجد في ذاتها مبرر وجودها. والحال ان المقارنة تفترض عنصرا مشتركا، والحقوقيون يظهرونه ببناء حقوق طبيعية مما هو مشترك أكثر أو أقل بين جميع هذه النظم. والمقياس الذي يرجع إليه لمعرفة ما هو من الحقوق الطبيعية ام لا، إنما هو- بالضبط- التعبير الاكثر تجريدا عن الحقوق ذاتها، اي العدالة.
... وهذه العدالة ليست دائما غير التعبير على الصعيد الايديولوجي والميتافيزيائي
عن الظروف الاقتصادية القائمة، تارة حسب صورتها المحافظة وتارة حسب صورتها الثورية.
فلقد كانت عدالة اليونان والرومان تجد الرق عادلا. وكانت عدالة البرجوازيين عام 1789 تطالب بإلغاء الاقطاعية، لأنها غير عادلة... وهكذا فكرة العدالة السرمدية تتغير ليس فقط مع تغير العصر والمكان بل ومع تغير الأشخاص أنفسهم، (1).
(1) نصوص مختارة: انجلزص 162 وما بعدها.
130

فقد أكد انجلز على عدة نقاط:
النقطة الأولى: إن القانون في صورته البدائية، عبارة عن تقاليد او عرف، وفي صورته المعقدة قانون.
النقطة الثالية: إن القانون ناشىء من ظروف المجتمع الاقتصادية.
النقطة الثالثة: إن القانون كلما ازداد تعقيدا ازداد بعدا عن أصله الاقتصا دي.
النقطة الرابعة: إن الناس تدريجيا ينسون ارتباط القانون بالجانب الاقتصادي مثلما نسوا انهم قد نسلوا من الحيوان ..
النقطة الخامسة: إن الدولة تصبح مسؤولة عن تطبيق هذا القانون " الاقتصادي " الطبقي.
النقطة السادسة: إن القانون تدريجا يكتسب تجريدا إضافيا فيصبح من الحقوق الطبيعية، ثم يصبح ممثلا لفكرة العدالة " الميتافيزيائية".
النقطة السابعة: إن اختلاف النظر إلى العدالة خلال اختلاف المجتمعات والحصور يعني أن العدالة نسبية وليست مطلقه. وبتعبير آخر: انها منظورة- فقط- من زاوية اقتصادية طبقية.
فهذه النقاط السبع، يغنينا بها انجلز عن أخذ كلمات غيره من الماركسيين.
131


مناقشات
الوجود الطبقي- الماركسي
لا ينبغي ان نختلف مع الماركسية في لأثير قوى الانتاج في إنتاج علاقات إنتاج معينة، ل! بمعنى السلبية بأي معنى من معانيها. بل- من زاويتنا- ان كل مجموعة من الآلات، والمواد الخام الطبيعية، تحماج في تدبيرها وحسن إنتاجها إلى علاقات إنتاج معينة، لو تغيرت هذه العلاقات لم يصبح ألانتاج نفسه حسنا ووفيرا.
وهذا في واقعه، يعود إلى عدة عوامل اهمها اثنان:
العامل الأول: الفهم العلمي والاجتماعي، لأحسن طريقة يمكن أن يستغل به هذه المجموعة، لانتاج أكبر مقدار من الناتج ومن الربح. وقد يكون هذا الفهم خاطئا، بمعنى أن الفرد او مجموع من يهمه امر الانتاج، يرى الط مجموع التصرفات المعينة هي أفضل من غيرها. ولو كان قد تعمق اكثر لأدرك لزوم الاستغناء عن بعض التصرفات وإبدالها بتصرفات أفضل.
العامل الئاني: حب الذات الذي يقتضي اتباع الأحسن دأئما. وإلا
فما الذي يحدو بالفرد او المجموع إلى ذلك... والفرد يستطيع بالضرورة أن يوقع نفسه بالضرر أو الهلاك.
ولكن السؤال الذي يتوجه إلى الماركس!ن، في هذا المجال، هو
أنهم هل يعتقدون بتكون علاقات الانتاج طبقا لتطور وسائل الانتاج بشكل ديالكتيكي أو بشكل "سلس " خمال من التناقضات؟!..
إن جوابهم ينبغي أن يكون حاضرا، وهو اختيار الأسلوب الديالكتيكي، لكونه امسر بقانونهم العام. ولكن هلا قدموا لنا اسلوب 132

تطبيق هذا القانوز، في هذا المجال؟!..
فإننا في هذا المجال، ككل يال، لا بد ان نلاحظ: الشيء ونفيه
ونفي نفيه... او الأطروحه والطباق والتركيب. فكيف تنطبق هذه المفاهيم في مجال بحثنا؟ إ..
إن الماركس!ن قدموا لنا التناقض بذهن علاقات الانتاج القديمة ووسائل الانتاج الجديدة، كجواب على هذا السؤال. وهذا وإن لم يكن خاليا من المناقشة، غزير أننا يمكن ان نطرح السؤال بشكل اوضح، بحيث لا يصلح ان يكون هذا جوابا له. كيف تترتب علاقات الانتاج مع وسائل الانتاح الموازية معها في الدرجة؟!.. هل ذلك بشكل تناقضي او بشكل سلس. وهذا سؤال يعم كل تطورات وسائل الانتاج، بما تنتجه من علاقات إنتاج مختلفة، على مدى عصور المادية التاريخية.
إن افضل ما نفترضه في هذا الصدد هو ان تكون الدرجة المعينة من
وسائل الانتاج- الطاحونة الهوائية مثلا-: هي اطروحة. فهل تصلح ان تكون علاقات الانتاج الموازية لها- العلاقات الاقطاعية مثلا-: طباقا لتلك الأطروحة، ونفيا لها. كلا! بعد افتراض الانسجام الكامل بينهما. إن الطباق لوسائل الانتاج، لا بذ أن يفترض- ماركسيا- طباقا
داخليا في نفس الآلة، يؤدي إلى تكاملها وتطويرها. واما ترتب علاقات الانتاج على الدرجة المعينة لهذه الوسائل، ووجودها بإزائها، فهو ترتب سلس بالضرورة.
ولو كانت علاقات الانتاج هي الطباق، فلا هو التركيب؟... ليس
هو الآلة الجديدة، لكويها ناتجة من الطباق دا الداخلي يا في الالة القديمة. وليس هو علاقات الانتاج الجديدة، لكونها ناتجة عن الالة الجديدة لا عن علاقات الانتاج القديمة، باعتراف الماركسية. وليس هو تغير اوضاع المجتمع، فإنها تتغير طبقا للعلاقات اءلديدة، لا للعلاقات القديمة. إذن فهذا الطباق ليس وراءه تركيب!!!...
ويمكن أن نلاحظ نفس هذه الملاحظة، بالنسبة إلى ترتب التغيير الاجتماعي على علاقات الانتاج الجديدة. إن الأوضاع الجديدة تترتب على العلاقات الجديدة، بشكل سلس غير تناقضي. لأنها- أولا- لا تصلح ان
133

تكون طباقا لها باعتبار انسجامها تاما، يأ حين يفترض بالطباق أن يكون نافيا للأطروحة، لا منسجم معها. ولو كان طباقا- ثانيا-، فليس له ئركيب لأن كل ظاهرة اخرى مما عددناها لها مبررات وجودها الماركسية غير هذا الصراع بيئ علاقات الانتاح وظواهر المجتمع.
إذن، فقانون الديالكتيك، غير منطبق على علاقات الانتاح، ولا على ظواهرها الاجتماعية الجديدة.
نحن نتفق مع الماركسية بوجود التطور المستمر في قوى الانتاح، بمعنى
آلات الانتاج، لا المواد الخام بما فيها الأرض، فإنه لا معنى للتطور المستقل فيها إلا نادرا. نعم الانسان لو اعتبرناه من قوى الانتاج، فقد يتطور في الذكاء او القوة البدبية، وقد لايتطور.
ويعود تطوير وسائل الانتاج إلى ما يشبه ذينك العامليئ، اللذين عرفناهما في الفقرة الأولى. ونعبر عنهما!ا المقام كما يلي:
أولا: حب الذات المقتضي لحب زيادة الانتاج.
ثانيا: الفهم المركب من أمرين:
أحدهما: الفهم العلمي بأسلوب تطوير الآلة.
ثانيهما: إدراك حقيقة ان الالة المتطورة تخدم الانتاح أكـز من سابقاتها.
وهذا يعني بوضوح ان تطور وسائل الانتاج إنما كان بفعل الفكر الانساني والارادة الانسانية، وليس شيئا خارجا عن وعي الناس، كـما حاول ماركس وستاليز أق يقولا. ومن الطبيعي أن يكون أولئك الماركسيون الذين اعترفوا بإسناد التطور إلى وعي الانسان اقرب إلى الحق.
ولكن هؤلاء بدورهم يقعون في بعض المصاعب:
أولا: إن معنى ذلك: إن الانسان هو الذي يطور نفسه، لا ان قوى الانتاج هي التي تطوره بشكل مستقل. وبكلمة أخرى: ينحصر الأمر بالقول: بأن العقول المفكرة المخترعة والمطورة للالات الجديدة، هي التي تطور المجتمع عن طريق هذه الآلات، وليس للآلات اي تأثير حقيقي. ثانيا: انه بعد أن اصبح التطور واعيا، فمن الصعب أن نتصور وقوع
134

التنافي بيئ قوى الانتاح وعلاقاته، لأننا من الصعب ان نتصور ان مثل هؤلاء المخترعين يوقعون الضرر بوضعهم الاجتماعي، كيف، وقد يكونون من المستفيدين منه فعلا. كـما اننا من الصعب ان نتصور مجموع الناس المكون لعلاقاقا الانتاج، لا يفهم افضلية الالة المتطورة على القديمة. -3-
وما حال هذه القضية التي اعتبرتها الماركسية صحيحة بشكل سلس
وهي ان قوى الانتاح أسرع زطورا من علاقات الانتاج... وانها اكثر عناصر حركة وثورة.
أولا: ان هذه الحقيقة- ككل حقيقة- لا بد في منطق الماركسية ان
تكون مشمولة لقانون الديالكتيك... فتكون نسبية الصدق وليست مطلقة ولا نهائية، إذن فهي ابئ صدقت في حين لا يتعين بالضرورة ان تكون صادقة دائما. بل يتعيئ تغيرها بتطور وسائل الانتاح نفسها.
ثائيا: إننا شاهدنا تطور وسائل الانتاج في البلدان الرأسمالية من الآلة ألبخارية إلى الكهربائية إلى الذرية، ولم يحصل أي تطور في علاقات نا الأنتاح أو الوضع الاجتماعي، وبكلمة أخرى: إنه لم يحصل تناف بيئ العلاقات السابقة والالة الجديدة.
ثالثا: ان هناك علاقات إنتاج مستمرة بالضرورة، بالرغم من تطور الالات والمجتمعات ككل، وموجودة في نحتلف الأنظمة الاجتماعية... كالزراعيين، اعني الملاكن الصغار، والفلاحـن والحرفان أعيئ الصناع اليدويين، ولو بالآلة الصغيرة، والمعلمين والأطباء والبنائن، وغيرهم... فلماذا لا تتطور هذه العلاقات بقانون الماركسيين.
إنه من السهل أن نفترض بشكل " سلس " ان مجموع من يهمه الأمر
في علاقات الانتاج يتطورون مع تطور الالة، من دون ان يتخلف تطورهم عن تطورها. فمهما زاد مسمار أو مروحة.، واقتضى ذلك علاقات انتاج جديدة، أو تبدلت الآلة بالمرة، فإن مجموع من يهمهم الأمر يعقدون علاقاتهم طبقا للجديد باستمرار، طبقا لاختيارهم للأحسن نتيجة لحب ذاتهم، كما قلنا، وطبقا لاتصاف الناس بحب مصالحهم ولقمة عيشهم، كـما
5 يم ا

ذكرت الماركسية،
هذا، وان تخلف علاقات الانتاح احيانا، عن التطور، مستند إلى اسباب بعينها، لا تعود إلى قوى الانتاح ولأ إلى قانون الديالكتمك، بل إلى ارتباط فئة معينة ذات نفوذ، ارتباطا مصلحيا، لا بالآلة القديمة، بل بأشياء أخرى كالأرض في حالة الاقطاع!ن... والمنجم مثلا... او الصيد مثلا في حالة غيرهم. والارتباط المصلحي مستند إلى حب الذات ليس إلا لوضوج ان الانسان قادر على ان يضر نفسه ويخالف مصلحته، لو لم يكن محبأ لذاته. إذن، فتخلف علاقات الانتاج، يعود إلى عوامل جغرافية ونفسية،
اكثر من ارتباطها بالآلة.
إن مفهوم الطبقة الماركسي، مغاير لمفهومها عند علماء الاجتماع الأخرين، فبينما يرى البعض ان الطبقة هي المجموعة التي يتحدد الانتساب إليها بالولادة، في مقابل الكتلة التي يتم الانتساب اليها نتيجة للانهماك بعمل معيئ. ترى انارك!سية ان الطبقة يتحدد الانتساب إليها طبقا لعلاقات الانتاج، فالطبقة الماركسية هي كتلة في اصطلاج الاخرين لأنها تعني الانهماك بعمل اقتصادي معين.
ومهما يكن الراي في هذا الاختلاف، فإن التعريف الماركسي، يحتص بالانطباق على الملاكـن والفلاحين، او العمال وأصحاب العمل، ونحوهمء ولايمكن ان ينطبق جملى كثير من مجموعات الناس.
فهناك مجموعة من الناسر في العصر الاقطاعي والرأسمالي وغيرهما،
لا تنتسب إلى عمل، وهم العاطلون بسبب الصغر او الكبر أو المرض أو عدم توفر الفرص، أو غير ذلك.
هناك مجموعات من الناس، لا يمت عملهم إلى الانتاج بصلة، ى!طرب والمعلمين والأطباء والحلاقين ودىجال الدين ورجال الدولة.. وادراج هؤلاء أو بعضهم في مفهوم العمال أو البروليتاريا، توسيع مجازي لهذا المفهوم.
وهناك مجموعات من الناس يرتبط عملهم بالتوزيع لا بالانتاج...
وهم التجار عموما على اختلاف بضائعهم ومراتبهم. بك ان الانتاح بدون 136

توزيع لا معنى له، وغير مثمر للربح بالمرة.، بل ان الرأسمالية عموما لم توجد، ولم تكدس الأموال الطائلة إلا بالتوزيع. ولم يكن الانتاج كافيا في ذلك، كـما هو واضح.
وهناك عدد من الناس ينتجون، لكن لا بضاعة ولا زراعة، كالصحف!ن والرسامن والنقاشين والحفارين... ونحوهم. ويقصد بالانتاج عادة غير هذا الانتاج.
وهذه (الطبقات يا موجودة في نحتلف عصور التاريخ، بعد تجاوز العصر البدائي للبشرية.
وإذا كان الحال هكذا، فينبغي أن نتساءل عن مصير هذه الطبقات في
مجال الصراع الطبقي الماركسي. وهل " يكونون مضطهدين أو مضطهدين، مع العلم انه قد لايكون بعضهم مندرجا في كلا هذين المفهومين، كـما قد يكون بعضهم مندرجا في كلا المفهومن لظروف معينة. فهل يكونون من مؤيدي الالة القديمة او الجديدة، في حين انهم غيى مرتبطن بالالة اصلا. وما هو شأن مثل هذه " الطبقات لا في الديالكتيك الجاري في المجتمع،
حينما تكون الطبقة المضطهدة القديمة اطروحة والطبقة المضطهدة طباقا والوضع الاجتماعي الجديد تركيبا. فلا تكون هذه الطبقات مندرجة في شيء من هذه المفاهيم... مع ان شيئا ما في العالم لايمكن أن يخرج عنها في الديالكتيك الماركسي.
والاعتذار عن ذلك- ماركسيا- بكونها طبقات غير اساسية، يعني الاعتراف بعدم شمول قواعد الديالكتيك والمادية التاريخية. لهذه الطبقات... فضلا عن الاعتذار عن ان الصراع بين هذه الطبقات قد يكون اهم احيانا من الصراع بذهن الطبقات الأساسية... فإنه يتضمن الاعتراف بأن الصراع الماركسي الأساسي في المجتمع، يكون معطلا احيانا او يكاد، لسيطرة صراعات أخرى عليه، و (ذا تعطل الخط الأساسي للصراع او ضعف، كيف يكون ذلك سببا لتطور المجتمع. وكيف أوجب تطور وسائل الانتاج إيجاد الصراع الثانوي دون الصراع الأساسي خلافا للقواعد المادية التاريخية المفهومة؟!.
137

من هذا نعرف أنه ليس كل نضال سياسي هونضال! طبقي، كـما ترى
ا لما ركسية.
إن الوجود الطبقي سبب للنضال السياسي، بلا شك. وإنما الشك لا
كونه السبب المنحصر لذلك، بحيث لا يوجد نضال سياسي إلا وهو نضال طبقي إ إ..
إن السنوات المتأخرة التي عشناها في النصف الثاني من هذا القرن
اثبتت بكل وضوح، ان غالب النضالات السياسية ناشئة من اتجاهات عقائدية وفكرية وحزبية، ناشئة بدورها من احد منشأين رئيسين ليس أحدهما الوجود الطبقي في المجتمع.
المئشأ الأول: الشعور بالظلم العام في المجتمع المعني خاصة، وفي البشرية عامة، مع ادعاء المجموعة بأنها تستطيع حل هذه المشكلات. المنشأ الثاني: محاولة الترؤس في الناس والسيطرة على دفة الحكم في المجتمع، من أجل مصالح فردية خاصة، كحب السيطرة وحب الشهرة، ونحو ذلك.
-7-
واما فكرة نشوء الدولة عن الوجود الطبقي في المجتمع.
فنحن لا ينبغي أن نختلف مع الماركسية في وجود كثير من الدول الطبقية في التاريخ، وخاصة في اوروبا قبل عصر النهضة وبعدها، وهي محل تركيز الفكر الماركسي عادة، كـما سمعنا.
فقد تداولت الحكم في اوروبا سلسلة من الحكومات بعضها إقطاعية وبعضها رأسمالية، وبعضها تمثل- يخا نظر الماركسيين- طبقة العمال ا لبروليتاريـن.
إلا أن هذا لا يعني، بأي حال، عدم إمكان نشوء الدولة من سبب آخر، غير الوجود الطبقي في المجتمع... نعم، لو عملنا من أوروبا- كما عملت الماركسية- نموذجا بشريا عاما، يمكن تعميم الحكم منها إلى كل مناطق الأرض، لكان كلام الماركسيين أقرب إلى الصحة. إلا ان هذا مما عرفنها زيفه بوضوح... وان شيئا من مناطق الأرض لا يشبه اوروبا بحال،
138

او أن أوروبا لا تمثل إلا نفسها على طول الخط-. إذن، فالرأي الماركسي لابد أن يكون بعيدا عن الصحة. ويمكن ان تنشأ الدولة من سبب غير طبقي موجب لوجودها.
وللماركسية تصريحات مهمة، تثبت بكل وضوح، أن الدولة يمكن أن
تكون غيرممثلة لطبقة معينة، بل هي وسط بين الطبقات، وكان الحال على ذلك خلال قرنن من الزمن في الحكم الفرنسي الملكي.
قال انجلز:
لا ومع ذلك، فثمة- كحالات استثنائية- مراحل تبلغ فيها الطبقات المتناضلة درجة
من توازن القوى تنال معها سلطة الدولة لفترة معينة نوعا من الاستقلال حيال الطبقتين، مظهر وسيط بينهما. هكذا كان الحكم الملكي المطلق في القرنن السابع عشر والثامن عشر، إذ كان يحافظ على التوازن بين النبلاء والبرجوازية في النضال القائم بينهما. وهكذا كانت البونابرتية في الامبراطورية الأولى، ولا سيما في الامبراطورية الثانية في فرنسا. إذ كانت تحرض البروليتاريا على البرجوازية وابىجوازية على البروليتاريا " (1).
وإذا أمكن حدوث هذا الحياد في الدولة بين الطبقات مرة، أمكن حدوثه مرات.
ونحن بعد أن التفتنا إلى ان النضال السياسي قد ينشأ من دوافع غير طبقية، فهذا النضال، إذا تكلل بالنجاح لمجموعة معينة من الناس، فسيطروا على الحكم، فإن حكمهم لا محالة لايكون طبقيا.
-8-
والصيغة المقترحة لفهم الدولة، كـما ينبغي أن تكون، بغض النظر عن
المظالم التي تتورط فيها الدول. هي كـما يلي:
إن الدولة وجدت من اجل ازجاء تلك المصالح التي لا يمكن للأفراد
القيام بها عادة.
فإن مصالح الأفراد على شكلين:
منها: ما يمكن لأي فرد عادة القيام بها كالحصول على الدخل الفردي والتعليم وممارسة الطب، ونحو ذلك. فضلا عن النشاط الشخصي كالأكل والنوم.
(1) اصل العائلة لانجلزص 227.
139

فإذا قدمنا للماركسية خاصة وللعالم عامة، نموذجا آخر من الدين يريد إصلاح العالم، وينظم علاقات البشر تنظيما عادلا، ويتجاوب مع العلوم الطبيعية تجاوبا كاملا، ويشجب الاستغلالالت المنحرفة له. وبالخلاصة، يتجاوب مع آط ل البشرية وآلامها!ا كل عصر لا يختلف تجاهه قوي عن ضعيف أو غني عن فقيرأو حاكم عن محكوم، كلهم تجب تربيتهم ومعاقبتهم على الذنب وأستغلال مواهبهم استغلالا صالحا... كـما عليه الدين الاسلامي بواقعه العادل، ونصوص واضحة في ذلك، كـما هو مبحوث ثا مصادره. فما ينبغي أن تقول المارءصسية تجاهه، وكيف يمكن ان يكون ناشئا عن الوجود الاجتماعي الطبقي، وهو على مثل هذه الصفات. -8-
إن الفكر الديني يرى العلم الطبيعي بكل أشكاله الصورة الناطقة عن
قدرة الخالق وحسن تدبيره وعظمة خلقته. وليس هناك اي تناف بين العلم والدين. وإن أبسط فكرة تدل على دلك لدى المتدين: هو أنه يا ى أن العلوم الطبيعية بما تدل عليه من قوأنين وضواهر، لا يمكن ان تكون صادقة بدون وجود الله تعالى. فضلا عن أن الدين الاسلامي حث على تعلم العلوم على نحتلف اشكالها، كـما هو غير خاف على من راجع مصادره. إذن فـما ادعاه بليخانوف، تبعا للفكر الماركسي عموما من أن:
" الخطوة الأولى للعلم هي إبعاد التفسير الاحيائي- يريد به الديني ألالهي- لحوادث الطبيعة، وفهمها كظوأهر خاضعة لقوانين " (1).
لا يمكن أن يكون صحيحا.
إذن، فالعلوم الطبيعية كلها علوم إلهية دينية، وليس المتدينون بحاجة
إلى ما قاله كوفالسون:
" وفي زماننا صار الدين أكثر احتراسا وأخذ رجال الدين يصرحون على المكشوف:
انهم يطمحون إلى أمر واحد فقط، هو ان يترك العلم لله شيثا ما "إلهيا، عا! العقل " (2).
إن الرجال الفاهمن للدين يعلمون ان كل شيء هو لله عز وجل، بما
فيه كل ظواهر العلم والطبيعة، ولا حاجة بهم إلما هذا الاستجداء الدنيء. 000000. (10 أ فلسفة التاريخ: بليخانوف ص 8.
(2) الماديه التاريخية: كوفالسون، ص 10.
146

كما ان الصلة بيئ الفيزياء والميافيزياء، صلة وثيقة جدا، أكز مما يتصور الماديون، بل اكثر مما يتصور اكثر المتدينن أيضا. فإن العوامل الميتافيزيائية هي التي تحرك كل أجزاء الكون الفيزيائي. وتشكل البديل الصالح عن القوانين المزعومة التي عرفنا زيف تصورها فيما سبق... وليس لنا الان الدخول في تفاصيل ذلك.
إذن، فالنداء المادي القائل:
" أيتها الفيزياء حذار من الميتافيزياءلما (1).
خال من المضمون والمعنى تماما... إذ لا وجود ولا حركة للفيزياء
بدون الميتافيزياء.
وأما الاعتقاد بالجزاء الاخروي، فلا نريد الدخول في تفاصيله، بعد
كل الذي سبق، من إعادة النظر في الأفكار الماركسية تجاه الدين، إلا من زاوية واحدة، وهي أن هذه العقيدة، هل تصلح افيونا للشعوب، كما قال ماركس، او أنها- في واقعها- المحرك الأساسي للمعتقدين بها للعمل في خدمة الانسانية والعدالة.
إن الانسان بحسب طبعه مربوط بمصالحه الخاصة ونوازعه وأهدافه القصيرة، وقد يرفض، بكل سهولة وحزم، أي دافع يدرك منافاته ولو بقليل مع تلك الدوافع والنوازع، ما لم يدرك عودها عليه، تارة اخرى، بالمصلحة.
وهذا ينتج بطبيعة الحال، الميل نفسيا إلى عصيان كل تعليم قانوني او نظامي يشعر فيه الفرد بهذه المنافات... سواء في ذلك القانون الوضعي أو القانون الالهي، (التعاليم الدينية).
والأطروحة الواضحة لتذليل هذه المشكلة هي جعل العقاب على العصيان والجزاء على الاطاعة؟ وهذا ما عملته الحكوممات دشلا في قوانيخها الوضعية، فشرعت العقوبات، وأسست السجون، فضمنت إلى حد المستطاع إطاعة وتطبيق قوانينها، بما في ذلك الحكومات الشيوعية نفسها. والدين ! يحتلف عن دلك، فإد له ي قالوله عقوبات ومتوبات دليوية
(1) نصوص نحتارة: انجلزص 177.
147

معجلة، على مستوى قوانن العقوبات الاعتيادية... كما ان له عقوبات ومثوبات اخروية مؤجلة. وكلا هذين النوعيئ من الجزاء، يؤثر بطبيعة الحال، في ضمان تطبيق التعاليم الدينية. وإلقسم المؤجل يختص بها الدين عن القوانين الوضعية، ويعطي لأعمال الخـير قيمة معنوية عظيمة تتجاوز ساحة الحياة إلى ساحة الأبدية. وبذلك يزداد الدافع العاطفي نحو العمل الديني إلى حد كبير.
فإذا فهمنا الدين طريقة صوفية او رهبانية او كنسية، كما حاولت الماركسية أن تفهم كان تطبيق تعاليمه يعني الانعزال عن الناس، وبالتالي التخدير عن العمل وعن نفع الاخرين، كما قال ماركس تماما.
وأما إذا شجب الفكر الديني الصالح هذه الاتجاهات، وأكد على بث
الخير في الناس وتطبيق العدل فيهم، والتضحية من اجل الآخرين بالنفس والنفيس، كان معنى تطبيق هذه التعاليم ومعنى الحث عليها يجعل الدافع الأخروي علمها: زيادة الدافع النفسي والعاطفي تجاه نفع الاخرين وبذل التضحيات لنفعهم و (سعادهم. وإعطاء ذلك قيمة ابدية غير موقتة ولا قصيرة (ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم ير زقون) (1).
أما لو سلمنا- مع الماركسية- ان الدين وليد مرحلة من مراحل تطور وسائل الانتاج... فلماذا لم يتغير أو يتطور بتغيرها.
إن مرحلة معينة لوسائل الانتاج إن كانت اوجبت وجود الدين أساسا،
إذن، فالمرحلة اللاحقة لها يجب ان تكون موجبة لطمسه وزواله بالمرة، مع أن المشاهد بالوجدان بقاؤه إلى العصر الحاضر، بالرغم من التغيرات العديدة من وسائل الانتاج.
وإن مرحلة معينة من وسائل الانتاج إن كانت سببا لشكل من أشكال الدين، إذن فاللازم ان يتغير في المرحلة اللاحقة لهذه الوسائل. في حيئ اننا نجد ان عددا من الأديان بقيت بذاتها وبكل تفاصيلها عبر أشكال عديدة من وسائل الانتاح، وعبر عهود كثيرة، للمادية التاريحية. واعتنقها الناس (1)-ال عمران: 169.
148

بمختلف طبقاتهم واتجاهاتهم وا لا سلام.
ولذأ أشرنا فيما سبق، بائرغم من هذه التطورات
ومصالحهم، كالبوذية واليهودية والمسيحية
ات الدين من جملة الأخمياء التي تعتبر ثابتة التي تؤمن بها الماركسية.
مناقشة الفكر الماركسي في الأصورق والعدالة
ينبغي أن نتفق سلفا على أن هناك قضايا سلوكية او "عملية يا متفق
عليها بـيئ البشر، فمثلا لوسئل أقي فرد عن قيمة السرقة أوعن قيمة العلاقة الجنسية بيئ الفرد وأمه، لاستنكرها بطبعه واعتبرها أمرا غير مشروع. لا يختلف في هذا الاستنكار مجتمع عن مجتمع أوجيل عن جيل اوطبقة عن طبقة.
ونحن نعلم باليقين أت وجود هذا الشعور في البشرية قديم منذ أن التفت الناس إلى اهمية السلوك وقيمته... وذلك منذ آلاف السنن. إذ بلا شك ان فردا من الانسان القديم لو أخذ فاكهة لطعامه مثلا، فخطفها منه شخص آخر، لاستنكر ذلك واستنكره غيره ايضا. يليس ذلك إلا مفهوم الاتسرق) الذي شجبه انجلز.
إن هذا المفهوم ليس من قبيل وعظ الوعاظ، بل هو تسالم اجتماعي
عام على تصحيح هذه القضايا و(عطاء هذه القيمة لهذا العمل. ويكون رد الفعل لعصيان هذه القضايا، اي للقيام فعلا بالسرقة مثلا، هو- على أقل تقدير- عقابا اجتماعيا عاما يتمثل في شجب كل افراد المجتمع لهذا العمل واحتقار فاعله، و(دراك أنه قد عمل عملا دنيئا ينبغي تركه والارتداع عنه. 149

إن قدم الشعور الديني لدى الانسان، لا يتعين تفسيره بالشكل المادي
او الماركسي، بل كـما يمكن ذلك، كذلك يمكن وجوده بسبب أصالة الشعور الديني وصدقه في النفس البشرية، إذن فالنظر الموضوعي لا يمكنه أن يجزم بمضمون ذلك التفسير.
إن الجهل بأسباب حوادث الطبيعة، لا يفسر بمجرده وجود الدين او الاعتقاد بخالق مدبر خارح الطبيعة. إذ لو اقتصرنا على فكرة الجهل، لكان في- إمكالن الجاهل أن يسند هذه الحوادث إلى محض الصدفة، وعدم وجود اي سبب لها... كما يمكنه أن يسنده إلى سبب بسيط من موجودات الكون، وإن لم يكن لة اي ارتباط بالواقعة. فلو لم نضم إلى هذا الجهل!!! الاعتقاد بقانون السببية ارتكازا والاعتقاد إلى أهمية وعمق السبب الفاعل للتدبير إلكوني العام، لما امكن أن ينتج الجهل بمجرده الاعتقاد بالخالق المدبر. ولو كان هناك ترابط حقيقي بين الجهل والاعتقاد الديني، لما امكن ان
نجد كثرة من الجهلاء الملحدين، أوكثرة من العلماء المؤمنين ة مع العلم أن هذين الصنفين موجودان بكثرة في البشرية منذ ان عرفت البشرية الجهل والعلم.
ومن طريف القول، ما ذكره بليخانوف من أن الجهل البشري ينتج الشعور الاحيائي عند الانسان، هذا الشعور المنتج بدوره للشعور الديني لديه.
اسمعه يقول:
" إن طفلا كان بحضو،5 يصف القمر بقوله (ملعون) لأنه لم يكن يود الظهور،
فهذا الطفل كان يعتبر القمر كائنا حيا. والانسان البدائي، يحي- على غرار هذا الطفل- الطبيعة بمجموعها. ان التفكير الاحيائي هو المرحلة الأولى في تطور التفكير الديني. والخطوة الأوىلى للعلم هي إبعاد التفسير الاحيائي لحوادث الطبيعة، وفهمها كظواهر خاضعة لقوانين لما (1).
ومن الواصح ار اك ين.لا- يؤ- مق !!جود ار.وح. أو الحياة! الطبيعة
(1) فلسفة التاريخ: بليخانوف ص 8.
143

نفسها، بل بوجودها خارجها. وكان الاعتقاد على ذلك منذ القديم، فإن الاعتراف بالخالق لا يعني غير ذلك. كما ان المتدين لا يرى تنافيا بين السبب الخارجي والقوانين، بل يمكنه أن يؤمن بكلا الأمرين، واز السبب الخارجي هو الذي سن هذه القوانن في الكون. مضافا إلى ما عرفناه من ان القوانن وحدها لاتكفي تفسيرا لحوادث الكون، بل هي ليست إلا وهما من الأوهام. والتفسير الوحيد للحوادث هو الاسناد إلى فاعل خارجي، بعد التجاوز عن الصدفة المحضة التي لايمكن أن يقول بها اي مفكر. كما ان الجهل غ!يركاف لنشوء العقيدة الدينية، كذلك العجز غيركاف لوجودها.. ء لوضوح أن رد الفعل الأولي للعجز هو التردد وانهيار الارادة، وليس هو إلاعتقاد بأتي شيء مهما كاز.
ولو أنه كان سببا للاعتقاد، فلا يتعين الاعتقاد بسبب خارجي، بل
يكفي الاعتقاد لالصدفة أو بسجبـط في دأخل الكون- كالشمس مثلا- أو بالقوانين العامة أو بالجن... إلى غيى ذلك من العقائد. إذن فتعـين الاعتقاد بالاله المدبر دون غيره يم يحتاج إلى بيان سببه... ولا يكفي العجز لتدبيره. -7-
وصلت بنا المناقشة إلى استفادة الوجود الطبقي من الدين، بعد ان لم
يكن بأصل وجوده طبقيا.
لا ينبغي أن ننكر أن كثيرا من الجهات والأفراد والطبقات، استفادت
من الدين- على اختلاف أشكاله- استفادات أنانية مصلحية، تحت مختلف الدوافـع والشعارأت، سواء سميناها اسمفادات طبقية، كـما ارادت الماركسية، أو سييناها بأي اسم اخر.
وليس فى ذلك من ضير على اصل الدين، فإن المتاجرة باسم الشيوعية
أيضا ممكنة من دون ان يوجبط طعنا على الشيوعية، فكذلك الحال في الدين حرفا بحرف. سواء كـز " التجار" أو قلوا، وسواء مثلوا قوة أو مثلوا ضعفا، وسواء مثلوا طبقة أو كانوا أفرادا.
غير أن من الطريف والمؤسف ان الماركسية تعبر بالدين، وتقصد نماذح
معينة من البشر المحسوبن على الدين، تلك النماذج التي يكون الكلام
144

الماركسي عنها قريبا من الصحة. وتهمل النماذج الصحيحة للدين، التي لايحسح فيها ذلك الكلام البتة.
ونحن نذكر بعض النماذج للتمثيل وإلفات النظر، لا على سبيل الحصر، ولا على سبيل التمانع، بل يمكن إدراج فرد أو افراد تحت أكز من نموذج واحد.
الئموذج الأول: نموذح " بدائي) من الدين- لو صح التعبير- كالاعتقاد بتعدد الآلهة، أو وجود إله قومي، او الطقوس الدينية في قبائل نصف متوحشة!! ونحو ذلك.
النمودج الثاني: نموذج الرأي الشخصي لمفكر ديني، وكل راي شخصي يحتاج إلى تمحيص قبل نسبته إلى الصحة، فضلا عن نسبته إلى الدين... كراي اوغسطيئ او الفاوإبي أو غيرهما.
الئموذج الثالث ت نموذج كنسي كان يحكم أوهـ وبا ردحا من الزمن،
ويتبنى عدة قضايا "جاهلة لما ضد " العلم " لاظل لها من الصحة-.. مما اوجب غضب الراي العام الاوروبي وحدوث الخهضة الاوروبية الحديثة، بما احدثته من مادية وعلمانية.
النموذج الرابع: استغلالات سياسية للدين، قد لا يرضاها الدين
الأصلي الذي تبنته هذه السياسة. كتبني الدولة الرومانية للمسيحية، او استغلال الأحزاب الاشتراكية الاوروبية لاسم الدين، حيث اسست احزاب في عدد من بلدان اوروبا باسم الحزب الاشتراكي المسيحي، مع نسبته إلى البلد الذي وجد فيه.
النموذج الخامس: نموذج الاختلافات الدينية الواقعة بين المعتقدين بالدين. وهي اختلافات- والحق يقال- كثيرة جدا على طول التاريخ. سواء في داخل الدين الواحد، كالدين المسيحي والاسلامي، أو بين اهل الأديان المختلفة... كالبوذلن والمسلمين في الهند، واليهود والمسلمن في الشرق الأوسط.
النموذج السادس: نموذج صوفي منعزل عن العالم، أناني في نزعته الدينية، لا يرى إلا مصلحة كماله الشخصي من الناحية الدينية. ولا يهتم بكمال غيره ولا بفساد العالم.

فإذا قدمنا للماركسية خاصة وللعالم عامة، نموذجا اخر من الدين يريد إصلاح العالم، وينظم علاقات البشر تنظيما عادلا، ويتجاوب مع العلوم الطبيعية تجاوبا كاملا، ويشجب الاستغلالات المنحرفة له. وبالخلاصة، يتجاوب مع آممال البشرية والامها في كل عصر لا يختلف تجاهه قوي عن ضعيف أو غني عن فقيراو حاكم عن محكوم، كلهم تجب تربيتهم ومعاقبتهم على الذنب واستغلال مواهبهم استغلالا صالحا... كـما عليه الدين الاسلامي بواقعه العادل، ونصوص واضحة في ذلك، كـما هو مبحوث في مصادره. فـما ينبغي أن تقول المارحصسية تجاهه، وكيف يمكن ان يكون ناشئا عن الوجود الاجتماعي الطبقي، وهو على مثل هذه الصفات. -8-
إن الفكر الديني يرى العلم الطبيعي بكل أشكاله الصورة الناطقة عن
قدرة الخالق وحسن تدبيره وعظمة خلقته. وليس هناك اي تناف بين العلم والدين. وإن ابسط فكرة تدل على 6 لك لدى المتدين: هو أنه يم ى أن العلوم الطبيعية بما تدا! عليه من قوأنين وضواهر، لا يمكن ان تكون صادقة بدون وجود الله تعالى. فصلا عن أن الدين الاسلامي حث على تعلم العلوم على مختلف أشكالها، كـما هو غير خاف على من راجع مصادره. إذن فما ادعاه بليخانوف، تبعا للفكر الماركسي عموما من أن:
" الخطوة الأولى للعلم هي إبعاد التفسير ألاحيائي- يريد به الديني الالهي- لحوادث الطبيعة، وفهمها كظواهر خاضعة لقوانين " (1).
لا يمكن أن يكون صحيحا.
إذن، فالعلوم الطبيعية كلها علوم إلهية دينية، وليسر المتدينون بحاجة
إلمط ما قاله كوفالسون:
" وفي زماننا صار الدين اكثر احتراسا وأخذ رجال الدين يصرحون على المكشوف:
انهم يطمحون إلى أمر واحد فقط، هو أن يترك العلم دته شيئا ما "إلهيالا عا! الأقل " (2).
إن الرجال الفاهمن للدين يعلمون أن كل شيء هو لله عز وجل، بما
! ثل ظواة العلم والطبيعة، ولا حاجة بهم إفى هذا الاستجداء الديىء. (1) فلسفة التاريخ: بليخانوف ص 8.
(2) المادية التاريخية: كوفاسون، ص 10.
146

كـما ان الصلة بيئ الفيزياء والميافيزياء، صلة وثيقة جدا، أكز مما يتصور الماديون، بل اكثر مما يتصور اكز المتدينين أيضا. فإن العوامل الميتافيزيائية هي التي تحرك كل اجزاء الكون الفيزيائي. وتشكل البديل الصالح عن القوانن المزعومة التي عرفنا زيف تصورها فيما سبق... وليس لنا الآن الدخول في تفاصيل ذلك.
إذن، فالنداء المادي القائل:
" أيتها الفيزياء حذار من الميتافيزياء، (1).
خال من المضمون والمعنى تماما... إذ لا وجود ولا حركة للفيزياء
بدون الميتافيزياء.
واما الاعتقاد بالجزاء الاخروي، فلا نريد الدخول في تفاصيله، بعد
كل الذي سبق، من إعادة النظر في الأفكار الماركسية تجاه الدين، إلا من زاوية واحدة، وهي أن هذه العقيدة، هل تصلح افيونا للشعوب، كـما قال ماركس، أو أنها- في واقعها- المحرك الأساسي للمعتقدين بها للعمل في خدمة الانسانية والعدالة.
إن الانسان بحسب طبعه مربوط بمصالحه الخاصة ونوازعه واهدافه القصيرة، وقد يرفض، بكل سهولة وحزم، أي دافع يدرك منافاته ولو بقليل مع تلك الدوافع والنوازع، ما لم يدرك عودها عليه، تارة اخرى، بالمصلحة.
وهذا ينتج بطبيعة الحال، الميل نفسيا إلى عصيان كل تعليم قانوني أو نظامي يشعر فيه الفرد بهذه المنافات... سواء في ذلك القانون الوضعي أو القانون الالهي، (التعاليم الدينية).
والأطروحة الواضحة لتذليل هذه المشكلة هي جعل العقاب على العصيان والجزاء على الاطاعة، وهذا ما عملته الحكومات فعلا في قوانينها الوضعية، فشرعت العقوبات، واسست السجون، فضمنت إلى حد المستطاع إطاعة وتطبيق قوانينها، بما في ذلك الحكومات الشيوعية نفسها. والدين لا يختلف عن دلك، فإد له ! قالوله عقوبات ومتوبات دليوية
(1) نصوص مختارة: انجلزص 177.
147

معجلة، على مستوى قوانين العقوبات الاعتيادية... كما ان له عقوبات ومثوبات اخروية مؤجلة. وكلا هذين النوعيئ من الجزاء، يؤثر بطبيعة الحال، في ضمان تطبيق التعاليم الدينية. وإلقسم المؤجل يختص بها الدين عن القوانين الوضعية، ويعطي لأعمال الخير قيمة معنوية عظيمة تتجاوز ساحة الحياة إلى ساحة الأبدية. وبذلك يزداد الدافع العاطفي نحو العمل الديني إلى حد كبير.
فإذا فهمنا الدين طريقة صوفية او رهبانية او كنسية، كما حاولت الماركسية أن تفهم كان تطبيق تعاليمه يعني الانعزال عن الناس، وبالتالي التخدير عن العمل وعن نفع الآخرين، كا قال ماركس تماما.
واما إذا شجب الفكر الديني الصالح هذه الاتجاهات، واكد على بث
الخير في الناس وتطبيق العدل فمهم، والتضحية من أجل الآخرين بالنفس والنفيس، كان معنى تطبيق هذه التعالمم ومعنى الحث عليها يجعل الدافع الأخروي عليها: زيادة الدافع النفسي والعاطفي تجاه نفع الآخرين وبذل التضحيات لنفعهم وإسعادهم. وإعطاء ذلك قيمة أبدية غير موقتة ولا قصيرة (ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل احياء عند ربهم ير زقون) (1).
أما لو سلمنا- مع الماركسية- ان الدين وليد مرحلة من مراحل تطور وسائل الانتاج... فلماذا لم يتغيى أو يتطور بتغيرها.
إن مرحلة معينة لوسائل الانتاح إن كانت أوجبت وجود الدين أساسا،
إذن، فالمرحلة اللاحقة لها يجب أن تكون موجبة لطمسه وزواله بالمرة، مع أن اثاهد بالوجدان بقاؤه إلى العصر الحاضر، بالرغم من التغيرات العديدة من وسائل الانتاج.
و(ن مرحلة معينة من وسائل الانتاج إن كانت سببا لشكل من اشكال الدين، إذن فاللازم أن يتغير في المرحلة اللاحقة لهذه الوسائل. في حين أننا نجد ان عددا من الأديان بقيت بذاتها وبكل تفاصيلها عبر اشكال عديدة من وسائل الانتاح، وعبر عهود كثيرة، للمادية التاريحية. واعتنقها الناس (1)- ال عمران: 169.
148

بمختلف طبقاتهم واتجاهاتهم وا لا سلام.
ولذا أشرنا فيما سبق، بانرغم من هذه التطورات
ومصالحهم، كالبوذية واليهودية والمسيحية
ات الدين من بهلة الأخ!ياء التي تعتبر ثابتة التي تؤمن بها الماركسية.
مناقشة الفكر الماركسي في الأخلاق والعدالة


ينبغي أن نتفق سلفا على أن هناك قضايا سلوكية او "عملية! متفق
عليها بين البشر، فمثلا لوسئل اقي فرد عن قيمة السرقة أوعن قيمة العلاقة الجنسية بين الفرد وأمه، لاستنكرها بطبعه واعتبرها أمرا غير مشروع. لا يختلف في هذا الاستنكار مجتمع عن مجتمع اوجيل عن جيل اوطبقة عن طبقة.
ونحن نعلم باليقين أت؟جود هذا الشعور في البشرية قديم منذ ان التفت الناس إلى أهمية السلوك وقيمته... وذلك منذ الاف السنيئ. إذ بلا شك ان ضدا من الانسان القديم لو اخذ فاكهة لطعامه مثلا، فخطفها منه شخص اخر، لاستنكر ذلك واستنكره غيره ايضا. يليس ذلك إلا مفهوم الاتسرق) الذي شجبه انجلز.
إن هذا المفهوم ليس من قبيل وعظ الوعاظ، بل هو تسالم اجتماعي
عام على تصحيح هذه القضايا وإعطاء هذه القيمة لهذا العمل. ويكون رد الفعل لعصيان هذه القضايا، أي للقيام فعلا بالسرقة مثلا، هو- على أقل تقدير- عقابا اجتماعيا عاما يتمثل في شجب كل أفراد المجتمع الذا العمل واحتقار فاعله، و(دراك أنه قد عمل عملا دنيئا ينبغي تركه والارتداع عنه. 149

وهذا المفهوم بالذات: لا تسرق. ليس وليد الشعور الاجتماعي بالملكية، بل هو وليد الشعور بالاختصاص، إذ لا اقل من استنكار سرقة طعام الفرد وثيابه واموره الخاصة به، سواء كان مالكا لهذه الأشياء أو لا ومن هنا لو قلنا بتأخر وجود الشعور بالملكية تاريخيا، فلا أقل من الشعور بالاختصاص منذ وجدت البشرية، بل هو موجود عند الحيوانات أيضا بنحو آخر. وهذا الشعور يلازم بطبعه صر الشعور بقبح السرقة وإعطائها قيمة رديئة، لأنها تنافي هذا الشعور، وتعني سلب الاختصاص.
وكذلك الحال في المجتمع الشيوعي الذي تهدف إليه الماركسية، فإن
الملكية الخاصة غيى موجودة فيه، ولكن الاختصاص موجود فيه لأ محالة، فيما يمت إلى الأفراد بصلة. ومن هنا يكون هذا المفهوم الاجتماعي صادقا تماما، ولا تنتفي مبرراته الواقعية، كـما يريد انجلز أن يقول.
إن المجتمع الواعي والمرفه الذي يصبح من العمق الفكري بحيث يعد السارق في حكم المجانين... هذا المجتمع يحتاح إلى هذا المفهوم ايضا، بل هو مطبق له تطبيقا كاملا، وإلا لم يصبح السارق مجنونا ولكان قد احسن صنعا في نظر الناس. وليس معنى التطبيق الكامل لبعض القضايا او الأحكام، أن تصبح تلك القضية خالية من المعنى. نعم، حاجة الناس إلى الوعظ والتنبيه تكون منتفية، لأنهم ملتفتون إلى ذلك دائما، إلا أن ذلك لايعني كذب القضية او سفاهتها، بشكل من الأشكال.
وإذا تم لنا الشعور الانساني بقيمة معينة لقضية واحدة أو قضيتيئ،
الذي هو معنى حكم العقل العملي باصطلاح المناطقة... امكن القول بوجود عدة قضايا يشعر بها الانسان بنفس المستوى.
ولئن كان الشعور العملي عند الانسان البدائي قليلا، لبساطة الحياة... فإن هذا الشعور ينمو بنمو الحضارة والمدنية الانسابية، لوضوج أن الحياة كلما تعقدت، ازدادت التوقعات الصالحة من الفرد، وازداد العتب عليه كلما خـالف هذا الشعور الانساني العام.
ومعه يصبح مجموع القضايا التي يمثلها الشعور العملي البشري كبيرا
يمثل " علم الأخلاق لما ويمثل العدالة بمفهومها " الميتافيزيائي "!! المطلق.
150

فإننا نشعر الآن بوضوح برداءة السرقة سواء كانت الملكية موجودة أو لا
وسواء كان الاختصاص موجودا أو لا، بل سواء كان الانسان موجودا او لا معنى هذه القضية: لاتسرق: انه كلما اختص فرد بشيء كان سلبه منه عملا رديئا. وصدف هذه القضية ا، يتوقف على وجود فرد معين او اختصاص معين أو ملكية معينة. وهذا هو معنى الاطلاق في صدق القضية. -3-
وبهذا نستطيع أن نفرق بين العرف والتقاليد من ناحية وبين الشعور العملي عند الى* نسان، مع ان كليهما يمت إلى السلوك بصلة.
وذلك: ان الشعور العملي يعم الاعتقاد بصحته كل البشر الأسوياء.
واما العرف والتقاليد، فهي تختص بمجتمع معين دون مجتمع. ولا توجدهناك تقاليد متفق عليها بين البشر.
كـما ان الشعور العملي عند الانسان يتصف بالاطلاق، بالمعنى الذي
ذكرناه واما التقاليد، فلا تتصف بهذا الاطلاق، وإنما هي ردود فعل معينة يتسالم عليها مجتمع معين طبما لمصالحه وفهمه للحياة.
نعم، قد يكون سلوك الأفراد يا المجتمع مركبا من الشعور العملي والتقاليد، بل هو في الأغلب، كذلك، لوضوج ان المجتمع كـما يطبق تقاليده الخاصة به، يطبق الآراء العقلائية أيضا أعني الشعور العملي، كلاهما تطبيق تلقائي.
ومن هنا نعرف أن التقاليد ليس لها قيمة حقيقية، بل ان المجتمع في
طريق تربيته ينبغي أن يستغني عنها تدربحيا، بخلاف الشعور العملي فإنه ذو قيمة حميقية، ولا بد أن تستهدف التربية العادلة رسوخها وتعميقها في أذهان الناس.
وبذلك ايضا نستطيع أن نفرق بيئ الشعور العملي والقانون فإن الشعور العملي يتصف بالتسالم والعمومية بين الناس، بخلاف القانون، فإنه في أصل تشريعه شعور شخصي للمقنن بأن هذه المادة او القضية أو السلوك على الطريقة المعينة، مطابق للمصلحة، حسب فهم المقنن للكون والحياة... دون ان يكون متسالما عليه بين الناس، وقد لا يكون واضح
151

المصلحة في أذهانهم أيضا.
وبهذا نعرف أن الماركشية أصابت حظا من الصواب، حيئ قالت
بتأخر وجود القانون لا البشرية، وحين رات تأخر الشعور العملي عن وجود البشرية.
ولكنها أخطأت في عدة نقاط أهمها نشوء الشعور العملي من مرحلة
معينة من مراحل وسائل الانتاج. فقد عرفنا أصالته وعمقه في الادراك الانساني، وعدم استناده إلى ذلك. نعم هو مـتند إلى درجة من درجات الوعي البشري في تقييم الأشياء، وهو أمر آخر غير وسائل الانتاج. كـما أخطأت في الاعتقاد في ان القانون ناشىء من العرف، فإن العرف
هو بعض مصادر القانون وليس مصدره الوحيد. فإن القضايا العرفية وحدها لاتكفي لأن تشكل قانونا، كـما هو واضح، لقلة ما تسالم عليه العرف من (القضايا يا والحاجة إلى قضايا قانونية كثيرة لتدبير أمور الناس... من ناحية. ووجود عدد من القضايا الخاطئة عرفا لا يمكن صياغة القانون منها. كما أخطأت لا الاعتقاد بأن القانون ممثل للعدالة المطلقة باستمرار؟ كما حاولت الماركسية أن تفهمه من اتجاه خصومها. فإن هذا ليس بصحيح، وكيف يصح ! وجود التضارب والاختلاف بلايئ المقننين باستمرار. وإنما القانون إذا اتفقت قضاياه الأساسية وأصوله الموضوعية مع ال!ن!عور العملي العام، كان عادلا، وإلا لم يكن عادلا.
إذن، فعدالة القانون شيء جدي يمكن حسابه بشكل دقيق،
ولا يمكن أن تكون مادتان قانونيتان متهافتتان ثا المضمون عادلتن في نفس الوقت، وان اعتقد واضع هذه المادة وواضع الأخرى، بعدالة ما وضعه. ومن هنا نفهم- أيضا- خطأ الاعتقاد الماركسي، بأن اختلاف المقننين واختلاف علماء الأخلاق في جملة من القضايا، يدل على عدم وجود العدالة المطلقة. فإننا بعد ان برهنا على وجود الشعور العملي في البشرية، نستطيع أن نفهم ان الاختلافات في واقعها تطبيقات خاطئة لذلك الشعور العملي. و(ن واحدا معينا من الاراء في كل مسألة هو الصحيح، والباقي خاطىء لا محالة.
152

كما ان تطور الشعور العملي خلال تاريخ البشرية، لا يدل أيضا على
عدم وجود العدالة المطلقة، كما تريد الماركسية أن تقول. فإن هذا التطور صحيح ضروري تبعا لتطور الفهم البشري العام للكون والحياه وازدياده تدريجا، وكلما ازداد الفهم ازدادت التوقعات العملية كما اشرنا. كل ماذا الأمر ان الذهن الضيق الموجوث في العصر القديم، لايدرك من القضايا العملية إلا بعدد قليل ومن زوايا معينة. في حيئ ان الذهن المتفتح والمعمق الادراك، يستطيع أن يلم بالقضايا العملية من مختلف زواياها وخصائصها. إذن فتطور البشرية يوجب تطور الادراك العملي وازدياد توقعات تطبيقها، كفرسي رهان.
هذا، وإن الاخروف يخا الادراك العملي بين المقننن، لايعني اختلاف الشعور العملي العام، فإن دافع القانون، يتأثر لا محالة بعدة عوامل ليس كلها عقلية أو عامة، بل فيها الشعور العاطفيئ الشخصي أو الحزبي او المذهبي او القومي او غير ذلك، مما يكون مانعا عن اتباع العدالة المطلقة والشعور العملى العام، مما يجعل المقنن- في واقعه- منحرفا عن العدالة المطلقة وعاصيا لها.
ومن هنا نفهم مزية من أهم المزايا للتشريع الالهي عن التشريع الوضعيئ، فإن المقنن الوضعي يتأثر بتلك العوامل بالضرورة، وبمقدار تأثره يبتعد عن مصلحة إلمجتمع والعدالة المطلقة، بخلاف المشرع الالهي، لوجود الحكمة المطلقة لديه، وعدم صدق المصالح الضيقة في حقه، كما هو واضح. وسوف لن يكون هذا الراي غريبا علينا بعد ان برثالنا على وجود الخالق المدبر للكون فيما سبق.
وهنا، بعد أن تكلمنا عن العدالة، لا بد ان نفرز الأخلاق بكلمة:
ان الشعور العملي العام هو الأساس للعدالة فى المانون والأخلاق معا. ومن هنا يصطلح على قيمة السلوك القانوني وغير القانوني بالقيمة الأخلاقية. والأخلاق بهذا المعنى تحدد وتقيم السلوك عموما. لا كل اشكال العلاقات الخاصة والعامة، فتعطي لعدد من الأفعال شكل الالزام ولبعضها شكل الرجحان وكذلك في جانب الترك والارتداع. غير أن جانب 153

(الاباحة) والتخييى في الأفعال موجود فيها أيضا على نطاق غيى قليل. ومن هنا لم تصلح القضايا الأخلاقية وحدها أن تكون رصيدا لقانون متكامل. لكننا إذا فهمنا من الأخلاق ما يفهمه الناس عادة من كونها عبارة عن
اداب المجاملة وحسن الحممخبة في ال!ا، قات... فالأخلاق بهذا المعنى لا تمثل - دائما- الشعور العملي العام. بل هي كالقانون، تنشأ من هذا الشعور تارة ومن المصالح الشخصية او المذهبية أو الحزبية او القومية أحيانا، كـما تنشأ من التقاليد ومن الخرافات احيانا اخرى. وهي لا تكون على صواب ما لم تنشأ من الأساس العام الذي تبتني عليه الأخلاق بالمعنى الأول.
ومن هنا ينشأ التسيب والانحراف في المجتمعات، فيحترم من
لا يستحق الاحترام ويحتقر من لا يستحق الاحتقار، ويؤخذ البريء بذنب المجرم، ويتباطأ الناس في قضاء حاجة المحتاجين، بل لايبقى للانسان قيمة، وتكون المصلحة الضيقة اعلى من كل قيمة، إلى آخر قائمة الظلم وا لا نحراف.
والمعنى الأول للأخلاق (مطلق) الصحة غير قابل للتبدل، وان
اوضح دليل وجداني عليه، هو تسالم البشر على صدق القضايا الأخلاقية الأساسية، لايختلف فيه جيل عن جيل ومجتمع عن مجتمع وطبقة عن طبقة. بخلاف القسم الثاني فإنه يختلف بالضرورة اختلافات شاسعة بين البشر.
وهذه هي الأخلاق التي ذكرها انجلز وجعل اختلافها دليلا على عدم
صدق الأخلاق صدقا مطلقا، كـما سمعنا. وهي لعمري ليست بمطلقة، بل ولا صادقة بالمرة، ما لم تعد إلى القضايا الأساسية التي لا يمكن ان ينالها كلام انجلز وغير انجلز بأي سوء.
-7-
وأما راي الماركسية في الفلسفة والعلوم عموما، الذي ذكرناه، في
الفقرة الثامنة من المفهوم الطبقي الماركسي. فهو بشموله وعموميته يعتبرطعنا في العلوم كلها، وإدخالها في بوتقة ضيقة: طبقية وحزبية ومصلحية، توجب الشك في معطيات كل الفلسفات والعلوم وعدم الوثوق بمطابقة اي شيء منها للواقع، بما في ذلك الفلسفة الماركسية نفسها.
154

ومن هنا لم يكن هذا الراقي من الماركسية قابلا للنقالش... لوضوح
ان طعنها في العلوم هو طعن حزبي ومصلحي من وجهة نظرها نفسها... كـما ان المناقشة في ذلك ستكون حزبية ومصلحية وطبقية بطبيعة الحال. لا يبقى مع الماركسية إلا استفهام واحد، وهي انه كيف يستطيع مفكروها الجزم بنتائج الأبحاث العلمية فيزباوية اوقاريخية أو اقتصادية او غيرها، كـما تطفح كتبهم بذلك. مع انهم يأخذون نتائجها من اناس اخرين هم بدورهم طبقيون ومصلحيون وغير موضوعيين. كيف تتوقع الماركسية ان تقنع الاخرين مع انها تقوله لهم ضمنا: ان آرائي مصلحية وطبقية وحزبية وليست موضوعية. كـما أن نظر الاخرين إليها سوف يكون متصفا بنفس الصفة، فمن المنطقي ان يبتعد الناس عن القناعة المطلوبة للماركسية. والذي يهون الخطب، ان هذا التهوين من قيمة الحلوم، سيصيب الماركسية أولا، باعتبار اعترافها لنفسها بهذه القيمة الضئيلة. واما غيرها من العلوم والفلسفات، فسوف لن يصيبها ضرر لأن تقييمها غير منحصر بآراء الماركس!ن بطبيعة الحال. وان الراي العام في العالم يرى يا العلوم والفلسفات غير ما ترى الماركسية، فيمكنه أن يعطيها قيمتها الواقعية.
155

الهيكل الأساسي للمادية التاريخية
التكوين العام
قسمت الماركسية عصور التاريخ البشري إلى اقسامها المشهورة عنها.
وهو ليس تقسيما عقليا جديا، بل هو التزام بما نقل التاريخ من ذلك. قال ستاليت:
" ولقد سجل التاريخ خمسة انواع أساسية لعلاقات الانتاح: المشاعية البدائية، الرق، النظام الاقطاعي، النظام الرأسمالي، والنظام الاشتراكي دا (1).
وقد كان وجود النظام الاشتراكي تاريخيا صحيحا، عندما كتب ستالين
هذه العبارة، إذ كانت روسيا قد بدات فعلا بتطبيق النظام الاشتراكي، تحت حكم لينيئ ثم ستالين نفسه، وأما الجيل الأسبق، فيكون اطلإعه على وجود العهد الاشتراكي متعذرا.
ولو كان التاريخ قد سجل عهدا آخر، او عهودا أخرى او سجل العهود بشكل آخر في التقديم والتأضر، لكان للمادية التاريخية موقف آخر غير ما عهدناه.
وقد بدات الطبقية لا المجتمع مع بدء عصر الرق، ولم يكن لها وجود
في عصر المشاعية البدائية، وبقيت سارية المفعول إلى العصر الراسمالي وستزول في عصر الاشتراكية.
وكذلك الحال في الملكية الخاصة، والدولة تماما، في اعتقاد
(1) المادية الديالكنيكية: سنالين. ص 48.
156

ا لما ركسية.
قال كوفالسون:
" وقد أدت جمـغ هذه العوامل إلى انحلال الجماعة البدائية والى تفسيخ العلاقات القائمة على المساواة البدائية. ودخلت القوى المنتجة الجديدة في تناقض مع علاقات الانتاج القديمة. رمحلها حل المجتمع الطبقي ميم الملكية الخاصة، ومع استثمار الانسان للانسان " (1).
وقال برنامج الحزب الشيوعي السوفييتي:
" الشيوعية هي نظام اجتماعي لا طبقي تقوم فيه الملكية الواحدة للشعب جملى
وسائل الانتاح " (2).
وقال ستالن:
" وفي النظام الاشتراكي... تؤلف الملكية الانجتماعية لوسائل الانتاح اساس علاقات الانتاح " (3،.
وقال انجلز:
" فالدولة إذن غير موجودة منذ الأزل. لقد كانت ثمـة مجتمعات تدبر أمرها بدونها،
وأ تكن لديها أية فكرة عن الدولة وعن سلطة الدولة. وفي مرحلة ما من التطور الاقتصادي كانت مرتبطة بحكم الضرورة بانقسام المجتمع إلى طبقات، جعل هذا الان!قسام الدولة ضرورة. واننا الآن لنقترب بخطوات سريعة من مرحلة تطور الانتاج لم يقتصر الأمر معها على كون وجود هذه الطبقات لم يعد ضرورة، بك ليغدو عقبة مباشرة في طريق الانتاج. ولسوف تسقط هذه الطبقات، بمثل الحتمية التي انبثقت بها في الماضي، وتسقط الدولة معها لامحالة" (4).
ولم ينتقل المجتمع من الاقطاع إلى الرأسمالية مباشرة، بل مر بمرحلة صحاعية صغيرة وبدائية، تسمى بالحرفية أو العهد الحرفي. وقد يكون هذا العهد شاملا- بنحو وآخر-: العهد المانيوفاكتوري، وهو القائم على أساس تعاون الحرفين تحت إشراف واحد، من أجل إنتاج مشترك. واللفظة مأخوذة من النص الاوروبي الذي يعني " مصنع!.
قال ستالن بصدد تعداده لتطور وسائل الانتاج:
(1) المالية التلى يخية: كوفالسون ص 125.
(2) المصدرص 142.
(3) المادية الديالكنيكية: ستالين ص 53.
(4) اصل العائلة، لانجلزص 229.
157

" وانفصالط الحرف عن الزرأعة، وتطور الحرف المستقلة أولا، ثم المانيوفاكتورة،
فيما بعد. ثم الانتقال من أدوات الانتاج إلى الآلة، وتحويل الانتاج الحرفي المانيوفاكتوري إلى صناعه قائمة على الآلة" (1).
فإذا عرفنا ان الزراعة تعني في هذه اللغة: الاقطاع. والآلة تعني النمو الراسمالي... عرفنا أن العهد الحرفي والعهد الماخيوفاكتوري، يقع بين الاقطاع والرأسمالية.
وقال كوفالسون في صدد حديثه عن الفرة الأخيرة من الاقطاع:
" ولكن الانتاج الحرفي الذي كان قد بلغ لا مرحلة أزدهار ألاقطاعية ثرجات متفاوتة من الرقي والكمال. لم يكن يلبي الطلب المتناهي بلا انقطاع، لأن الامكانيات التي كان يوفرها لأجل توسيع الانتاج كانت محدوثة للغاية.
وقدى استتبعت حاجات السوق ظهور قوة منتجة جديدة هي التعاون والمانيوفاكتورة.
... فعلى نقيض الحرفة، تقوم المانيفاكتورة بتقسيم مفصل للعمل عند إنتاج سلعة
من السلع. صحيح، ان الأدوات الحرفية تبقى القاعدة التكنيكمة للمانيفاكتورة، إلا أن تقسيم عملية الانتاج العامة إلى عمليات جزئية في غايه البساطة قد أدى إلى ازدياد انتاجية العمل ازديادأ ملحوظأ. وخلق بالاضافة إلى المقدمات لأجل الاستعاضة عن عمل الانسان بحركة العاملة. ويذلك هيأ تطور المانيفاكتورة الثروط والظروف لأجل ظهور الا نتاج الآلي " (1).
وتنمسم الراسمالية- في وجهة النظر الماركسية- إلى ثلاثة اقسام:
يمثل المرحلة الأولى منها التراكم الأولي لرأس المال، او البرجوازية الصغرة والمتوسطة. وتمثل المرحلة الثانية منها: الرأسمالية التنافسية، وهي القائمة على الاشتراك فى الفرص من خلال السوق الحرة. وتمثل المرحلة الثالثة منها: الاحتكاريـة، وفيها تندر فرص الربح الرأسمالي لغر الاحتكارين ويضطر المجتمع إلى الانصياع إلى تحكم الاحتكاريين اقتصاديا وسياسيا. ويميل الكتاب الماركسيون المحدثون إلى أن المرحلة المعاصره من الرأسمالية، هي المرحلة الاحتكارية، وإن لم يعاصرها ماركس وانجلز وأ يتحدثا عنها.
(أ) المادية الديالكتيكية: ستالين صر 49 (1) المادية التاريخية: كوفالسون ص 132.
158

ولا حاجة الآن إلى الاستشهاد بكلام الماركسيين، بعد أن كان العزم
على بسطه تفصيلافي المستقبل.
وتنقسم الاشترإكية أيضا إلى ثلاثة اقسام: تمثل المرحلة الأولى منها،
مرحلة الاعداد للاشتراكية عن طريق دكتاتورية البروليتاريا. وأما المرحلة الثانية فهي الطور الأول من المجتمع الشيوعي، كـما اصطلح ماركس، وهي الاشتراكية بالمعنى المشهور، المقابل للشيوعية العلمية.
وأما المرحلة الثالثة، فهي مرحلة الطور الأعلى او المجتمع الشيوعي
الذي تطبق فيه القاعدة القائلة: من كل حسب طاقمه ولكل حسب حاجته. وتنسفي فيه الدولة، ويزول الصراع الطبقي، إذ لا يكون في المجتمع إلا طبقة واحدة، وهي المرحلة الأخيرة من عهود المادية التاريخية، ومن تاريخ الانسانية أيضا!!..
وسيأتي تفصيل كل ذلك في مستقبل البحث.
ينتج من كل ذلك. ان الماركسية، وإن كانت تعتقد أن التاريخ البشري منقسم إلى خسة أقسام، هي الأقسام المشهورة التي أسلفناها. إلا أنها في نفس الوقت تعتبر هذه المراحل رئيسية، وتعتقد بمراحل أخرى، اكثرها ضمني، غير رئيسي لكلمل بالسلسلة إلى احدى عشرة مرحلة... تبدأ بأول وجود المجتمعات البشرية وتنتهي بمرحلتها العليا.
فإذا أضفنا إلى ذلك تاريخ ما قبل وجود المجتمعات، حين كان يعيش الانسان القديم منفردا او في جماعات صغيرة متفرقة... كانت الأجسام اثني عشركـمايلي:
أولا-: مرحلة ما قبل تكون المجتمعات. ثانيا: الشيوعية البدائية.
ثالثا: عهد الرو.
رابعا: عصر الاقطاع.
خامسا: الانتاج الحرفي.
سادسا: الانتاح المانيوفاكـوري.
159

سابعا: التراكم الأولي لرأس المال.
ثامنا: الراسمالية التنافسيه.
تاسعا: الراسمالية الاحمكارية.
عاشرا: دكتاتورية البروليتاريا.
حادي عشر:- الطور الاشتراكي الأول.
ثاني عشر: الطور الشيوعي الأعلى.
وكل هذه التطورات موكولة إلى تطور وسائل الانتاج، ومقترنة بشكل
معين لعلاقات الانتاج، وموجبة لايجاد مستوى فكري وسياسي وطبقي معين يختلف عن سابقه ولاحقه.
وتعتقد الماركسية ان هذه التطورات ضرورية خارجة عن اختيار الانسان، وعن وعيه... لا يستثنى من ذلك إلا العهد الاشتراكي بأقسامه الثلاثة، فإن الحزب الماركسي- اللينينى هو الذي يقود البشرية عن وعي وعمد إلى الاشتراكية ثم إلى الشيوعية. ولا يمكن أن تحدث هذه المراحل الأخيرة تلقائيا، كما حدثت المراحل السابقة عليها. وسنسمع !ريح!ات الماركس!ن عن ذلك عند الحديث المفصاط عن هذه المراحل.
- ل!-
وهذه النظرية، ذات اسلوب مطاط في التطبيق، لا تنطبق على شكل
واحد فب كل ألأزمنة والأمكنة.
" لأن هذه النظرية لا تعطي سوى موضوعات توجيهات عامة، تطبق مثلا في بريطانيا على غير ما تطبق في فرنص، وفي فرنسا على غير ما تطبق في المانيا، وفي المانيا على غيرما تطبق في روسيالا (1).
فإذا وجدنا ان بعض البلدان قد انتقل إلى الرأسمالية دون الباقي أو
إلى الاشتراكية دون الآخرين. او إذا وجدنا ان أحد العهود قد طال في بعض البلدان أو إذاا كان تطبيق احد العهود أعمق من البعض الاخر، فلاينبغي أن نتعجب من ذلك، من أجل هذا السبب.
فإن هذه النظرية تهمل التفاصيل، وهي قابلة للانطب ق على كل الأشكال الاجتماعية. كـما انها تهمل عنصر الزمن ولا تحدد تاريخا معينا لأي عهد من العهود. وإنما التحديد التاريخي يعود إلى الوضع الخاص بكل !!مجتمع.. من.. !!-.. !--
(1) مختلى ات لينين: !1 ص 44.
نقد التكوين العام للمادية التاريخية


لا ينبغي أن نختلف مع الماركسية بمرور البشرية ردحا طويلا من الزمن
بعصر بدائي، يبدا بما قبل تكون المجتمعات، وان المجتمعات والأفكار والأساليب تكونت تدريجا، ولا زالت البشرية في مجال التطور والرقي. إلا أن النقاش ينطلق بعد ذلك، من عدة نقاط:
النقطة الأولى: ان الماركسية مسؤولة عن الجواب على هذا السؤال،
وهو أن هذه التطورات خلال العهود التاريخية الخمسة، هل هي ضرورية أم لا.
مقتضى التكوين النظري الماركسي، هو كونه ض وريا، مقترنا اقترانا
قهريا بتطور وسائل الانتاج. ومعنى ذلك: اننا لو فرضنا ان !ىا بدائيا خلق في الأرض من جديد، لأمكن أن نتنبأ بمروره بنفس هذه العهود الحسمسة من فى ون ان يمكنه التخلف عن ذلك. كما لا يمكن لوعي ذويه او أية سلطة داخلية أو خارجية أن تغير من ذلك.
ولكن مقتضى عبارة ستالن التي نقلناها في الفقرة الأولى من (التكوين
العام " أن هذه العهود الخمسة يستند تحديدها إلى النقل التاريخي صرفا. فلو كان التاريخ قد سار في كل العهود او بعضها على شكل اخر، لما كان للماركسية اي مانع في ان تقول: ان وسائل الانتاج تطير المجتمع على الشكل (ب " لا الشكل (آأ بخلافه على الوجه الأول، فان تغير سير التطور المادي للتاريخ يكون مستحيلا.
وطبقا للوجه الأول- أيضا- يستحيل ان يمر قسم من البلدان بشكل
من التطور. ويمر قسم آخر بشكل آخر منه. بمعنى ضرورة مرور كل البشرية 16111

بهذه العهود الخمسة، وان اختلفت فى التفاصيل.
وحيث أن الوجه الأول، هو المطابق للنظرية الماركسية الأصلية، وللتأكيدات لا كلمات الماركسيين على التطور الضروري للمجتمع، والخارج عن وعي الناس وإدراكهم. فإذا وجدنا بعض البلدان تختلف عن البعض الآخر، أو تتخلف عن بعض العهود- كـما سنسمع بعد ذلك- إذن نعرف ان الماركسية قد فشلت في تفسير التاريخ، كـما تريده من العمومية وا لشمول.
الئقطة الثانية: ان نظر الماركسية مركز باستمرار نحو أوروبا، اوروبا
فقط، انطلاقا من اللاشعور الاوروبي القائل: بأن الانسان هو الانسان الأوروبي وغيره هباء في شبك. إذن فلاينبغي أن يعتني بماضي الناس او حاضرهم أو مستقبلهم إلا إذا كانوا أوروبيين، أو يعود عليهم بالفائدة. ولا ينبغي ان ننسى كلمة لينين التي سمعناها قبل قليل: ان هذه
النظرية لا تعطي سوى موضوعات توجيهية عامة، تطبق مثلا!ا بريطانيا على غير ما تطبق في فرنسا، وثأ فرنسا على غيرما تطبق في ألمانيا، وفي ألمانيا على غير ما تطبق في روسيا. وهذه الدول كلها اوروبية.
ولا زلنا نذكر أحلام انجلز وماركس التي حامت حول تطبيق الشيوعية
في انكلترا والمانيا قبل روسيا، وقد فشل هذا الحلم، وكذبه الواقع. وهذه كلها دول اوروبية ايضا. ان تفكير الرجل الاوروبي بما فيهم لينين وانجلز وماركس، يدور في بوتقة أوروبية مغلقة، ولا يخطر في ذهنه إلا أسماء الدول الأوروبيه، كأنها الوحيدة الوجود في العالم.
إذا التفتنا إلى ذلك، فقد يكون صحيحا أن ندعي أن اوروبا مرت
فعلا بهذ 3 العهود الخمسة، على أن يكون هذا الحكم غانا غيرمستوعب، ومهملا من التفلسف وذكر الأسباب، ويبقى مع ذلك، قابلا للمناقشة، على ما سيأتي.
إلا اننا لو نظرنا إلى خارج أوروبا، فقد نجد التاريخ يسير على خلاف
ما سار فى اوروبا، وبالتالي على خلاف ما تريده المادية التاريخية. فالشرق الأوسط عموما لم يمر بعهد إقطاعي مشابه لأوروبا، وان كانت
هناك ملكيات للأرض غرقليلة... إلا انها لا تبلغ إلا نسبة ضئيلة مما كان
162

عليه الاقطاع الاوروبي. ولم يكن يتصف بنفس المعاملة الوحشية مع الفلاحـن، لوجود الفوارق النفسية والدينية والاجتماعية بين المنطقتيئ. كهـ ا أن الشرق الأوسط لم يمر بعهد رأسمالي كالعهد الذي مرت به أوروبا ولم يكن فيه إنتاح آلي ضخم ولا توزيع على نطاق عالمي، كـما هو معلوم.
نعم، مر الشرق الأوسط في عهود قديمة، بعهد الرق ردحا طويلا من الزمن. ولكنه تحول إلى عهد جديد لا يشبه شيئا مما ذكرته الماركسية من العهود، هو عهد " الاسلام " وبخاصة في صدر الاسلام والخلافة الأولى. والصين الشعبية انتقلت من الاقطاع إلى الاشتراكية، واهملت بالمرة
عهد الراسمالية الرئيسي، وكذلك عدد من البلدان الاشتراكية بما فيها الاتحاد السوفييتي نفسه، وقد اعترفت بذلك المصادر المتأخرة، كـما سيأتي فيما بعد.
الئقفة الثالثة: إن البشرية بدأت بمرحلة بما قبل المجتمعات... ثم
بدات المجتمعات تحدث تدريجا، فهل كان هذا الحدوث ناشئا من الوجود الطبقي إن الطبقية لا معنى لها بدون مجتمع بطبيعة الحال. ولكن إذا كان كل تطور مستندا إلى الوجود الطبقي، كـما تريد الماركسية ان تقول، إذن فلا يمكن ان يحدث التطور في البشرية الأولى... مع انها قد تطورت فعلا. وقد تقوله الماركسية: ان حدوث المجتمعات مستند إلى تطور وسائل الانتاج، لا إلى الوجود الطبقي. وهذا التطور كان موجودا في ما قبل المجتمعات.
وجوابه ان هذا غير صحيح لوجهيئ:
الوجه الأول: إن الماركسية عودتنا أن تسند التطور العام إلى تطور وسائل الانتاج بشكل غير مباشر. وإنما تطورها يوجب تطور علاقات الانتاج، وهذا التطور يوجب بدوره تطور الشكل الطبقي للمجتمع، وهذا الأخير يوجب تطور سائر ظواهر المجتمع. فكيف انقطعت هذه السلسلة، وأصبح التطور مستندا إر وسائل الانتاح مباشرة. إن هذا لا يمكن ان يكون مفهوما من زاوية قواعد المادية التاريخية. وإذا أمكن التطوير المباشر للانسان، فلماذا لم تلتزم به الماركسية دائما... هل اختلفت قوة وسائل
163

الانتاج بعد تطور المجتمعات؟ إ-. واذا لم يمكن التطوير المباشر فكيف حدث ذلك في مورد حديثنا في الانسان قبل وجود المجتمعات.
الوجه الثاني: إنه بعد التنزل- جدلا- عن الوجه الأول، وافراض
أن الماركسية تختار التطوير المباشر لوسائل الانتاح. فهذا يعني اننا ينبغي ان نجزم بحدوث التطور في وسائل الانتاج قبل حدوث المجتمعات، لتكون المجتمعات قد حدثت عقيبه.
إن وجود اليد وحدها، غير كاف في ذلك، لأنها وجدت مع الانسان، ولم توجد المجتمعات إلا بعد امد طويل، تتعذر النسبة إليها فيه. فينبغي ان نفحص عن وسيلة الانتاح أخرى... وكل وسيلة لاحظناها- بما فيه استعمال الحجر- لايوجد دليل تاريخي على تمدمها على تكون المجتمعات. ما لم تقل الماركسية ان مقتضى قواعد المادية التاريخية هو ذلك، فيصبح مستنتجا منها لا دليلا عليها كـما هو المطلوب الآن.
هذا ويمكن القول ان استعمال الحجر ونحوه، ليس تطورا في وسيلة الانتاج، وإنما التطور كان نتيجة لعمل إنساني كتركيب الحجر على المقبض ليصبح فأسا مثلا. وإذا صح ذلك، لم يكن وجود التطور إلا في مجتمع بطبيعة الحال، لأن الاختراع والاكتشاف لا يكون إلا في مجتمع. ومعه يكون وجود التطور في العصر السابق على المجتمعات متعذرأ... ومعه يتعين أن يكون هذا التطور الانساني الذي هو وجود المجتمعات غيى مستند إلم! تطور وسائل الانتاج.
إن تطور البشرية من المجتمع الشيوعي البدائي إلى عصر الرق، لم
يكن مستندا إلى الوجود الطبقي، لفرض اعتراف الماركس!ن بعدم وجود الطبقات في المجتمع البدائي. فإذا كان كل تطور مستندا إلى الوجود الطبقي، وغير مستند إلى وسائل الانتاج مباشرة، كما عرفناه مطابقا لقواعد المادية التاريخية وتصريحات الماركسيين. إذن فتطور المجتمع البدائي إلى الرق، لا يكون مطابقا لتلك القواعد.
-3-
إن الماركسية ربطت بين وجود المجتمع البدائي، وبين عدم وجود
164

الطبقية من ناحية وعدم وجود الملكية الخاصة من ناحية أخرى. مع ان كلا الأمرين يمكن وجودهما في ذلك المجتمع.
إن المجتمع البدائي- على الأقل- كان يشعر بأهمية الأب والجد وسيطرتهما على ذريتهما، أو- على الأقل ايضا- إن ذلك قد حدث قبل وجود الرق بزمن طويل. وهذا يعني تحقق الوجود الطبقي في المجتمع. فإن طبقة الاباء أعلى وأكبر من طبقة الأبناء لا محالة.
كما أن المجتمع البدائي، مهما كان التوزيع الاقتصادي فيه بدائيا ومشاعا، كما تريد الماركسية أن تقول... إلا أن هناك اشياء- بلا شك- مستندة إلى الفرد ومختصة به، يشعر بالغبن عند سيطرة الآخرين عليها، وانخرام مصالحه الشخصية في ذلك، لا أقل من وجبة طعامه او ثيابه أو سلاحه، مهما كانت هذه الأمور بدائية.
كـما أن الاشاعة في الملكية، هي سيطرة جماعة محدؤخ على كمية من
المتاع كالطعام أو السلاح مثلا. وهذه الجماعة ترفض بطبيعة الحال سيطرة جماعة اخرى على اموالها (1)، وهذا يعني وجود الملكية الخاصة في حدود الجماعة. فإن فكرة الملكية الخاصة لا تعني استنادها لفرد واحد، بل قد تكون مشتركة بين متعددين.
إذن، فالملكية الخاصة، كانت موجودة ايضا في المجتمع البدائي، و.!
يكن هذا المجتمع شيوعيا، كـما تريد الماركسية ان تقول. وسنبحث ذلك ايضا عند التعرض إلى ذلك المجتمع.
ومن هنا نستطيع أن نعجب للتشكيك الذي ذكره انجلز في ملكية ابراهيم الخليل عليه السلام لقطعانه، حيث قال:
يا ومن العسيى القول ما إذا كان موسى مؤلف ما يسمى بالكتاب الأول، قد اعتبر البطريرك ابراهيم مالكا لقطعانه بموجب حقه الشخصي بوصفه رئيس مشاعة عائلية، أم بموجب مركزه كرئيس يرث بالفعل عشيرة" (2).
بالرغم من أن ابراهيم عليه السلام كان يعيش في منطق الماركسية، يخا
(1) وهذا ما يحدث بين مجتمعيئ بدائيين لو أراد أحدهما السيطرة على الآخر. وقد يحدث في داخل المجتمع الواحد، ولو ناثوا.
(2) اصل العائلة: انجلزص 67.
165

عهد الرق، ولا شك في وجود الملكية الخاصة في ذلك العهد. مضافا إلى ما ذكرناه من وجود الملكية في المجتمع البدائي، لو كان مجتمعه بدائيا. وهل الملكية الخاصة مستلزمة لاستثمار الانسان للانسان، كـما قالت الماركسية، ام لا؟!..
إن الملكية الخاصة شيء، واستثمار الانسان للانسان شيء اخر، قد
يقترنان وقد يفترقان.
قد تكون الملكية الخاصة مقترنة مع هذا الاستثمار الشنيع، كـما يحدث
في عصور الرق والاقطاع والراسمالية وعصر دكتاتورية البروليتاريا، بالنسبة إلى غيرهم من " الرجعيين " و"أعداء الشعب والتقدم ".
وقد تكون الملكية الخاصة موجودة بدون استثمار الانسان للانسان،
كـما لو تعهد افراد المجتمع او القانون السائد أن لا تنتقل الملكية من شخص إلى آخر، إلا برضائه وطيب قلبه، بحيث يلتزم ببطلان كل أسلوب معاملي يفقد هذا العنصر الهام، مع سد الفرص تماما أمام اي استغلال او تحكم، كما هو الحال يا القانون الاسلامي، كما هو غير خفي لمن راجعه. كـما قد يكون استثمار الانسان للانسان موجودا ولاتكون الملكية
الخاصة موجودة. وذلك- بكل بساطة- في المجتمع الشيوعي (بصورته البدائية على الأقل). فإن المتاع حيئ يكون مشاعا ولا يكون هناك جهاز حاكم، فقد يخطر في ذهن الألوياء الأذكياء ان يحوزوا لأنفسهم أكثر من الاخرين، وهذا هو الاتجاه الذي ولد مجتمع الرق في نهاية المطاف، باعتراف الماركسية، وهو اتجاه وجد في العصر السابق عليه لا محالة. وباختصار، فإن استثمار الانسان للانسان، لا يحدث إلا حين تتحكم
الأثرة والأنانية، وينعدم التعاطف الانساني، ولا ربط لذلك بالملكية الخاصة بذاتها.
ولكن ما هو الدليل على ان استثمار الانسان للانسان شيء شنيع
وقبيح.
إننا لو قلنا بالقيمة الاخلاقية المطلقة للأشياء، فالحكم بالشناعة والقبح
على ذلك يكون يسيرا وواضحا، وأما لو قلنا باستناد القيم إلى وسائل الانتاح
166

والوجود الطبقي، فمن الواضح أننا يمكن أن نقول بكل وضوح: ان كل استثمار مناسب في عهد تاريخي معين هوحسن في تلك الفترة وليس قبيحا. فالاسترقاق في عهد الرق لم يكن قبيحا، حتى عند العبيد أنفسهم، ولا القنانة في عهد الاقطاع، ولا العمل في عهد الرأسمالية. ومن ثم فاستثمار الانسان للانسان شيء جيد وحسن في نحتلف عصور البشرية. وكذلك ليس من القبيح محاربة " أعداء الشعب يا في عصر دكتاتورية البروليتاريا، وهي حرب عنيدة وطويلة، كما سيأتي عند الحديث عن هذا العصر. نعم، يمكن أن تتبدل هذه القيمة إلى الشناعة والقبح في المجتمع الشيوعي النهائي، حين تنعدم الطبقات ويزول النضال الطبقي والدولة. فإذا علمطا أن البشرية لم تدخل بعد في الطور الأعلى النهائي، في أية
منطقة في العالم، بل ان مناطق العالم الآن موزعة- في منطق الماركسية- بين الاقطاع والرا 1سمالية ودكتاتورية البروليتاريا... إذن فلا بد أن نحكم بحسن استثمار الانسان للانسان، ونحن معاصرون لهذه العهود. وشمتحيل على اي فرد أن يسبق التاريخ، بما فيهم المفكرون الماركسيون أنفسهم. فكيف حكموا بقبح الاستثمار خلافا لقواعد ماديتهم التاريخية. فإن هذا اما على خلاف اعتقادهم، أو ان هذا الاعتقاد وجد في أذهانهم على خلاف تلك ا لقوا عد.
وأما الدولة التي اعتقدت الماركسية أنها لم تكن في العهد الشيوعي
الأول وستكون غير موجودة في العهد الشيوعي الأخير.
قال انجلز:
" والمجتمع الذي ينظم الانتاج تنظيما جديدا على أساس اتحاد المنتجين بحرية،
وعلى قدم المساواة، سيرسل الة الدولة بأكملها، حيث ينبغي أن تكون حينذاك: إلى متحف العاديات بجانب المغزل البدائي والفأس البرونزية لما (1).
ونحن بعد أن عرفنا وظيفة الدولة في المجتمع، وانها تنظم ما لا يستطيع الأفراد تنظيمه... نستطيع ان نعرف تبعا لذلك عدة حقائق.
الحقيقة الأولى: إن وجود الدولة تابع لوجود درجة من التعقيد، تكتسب فيا
(1) أصل العائلة لانجلزص 230.
167

المصالح العامة درجة صعبة لايمكن للأفراد القيابم بها.
الحقيقة الثانية: إن وجود الدولة يكون ضروريا ما دامت الحياة معقدة، لا تختلف
في ذلك عهود التاريخ. ولا يمكن لأي مجتمع مهما كان اشتراكيأ أن يسوس نفسه بنفسه بدون دولة او حكومة. إلا بعض الفروض النادرة أو غير المشروعة، التي سنشير إليها بعد ذلك.
الحقيقة الثالثة: إن هنالى فرقأ بين الشيوعية الأولى والشيوعية الأخيرة، لو سلمنا بوجوديهما. فانه في الشيوعية الأولى، لم تكن الحياة معقدة، بل كانت بدائية وبسيطة للغاية، فلم تكن البشرية بحاجة إلى الدولة. واما في الثيوعية الأخيرة، فالحياة بطبيعة الحال معقدة، بل هي أكز تعقيدا من أي عهد مضى، لأنها أكثر حضارة ومدنية وإنتاجأ من أي وقت مضى، على ما هو المفروض. والتعقيد تابع لوجود الحضارة والمدنية بطبيع الحال. فكيف يمكن عدم وجود الدولة، وكيف يمكن للأفراد ان يسوسوا المجتمع باستقلالهم.
ولو كان عدم الدولة، مقترنا من التوزيع الشيوعي للمال، وناتجا منه... لكان
القول بعدم الدولة في المجتمع الأول ملازما للتهول بعدمها في المجتمع الأخير، كما أرادت الماركسية... لأن صفة التوزيع الشيوعي مشتركة بينهما. إلا ان الأمر- مع الأسف!- ليس كذلك بل هو تابع لدرجة معينة من التعقيد الاجتماعي. وهو متوفري المجتمع الأخير وغير متوفر في المجتمع الأول، فمن الطبيعي أن يكون المجتمع الأول غير محتاج إلى الدولة، على حين يكون الأخير غير مستغن عنها.
وبالنسبة إلى وجهة النظر المادية التاريخية للتطور، لو كان العامل الأساسي فيه هو الوجود الطبقي او التوزيع غير المتساوي لوسائل الانتاج او للأرباج... لكان عدم وجود الدولة مشتركا بين المجتمعين الأول والأخير. إلا أن الماركسية أفهمتنا اخها ترى ان السبب الرئيسي هو تطور وسائل الانتاج بالذات، وان كل مرتبة أو مرحلة معينة من التطور تنتج شيئا معينا أو ظاهرة اجتماعية معينة. ولا معنى للقول بأن مرحلتين مختلفتين من تطور وسائل الانتاج تكونان متصفتين بنفس الظاهرة الاجتماعية.
وهذا ينتج منه نتيجتان مهمتان ماركسيا:
النتيجة الأولى: انه مع اختلاف درجات التطور في وسائل الانتات من
عصر الرق إلى عصر الراسمالية، كيف يمكن أن تبقى ظاهرة معينة محفوظة !وغيى متبدلة، هي ظاهرة الدولة. إذ لا معنى لاتصاف مرحلتين من التطور
168

بنفس الظاهرة، كـما عرفنا.
وقد يخطر في الذهن: اننا وجدنا عدة استثناءات لهذه القاعدة، اهمها
اللغة وغيرها. فلتكن الدولة من هذه الاستثناءات.
والجواب على ذلك: اننا عرفنا ايضا ان هذه الاستثناءات لا تعني شيئا
اخر غير انخرام القاعدة المادية وبطلانها. فلتكن الدولة كذلك. الئتيجة الثانية: إن درجتين سن وسائل الانتاج إحداهما نب غاية
البساطة والبدائية، والأخرى في ثمة التعقيد والتطور، وهما متباعدتان في التاريخ جدا، قد يزيد الفاصل الزمني بينهما على الفي عام... احداهما في المجتمع البدأئي والأخرى في المجتمع الشيوعي الأعلى... قد اتصفت هاتان الدرجتان من التطور المتباين بنمس الظاهرة، وهي انعدام الدولة. مع اننا عرفنا قبل قليل أنه لا يمكن لمرحلتين من تطور وسائل الانتاح ان تتصفا بنفس الظاهرة. فكيف صح للماركسية الالتزام بذلك؟!!..
ولو انسجمنا مع القواعد الماركسية لقلنا بأن الوسائل البدائية للانتاج
تنتج المجتمع امحالي من الدولة، واما الوسائل المتطورة جدا فتقترن بوجود الدولة. ولا يمكن للتاريخ ان يعود القهقرى بأي حال.
-7-
قلنا اننا إذا نظرنا إلى خارح اوروبا، لا نجد عهود المادية التاريخية
مطبقة بوضوح، فكذلك لو نظرنا إلى اوروبا نفسها...
فإن أوروبا بشكلها المعاصر منقسمة إلى قسمين: راسمالي واشتراكي. اما القسم الراسمالي، فلم يمر بعهد الاشتراكية، واما القسم الاشتراكي، فلم يسبق له ان مر بعهد الراسمالية... وإنما طفر من الاقطاع إلى الاشتراكية، كـما قلنا. إذن فعهود المادية التاريخية، غير مطبقة يخا اوروبا تماما، فضلا عن غيرها.
كما أن عددا من المجتمعات الاوروبية اجتمعت فيه الراسمالية مع الاقطاع. فقد حدث ذلك في المجتمعيئ الفرنسي والالماني، في عصر المانيوفاكتورة الأولى، فان ماركس- على ما سنسمع- يعتبر الانتاج المانيوفاكتوري إنتاجا راسماليا، مع انه قد حدث أني عصرالاقطاع ؤبقيا معا سان المفعول ردحا من الزمن.
169

وقد حدث أيضا في روسيا القيصرية، قبل الثورة، فانها كانت تحتوي
على الاقطاع إلى جنب التجارة الرأسمالية الواسعة، وإن لم تكن على الشكل الآلي الحديث.
اما عن مناصرة عدد من الاشتراكيين مع الرأسماليين ومع المثاليين،
فهو حديمث الماركس!ن الأساسي، ضد اعدائهم من الاشتراك!ن، وسيأتي فيما بعد بعض الأمثلة لذلك !
إن كل ذلك، يحدث في اوروبا نفسها على خلاف قواعد المدية
ا لتا ريخية.
-8-
واما الفهرس العام للمادية التاريخية، بعهودها الخمسة، وأقسامها
الاثني عشر، فسيأتي التعرض إلى نقد كل منها عند التعرض إلى عرض اوصافها فيما يلي.
إلا أننا الان نقول كلمة واحدة، وهي ان هذا التسلسل الطويل للمادية التاريخية، ينافي مع القواعد الأساسية الماركسية لتطور التاريخ. إن الماركسية قالت: إن عهد الرق نقيض العهد الشيوعي البدائي،
وعهد الاقطاع نقيض لعهد الرق، وعهد الرأسمالية نقيض لعهد الاقطاع... وتصل البشرية إلى كل عهد، باعتبار التناقض الديالكتيكي المتمثل بالتناحر الطبقي الموجود في العهد السابق عليه.
إن هذا لو سلمناه، فهو صادق بالنسبة إلى تطور المادية التاريخية خلال
عهود خمسة لا خلال عهود اثني عشر، إن هذا التقسيم الجديد، يواجه - من هذه الجهة- عدة نقاط ضعف.
النقطة الأولى: إن نقيض الاقطاع ليس هو الراسمالية، بل هو العهد الحرفي، ونقيض العهد الحرفي هو العمل المانيوفاكتوري، ونقيض هذا العمل هو التراكم الراسمالي الأولي.
إن هذا على خلاف تصريحات الماركس!ن- أولا-، حيث قسموا العهود إلى خسة وحصروا التناقض فيها. كما انه خلاف المبررات المعطاة لتحول المجتمع من عهد إلى عهد، والمربوطة بتطور وسائل الانتاج وتغـير الوجود الطبقي... كما سنعرف. ان الطبقة الجديدة في عهد الاقطاع هم
170

الرأسماليون وليس الحرفيين.
إذن، فهذه المبررات، غير صادقة في التقسيم الجديد، بل يحتاج المجتمع إلى مبررات جديدة للانتقال من خلال هذث العهود الجديدة. النقطة الثانية: إن التناقض لو سلمناه بعد التجاوز عن النقطة الأولى، فإنه إنما يصدق في عهدين ذوي فروق كبيرة كعهد الرأسمالية الاحتكارية مع العهد الذي يليه وهو دكتاتورية البروليتاريا. ولا نسلم وجود التناقض في عهدين متجاورين متجانسين، كالعهد الحرفي والعهد المانيوفاكتوري، وكالرأسمالية التنافسية مع الراسمالية الاحت!صارية، وكالطور الشيوعي الأول مع الطور الثاني. إن هذه العهود متجانسة ومتحابة، وليست متناقضة ولا متضادة، بل يعتبر المتأخر تركيزا وترسيخا للعهد السابق عليه. واختلاف أوصافها لايبرر إطلاق لفظ التناقض أو التضاد عليها... واستعمال هذه الألفاظ فيها تمطيط غير صحيح لهذه الاصطلاحات المنطقية أو الفلسفية.
النقطة الثالثة: إن التناقض حين ينتفي بين عهدين متجانسن،
لا يمكن الالتزام بأنه ناتج عنه بصورة ديالكتيكية... بل هو ناتج منه بطريقة " سلسة يا لا محالة، لأنه ترسيخ وتأكيد له، وليس نفيا له كـما هو واضح. فمثلا، لو كانت الراسمالية الاحتكارية نفيا للرأسمالية التنافسية، لأوجب زوال الوضع الرأسمالي بالمرة، ولو كان الطور الشيوعي الثاني نفيا للطور الأول لكان موجبا لزوال الاشتراكية بالمرة، فإن معنى النفي هو ارتفاع النظام الاجتماعي بكل خصائصه، كما صرحت الماركسية. وإنما لم يوجب نفيه لأنه مترتب عليه ترتبا سلسا، ويعتبرتأكيدا وترسيخا له، وليس نفيا له بأي حال.
بقيت الفقرة السابعة من التكوين العام، وهي ان النظرية المادية التاريخية تعطي توجيهات عامة وتختلف في التطبيق... غير خالية من المناقشة بالرغم من كونها لطيفة إلى حد كبير. لكنها غيى منطبقة على القواعد الماركسية ا لأخرى.
إن المادية التاريخية والقواعد الماركسية العامة لتطور المجتمع، لا يخلو
171

حالها من احد شكلين: اما ان تكون حدية في الانطباق مئة بالمئة، واما أن لا تكون حدية.
فإن كانت حدية تماما، كان تطور المجتمعات على شكل واحد بالضرورة، وششحيل ان يكون مختلفا بطبيعة الحال. وهذا خلاف الوجدان، فإن الاقطاع هنا يختلف عنه هناك والرأسمالية هنا تختلف عنها هناك، في عدد من الصفات والظواهر العامة. وهذا واضح من التاريخ المعاصر والقديم.
وهذا الاعتراض هو الذي تخلص عنه لينين حين قال بأن النظرية
ليست حدية بل تعطي توجيهات عامة فقط.
ولكنه في الواقع، قد وقع في اعتراض اشد، فإن النظرية إن لم تكن حدية... لم نستطع- اولا- ان نجزم بوجود الطور الشيوعي الأعلى، كما حاولت الماركسية أن تؤكده. بل لم نستطع الجزم بأي تغيير لأن النظرية ستصبح سببا ضعيفا مطاطا يمكن أن تحول دونه الموانع... فإن أنكر لينيئ ذلك، كان معناه كون النظرية حدية ضرورية، وليست ذات توجيهات عامة فقط.
وثانيا: ما أشرنا إليه فيما سبق من ان هذه التوجيهات العامة أو السبب الضعيف، لا تصلح وحدها لانتاج التفاصيل بل لا بد أن عاملا آخر مستقلا في كل مجتمع أنتج التفاصيل الخاصة به. ومعه يكون مجموع الوضع الاجتماعي نا!برا من مجموع التوجيهات العامة والعامل الآخر المستقل. وهذا العامل لا نستطيع ان نسفيه بتطور وسائل الانتاج، بعد ان كان هذا التطور لا يمثل إلا التوجيهات العامة فقط، أعني جزء مجموع السبب الموجب لتطور المجتمع.
وعلى أي حال، فمقتضى الضرورة التاريخية، التي اكدت عليها الماركسية في نظريتها، هو كونها حدية وليست (موضوعات توجيهية عامة لما كما قال لينين. ومعه لا نستطيع أن نفسر الفرق والاختلاف بيئ المجتمعات. ويعتبر هذا الكلام من لينين تنازلا عن تلك الضرورات الفلسفية،
نتيجة لضغط الواقع المعاش الذي يخالف النظرية الماركسية بوضوج. هذا، وبعد الحديث عن التكوين العام، سنبدا بالحديث عن العهود
172

الاثني عشر، فنعقد لكل منها فصلا مستقلا، ونلحق بكل فصل مناقشاته الخاصة به.
مرحلة ما قبل المجتمعات


تعتقد الماركسية بأن الانسان متحدر عن قرد، كما هو القول المشهور لداروين... بغض النظر عما يستلزمه هذا التحول من طول في الزمن، او عدم اعتراف الناس بسلفهم (الصالح لما هذا!!...
قال انجلز:
(منذ مئات عدة من ألوف السنين، في عهد ما يزال من غير الممكن تحديده بيقين،
من ذلك العصر في تاريخ الأرض الذي يسميه الجيولوجيون بالعصر الثالث على تخومه على الأرجح، كان يعيش في مكان ما من الدائرة الاستوائية- اغلب الظن في قارة غائرة اليوم في جوف المحيط الهادي- عرق من القردة الشبيهة بالبشر بلغت تطورا رفيعأ بوجه خاص. رقد أعطانا داروين وصفا تقريبيا لهذه القردة التي قد تكون أسلافنا. كانت مكسؤة كليا بالشعر، وذات لحى واذان محددة، وتعيش جماعات على الأشجار وقد أخذت هذه القردة، بالدرجة الأولى- دون. شك- بنمط معيشتها الذي يتطلب أن ينجز الأيدي من أجل التسلق غير وظائف الأرجل، أخذت تفقد عادة الاستعانة بأيديها من أجل السيى على الأرض، واتخذت أكثر فأكز مشية عمودية. وهكذا تم اجتياز الخطهة الحاسمة لانتقال القرد إلى الانسانأ (1).
"... يخا البدء العمل، وبعده، ئم معه في الوقت نفسه، اللسان: ذانكما هما الدافعان الأساسيان اللذان تحت تأثيرهما تحؤل دماغ قرد شيئا فشيئا إلى دماغ إنسان. يتجاوزه بعيدا برغم كل تشابه، ارتفاعا واتقانأ. ولكن السير جنبأ إلى جنب مع تطور الدماغ تطورت أدوائه المباشرة، أعضاء الحواس ! (2).
"... وقد مرت مئات ألوف السنين- وهي ي تاريخ الأرض تعادل ثانية ي حياة
(1) نصوص مختارة: انجلزص 123 وما بعدها.
(2) المصدرص 128 وما بعدها.
173

الانسان- قبل أن يخرح مجتمع بشري من قطيع القردة المتسلق للأشجار. ولكنه ظهر اخر الأمر. فـما الفرق الذي نجده بـيئ قطيع القردة، وبن المجتمع البشري؟ العمل!،. وشمتمر انجلز ببيان كيف أن العمل هو الذي غير القرد وجعله إنسانا. وقال نب آخر كلامه:
"... فكما ان تاريخ تطور الجنين البشري في بطن أمه لا يمثل غير تكرار مختصر لتاريخ ملايين السنين من التطور الجسماني لأسلافنا الحيوانات بدءا من الدودة. فإن التطور العقلي للطفل، هو كذلك تكرار أكز تكثيفا، فقط للتطور العقلي لدى هذه الأسلاف، الأخيرة منها على الأقل.
على أن مجمل العقل المنهجي لدى جميع الحيوانات، لم ينجح في أن يطبع الأرض بخاتم إراثتها. ان هذا يحتاح إلى الانسان 0 ههـ بالاختصار، ان الحيوان يستخدم الطبيعة الخارجية فقط، ويحدث فيها تغييرات بمجرد وجوده. وأما الانسان، فإنه بالتغييرات التي يحدثها في الطبيعة يجعلها خدم أغراضه، يسيطرعليها. وفي هذا يقوم الفارق الأساسي الأخير بين الانسان وباقي الحيوانات. والانسان مدين في هذا الفرق مرة اخرى، للعمل " (1).
ولا ينبغي ان ننسى يا هذا الصدد عبارة انجلز حـيئ يقول:
" وينسى الناس ان الظروف الاقتصادية لحياتهم هي منشأ الحقوق عندهم، مثلما
نسوا انهم قد نسلوا من عالم الحيوان " (2).
ويذكر انجلز يأ كتابه (أصل العائلة يا... الخطوات اللاحقة لتطور الانسان عن القرد، فيقسمها إلى عدة أطوار، نذكر منها الآن، ما يمت إلى ما قبل تكون المجتمعات بصلة:
1- الوحشية:
1- الطور الأدق: طفولة النوع البشري. كان الناس ولا يزالون بعد في إقامتهم الأولية، في الغابات الاستوائية وشبه الاستوائية. كانوا يعيشون- على الأقل جزئيا- على الأشجار. وبهذا وحده يمكن تفسير بقائهم بين وحوش كاسرة كبيرة. وكانت الثمار والجوز والجذور غذاءهم.
وألانجاز الرئيسي في هذه المرحلة هو نشوء النطق. ومن بين جميع الشعوب التي أصبحت من!وفة في هذه المرحلة التاريخية، لم يبق أي منها في هذه الحالة البدأئمة. ورغم (1) المصدرص 129 وما بعدها.
(2) المصدر نفسه، ص 162.
؟17

ان هذه الحالة استمرت، أغلب الظن، الآلاف والالاف من السنين، إلا أننا لا نستطيع أن نثبت وجودها بأدلة مباشرة. ولكننا إذ نعترف بنشوء الانسان من مملكة الحيوان، لا بد لنا أن نفترض ونقبل هذه الحالة الانتقالية.
2- الطور المتوسط: يبدأ باستعمال الغذاء السمكي... وباستعملل النار.
وهذا وذاك مترابطان، لأن الغذاء السمكي لا يصبح صالحا تماما للاستهلاك إلا بفضل النار.
ولكن البشر أصبحوا بفضل هذا الغذاء الجديد، مستقلين عن المناخ والمكان،
وبا اصسير مع تيار الأنهر وعلى سواحل البحار، كان في وسعهم أن ينتشووا- حتى في الحالة الوحشية- على القسم الأكبر من سطح الأرض.
... إن الاقامه في أماكن جديدة، والسعي النشيط الدائم إلى البحث والتفتيش، بالاضافة إلى امتلاك النار عن طريق الحك، كل هذا أوجد وسائل جديدة للتغذية، هي الجذريات والدرنيات التي تحتوي على النشاء، والمشوية في الرماد الحار، أو في الأفران المحفورة في الأرض.
وكذلك الطريدة التي أصبحت، بفضل اختراع الأسلحة الأولى، الهراوات والرماح، غذاءا إضافيا يمكن الحصول عليه حسب الصدف، بين الفينة والفينة " (1). ثم يقول انجلز بعد صفحة:
إ حتى الآن استطعنا أن ننظر في سير التطور بوصفه سيرا ذو طابع شامل تماما،
ساري المفعول في مرحلة معينة بالنسبة لجميع الشعوب، بصرف النظر عن مكان إقامتها. ولكننا مع حلول عهد البربرية، وصلنا إلى درجة يكتسب فيها الفرق بين الأحوأل الطبيعية في القارتن الكبيرتين شأنأ ووزنا " (2).
وحيث ان الاختراع عموما، لا يصدر إلا عن مجتمع، كـما اسلفنا،
إذن فاختراع الهراوات والرماج، دال بشكل وآخر على وجود إلمجتمع، إذن، فقد دخلت البشرية في عصر ألاجتماع.
(1) اصل العائلة والملكية الخاصة والدولة: (2) المصدر نفسه ص 27.
175
انجلز صر 25 وما بعدها.

مناقشة
ما قبل المجتمعات
لا شك ان البشرية بدأت بسيطة وبدائية وساذجة، وقد ولدت كل! الظواهر الاجتماعية فيها تدريجا، بما فيها اللغة، بل وحق القدرة على التفكيى الفعلي المنظم...
ولكر كيف تم ذلك، وقت أي نوع من الأسباب حدث، فهذا ما نستطيع أن نحمل عنه فكرة بعد قليل اولا، ويأتي تفصيله عند الحديث عن التخطيط العام ثانيا.
والمهم الان هو التعرف على مقدار صحة هذه التفاصيل التي ذكرها انجلز، ومقدار ارتباطها بالقواعد الماركسية.
وأول خطوة يمكن ان نتقدم بها قي طريق المناقشة، هو ما اعترف به الماركسيون أنفسهم بأن العهود القديمة، فضلأ عما قبلها، لا يمكن إقامة أدلة حقيقية للتأكد من أوصافها، و (نما يقوم لفسيرها دائما على الظن والتخمين دائما.
وكلما كان العهد اقدم كانت النقول التاريخية عخها أندر، ومن ثم فالاستنتاج منها أصعب. وبالطبع فإن الحدس والتخمنن يملأ الفجوات الموجودة حتى يصل الأمر في القدم إلى حد لا يمكن التحدث عنه بإثبات تاريخي بالمرة، فيكون للتخمن الميدان الأفسح يخا ملء هذا الفهم3. وقد سمعنا انجلز قبل قليل يقول:
ا منذ مئات عدة من ألوف السنين في عهد ما يزال من غير الممكن تحديده بيقيئ... كان يعيش... في أغلب الظن... دا.
وقال انجلز أيضا:
(ولكن إذا كانت دراسة هذه الأسباب المحركة للتاريخ في جمغ المراحل السابقة غير
176

ممكنة تقريبأ، لأن العلاقات بين هذه الأسباب ونتائجها كانت مشوشة ومستورة. فإن عصرنا قد بسط هذه العلاقات، حتى ان حل اللغز اصبح ممكنا في آخر الأمر". وإذا كانت دراسة ما قبل العصر الحديث لغزا مستورا، فكيف بالعصور الأسبق عليه. وكيف بالعهود البشرية الأولى، فضلا عن عهد ما قبل المجتمعات، فضلأ عن عهد تحول القرد إلى إنسان. و (نما قال انجلز بأن حل اللغز اصبح ممكنا باعتبار نظريته الماركسية، التي اخذ صحتها مسلمة في كلامه، وهو ما لايمكننا الآن الاعتراف به، باعتبار اننا نبحث عن صحة هذه النظرية أساسا.
-3-
إننا نستطيع أن نرفض بضرس قاطع نظرية تكون الانسان من قرد،
لكننا لا نريد الان ان ندخل في التفاصيل. نذكر فقط بعض نقاط الضعف التي نراها فيها:
الئقطة الأولى: ما قلناه قبل لحظة من أن هذا التحول، لو كان قد
تم، فهو في عهد سحيق من القدم لايمكن إقامة الدليل عليه. النقطة الثانية: إن هذه النظرية لو صحت لحدثت باستمرار، ولرأينا مختلف الدرجات ما بين القرد والانسان باستمرار. فما الذي حدا بهذه العملية ان تتم في زمن معين دون غيره. إن هذا لغريب.
النقطة الثالثة: إن علماء الوراثة اتفقوا على استحالة انتقال نوع إلى
نوع، وضرورة مماثلة الذرية للسلف بالنوع. ولا شك ان القرد نوع آخر غير الانسان، فيكون حصوله منه مستحيلا. ولا فرق في هذه الاستحالة بين الانتقال الدفعي والانتقال التدريجي.
إن تغير الصفات بالتدريج ممكن ما دامت النوعية بذاتها قائمة.
ولا يمكن للناسلات (الجينات) أن تقرر أنماطا من الصفات خارجة عن النوع بأي حال.
النقطة الرابعة: إن علماء الوراثة اتفقوا على أن الصفات المكتسبة
لا تورث. فلا يكتسبه الحيوان او الانسان من صفات نتيجة للعامل الجغرافي او لتكيفه طبقا لحاجاته- كـما هو مقتضى نظرية التطور الداروينية- يستحيل ان تورث. إن القطة إن قطعت ذيلها لم تنتج ذرية مقطوعة الذيول. أو ان
177

عاملآ قويت يده اليمنى من كثرة الممارسة، لا لكون ذريته متصفة بنفس الصفة. إذن، فلا يمكن إنتاج التطور من هذه الناحية.
وهذه النقاط واضحة جدا على الأساس المادي الذي تعترف به الماركسية وتنطلق منه.
وأما على الأساس الالهي، فهده النقاط وخاصة الثلاث الأخيره، غير واردة، لأن إيكال الأمر إلى قدرة الله تعالى ومشيئته يذلل كل هذه المصاعب، وانطلاقا من هذأ الأساس يمكن إقامة أدلة من نوع اخر على بطلان نظرية داروين، ربما أشرنا إلى بعض اسسها، خلال الحديث عن التخطيط العام في القسم الئالث من الكتاب.
من هذا يتضح، أن الفكر القائم على الأساس الاهي، غيى ملزم بالاعترأف بهذه النظرية، ولكن المادية مضطرة، من أجل تفسير وجود الحياة وتطورها على وجه الأرض، إلى الالتزام بهذه النظرية، باعتبارها التفسير المتوفر المعقول لذلك، ولكنها إذ تواجه تلك النقاط التي ذكرها ستقع في موقف محرج، وستضطر في النهاية إلى التنازل عن نظرية التطور، فتبقى الحياة بدون تفسير سادي.
إن اختصار الجنين لتاريخ البشرية، وإن كانت فكرة مشهورة، يوافق
عليها انجلز بدوره. إلا أنها أسطورة غريبة، وبخاصة من زاوبة الماركسية، وذلك لورود عدة نقاط عليها:
النقطة الأولى: ان هذه المماثلة المدعاة تبدا لا محالة، من اول التلقيح وتنتهي بالرشد الكامل للفرد، حينما يصبح الفرد مماثلا مع مجتمعه في المستولى العقلي والفكري.
وهذا يستلزم عدة أمور غير صحيحة:
الأمر الأول: أن يتماثل نمو الأفراد الجسمي والعقلي إلى حد كبير،
لأنهم جميعا يمثلون نفس التاريخ البشري... وهذا واضح الانتفاء وا لبطلان.
الأمر الثاني: ان ممر الفرد أو الأفراد بمثل النكسات التي مرت بها
178

البشرية خلال تاريخها الطويل- المهمة منها على الأقل-. ومن الواضحكلدم مرور اغلب الأفراد بذلك.
الأمر الثالث: ان يكون نمو الفرد سلسا كنمو البشرية، في حين أنه
يحتوي على " عقبات " غير موجودة في تاريخ البشرية، يمر بها الأفراد بالضرورة كالتلقيح نفسه، والولادة والتسنين والشيخوخة.
النقطة الثانية: إن البشرية مرت في نظر الماركسية بالعهود الخمسة المعروفة. فما هو المماثل في حياة الفرد. وهل تصح المماثلة بدون إمكان هذا التطبيق. وهل يصبح كل فرد خيرا صالحا بالضرورة في اخر عمره، كالبشرية التي تنبأت لها الماركسية بالمستقبل السعيد. إن افضل فترات العمر هو الشباب، وهو يقع عادة في الوسط من حياة الفرد. على حـيئ أن المادية التاريخية ترى أن أفضل فترات عمر البشرية هو نهايتها، خلال مستقبلها السعيد.
النقطة الثالثة: إننا لو تجاوزنا عما سبق، لراينا الانسان لا يمثل الب!نرية
فقط، بل يمثل الكون كله. وقد غفل انجلزعن ذلك، ولكن لم يغفل بعض الفلاسفة عن ذلك حيئ قالوا: ان الجنين منذ التلقيح يبدا جمادا ثم يصبح نباتا ثم يصبح حيوانا ثم يصبح إنسانا. ثم أضافوا: إنه يصبح بعد ذلك ملاكا. وإذا كان انجلزينكر المرحلة الأولى، لأن الانسان يبدأ بالحويمن وهي ليس بجماد، وينكر المرحلة الأخيرة، انطلاقا من ماديته، فلا اقل من انه يذكر المراحل الثلاثة الوسطى. فلماذا اهملها؟!.
هناك امران مهمان في تطور البشرية يعترف انجلز او ينبغي ان يعترف، أنهما غير ناتجين عن وسائل الانتاج:
أحدهما: ا للغة.
قال انجلز- كـما سبق ان سمعنا-: " والانجاز الرئيسيئ في هذه المرحلة هو نشوء النطق ".
ولم تكن وسائل الانتاح بمتطورة بالمرة، ولم يكن للانسان اية وسسلة
إنتاج سوى يده، ولو كانت اليد سببا لوجود اللغة، لكانت اللغة موجودة بوجود الانسان، وهو غيى صحيح بطبيعة الحال.
179

السابق || التالي

السيرة الذاتية || الصور || المؤلفات || ما كتب حوله