ما كتب عن الشهيد السيد محمد صادق الصدر ( قدس سره)

عملية اغتيال الشهيد الصدر، والمواجهات التي أعقبتها

إننا ندعو المسلمين والأحرار في العام إلى التصدي لهذه الجريمة الوحشية التي يمارسها النظام العراقي ضد مراجع المسلمين وعلمائهم، ثم يحاول التملص منها بطريقة مكشوفة

تناول سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله العديد من المسائل المتعلقة باستشهاد سماحة السيد محمد محمد صادق الصدر، جاءت على شكل إجابات على أسئلة تقدم بها بعض الأخوة إلى سماحته عن عملية اغتيال الشهيد الصدر، والمواجهات التي أعقبتها، حيث يقول:إن الظلم الذي ينال المراجع من العلماء، ولا سيما المسلمين الشيعة منهم، انطلق في التاريخ وينطلق منذ أيام أهل البيت(ع) وحتى الآن، من خلال مواجهتم للظلم،سواء كان

  ظلماً داخلياً أو خارجياً، لأنهم يؤمنون بأن عليهم أن (لا يقارّوا على كظة ظالم ولا على سغب مظلوم). إن العلماء المنفتحين على قضايا الناس في كل ظلاماتهم، يشعرون بأن من واجبهم أن يقفوا ضد الظالم، سواء كان الظالم شخصاً أو حزباً أو دولة أو محوراً دولياً. ومن هنا، فإن التيارات الظالمة في العالم، تشعر بالحذر من كل حركة العلماء في المطالبة بالعدل ورفض الظلم. ولهذا، فإنها تعمل على أن تحاصرهم وتضطهدهم بكـل الوسائل وصولاً إلى مستوى الاغتيال، وهذا ما لاحظناه في كثير من البلدان الإسلامية وفي مقدمتها العراق، لأننا لم نشهد مجرماً كالنظام العراقي في كل هذا التاريخ المعاصر.

وقد يُظلم العلماء المصلحون من خلال بعض الناس الذين يعيشون التخلف، والخاضعين لبعض الخطوط المخابراتية التي تستغل بساطة هؤلاء الناس وجهلهم وتخلفهم، فتحاول أن تستفيد من نقاط الضعف الموجودة في المجتمع، لتأليب الناس على العلماء المجاهدين المصلحين، الذين يعملون على توعية الناس وإنقاذهم، بتحريف الكلام عن مواضعه وما إلى ذلك. وقد لاحظنا كيف تحرك بعض الناس الساذجين ضد بعض العلماء المصلحين، حتى إذا ماتوا أصبحوا من المقدَّسين.

تابع: لقد حدث في العراق عدة انتفاضات، وكان مهيأً لها أن تنتصر، كالانتفاضة التي حدثت بعد حرب الخليج الثانية، والتي فقد الحكم في داخل العراق من خلالها توازنه، بحيث أصبحت الكثير من المناطق في الداخل تحت سيطرة المجاهدين، ولكن التدخل الأمريكي أعطى لحاكم العراق كل الوسائل التي يستطيع من خلالها أن يقمع الانتفاضة، ولا سيما أنها كانت لا تملك قيادة محددة وتخطيطاً، بل كانت انتفاضة شعبية عفوية.. لذلك، من الصعب جداً أن تنجح أية انتفاضة إذا لم تكن لديها امتدادات في الواقع السياسي الدولي، هذا إضافة إلى مشكلة أن المعارضة العراقية ليست موحّدة وإنما انطلقت تحت شعار واحد، لكنها لا تملك التخطيط الذي تتكامل فيه عناصرها بعضها مع بعض. ومن الطبيعي أن الواقع الإسلامي المحيط بالعراق، ولا سيما الواقع الشيعي، لا يملك الإمكانات التي يمكن له فيها أن يساند هذا الشعب بقوة، لأن لكل بلد مشاكله التي تضغط على الأحرار فيه والعاملين، ما يمنع قيام حالات ثورية مساندة، ولأن المنطقة بشكل عام أصبحت خاضعة لأشخاص، أما الشعب، فقد صودر من خلال الأجهزة المخابراتية وقوانين الطوارئ..

مستقبل الحوزة:

وفي رد على سؤال حول مستقبل حوزة النجف الأشرف في ظل عملية التفريغ التي تتعرض لها، قال سماحته:

لقد اغتال النظام العراقي حوزة النجف الأشرف التي تُعدُّ أكبر وأقدم حوزة في العالم، وقد استطاع أن يهجّر أكثرية علمائها وطلابها، ولم يبق إلاّ بقية منهم ممّن نخشى عليهم. ولذلك، نحن نتصور أن على كل الأحرار والمسلمين أن يرفعوا أصواتهم من أجل دعم هذه الحوزة ومراجعها وعلمائها وطلابها، حتى لا يكون مصيرهم كمصير من سبقهم.

لا تزال قضية العراق تتحرك في دائرة المأساة التي يعيشها الشعب العراقي، بين حصار دولي تتزعمه أمريكا، وقصف متواصل لمواقعه، وحكم بوليسي يتمثل في نظامه الذي يتحرك بالقبضة الحديدية الضالعة في الاغتيالات المتحركة في أكثر من جريمة، ولا سيما في عمليات اغتيال المراجع الدينية التي كان آخرها عملية اغتيال السيد محمد الصدر لجرأته على انتقاد النظام. ومن اللافت أننا وجدنا سكوتا عالمياً عن هذه الجريمة البشعة التي لا تمثل جريمة خاصة بل جريمة عامة في اغتيال حوزة النجف الأشرف التاريخية، والتي تخضع منذ مدة طويلة إلى عملية قتل منظّم لعلمائها ومراجعها وتهجير متواصل لطلابها.

إننا ندعو المسلمين والأحرار في العام إلى التصدي لهذه الجريمة الوحشية التي يمارسها النظام العراقي ضد مراجع المسلمين وعلمائهم، ثم يحاول التملص منها بطريقة مكشوفة، إضافة إلى ما يصيب الشعب العراقي من ظلم وتجويع وتشريد وحصار اقتصادي في أكثر من موقع.

الحوزة بعد الإستشهاد

وعن نظرة سماحته إلى الحوزة في النجف بعد غياب السيد الشهيد محمد صادق الصدر(رضي الله عنه)، وما يرافق ذلك من إرهاب، يقول سماحته:

لقد بقيت بقية في الحوزة في النجف، لأن النظام اغتال حوزة النجف التي كانت القاعدة للدراسة الدينية الإسلامية في الخط الإمامي في العالم، لقد اغتالها وبقيت منها بقية، إننا نخشى على هذه البقية أن تضطهد أكثر، وأن تحاصر أكثر وأن تجمد أكثر، ونخشى على مراجع الدين في النجف من أن ترتكب في حقهم جرائم مماثلة إذا انطلقت منهم أية بادرة توحي بما لا يرتاح إليه.

تحدثت أكثر من مرة، بأن مرجعية الشهيد السيد محمد الصدر كانت مميزة في طبيعتها وفي تأثيرها الإسلامي على واقع المؤمنين في العراق، بحيث مثَّلت نقلة نوعية في حركيتها

الحملة الظالمة

س: أشيع في العراق، ولا سيما في النجف الأشرف، استفتاء موقّع من سماحتكم يبين أن مرجعية السيد محمد الصدر(قدس سره) صدَّامية أو بعثية، فهل هذا الاستفتاء صادر من سماحتكم؟ وإذا لم يكن صادراً عنكم، فمن يقف وراء إصداره ونشره حسب توقعكم؟

ج: لا صحة لهذا الاستفتاء، والجواب والتوقيع المشار إليه هو تزوير وباطل، وليس لي علم بالجهة التي أصدرته، ولكنه جزء من الحملة الظالمة المعلومة، وإني قد تحدثت أكثر من مرة، بأن مرجعية الشهيد السيد محمد الصدر كانت مميزة في طبيعتها وفي تأثيرها الإسلامي على واقع المؤمنين في العراق، بحيث مثَّلت نقلة نوعية في حركيتها، وإن الحديث عنه بالطريقة التي يتحدث عنها الاستفتاء المذكور هو حديث ظالم، لأن الرجل كان في المستوى الكبير من الإخلاص ومن السير على حسب القواعد الشرعية الفقهية في سلوكه العملي.

س: سيدي، إن من جملة الأمور التي أثيرت على السيد محمد الصدر (قدس سره) هي مسألة اجتهاده، ولكن السيد أخرس الألسن بالكتب الأصولية والاستدلالية، ومنها كتاب (منهج الأصول). فلماذا يا سيدي لا نخرس الألسن التي أثارت الإشكال نفسه على سماحتكم بطرح الكتب الاستدلالية والأصولية التي تعبر عن بحوثكم؟

ج: هناك أكثر من عشرة كتب فقهية استدلالية مما يمكن التعرف فيه على ما ذكرته، وقد شهد السيد الشهيد الصدر الثاني بدلالتها على الاجتهاد، ولكن المشكلة هي التعقيدات الصادرة من البعض.

الحفاظ على خط الشهيد

س: ما هو رأي سماحتكم في ولاية السيد الشهيد الصدر(رض)، وكذلك صلاة الجمعة المقامة في العراق؟ وما هو رأيكم في المراجع الذين حاربوه في حياته؟

ج: رأيي أن صلاة الجمعة كانت حدثاً إسلامياً في العراق، بحيث استطاعت أن تؤثر على الواقع الإسلامي إيجابياً بشكل كبير، وتهز عرش الطاغية بالقوة الشعبية الإيمانية المنفتحة على مرجعيته، وقد كان مظلوماً كأجداده في ما نسب إليه مما لا أساس له من الصحة.

ونصيحتي لكم، أن تحافظوا على خطه وذكراه في مستوى القدوة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

س: ما هو رأيكم في الأعمال التي قام بها السيد الشهيد(قده) من أجل خدمة الدين وإيصال الناس إلى الله من بعد الغفلة التي كانوا عليها منذ سنين طويلة؟

ج: إنني أرى أنه استطاع أن يقوم بثورة تبليغية توجيهية انفتاحية عملت على أن تهز أعماق الشعب العراقي المسلم بالقيم الدينية وتملأ الفراغ الهائل الذي كان يعيشه.

15شوال/1420هـ

 

السيرة الذاتية || الصور || المؤلفات || ما كتب حوله