سياستنا تجاه الإقتصاد الوطني / أسعد تركي

 

كنت قد ذكرت ولا يخفى على كل باحث بأنه هنالك تلازماً منطقياً بين كل من الملف السياسي والملف الاقتصادي والملف الأمني فلا يمكن الاستقلال سياسياً ما لم يسبقه استقلال اقتصادي ولا يمكن أن يكون هنالك نمواً اقتصادياً ما لم يكن هنالك مسرحاً آمناً تجري عليه كل فعاليات التنمية الاقتصادية من إستيراد وتصدير وإنشاء معامل ومصانع ومعاملات تجارية وبنوك مصرفية وإسكان وإعمار وغيرها ولأن الجانب الاقتصادي يمثل العمود الفقري لكل المشاريع السياسية وحتى المشاريع الفكرية فالناس على دين ملوكها ومثالاً على ذلك هو أن البلد الإسلامي الأكثر كثافة سكانية وهو اندونيسيا لم يكن يعتقد بالدين الإسلامي ولكن الإسلام انتقل إليه عن طريق التجار المسلمين وتعداده الآن أكثر من مئتي مليون نسمة 90% منهم مسلمون ، من هذه المقدمة البسيطة أردت أن أوضح بأن الجميع يعلم بأن العراق هو من أغنى البلدان في العالم بما يمتلك من موارد طبيعية كالمعادن وخصوصاً المصدر الرئيسي للطاقة وهو النفط بحيث يمتلك الاحتياطي الأول في العالم وليس الثاني كما يدعون فالمسح الجديد يؤكد ظهور منابع جديدة للنفط هذا فضلاً عن بقاء النفط العراقي طيلة عقد من الزمن من دون استهلاك بسبب الحصار المفروض على العراق بعد حرب الخليج الثانية ، فقد كان يتم تعويض السوق العالمية للحفاظ على سعر البرميل من نفط السعودية صاحبة الاحتياطي الأول حسب المسح الجيولوجي القديم ، إضافةً إلى ما يمتلك العراق من أراضي زراعية خصبة وموارد مائية متمثلة بنهري دجلة والفرات والسياحة الدينية والأثرية والى كثافة سكانية مناسبة بحيث إذا سخرت ضمن خطط اقتصادية إستراتيجية صحيحة فان ذلك سيجعل المواطن العراقي من أغنى المواطنين في العالم ولكننا وبرغم ذلك كله لا نريد أن يتحوّل العراق إلى بلد مستهلك غير منتج أو يكون استهلاكه اكبر من إنتاجه اعتماداً على ثرائه وثرواته بل نريد إستنفار العقل العراقي المبدع وتفجير طاقات الجماهير لتنصهر وتذوب في خدمة الصالح العام والارتقاء الاقتصادي على مستوى الفرد والذي سينعكس اقتصادياً على مستوى عموم الوطن ،
أما ما نراه اليوم من ارتفاع متزايد في مستوى البطالة فله عدة أسباب أهمها :
1- عدم وجود مشاريع وطنية وقومية كبيرة تتبناها الدولة لإعمار البلاد والتي بها يمكن تفعيل كل مؤسسات وأجهزة الدولة من جهة ومن جهة أخرى احتواء أعداد كبيرة من الأيدي العاملة والمتخصصين فينهض البلد عمراناً واقتصاداً وينخفض مستوى البطالة .
2- الدخول الاضطراري لطلبة الثانويات في كليات وأقسام غير مرغوب بها مما أدى إلى عدم وجود الحافز والدافع للعمل في نفس التخصص الحاصل عليه بعد البكالوريوس وبالتالي لا يحصل أي تطور أو إبداع في هذا التخصص الذي فرض عليه قسراً لان معدل الدرجات الحاصل عليه الطالب في المرحلة الثانوية هو الذي يحدد خيارات الطالب ويكون علاج ذلك بإنشاء عدد اكبر من الكليات والأقسام ذات الاختصاص المتنوع فان لم تستطع الدولة على ذلك فعلى الأقل تشجع الكليات الأهلية وتدعمها.

3- إن المتخرج من الطلبة والحاصل على شهادة البكالوريوس يضطر بعد تخرجه إلى العمل في غير اختصاصه وبالتالي فان مسيرة وجهاد الطالب التي استمرت طيلة ستة عشر عاماً تضمنت إهدار للمال والعمر لم يستفد منها في عمله الجديد إلا القليل و إلا ما ندر وحتى في عمله الجديد الذي لا يمت بصلة إلى ما درسه طيلة ستة عشر عاماً فانه لا يفقه فيه شيء وسيبدأ فيه من الصفر وبالتالي يكون الضرر في المجالين مجال تخصصه والمجال الجديد الذي يعمل فيه ولا خبرة له فيه.
4- ارتفاع مستوى الاستهلاك مقارنة بمستوى الإنتاج وبعبارة أخرى هو أن الشعب يستهلك أكثر مما ينتج ويكون علاج ذلك بالمحاولات الجادة لإنتاج اكبر ما يمكن من المواد التي تستهلك داخل البلاد أي إنتاج المستهلك محلياً فيقل بذلك صرف العملات الصعبة وتصديرها إلى خارج البلاد من جهة ومن جهة ثانية يمكن تصدير ذلك المنتوج المحلي الذي كنا نستورده للاستهلاك وبالتالي الحصول على عملات صعبة جديدة تضاف إلى تلك التي وفرناها عن طريق إنتاج ما كنا نستهلكه محلياً ومن جهة ثالثة سينخفض مستوى البطالة بتشغيل كل تلك الأيدي العاملة محلياً.