موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة القانون

مباحث في التشريع الجنائي الاسلامي
* د. محمد فاروق النبهان



- تعريف الدية:
تعرض الفقهاء لمباحث الدية عند كلامهم عن الجنايات، وأفاضوا في التفاصيل المتعلقة بالدية، وشروطها، والمباحث المتعلقة بها.
ولا أود الدخول في التفصيلات التي أوردها الفقهاء، وسأكتفي ببعض المباحث الهامة التي تتعلق بالدية من حيث هي كنظام مقرر وكعقوبة مفروضة سواء أكانت عقوبة أصلية أو بدلية.
وتطلق كلمة (الدية) على المال الذي يقوم الجاني بدفعه للمجني عليه أو لأوليائه كعوض عن الجناية التي ارتكبها، سواء كانت الجناية على النفس أو على ما دون النفس، إلا أن الفقهاء اصطلحوا على أن يطلقوا (الدية) على العوض الذي يدفعه الجاني بدلاً عن الجناية على النفس، و(الارش) على العوض الذي يدفعه الجاني بدلاً عن الجروح.
- ثبوت الدية:
درج الفقهاء عند بحثهم عن أي موضوع من الموضوعات المتعلقة بالأحكام على أن يذكروا الدليل أو المصدر الذي اعتمدوا عليه سواء أكان هذا المصدر من القرآن أن السنة أو الإجماع أو القياس.
والدية ثابتة بأدلة قطعية من النصوص والإجماع وهذه الأدلة هي:
1 ـ القرآن الكريم: قال الله تعالى: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ ومَن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة، ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا، فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة، وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله، وكان الله عليماً حكيماً) النساء/ 92.
وقال أيضاً: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع المعروف وأداء إليه بإحسان، ذلك تخفيف من ربكم ورحمة، فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) البقرة/ 178.
ونلاحظ من النصوص القرآنية ان هذه النصوص قد أقرت مبدأ التعويض المادي، وهو الدية، في حالتي: العفو عن القصاص في الجرائم العمدية، وفي حالة جرائم الخطأ التي لا توجب القصاص أصلاً.
ولم يذكر القرآن الأحكام التفصيلية المتعلقة بالدية، وترك ذلك للسنة العملية التي كان الرسول (ص) يبين عن طريقها الأحكام للناس بشكل تطبيقي يتناسب مع ظروف المجتمع.
2 ـ السنة النبوية: روي عن الرسول الكريم أحاديث كثيرة في مقدار الدية في كل من النفس والأعضاء، منها:
روي عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده: أن رسول الله (ص) كتب إلى أهل اليمن كتاباً، وكان في كتابه أن مَن اعتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود إلا أن يرضي أولياء المقتول، وإن في النفس الدية مائة من الإبل، وإن في الأنف إذا أوعب جدعه الدية، وفي اللسان الدية وفي الشفتين الدية، وفي البيضتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي الصلب الدية، وفي العينين الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية، وفي المأمومة نصف الدية، وفي الجائفة نصف الدية، وفي المنقلة خمسة عشر من الإبل، وفي كل إصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل، وفي الموضعة خمس من الإبل، وإن الرجل يقتل بالمرأة، وعلى أهل الذهب ألف دينار، رواه النسائي.
وهناك أحاديث أخرى كثيرة ذكرها رجال الحديث تتعلق بمقدار الدية في الأعضاء في حالة الجروح، ودية الجنين، ودية أهل الذمة وغير ذلك.
3 ـ الإجماع: اتفق الفقهاء والعلماء على وجوب الدية، ولم يخالف في ذلك أحد منهم، واتفاق الفقهاء وإجماعهم على ثبوت الدية أمر بدهي لثبوتها بالقرآن والسنة، وإذا كانت الدية ثابتة بالنص فلا يسع الفقهاء والمجتهدين إلا الموافقة عليها، وإذا كان هناك اختلاف في بعض الأمور فهو اختلاف في الجزئيات التطبيقية التي تخضع للاجتهاد، والتي لم يرد فيها نص صريح ثابت.
ومن هذه الأدلة الثابتة نخلص إلى أن الدية حكم مقرر في الشريعة الاسلامية وتكون العقوبة أصلية في الجرائم غير العمدية وكعقوبة بدلية عندما يسقط القصاص أو يمتنع تطبيقه فعندئذٍ يستعاض عنه بالدية التي تعطينا معنى الغرامة والتعويض في آن واحد.
ومع ذلك فهي تختلف عنهما في المفهوم القانوني، لأن الغرامة في مفهومها القانوني تصيب الجاني في ماله كما يصيبه السجن في جسده، وتعطي معنى التكفير عن الجريمة لصالح المجتمع، ولذلك تكون من حق الدولة، بخلاف الدية فهي مفروضة لمصلحة المجني عليه، ولذلك توجه أموال الدية إليه وإلى أوليائه كما أنها تفرض على الجاني وعلى أسرته وقبيلته.


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة القانون