موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
الفقه والتشريع

أحمد حسن بأشراف د.وهبة الزحيلي
الأدلة الشرعية في اعتماد الأوراق النقدية (2)



الاستحسان:
الاستحسان عند الحنفية: ((ترك القياس إلى ما هو أولى منه)).
وهو عند الحنابلة: ((أن بعض الأمارات قد تكون أقوى من القياس فيعدل إليها)).
فإذا كان الأخذ بالقياس يؤدي إلى الحرج والمشقة، يتركه المجتهد ويلجأ إلى دليل آخر يرفع المشقة، وهو الاستحسان.
ذلك أن رفع الحرج والمشقة أصل من أصول الدين، قال الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج 22: 78.
وقيل: الاستحسان طلب السهولة في الأحكام فيما يبتلى فيه الخاص والعام.
وحاصل هذه العبارات أنه ترك العسر لليسر، وهو أصل في الدين، قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) البقرة 2: 185.
فإذا نظرنا إلى القياس وحده، وأمعنا في علة الربا في الذهب والفضة عند الحنفية ومشهور الحنابلة، أدركنا عدم اندراج الأوراق النقدية في الوصف المناسب. وهذا يؤدي إلى الحرج والمشقة والعسر، فعلى أساس
القياس وحده ينفتح باب الربا الذي حرمه الله إلى قيام الساعة، وعلى أساس القياس وحده لا زكاة في الأوراق النقدية فيضيع حق الفقير والمسكين. وأيضاً يتوقف العمل بشركة المضاربة التي من شروط صحتها كون
رأس المال نقوداً، وقد منع تداول الذهب والفضة كنقود، وتعاقب القوانين على من يتعامل بهما كنقد، فيتوقف العمل بعقد أباحه الله تعالى إلى قيام الساعة، ويحكم على الشريعة بالجمود وعدم الصلاحية لكل زمان
ومكان.
أما عند ترك القياس والأخذ بالاستحسان يترتب عليه العمل بروح الشريعة ومقاصدها، والتيسير على الناس، وإثبات صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان.
ومن هنا يترك القياس في مسألة الأوراق النقدية ويؤخذ بمبدأ الاستحسان.
ويشهد لهذه المسألة أحكام الفقهاء الحنفية في مسألة الدراهم والدنانير المغشوشة والفلوس. فالدراهم والدنانير التي يغلب عليها الفضة والذهب، هي في حكم الخالصة في الأحكام الفقهية، أما غالبة الغش فعندهم هي في
حكم العروض لا في حكم الدراهم والدنانير، فعند مبادلتها بالدراهم والدنانير الخالصة أو ببعضها، يجوز التفاضل بشرط أن تكون الفضة والذهب في الخالصة أكثر منها في المغشوشة على أن يتم التقابض في
المجلس، هذا هو الأصل غير أنهم عندما شاعت الدراهم الغطارفية.
والعدالية، وصارت نقداً رئيسياً، يتعامل بها عدداً، ترك الحنفية العمل بالقياس وأفتوا بعدم جواز التفاضل في مبادلتها ببعضها من ناحية، وفي مبادلتها بالخالصة من ناحية أخرى.
يقول الزيلعي: (( (وغالب الغش ليس في حكم الدراهم والدنانير) لأن العبرة للغالب في الشرع: قال: (فصح بيعها بجنسها متفاضلاً) أي بالمغشوش مثلها، عداً أو وزناً، لأن الغش من كل واحد منهما مقابل بالفضة أو
الذهب الذي في الآخر، فلا يضر التفاضل فيهما لاختلاف الجنس، ويشترط التقابض قبل الافتراق لأنه صرف في البعض لوجود الفضة أو الذهب من الجانبين. وكذا إذا بيعت بالفضة الخالصة، أو الذهب الخالص لا
بد أن يكون الخالص أكثر من الفضة أو الذهب الذي في المغشوش حتى يكون قدره بمثله والزائد بالغش. ومشايخنا رحمهم الله لم يفتوا بجواز التفاضل في الغطارفة والعدالي، وإن كان الغالب فيها الغش، لأنها أعز
الأموال في ديارهم في ذلك الزمان فلو أبيح التفاضل فيها لانفتح باب الربا.
إن الفلوس باتفاق الفقهاء هي من المعدودات، والمعدود باتفاق فقهاء الحنفية لا يدخل في علة الربا التي هي الكيل والوزن عندهم.
ومع ذلك فإن الحنفية تركوا هذا الأصل عندهم، فاختلفوا في مسألة بيع فلس بفلسين، فباتفاقهم لا يجوز بيع فلس بغير عينه بفلسين بغير أعيانهما، أما إذا عين العاقدان الفلوس جاز التفاضل فيها عند الشيخين دون
محمد.
وهكذا عند محمد الفلوس الرائجة في كل الحالات لا يجوز بيعها ببعضها متفاضلاً فذلك من الربا، إذن هو يجعل الفلس المعدود من أموال الربا.
وكذلك جوز رحمه الله جعل الفلوس رأسمال شركة المضاربة، ولم يكن دليله القياس لعدم إمكان العمل به على أساس مذهبهم، وإنما كان دليله الاستحسان وقد صرح به ولله الحمد.
وبذلك نعلم بطلان قول من يزعم أن الأوراق النقدية لا ربا فيها على أساس مذهب الحنفية ومشهور الحنابلة، لأنها معدودة لا موزونة. وهذا تسرع في الفتوى، لأنها تخرج عندهم على الاستحسان لا القياس.
----------------------------------
المصدر: الأوراق النقدية في الاقتصاد الاسلامي

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم    || موسوعة الفقه والتشريع