موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
الفقه والتشريع

داود العطار
أساس إباحة الدفاع الشرعي وتبريرها



1 ـ أساس إباحة الدفاع الشرعي:
منطلق الشريعة في اعتبار الأفعال ممنوعة، وبالتالي جعلها جرائم معاقباً عليها، أو اعتبارها مشروعة، وبالتالي جعلها مباحة، هو درء المفاسد وجلب المصالح، التي تنجم عن هذه الأفعال بالتغليب النسبي.
فإذا غلبت المصلحة نسبياً في فعل أو ترك أقرته، وإذا غلبت المفسدة نسبياً في فعل أو ترك منعته.
وعليه فإن الأفعال المحرمة ـ التي تنشئ وصف الجرائم ـ إنما حرمتها الشريعة، نظراً لما تنطوي عليه هذه الأفعال من مفسدة اعتداء على حق جدير بالحماية والمنعة. والأفعال المشروعة إنما أباحتها الشريعة نظراً
للمصالح المتوخاة منها.
فإذا صارت الأفعال المحرمة ـ أصلاً ـ في وضع لم تعد تنطوي على مفسدة اعتداء بتاتاً كالتطبيب مثلاً فالعمل الجراحي في مثل هذه الحالة لم يعد يقتضي التحريم، لأنه لم يعد ينطوي على المفسدة وهي علة التحريم.
فبانتفاء علة التحريم يعود الفعل مشروعاً.
وكذلك إذا صارت هذه الأفعال المحرمة ـ أصلاً ـ في وضع تشكل اعتداء ظاهرياً يفضي إلى صيانة حق محترم ودرء مفسدة كأفعال الدفاع الشرعي مثلاً من ضرب المعتدي أو جرحه أو قتله حماية لحقوق المدافع أو
المدافع عنه، فإن هذه الأفعال وإن بدت وكأنها اعتداء غير أنها تصون حقاً جديراً بالحماية والمنعة وتدرأ مفسدة من مصلحة الفرد والجماعة درؤها فانتفاء المفسدة من إتيان هذه الأفعال بل وجلب المصلحة هو الذي
جعلها مشروعة.
وهكذا يظهر أن الأفعال المحرمة بالأصل حين يتغير ـ في حالات خاصة ـ مؤداها فتصبح تدرأ المفسدة ـ مفسدة الاعتداء بالدفاع ـ بعد أن كانت تحقق المفسدة، فإن المفسدة التي تحرص الشريعة على درئها بتحريم هذه
الأفعال لم يعد لها وجود، ولهذا أباحت الشريعة هذه الأفعال في مثل الحالات التي تنعدم المفاسد في إتيانها.
فالضرب والجرح والقتل وغيرها لم تحرم إلا لأنها اعتداء، فإذا ارتكبت لدفع الاعتداء ومقاومته ودرء مفاسده فإنها تكون مشروعة كأي فعل مشروع آخر.
2 ـ تبرير إباحة الدفاع الشرعي:
والذي يبرر إباحة أفعال الدفاع الشرعي، ومن ثم انعدام المسؤولية الجنائية والمدنية، هو أن الشريعة جعلت الدفاع الشرعي حقاً يكون بموجبه للمدافع سلطة ارتكاب ما يقيه من الخطر المهدد.
وليس من المتصور إطلاقاً أن تقوم المسؤولية إزاء من يمارس هذا الحق المقرر، بحدوده دون أن يتخطاها، وبلا تعسف.
إن قيام المسؤولية، ومن ثم تحمل الشخص العقاب، إنما قر لمصلحة الجماعة، والجماعة لا تتضرر بفعل المدافع. وليس عدم تضرر الجماعة هو المبرر الوحيد لإباحة أفعال الدفاع والمسوغ لما يرتكب من أفعال لدرء
الخطر فحسب بل إن مصلحة الجماعة متوقفة على ممارسة الدفاع الشرعي وحاجتها إليه أشد من حاجتها إلى التشريع ذاته، إذ أن المعتدي يخشى عواقب أفعال الدفاع التي سيواجهها مباشرة أشد من خشيته مما ينتظره
من عقوبة القانون. وبالتالي فسيتردد كثيراً في ارتكاب الاعتداء.
والذي يجسد مدى علاقة فعل الدفاع بمصلحة الجماعة هو أن فعل الدفاع يكون ملزماً للمدافع بمقدار ما تقتضيه مصلحة الجماعة فإذا كان الدفاع عن المال مباحاً والدفاع عن النفس و العرض واجباً على المدافع فلأن
أهمية النفس والعرض للمدافع أكبر بكثير من أهمية المال. لذلك كانت مصلحة الجماعة تقتضي أن تكون أفعال الدفاع عن النفس والعرض ملزمة بدرجة الوجوب دون أفعال الدفاع عن المال الذي لا يمثل الخطورة
والأهمية في المجتمع كما تمثلها صيانة الأرواح والأعراض.
إن جعل الشريعة فعل الدفاع حقاً للمدافع تمتنع معه مسألته جنائياً لأن الفعل ليس بجريمة كما تمتنع معه مسألته مدنياً لأن الفعل أداء لواجب أو فعلاً لمباح ومن يؤدي واجباً أو يأتي بمباح كيف يمكن أن يسأل أي لون
من ألوان المسؤولية!!
--------------------------------
المصدر: الدفاع الشرعي عن الشريعة الاسلامية

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم    || موسوعة الفقه والتشريع