موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
الفقه والتشريع

 د. محمد مهدي الاصفهاني
شؤون صلاة المرضى والطاقم الطبي والتمريضي



((يا مَن اسمه دواء وذكره شفاء)). المرض حالة تهيمن فيها على القلب مشاعر الحزن وعلى النفس أحاسيس الخوف والرجاء وتفسح أمام الفرد فرصة الارتباط بالله. فإن التعاليم الاسلامية وإن لم تعتبر المرض فضيلة بل أوجبت على المسلم العمل لصيانة سلامته والحفاظ على صحة الآخرين أيضاً، ومع ذلك فإن الانسان فيما لو تعرض للمرض وانفتحت أبواب قلبه للارتباط الأوثق مع الله واشتد تضرعه، يحظى بحظ أوفر من الرأفة الإلهية. وعلى هذا تؤكد التعاليم الاسلامية على مَن يعاود مريضاً أن يطلب منه الدعاء له وأن يتوجه بدوره بالدعاء للمريض. إن توفير الظروف المناسبة لإقامة الصلاة من قبل المرضى لاسيما في ساعات فضيلة الصلاة اجراء مطلوب وضروري كما في إعداد مستلزمات التيمم للمرضى أو توفير محل لأداء الصلاة الفرادية في غرف المستشفى أو حتى الجماعية (للمرضى الذين لا تمنعهم ظروفهم الصحية عن أدائها) في مصلى أو مسجد المستشفى، فإنه اجراء ضروري كما أنه يبث الحيوية والسرور في النفوس. إن إذاعة صوت الأذان المنعش (المداعب للروح) عن طريق مكبرات الاستدعاء في المستشفى وحتى قليل من آيات الذكر الحكيم قبل الأذان، تبعث النشاط في نفوس وقلوب المرضى. تتبع صلاة المرضى أحكام صلاة عامة الناس المذكورة في رسائل التقليد إلا ما ارتأى فيها تساهلات أكثر للمرضى بحسب الحالة المرضية والظروف الخاصة السائدة في المستشفى. فإن تسبب الوقوف أثناء الصلاة في معاناة كبيرة للمريض يجوز له أداء الصلاة جلوساً دون أن يكون لوضع استقرار قدميه أهمية في صحة الصلاة بل يتعين أن يستقبل القبلة بصدره وبطنه ووجهه. وإن لم يتيسر له أداؤها جلوساً أو كان معسوراً عليه، فللمريض أن يؤديها مستلقياً شرط أن يستلقي على جانبه الأيمن بشكل عمود على اتجاه القبلة مستقبلاً القبلة بوجهه وإن تعذر عليه الاستلقاء على جانبه الأيمن أو تسبب ذلك في تحمل مشقة كبرى فبوسعه الاستلقاء على جانبه الأيسر مستقبلاً القبلة بوجهه. أما إذا كانت حالة المريض الصحية تفرض عليه الاستلقاء على ظهره فعندئذ يتوجب وضع سريره على نحو يتجه فيه باطن قدميه نحو القبلة. وبما أن وضع السرير على هذا النحو تماماً أمر لا يتيسر في بعض الأحيان فقد أبدت الشريعة الاسلامية المقدسة تساهلاً في هذا الخصوص واعتبرت الانحراف قليلاً بحيث لا يكون المريض منحرفاً تماماً عن القبلة أمر لا يخل بصلاة المريض. وإن توجب الغسل على مريض لا تسمح له ظروف الجسمية بالاستحمام فله الاكتفاء بالتيمم. وإن تعذر عليه إسباغ الوضوء بشكل تام فبإمكانه إسباغ وضوء الجبيرة أي تغطية محل الجرح بمنديل والاكتفاء بمسح المنديل. وإن تسبب الوضوء عامة في الإضرار به، ففي تلك الحالة يوجب عليه التيمم. وفي حالات كثيرة يتخلف المرضى عن أداء الصلاة في مواعيدها المحددة خلافاً لالتزاماتهم ورغبتهم بسبب نجاسة الملابس أو الفراش أو الأغطية وعدم إمكانية تطهير ما تنجس منها أو عدم توفر الملابس والأغطية الطاهرة لديهم، فيرجئون أداء الصلاة قضاء إلى زمان ترك المستشفى أو توفر الظروف المناسبة. إلا أن شريعتنا السمحاء أذنت للمرضى في مثل هذه الظروف بأداء الصلاة مع الالتزام بما أمكن من شروطها رغم عدم طهارة بعض أجزاء الجسم أو الملابس وفق قاعدة الاضطرار أو نفي العسر والحرج وهم واثقون بأن ربهم الذي فرض عليهم أداء الصلاة بجسم وفي ملابس طاهرة سوف يتقبل في هذه الظروف صلاتهم بجسم وملابس غير طاهرة. وإن عرّض السجود المريض للخطر أو المعاناة والإعياء فإنه يحسن وضع منضدة صغيرة أمامه يسجد عليها، وإن تعذر ذلك فعليه أن يضع التربة على جبهته وهو جالس إشارة إلى السجود بعد إتمام الركوع. وإن عجز عن الركوع والسجود يؤديها بالإشارة والإيماء. وإن تعذر عليه قراءة أذاكر الصلاة والنطق بكلماتها يكتفي بما وسعه من ذلك، وغن لم يتيسر له ذلك بتاتاً يؤدي الصلاة بالقراءة الذهنية واستعراض كلماتها في خاطره. إذا كان المريض مضطراً، لأسباب ما، لأداء صلاته على السرير ويكون سريره مرناً غائراً فلا يخل ذلك بصلاته شرط أن لا يزداد اختلاف سطوح مواضع السجود (الجبهة والركبتين وباطن الكفين ورأسي إصبعي الإبهام من القدمين) عن أربعة أصابع مضمونة إلى بعضها. ولابد للمريض أن يجهد أثناء السجود لمنع تعدي الاختلاف بين سطوح هذه المواضع السبعة عن هذا المقدار بالتحكم بمقدار ضغطها على السرير. أما عن اضطرار المريض للصلاة على سرير يتعرض للاهتزاز أو التحرك أثناء أداءه لأعماله الصلاة المختلفة، كأن يكون السرير نابضاً مثلاً، فعندئذ يتوجب عليه التريث ريثما تهدأ حركة السرير ثم يقرأ أذكار الصلاة بعد انتهاء الحركة. بهذا ننتبه إلى مدى اهتمام الشريعة الاسلامية بوضع حساب لظروف الانسان أثناء مرضه وتقديم التساهلات اللازمة له في مثل هذه الظروف ليتمكن من الالتزام بهذه الفريضة الإلهية ـ أي الصلاة ـ حتى آخر لحظة من لحظات حياته وأدائها في مواعيدها المحددة بارتياح وراحة بال. ـ الأحكام الخاصة بالطاقم الطبي والتمريضي: قد يضطر الطبيب أو الممرض في بعض الأحيان لقضاء الساعات تلو الساعات باذلاً جهوده إلى جانب سرير المريض أو في غرفة العمليات الجراحية حتى تنقضي أحياناً وقت الصلاة. وعلى هذا، يحسن بأعضاء هذه الشريحة المخلصة من المجتمع أن يسبغوا الوضوء قبل بدء عملهم في مثل هذه الظروف استعداداً لأداء الصلاة كيفما تتيسر لهم حتى وإن اكتفي بالإيماء بدل الركوع والسجود فيما لو تعذر عليهم أداؤها مع الإتيان بجميع آدابها الخاصة. وقد أبدى الفقه الاسلامي تساهلاً مع الملبس الملطخ بالدم إن لم تتعد رقعته عن الدرهم الواحد إضافة إلى الإرفاق المأخوذ بالحساب للمرضى من قبل الشريعة الاسلامية بحسب قاعدة الاضطرار ونفي العسر والحرج في باب تطهير الجسم والملبس والذي يتسم بذات الاعتبار بالنسبة للطاقم الطبي والتمريضي. فمثل هذه الحالات لا تخل بصلاتهم أيضاً. ولكن مع إلزامهم بإزالة النجاسة عن الجسم والملبس بما يتيسر لهم. فأعضاء الطاقم الطبي والتمريضي بالإضافة إلى أداء واجبهم يكافأون برحمة الله الوارفة في حالة الحرص على أداء الصلاة في أول وقتها داخل المستشفى لما في ذلك من دور في ترسيخ ارادة المحيطين بهم والمرضى، وتوجيههم لأداء هذه الفريضة في بداية موعدها والحفاظ على قدسيتها تأسياً بهم مما يؤهل طاقم المستشفى للحظة بمزيد من رأفة وتوفيق ربنا الشافي اللطيف بعباده.
*المصدر : الرعاية الصحية في المسجد والصلاة والصيام/دار الهادي/2005م
 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم    || موسوعة الفقه والتشريع