موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
الفقه والتشريع

علي الأحمدي
ما يصحّ السجود عليه



لا خلاف بين المسلمين في وجوب السجدة في الصلاة في كل ركعة مرتين وإنما الخلاف في فروعها وأحكامها من كيفيتها وأركانها وشرائطها وموانعها وأذكارها. وقد تفاقما لأمر واشتد النزاع بين المسلمين فيما يصح
السجود عليه أي فيما يضع المصلي عليه جبهته: فقال أئمة المذاهب الأربعة ـ كما هو المشهور المنقول عنهم في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ـ بجواز السجود على كل شيء من تراب وحجر ورمل وحصى
وصوف وقطن وغير ذلك بل على ظهر انسان آخر عند الزحام. قال في بداية المجتهد: ومن هذا الباب ـ أي إبراز اليد في السجود ـ اختلافهم في السجود على طاقات العمامة وللناس فيه ثلاثة مذاهب: قول بالمنع
وقول بالجواز وقول بالفرق بين أن يسجد على طاقات يسيرة من العمامة أو كثيرة وقول بالفرق أن يمس من جبهته الأرض شيء أو لا يمس منها شيء وهذا الاختلاف كله موجود في المذاهب وعند فقهاء الأمصار.
وقالت الإمامية الإثنا عشرية ـ تبعاً لأئمتهم أئمة أهل البيت (ع) ـ : إنه لا يجوز السجود إلا على الأرض: من تراب ورمل وحصى وحجر أو ما أنبتته الأرض غير مأكول ولا ملبوس ويحتجون على ذلك بالأحاديث
المنقولة عن أئمة أهل البيت (ع) عن رسول الله (ص) وبما رواه أئمة الحديث عن الصحابة (رض) عن النبي (ص) وبما جرى عليه عمله وعملهم. - التطورات الحاصلة في السجدة: إننا إذا دققنا النظر في هذه
المسألة نرى إنها قد مرت بعدة أدوار وتطورت تطوراً ملحوظاً على مدى العصور ابتداء من عصر الرسول (ص) وإنها مما لعبت فيها عوامل التغير والتبدل بها كما تلعب بكل موجود ممكن ولم تكن تلك العوامل
مقصورة على الخطأ في الاجتهاد أو سوء الفهم للحديث والسنة بل لعل البواعث السياسية والتعصبات القومية والأهواء غير المرضية قد أثرت فيها أيضاً أثرها. ولا نبالغ إذا قلنا إننا في حين نرى السجدة ذات أحوال
وشرائط خاصة في بدء تشريعها نعود فنرى فيها التغير التدريجي شيئاً فشيئاً حتى تنقلب إلى حالة مباينة لما كانت عليه أولاً. ويتضح ذلك بالتدبر التام في المأثور من أدلتها وتاريخها وعمل النبي (ص) والصحابة
والتابعين وفتوى الفقهاء والمجتهدين. - الأدوار الأربعة للسجود: وقد قسّمنا التطورات الحاصلة بأدوار أربعة ورسمناها بالترتيب الآتي: الدور الأول: السجود على الأرض من تراب ورمل وحصى وحجر ومدر لا
غير. الدور الثاني: السجود على الأرض وأجزائها ونباتها وعلى الخمرة المصنوعة منها وكذا الحصير والبسط المصنوعة من السعف ونحوه وكان للخمرة في دورها حظ وافر وانتشار حتى ملئت المساجد والبيوت
كما سيأتي (ونحن نرى التقيد بالسجود على الخمرة إلى زمن بعيد وكان كل رجل من أهل مكة في العصر الحديث يؤدي الصلاة في المسجد الجامع على سجادة هي في العادة طنفسة صغيرة لا تتسع إلا للسجود فحسب
فإذا فرغ من الصلاة طواها وحملها على كتفه فكان خادم يحفظها لهم). وما زال النبي (ص) وأهل بيته (ع) يسجدون على الخمرة حتى قال الإمام موسى بن جعفر (ع) في حديث: (لا يستغني شيعتنا عن أربع خمرة
يصلي عليها و…). وفي هذا الدور أيضاً نرى أن جمعاً كبيراً من الصحابة والتابعين كانوا يتجنبون السجود على غير التراب حتى إنهم يضعون التراب على الخمرة فيسجدون عليه احتياطاً في صلاتهم ذهولاً عن
عمل الرسول (ص) أو خطأ في الاجتهاد. وذكر إن الباعث لصنع الخمرة هو أن الرسول العظيم (ص) والمسلمين كانوا يسجدون على التراب والحجر والمدر والحصى ولكن الحر والبرد قد آذاهم وأحرقت الرمضاء
وجوههم وأيديهم وفي أيام المطر لطخ الماء والطين وجوههم وأيديهم (الأمر الذي دفعهم إلى فرش المساجد بالحصى) فشكى المسلمون إلى رسول الله (ص) ما يلاقونه من ألم الرمضاء وبرودة الهواء (بحيث كانوا
يعالجون إما بتقليب الحصى حتى يخرج منه ما كان فيه من حرارة الشمس وإما بتبريد الحصى في أيديهم حتى يصلح لوضع الجبهة عليه) فلم يشكهم ثم بعد مدة رخّص لهم في الإبراد بالصلاة ـ أي تأخيرها إلى وقت
برودة الجو ـ ثم صنعوا الخمرة بأمره (ص) أو من عند أنفسهم فقرّهم عليه واستمر عمله (ص) وعملهم عليه. الدور الثالث: السجود على كل شيء من الأرض وغيرها كالثياب بأنواعها من الحرير والقطن والصوف
والكتان والبسط من السجاجيد المنسوجة من الحرير والصوف والقطن الدور الرابع: عدّ السجود على الثياب شعار التسنن وعدّ التقيّد بالسجود على التراب بدعة ومن شعار الشيعة شيعة أهل البيت (ع) بل عدّ ذلك من
الشرك والزندقة (معاذ الله).
*المصدر : السجود على الارض

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم    || موسوعة الفقه والتشريع