موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
الفقه والتشريع

حكم اللحوم في محلات غير اسلامية والذابح مسلم
الشيخ عبد اللطيف بري



ذهب بعض أهل السنة وبعض الشيعة الى أنّه يصح أن يكون الذابح كتابياً يهودياً أو نصرانياً إذا سمّى , وتوفرت في ذبحه بقية الشروط الاسلامية لقوله تعالى : { اليوم أُحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم …} (5 المائدة / 5) وقوله تعالى : { ومالكم ألاتأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ماحرم عليكم …} (6 الأنعام / 119 ) . واتفقوا أنه لاتحل ذبيحة المشركين عباد الأوثان , والملحدين والمرتدين عن الإسلام , وأكد الكثيرون أن الكتابي إذا لم يسم حين الذبح أو سمّى غير اسم الله , فلا تحل ذبيحته . والواقع أن الحكم الشرعي لايؤخذ من آية واحدة , بل من كل الآيات الواردة في موضوعه , ومن أحاديث النبي وأخبار أهل بيته الثابتة .. كل ذلك يشكل جسما واحداً للدليل على الحكم الشرعي . وفي هذا الموضوع فإن هناك آيات عديدة هي : 1- { … وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم … } (5 المائدة /5) . 2- { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق … } ( 6 الأنعام /121). 3- { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ومآ أُهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة ومآ أكل السبع إلا ماذكيتم ...}( 5 المائدة /3 ) . الآية الأولى : أباحت كل طعام أهل الكتاب حتى اللحم . الآية الثانية : أخرجت ذبائح أهل الكتاب التي لم يسمّ عليها اسم الله فلا يجوز أكلها . الآية الثالثة : في قوله تعالى : { إلا ما ذكيتم } وهي خطاب للمسلمين . وكأنها تشير إلى أن التذكية هي ما يكون بيد المسلمين .. وبذلك قد يصح أن نخرج كل ذبائح أهل الكتاب . أما الأحاديث وأخبار أهل البيت (عليهم السلام ) فإنها تحتمل الوجهين : حلّية ذبائحهم مع التسمية , أو عدم حلّيتها . وفي هذه الحال يثور الشك في صحة تذكية أهل الكتاب للذبائح وإن سمّوا عليها , لاحتمال اشتراط أن يكون الذابح مسلما ً . ومالم تثبت صحة ذباحتهم بدليل قاطع فلا نستطيع الجزم بحليتها لنا .. ومع الشك فإن الأصل يقتضي عدم التذكية .. وقد أفتى مراجع الدين ,ومنهم السيد الخوئي بلزوم أن يكون الذابح مسلما , وفي ذلك احتياط للدين . وعليه يكون معنى حلية طعام أهل الكتاب حلية كل أنواع الطعام التي يقدمونها ما عدا اللحم والشحم والطعام المحرّم أساسا ً كلحم الخنزير . ومهما يكن فلو سلّمنا بحلية ذبائح أهل الكتاب المسمى عليها , فليس لذلك نتائج عملية غالبا , لأن أهل الكتاب لايلتزمون بالتسمية باسم الله حين الذبح . وبذلك يحرم على المسلمين أكل ذبائحهم لقوله تعالى : ( ولاتأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) ( 6 الأنعام / 121 ) . وقد أفتى العديد من فقهاء أهل البيت بأن ما يؤخذ من غير المسلمين من جلد ولحم وشحم يحكم بأنه غير مذكى وإن أخبروا بأنه مذكى . وبذلك لاتحل اللحوم المشتراة من غير المحلات الاسلامية . أما اللحوم المستوردة من غير البلاد الاسلامية , والمأخوذة من يد غير المسلمين إذا احتمل أنها من الحيوان المذكى فإنه يجوز بيعها وهي طاهرة , ولكن يحرم أكلها . وبذلك يمكن التجارة بها وبيعها لغير المسلمين . متى تكون التسمية ؟ قال بعض المسلمين : تصح التسمية ولو حين الأكل , فلو اشتريت الذبيحة من غير مسلم وسّمى عليها حين الأكل كفى ذلك . واستندوا إلى الحديث المروي في البخاري عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أن قوماً حديثي عهد بجاهلية قالوا للنبي صلى الله عليه واله وسلم : إن قوماً يأتوننا باللحمان لا ندري أذكروا اسم الله عليها أم لم يذكروا ؟ , أنأكل منها أم لا نأكل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : " أذكروا اسم الله وكلوا " . ومع غضّ النظر عن سند الحديث , ومدى ثبوته , فإن الذي يؤكد أن التسمية المطلوبة هي التسمية حين الذبح , هو ظاهر النصوص القرآنية والنبوية كقوله تعالى : { فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ... } ( 6 الأنعام / 118 ) . { ومالكم ألاتأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ... } ( 6 ألانعام / 119 ) . { ولاتأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ... } ( 6 ألانعام / 121 ) . ( فالفعل ( ذُكر ) في هذه الآيات جاء بصيغة الماضي , والفعل المضارع المجزوم ب لم يفيد الماضي أيضاً , وفي الآيات إشارة إلى أن التسمية ليست حين الأكل , وإنما يلزم أن تكون محققة في الماضي ... ) ولو كانت التسمية حين الأكل لقال تعالى : ( فكلوا مما تذكرون اسم الله عليه ) . ( وما لكم ألا تأكلوا مما يذكر اسم الله عليه ) . و( لاتأكلوا مما لاتذكرون اسم الله عليه ) . والذي يؤيد أن التسمية المطلوبة إنما هي حين الذبح لا حين الأكل قوله تعالى : { حُرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ومآأهل لغير الله به ... } ( 5 المائدة / 3 ) . والإهلال لغير الله رفع الصوت حين الذبح بالتسمية بإسم الأصنام كاللا ّت والعزّى . وهذا يوحي أن الآيات عندما تتحدث عن الإهلال لغير الله , فإنما تشير الى الاهلال لله , وتقصد بها التسمية حين الذبح لا حين الأكل , مقابل تسمية المشركين أسماء أصنامهم حينما يتم الذبح . وجاء في الحديث عنه صلى الله عليه واله وسلم حين سئل عن الصائد الذي لايجد سكيناً يذبح به طريدته إلا الحجر , وشقة العصا : " أمر الدم ( أي أرقه ) بما شئت , واذكر اسم الله عليه " . رواه أحمد , وأبو داود , والنسائي , وابن ماجة , والحاكم . وعنه صلى الله عليه واله وسلم : ما أنهر الدم , وذكر اسم الله عليه فكلوا " . رواه البخاري وغيره . وهو ظاهر في أن التسمية هي حين الذبح , ويؤيده أخبار أئمة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
المصدر :- أسئلة حول الاسلام / دار الهادي ط1 2000 .

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم    || موسوعة الفقه والتشريع