موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
الفقه والتشريع

المقاصد في قواعد الفقه الكلية
د. خليفة بابكر الحسن



حفلت القواعد الكلية في الفقه الإسلامي بمجموعة من القواعد الفقهية التي ترجع الى رعاية المقاصد في الشريعة الاسلامية , وتلك القواعد في حقيقتها صدى للأثر الكبير الذي أحدثته نظرية المقاصد في الفروع الفقهية في مختلف المذاهب الفقهية , وانعكاس مباشر لذلك الأثر . ومن تلك القواعد : 1- الضرر يزال شرعاً : هذه القاعدة ترجع الى رعاية مقاصد الشرع في نفي الضرر , وأصلها حديث : (( لاضرر و لاضرار )) . وغيره من نصوص القرآن والسنة التي نهت عن الضرر والفساد , وهدت الى ملاحظة مقاصد الشريعة في ذلك ( مثل قوله تعالى { ولاتمسكوهن ضراراً لتعتدوا } ( البقرة / 231 ) وقوله تعالى : { ولاتضاروهن لتضيقوا عليهن }( الطلاق / 6 ). ومن تطبيقات هذه القاعدة الفقهية ثبوت حق الشفعة للشريك , وثبوت خيار العيب الذي شرع لإزالة الضرر عن المشتري الذي اشترى سلعة سليمة من العيوب في اعتقاده ثم وجدها معيبة فجعل له الخيار في ردها دفعاً للضرر عنه , وغير ذلك من الفروع الفقهية وهي كثيرة . 2- الضرر لايزال بالضرر : هذه القاعدة مرتبطة بالقاعدة الأولى في أن الضرر يزال شرعاً لكن إذا ترتب على ذلك الضرر حدوث ضرر آخر , فإن الموازنة تقضي بعدم إزالة ذلك الضرر بارتكاب ضرر آخر . ومن فروع هذه القاعدة عدم جواز دفع الإنسان للغرق عن أرضه بإغراق أرض غيره , ولا أن يحفظ ماله بإتلاف مال غيره , كما أنه لايجوز في ضوء هذه القاعدة للمضطر أن يتناول طعام مضطر آخر مثله . وفي معنى هذه القاعدة قاعدة أخرى وهي (( دفع المضار مقدم على جلب المنافع)) . 3- يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام : هذه القاعدة أيضاً ترجع الى تحكيم المقاصد في دفع الضرر , وتقرر أن الضرر الخاص ينبغي تحمله في سبيل دفع الضرر العام , وذلك لأن المصلحة الكلية أهم في رعايتها من المصلحة الجزئية , وقد تعرضت للفكرة التي قامت عليها هذه القاعدة عند الحديث عن تقسيم المصالح الى كلية وجزئية . ومن فروعها جواز هدم الجدار المائل في الطريق العام خشية إضراره بالمارة , وجواز تسعير المواد الضرورية إذا اشتط أصحابها في أثمانها , وبيع الطعام جبراً عن صاحبه إذا احتكره وامتنع من بيعه مع حاجة الناس إليه , والحجر على المدين الممتنع عن أداء الدين , والحجر على ناقصي الأهلية من المجانين والسفهاء . 4- يزال الضرر الأشد بالضرر الأخف : هذه القاعدة يعبر عنها أيضاً بارتكاب أخف الضررين لاتقاء أشدهما , ومن فروعها جواز حبس الزوج إذا ما طل في القيام بنفقة الزوجية , لأن ضرر حبسه أخف من الضرر الذي يقع عليها بعدم الإنفاق وجواز تطليق الزوجة من زوجها إذا أضر بها وهو ما يسمى بالطلاق للضرر وذلك لأن الضرر الذي يقع بالطلاق أخف من الإضرار بها , وجواز التطليق لعدم الإنفاق وهوالذي يسمى بالطلاق للإعسار. 5- الضرورات تبيح المحظورات : معنى هذه القاعدة أنه إذا وجدت ضرورة ملجئة يرفع الحكم العام ما دامت الضرورة قائمة , ومن فروعها جواز التناول من الميتة أو الدم أو أي محرم آخر لمن كان في حال جوع شديد أشرف معه على الهلاك وليس أمامه سبيل للحفاظ على حياته الإ التناول من المحرم , وجواز التلفظ بكلمة الكفر لمن أكره على ذلك . وتطبيقاً لهذه القاعدة أجاز الفقهاء هدم البيوت المجاورة للحريق منعاً من سريانه , وأوجبوا الحجر على المريض بمرض يخشى انتقاله عن طريق العدوى , وأجازوا إتلاف مال السفينة أشرفت على الغرق إنقاذاً لركابها بمقدار ما يمكن أن يزول به الخطر عن تلك السفينة . 6- الضرورات تقدر بقدرها : معنى هذه القاعدة أن ما أبيح للضرورة لايجوز التوسع فيه , إنما يقتصر فيه على ما يدفع تلك الضرورة فقط لأنه آت على سبيل الاستثناء ,والاستثناء لايجوز التوسع فيه , وفي معنى هذه القاعدة قاعدة (( ماثبت على خلاف القياس فغيره لايقاس عليه )) . ومن فروعها أن المضطر لايجوز له التناول من المحرم إلا قدر مايسد الرمق , ولايعفى من النجاسة إلا القدر الذي لايمكن التحرر عنه . وتطبيقاً لهذه القاعدة قال الفقهاء : إن المدين المحجوز عليه لإفلاسه يبدأ في بيع أمواله لسداد الديون التي عليه ببيع الأموال المنقولة وما يخشى عليه التلف قبل غيره فإن أوفى ذلك القدر بالديون التي عليه فلا تباع عقاراته لأن الضرورة تقدر بقدرها. 7- الحرج مرفوع شرع من فروع هذه القاعدة قبول شهادة النساء وحدهن فيما لايطلع عليه الرجال من عيوب النساء وشئونهن ذات الطبيعة الخاصة , والاكتفاء بغلبة الظن دون التزام الجزم في استقبال القبلة , وطهارة المكان والماء , وفي القضاء والشهادة , إذ الجزم في ذلك كله عسير , ويترتب على التزامه حرج , والحرج في الدين مرفوع. 8- المشقة تجلب التيسير : هذه القاعدة أيضاً من القواعد التي ترجع الى رعاية المقاصد , وأدلتها هي أدلة المقاصد في تحقيق اليسر ودفع العسر , وفي بسط التوسعة وتلافي المشقة . ومن فروعها جميع الرخص في أبواب الشرع المختلفة التي شرعت ترفيهاً وتخفيفاً على المكلفين لسبب من الأسباب التي تيتوجب ذلك التخفيف كالسفر , والمرض , والإكراه , والجهل , وعموم البلوى , والنقص .وفي معنى هذه القاعدة : (( إذا ضاق الأمر اتسع )). 9- الحاجة تنزل منزلة الضرورة في إباحة المحظورات : معنى هذه القاعدة أن الحاجة وهي مرحلة دون الضرورة كما سلف توضيحه , تأخذ الضرورة في الترخيص وإباحة المحظور الذي هوفي درجتها أو دونها لا ما هو أعلى منها , ذلك أن ما هو أعلى منها في مرتبة الضروري ولايجوز الأخذ بالحاجي إذا ترتب على الأخذ به إبطال الضروري . ومن فروع القاعدة الترخيص في السلم , والاستصناع , والإجارة الى غير ذلك مما عرضت له في المصالح الحاجية . وإذا كانت (( الحاجة )) تنزل منزلة الضرورة في إباحة المحظور (( فإنها أيضاً تقدر بقدرها في ذلك كالضرورة ولايجوز التوسع في الترخيص بناء عليها بأكثر مما دعت إليه , كما أن تلك الحاجة ينبغي أن تكون متعينة – أي أن تنسد جميع الطرق المشروعة للوصول الى الغرض سواها . هذا والقواعد السابقة المبنية على المقاصد يمكن تقسيمها الى نوعين : قواعد فقهية جمعت الفروع الفقهية المبنية على المقاصد الضرورية وطريقة الموازنة بينها عند التعارض , وهي قواعد (( الضرر يزال )) و(( الضرر لايزال بالضرر )) (( يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام )) (( يزال الضرر الأشد بالضرر الأخف )) (( الضرورات تبيح المحظورات )) (( الضرورات تقدر بقدرها )) . وقواعد جمعت الفروع الفقهية المبنية على المقاصد الحاجية والموازنة بينها , وهي (( الحرج مرفوع شرعاً )) (( المشقة تجلب التيسير )) (( إذا ضاق الأمر اتسع )) (( الحاجة تنزل منزلة الضرورة )) . ومن القواعد الفقهية التي ترجع الى مقاصد الشريعة أيضاً قاعدة : 1- تصرف الإمام في شؤون الرعية منوط بالمصلحة : ومعنى هذه القاعدة أن تصرف الإمام في شؤون الرعية ينبغي أن يتوخى المصلحة باعتبار أنها مقصد الشارع في كل أحكامه . ومن فروعها ما ذهب اليه فقهاء الحنفية والشافعية أن الإمام لايصلح عفوه عن قاتل من لاولى له , وإنما له القصاص أو الدية لأن الحق للعامة والإمام نائب عنهم فيما هو أنظر لهم فيه , وليس من النظر إسقاط حقهم بالمجان . وقد ذكر المالكية أيضاً هذه القاعدة وقرروا في ظلها : (( أن كل من ولى الخلافة فما دونها الى الوصية لايحل له أن يتصرف إلا بجلب مصلحة أو درء مفسدة )) .{ ومن هذه الوجهة أيضاً سمى الفقهاء والأصوليون الأحكام المتعلقة بالمصالح العامة للمسلمين (( بحقوق الله )) إمعاناً في الحفاظ عليها – حين قسموا الحقوق الى حق الله , وأدخلوا فيه الأحكام المتعلقة بمصلحة المجتمع في عمومه كالعبادات , ووسائل النماء الاقتصادي كالضرائب , والحدود التي تفضى إقامتها الى صيانة المجتمع وانضباطه والحفاظ على مصالحه كحد الزنا , والسرقة , والحرابة , وبعض العقوبات كحرمان القاتل من الإرث والكفارات }. والى حق خاص للمكلف كحقه في تضمين من أتلف ماله المتقوم شرعاً , وحقه في احتباس الرهن الى حين استيفاء حقه – مثلاً- . والى حق تمازج فيه الأمران وحق الله هو الغالب فيه كحد القذف , وحق تمازج فيه الأمران وحق العبد هو الغالب فيه كالقصاص , ورتبوا على ذلك التقسيم أن حق الله : وهو ما يعود لمصلحة المجتمع لايجوز إسقاطه ولا التهاون في إقامته ويلحق به أيضاً ماغلب فيه حق الله )) .
المصدر :- فلسفة مقاصد التشريع في الفقه الاسلامي .

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم    || موسوعة الفقه والتشريع