مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

لمحات في الاستشراق السياسي
د.محسن جاسم الموسوي


واجهت مداخل الاستشراق السياسي في العصر الاستعماري الأول وقبيل العقدين الأولين في القرن العشرين سلسلة من الازمات والتحديات التي حتمت تغيراً في النظرة فما بدا ثابتاً او نازعاً للخضوع كان يرتد بصور متفاوتة , عسكرية وسياسية وفكرية, وأتت مراسلات وكلاء الامبراطوريات الغربية حافلة بمعلومات عن انتفاضات شعبية ووجوه قيادية متفاوتة الانحدارات ومثقفين يؤدون ادوار التحريض والقيادة في مصر الشام والعراق وشبه الجزيرة العربية0 وكان لابد من أن تؤدي حركة الثورة العربية في بواكيرها القومية العامة الى تغير في نظرة الاستشراق السياسي, التي كانت مبنية على مبدأ ثبات المجتمع العربي الاسلامي لينطوي التغير على اعتراف اضطراري جزئي بضرورة الاستجابة للوقائع الجديدة لا على أساس كونها متغيرات من صلب المجتمع العربي الاسلامي, بل وعلى أساس أنها غربية فهي علامات نهضة أيقضها الغرب: فالذات العربية في التحليل الاستشراقي السياسي ما زالت ثابتة, كذلك أمر الشخصية العربية والعقل العربي0 وهكذا بدت حملة نابليون مسؤولة عن هذا التغيير, اي عن الحس بالحرية, وبدا الجهد الانكليزي قابعاً في جذور اليقظة القومية العربية, أي ان الاستشراق السياسي انكر على العرب ضمناً النزعة القومية, كما أنكر عليهم أيضاً القدرة على الانعتاق والانبعاث والتجدد بمعانيها الوجدانية والفكرية والسياسية000الخ0
واذ طرح الاستشراق السياسي الفكرة القومية على انها متغير غربي أوقدها الفكر الغربي عند المجتمع العربي الاسلامي, كان لابد من أن يستند مثل هذا الطرح الى بعض الاقيسة, التي كانت لسوء حظ منظرية ظاهرية , ابرزها:
1- ما اسماه كب بالنزوع الاستدلالي للذهن العربي0 الذي يعني ان هذا الذهن يفيد من غيره آلياً , معتمداً المعلوم ومستدلاً بالمتضمن في داخله, وفي ضوء ذلك يبدو الاصرار على الافادة من التكنولوجيا والعلوم مجرد قصة قديمة لا تدل على توقد ذهني او نبوغ, وهو ما ينسجم مع ما اكده رينان اصلاًَ في توزيعه للمجتمعات وقدراتها0 كما انه ينعكس راياً ونهجاً على ما يكتبه اخرون, من امثال برغر الذي رأى ان " الاهتمام العربي بالعلوم اليوم آلي لتطوير الاقتصاد القومي والقوة العسكريةط بما يتضمن انه يخلو من الابداع ويعجز عن النمو خارج ميدان الأخذ والاعادة والتجريب0
2- ماا اعتبره منهجية محددة, سرعان ماتتحول الى مقلدة هي الأخرى بعد انقضاء فورة حماس التأثر , وهو رأي تناقله بعض المفكرين العرب باستساغه بالغة كما هو أمر طه حسين مثلاً في مستقبل الثقافة في مصر (1938)
وعلى الرغم من أن السياقين المعتمدين في التنظير الاستشراقي في مرحلته الثانية ولغاية ظهور العناية المتزايدة بالدراسات الحلقية او الميدانية الشرق -أوسطية لم يكونامجهولين أمام المفكرين العرب الذين بحثوا في حدود المعرفة الاستشراقية إلا انهما يحيطان في داخلهما بعشرات الافكار والملاحظات والاتجاهات التي اخذت بالتنامي طيلة العقود الستة الاولى من هذا القرن معززة بمصادر عربية باهتة وضعيفة ومخجلة, بعضها بهيئة دراسات ساذجة زكتابات صحفية وتصريحات صادرة عن مسؤولين عرب وهي تخلص جميعا الى تكوين رؤية سياسية للمنطقة العربية , خلاصتها ثانية:
- غرابة الفكرة القومية على الوجود العربي على اساس ان النظام السياسي , كما يراه كب ومكدونالد واخرون مولود في الشريعة قائم معها مستمر بوجودها في تكوين ديني0
- غرابة الوحدة, فالفرق في منظور برنارد لوس هي الحالة, والتوحيد او حتى التحاور هو الطارئ , ولهذا فان دراسة الفرق والحركات شغلت حيزاً في الفكر الاستشراقي السياسي, بحيث كونت لذاتها أسسها واقيستها ومبادئها, والتي تقول:
- ان العربي يمتلك نزعة للتناحر والاحتراب وهو ما يأخذ به لاحقون من أمثال بتاي مثلا0
- انه فرداني واناني
- انه رهين آنيته, اذ كما يقول بيرك عن ابعاده الحياتية , الحنين والرجاء والاحساس بقصر العمر , هذه هي الابعاد الثلاثة التي تحد الحياة العربية0
- انه ينمو او يتنفس في غير محيطه , اي ان نبوغ بعض افراده يتم في المجتمعات الآرية فقط ولايقصد بهذا الاستنتاج الرد على رافعي شعارات اليقظة القومية حسب والذين يرون ان الاحتكاك بالغرب ألهب الحماسة القومية او اثارهامن وهدتها دون أن يكون منتجاً لها, بل يراد به, ايضاً تقليل شأن المثقفين العرب الذين نبغوا في المؤسسات الاكاديمية الغربية, عدا انه يخلط بين نتئج الأنظمة الشمولية وانعكاساتها على هدر الفكر وتدميره وخنقه وبين واقع الذهن وتعددياته ومبتكراته0
لكن هذه المبادئ والمنطلقات على قلتها تعد أسساً متكررة بصور مختلفة قابعة خلف حيثيات الاحكام العديدة في كتابات أساتذة مبرزين في الاستشراق السياسي, والفكر التاريخي اللاهوتي, من امثال غرونباوم وكب وبرنارد لوس, وعلى الرغم من ان برنارد لوس وكب ينحيان بعيداً عن تقاسيم رينان الارية- السامية والتي استند اليها بكر ثم غرونباوم والمتكررة عند عديدين من اللاحقين من امثال ديفيد كوردن وغيره الا ان الاستناد المطلق الى النظم السياسية في الشريعة واعتماد الفرق في تكوين رؤية معاصرة للمجتمع العربي والتجاوز المتعمد للعوامل الاساس الموحدة للوجود العربي , شكلت ثغرات واضحة في الفكر الاستشراقي السياسي كماانها قادت اصحاب القرار الى تخبط مؤلم وتدمير شامل انعكست اثاره على ماتعرضت له المنطقة من ويلات ألحقت بالغلاقة بين العرب والغرب أذىً متزايداً عززته وزادته دائماً الدكتاتوريات والأنظمة الشمولية السادرة في امتيازات المال والجاه ومحاربة العلماء والمفكرين0
وسواء كان عهد الاستشراق السياسي قد انتهى عندماحصل الانعطاف المعروف في الدراسات الميدانية او لم ينته, فإن واقع الحال قد عكس أيضاً استمرار الروح الاستشراقية في التكوينات الحقلية الجديدة اذ لم تكن الأخيرة غير اعتراف متزايد بأهمية دراسة المنطقة في ضوء تزايد المصالح الامريكية فيها على سبيل المثال, وكان لابد من أن تتمخض هذه المتغيرات عن وسائل وأساليب جديدة تختلف وجهةً ونيةً عن تلك التي ميزت النزعات البريطانية والفرنسية والهولندية وغيرها0
ولهذا لم يكن تولي كب ادارة معهد دراسات الشرق الاوسط في هارفرد في الخمسينات غير تعمي لهذا النهج الذي يستدعي الدراسة المتخصصة المتنوعة , انسجاماً مع عوات كثيرة متكررة لبلوغ دراسات غنية بالاستقصاء الدقيق حول منطقة الشرق الاوسط كما سميت في ادبيات المعاهد الجديدة التي انتشرت فجأة في الحياة الاكاديمية الامريكية0
ومهما تكن النتائج التي اسفرت عنها هذه المعاهد إلا ان واقع الحال يشير الى رضوخ عدد من الدارسين الى بعض نظرات الاستشراق السياسي الدارجة, على الرغم من ان بعض هؤلاء الدارسين والمؤرخين يمتلكون نوايا طيبة اصلاً, وحرص بعضهم على ان يخوض معركة معلنة ضد التصورات المغلوطة في الصحافة والاعلام اليوميين0 وعندما نتأمل على سبيل المثال بعض الكتب التي لا تمتد صراحة في الفكر الاستشراقي السياسي نرى انها تستعيد بعض منطلقاته وبديهياته, التي تعكس في لمحات منها بعض الوقائع الظاهرية, لكنها تحيد في أغلبهاعن جوهر الحياة العربية, جراء خلطهافي المناهج وعودتها الى البديهيات تارة والاستشراق السياسي طوراً اخر, والاختلاط الظاهري مرة ثالثة0 وكتب على هذه الشاكلة قد تنفع في تقديم التصور عما يمكن ان تؤول اليه الدراسة الاستشراقية السياسية عند ساسة وصحافيين وباحثين :
- العالم العربي -لبيرغر, 1962
- العرب - لانتوني نتنغ, 1964
- العقل العربي - لرفائيل بتاي, 1973
- العرب - توماس كيرنان, 1975
ويصعب اتهام نوايا هؤلاء جميعاً مثلاً, عندما نعرف ان نتنغ استقال عند العدوان الثلاثي على مصر , واضطر بيرغر الى تخطئة عرب بالغوا في نقد المجتمع العربي0 بينما انتقد بتاي العرب الذين بالغوا في تقريع الذات العربية0 لكن لكل من هؤلاء نهجه واجاهاته ورأيه, ورؤيته ومصلحته أيضاً, التي تتطابق اجمالا مع نهج اوسع في حياة مجتمعه, مما يجعل تناوله مغايراً ايضاً للتناول العربي, مختلفاً معه, او متعارضاً كلياً مع بعض اتجاهاته0 أي ونحن ازاء دراسة انعكاسات الفكر الاستشراقي السياسي في تكوينات مبادئ الدراسة السياسية اللاحقة عن الشرق الاوسط, أو عن المنطقة العربية, لا نبتغي الشجب والادانة, فقد كفانا الواقع مشقة ذلك, بل نبتغي بلوغ جوهر اراء الاخرين ومناقشاتها واستطلاعاتهاوتبين احتمال صحتها, ومن ثم تفحص اثارها الفعلية او المحتملة, في الاداء السياسي ازاء هذه المنطقة أو في افكار ازاءها عند الغربيين والعرب على حد سواء0
وتكاد اغلب هذه الكتابات التي تقرن بالمرحلة اللاحقة للاستشراق السياسي في دورته الثانية والأخيرة أن تتفق على ما يلي:
1- ان الذهن العربي يختلف عن الاوروبي , ويجري التأكيد على مفردة الاوروبي بديلاً للتعبير الاسبق أي الآري, الذي ساد في المرحلة الاولى للاستشراق السياسي, ولم يجر الابدال في ضوء التحولات الجغرافية او ظهور الاوربانية, كتلة سياسية قبيل الحرب الثانية حسب, ذلك لأن التحول المذكور ديني-سياسي له علاقته بدخول اليهودي في تكوين (لبمجتمع الملحق ) الذي تحتاج اليه أوربا اثر خسرانها لمصر او عدم تمكنها من احتوائها في الصورة ذاتها0
ويستمر طرح التغاير على اساس ان الذهن العربي وريث مصادر واحدة, قد تكون نفسها التي ورثها الغرب عن العرب0 لكن هذا الارث المنبعث من مصادر واحدة, كما يقول نتنغ لاحقا, صاغه الغرب من خلال العقل, بينما صاغه العرب من خلال العواطف0
والتأويل المذكور يستند الى الابدال السالف, الاوروبي بديلاً للآري, فالمصادر الاساس التي تمت الاشارة اليها في مرحلة الاستشراق السياسي الثانية تتضمن أرثاً سامياً , ليس الموروث العبري بعيداً عنه, ولهذا لا يمكن اغفال هذا الجانب في ظل تزايد النفوذ اليهودي في الثقافة والسياسة الاوروبيتين, بعدما اصبحت تهمة معاداة السامية واضحة المعالم في الادبيات المتنفذة طيلة تلك المرحلة التي اشتدت عند احتدام الصراعات العرقية داخل اوربا نفسها0
وعندام جرى التأكيد في الابدال السالف على تناقضية العقل والعاطفة كان الغرب يهجر سحر الانفعال والشعور الرومانسيين, ويستند تدريجياً الى مكونات ثقافية-سياسية جديدة أسهم في صياغتها " المثقفون" الصهاينة بحيث تمكنوا من التأثير الفعلي في الاذهان الاخرى0
ولهذا غالباً ما تم التطرق الى العواطف الموروثة في تكوين الشخصية العربية والزعامة, وهو ما نقرأه عند نتنغ اثناء تحليله لشخصية عبد الناصر, واكده بتاي والصحفي كيرنان ناهيك عن دارسين مبرزين امثال بيرك0
أما الاستناتاج الذي يقود اليه مثل هذا التحليل, فهو ان الذهن المنفعل يصعب الوثوق به او الاطمئنان اليه , بينما يسهل تفجيره سياسياً او جغرافياً من قبل صانع القرار السياسي المضاد0
2- ان العربي يميل الى الشورى لكنه يميل ايضاً الى الوساطة , كما انه مجبول على النزاع والاقتتال مع اخوته0
وأكد تلامذةالاستشراق السياسي هذه المقولة معتمدين على مصادر متباينة, جرى توظيفها توظيفاً خاصاً لاغراض ليست مجهولة, لاسيما داخل الوسط الصهيوني الذي يهمه اشاعة فكرة التناحر العربي ليبدو اكثر تحضراً وفاعلية وقدرة على احلال السلام, وهو ما طرحه الساسة الصهاينة مراراً في كتاباتهم0
لكن نتنغ وكذلك بتاي بين آخرين من الكتاب ادانوا المناهج المدرسية العربية التي تزرع بذرة التناحر والتنازع القبلي في أذهان الطلبة وتشيع عندهم حس الاحتراب والتفاخر على حساب بعضهم البعض0
3- ويرى تلامذة الاستشراق السياسي ايضاً ان المباهاة والتفاخر والاعتداد بالكبرياء ملامح قائمة في الشخصية العربية, وتقود الى التكتم والتستر, وخشية الفضيحة واعتماد المبالغة: ومعروف ان هذه الظاهرة الجزئية او الظاهرية او المعنية بجانب سلوكي محدد بظرفه ونوعه تستثمر لأغراض تقليل شأن النزعة القومية اولاً بدعوى انها لا تعدو كونها نزوعاً للتفاخر والمباهاة, ومن ثم توظيف هذا المدخل في خدمة الدعاية السياسية المضادة التي تدعي وجود التمييز ضد الاقوام والفئات الاخرى لاسيمااليهود داخل المجتمع العربي0
4- ويرى تلامذة الاستشراق السياسي ان المجتمع العربي لا يمكن او يواجه روح العصر او يحتويها, فهو مكبل بتقليدية خاصة يه, ولهذا يرى عظمته في بواكيره, ولا يبحث بعد ذلك عن عظمة اخرى , كما يقول بتاي: اي ان المجتمع العربي ثابت لا يتغير , وما يبدو فيه من تغيرات ما هي الا مظاهر قالبة للزوال كالقشرة الخارجية0
5- ان العربي في رأي تلامذة الاستشراق السياسي وأساتذته ايضاً من أمثال بيرك, متقلب كالصحراء , يصعب ان تقيم العواطف والافكار والتناقضات في داخله طويلاً , ولهذا فهو يتعامل مع الاخرين بقسوة , دون احساس بالذنب, ويبقى الواقع بالنسبة له " داخلي خاص به " على خلاف الاوروبي الذي يبصر الواقع على انه ما يقع خارجه:
والتمييز المذكور ليس اعتيادياً فالمنظور الظرفي او الجغرافي يلغي ذلك التعقيد الذهني او التركيب العقلي الذي يعد من منظور تلامذة رينان خاصاً بالجنس الآري دون غيره, واذ يختفي التعقيد تصبح القسوة سلوكاً تياراً داخلياً عارماً تعوزه المبالاة او التاملات , بحيث تختفي عقدة الذنب0 وتتكرر هذه المقولة بأشكال متفاوتة عند تحليل السلوك الشخصي العربي مرة او تحليل أدابه, ويجري بموجبها تفسير بعض الظواهر الادبية كاختفاء المسرح بشكله الأوروبي في الموروث العربي وانعدام الرواية 000الخ0
وواضح ان هذه الاطلاق يسقط النظرة المركزية الاوروبية على الامور كافة, فما ينتج اوروبيا يبقى مقياساً نادراً بينما تضيع ابتكارات المجتمعات الاخرى او تقاليدها جراء جهل الاوروبي بهااو تعاليه عليها0
6- يتوزع التاريخ العربي في منظور الاستشراق السياسي الى فترات كسل طويلة واخرى قصيرة متوترة منفعلة, أما انسان هذه الفترة فهو غير موضوعي او واقعي , تأثري, يديم العلاقة المرتبية , ذاتي وفرداني, شاك خائف من العار, يعوزه الحس بالزمن:
ومثل هذا التخريج يطرح استناتاجه كما يلي, حيث ان الاحتواء عسير وصعب جراء الكبرياء والمباهاة القائمة في الشخصية حسب تقديره, فإت ادامة الصراع يتيح الهيمنة0 ولهذا كان الخزين الاستشراقي السياسي يزج صانعي القرار الغربيين في سلسلة من الانفجارات والمشاحنات وتغذيتها0
ومثل هذه الافكار تتسلل بشكل او بآخر في كتابات عربية, واخرى اوروبية او غربية منصفة, شأن كتابات نتنغ, الذي كان ميالاً رغم ذلك الى افادة العرب برأيه, مقترحاً اعادة النظر في المناهج المدرسية التي ينمو فيهاطالب المدرسة ( على غذاء أدبي يحتوي بذور الفوضى وليس التحليل ) كما يقول كماانه بين قلة من الغربيين الذين رأوا الوحدة العربية مصدراً حقيقياً للقوة0 لكن نتنغ شخصية سياسية, تمكنت من تحليل الافكار واعتماد بعضها في المناقشة, بينما كان غيره ينساق وراء بعض تلك التصميمات التي تطرع العربي على انه كائن فريد غريب أزلي لا يتغير 0 صحيح ان بعض الدارسين الغربيين ينحون باللائمة على الموقف الغربي العام ازاء العروبة والاسلام, ألا ان كتاباتهم لم تتمكن من تحقيق سطوتها داخل الذهن الغربي لولا بعض الأحداث الأخيرة التي وجهت الانتباه ثانية الى مخاطر التعميم الدارج والتأويل النمطي0 وبينما كان بعض المفكرين والدراسين العرب بعد النكسة ينتقدون الذات بشدة معزولة عن اسياق الاجتماعي او الحركية الاجتماعية والتغير , كانت المركزية الاوربية في المقايسة والمناقشة والتحليل تحيل على ذاتهاولذاتها ايضاً , بحيث بدا المجتمع العربي الاسلامي في اقيستها ثابتاً غير قابل للنمو اوالتغيير, محكوماً بمواصفات ازلية هي الأخرى, تتيح لصانعي القرار التحكم بها, حتى أودت مثل هذه التصورات بالسياسة الاوربية في أكثر من هالوية وأسقطتها في أكثر من متاهة , لتستخلفها بعد ذلك المواقف الامريكية المتعالمة التي تخلط النزعات الاجتماعية العربية بالتكوين الشخصي , والظواهر بالبواطن, والمديني بالريفي, لدرجة ان الرؤية المنفصمة التي تحدث عنها ادموند غريب اصبحت ميزة عجيبة ليس لجمهرة الناس الاعتياديين حسب, بل للمتعلمين أنفسهم الذين يعجزون عن تقديم اسباب معقولة لطبيعة تصوراتهم عن المجتمعات العربية والشخصية اوالشخصيات العربية , فهؤلاء شأن غيرهم وجدوا انفسهم ضحايا التعمية الدعائية التي تستعين بالموروث الاستشراقي السياسي المبسط والذي تكاثر من خلال الاشاعة والتعميم على حساب النتاجات المدرسية الغنية المرموقة لأولئك الدارسين المنصفين من المستشرقين الذين يحق للثقافة في العالم ان تفخر بجهودهم معزولة عن ذلك الركام النفعي الاعتيادي الذي يشبه المنتوج الصحفي اليومي في سياقاته النفعية والآنية والمرحلية0
--------------------------
المصدر: الاستشراق في الفكر العربي
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة