مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 شرفات غربية
حول حقيقة التأثّر الإسلامي بالديانات السالفة
فؤاد كاظم المقدادي


زخرت النتاجات الاستشراقية بمثالب وإنتقاصات حاول المستشرقون وصمها بالديانة الاسلامية مُعتقداً وعبادات ومكوّنات. ومن هذه المثالب التي كثيراً ما سلطوا عليها الأضواء وأشبعوها دراسة وترويجاً، قولهم أن عناصر كثيرة في الدين الاسلامي مجتزءة من الواقع الديني والاجتماعي الذي عاشه النبي محمد (ص) فأخذ عن الكثير وأعاد صياغة ما أخذ، ليجعله من مكوّنات دينه الجديد. وكل هذه المحاولات "الإرجاعية" تُراد في الواقع للحطّ من شأن الدين الخاتم وبث الريبة في سماويته والإلماع إلى أنه لم يأت بجديد يُحتجُّ به على الإتصال بالغيب، وإنما هو يتألف من أمور وعبادات وأفكار كانت موجودة فعلاً في صدر الرسالة.
تفشت مثل هذه الإثارات بغزارة في الكتابات الاستشراقية، ومنها الموسوعة المميزة المسماة "دائرة المعارف الاسلامية" التي شارك في إعداد بحوثها نخبة من كبار المستشرقين. وفيما يلي عرض ونقد مقتضب لنماذج من "الإرجاعات" الواردة في هذه الموسوعة.
تحت مادة "السامرة" يقول كاستر: "... على انني لا اتردد في القول بأن مقارنة أصول العقيدة السامرية بأصول العقيدة الاسلامية سيبين أن السامرة قد أثّروا أثراً عميقاً في تكييف الدين الذي جاء به محمد وإظهاره في الصورة التي تجلّى بها. وكان السامرة أبعد من أن يتأثّروا بمحمد، ولكن السامرة أنفسهم هم الذين أثروا فيه".
وتحت مادة "السامرة" أيضاً يقول: "... زد على ذلك أن اول عبارة في القرآن هي باسم الله، ولهذه العبارة شأن خاص، فقد جرى المسلمون على استعمالها في كل أمر من أمور دينهم، والحق ان كل شعيرة من شعائر الاسلام تبدأ بها، وليست هذه العبارة ابتهالاً مباشراً إلى الله، ولكنها دعوة باسمه القوي القدير، وهي جزء من الصوفيّة اليهودية والسامرية، وهي أيضاً الأصل في معظم التكهنات السحرية عند القدماء. وما كانت هذه المعرفة لتتيسّر للنبي إلاّ عن طريق اليهود أو النصارى عامة، والسامرة خاصة، ثم استعملت هذه العبارة على النحو الذي عرفنا، وافتتح بها أول آية من آيات القرآن... على انها تصبح مفهومة إذا ما قارناها بالدعاء السامري الذي يناظرها: "بسم الله نبدأ ونختم" أو في رواية أخرى: "باسم الله نبدأ أو نُقبل" وهذه الصيغة هي التي يستعملها السامرة دائماً، وهي ترد في مستهل الـ "كينوش" الذي يجمع بين دفتيه أقدم الصلوات والتراتيل، وفي مستهل الحجاب القديم لليهود، كما ترد في بداية كل شيء. واختصرت هذه العبارة بتمامها بمرور الزمن من كثرة الاستعمال، وبلغت محمداً بهذه الصيغة التي حُذِفَ منها جزؤها الثاني لأنه اصبح معروفاً ومفهوماً حق الفهم، ولكنها كانت في الحق بداية صيغة ليس لها معنى إذا لم تتم، ومع ذلك فإنها تعتمد على نظرية كانت جديدة على العالم الاسلامي، ونعني بها الطبيعة الصوفية لاسم الله".
وتحت نفس المادة يقول كاستر: "... قال ابو الفتح: ان ثلاثة حكماء من اهل التنجيم تنبأوا بظهور محمد ونجاح رسالته، وكان أحدهم يهودياً، والثاني مسيحياً، والثالث سامرياً. وقد ذهبوا جميعاً إلى محمد لينبئوه بما سيكون له من شأنٍ عظيم، وتأثر النبي بمقالهم وقبل نبوءاتهم شاكراً، واستطاع ان يهدي اليهود والنصارى إلى دينه. أمّا اليهودي فكان "كعب الاحبار" المشهور، واما النصراني فكان "آب سَمْلِيهْ"، على ان السامري أبى ان يدخل في الدين الجديد، وإن كان قد استطاع أن يؤثر في النبي اكثر من صاحبيه... وهؤلاء الحكماء الثلاثة يمثلون خير تمثيل الاديان الثلاثة التي كان لها شأن في تكييف الاسلام".
ويستمر كاستر في ادّعاءاته فيقول: "إنا لنتساءل إلى أي حد أثر السامرة في الاسلام؟ الواقع ان هذه الدعوى التي نطرحها الآن بالنسبة للسامرة دعوى جديدة وحسبنا ان نختار وجوهاً قليلة منها، وهي الوجوه التي تستطيع ان تجد الدليل على وجود اصل سامري لها...".
ويستطرد كاستر في اختيار الوجوه تلك، فمنها قوله: "... وإني لأبدأ بالشهادة المعروفة في الاسلام: "لا اله إلاّ الله"، وهذه الشهادة تنطبق بقدر ما تحتمل العقائد الدينية على العبارة التي كان يرددها مراراً وتكراراً "مَرْقح" ومعاصروه "عَمْرام درا" و "نانا": "ليت إله إلا إماد"... ومعناها ليس إله الا أحد، وكانت وحدانية الله في نظر السامرين كما كانت في نظر اليهودي وفي نظر محمد أيضاً ركن دينه الركين".
وفي مادة "تميم الداري" يقول المستشرق الايطالي ليفي دلافيدا: "...وكان تميم نصرانياً كغالب عرب الشام فاستطاع ان يخبر النبي بتفاصيل العبادات التي استعارها من النصارى... ويقال إنَّ تميماً كان أوّل من روى القصص الديني... وقد أخبر بها تميم النبي فأخذ بروايته وأذاعها في الناس".
ومما يرد على قول "كاستر" تحت مادة "السامرة" أن اليهودي "كعب الأحبار" المشهور لم ير النبي (ص) قط ولم يأت المدينة إلاّ بعد وفاته (ص)، وأنه أسلم وقدم الى المدينة في عهد أبي بكر أو عمر، كما هو ثابت في تاريخنا الاسلامي. وأمّا النصراني الذي يسمّيه "آب سمليه" فلا نعرف من هو، ولم تذكر لنا كتب التاريخ شخصاً بهذا الاسلام، على أن الثالث وهو السامري مُنكرٌ تماماً، إذ لم يذكر لنا اسمه ولا علامة عليه، رغم ادعائه أنه استطاع أن يؤثّر في النبي أكثر من صاحبيه.
أما قول "ليفي دلافيدا" تحت مادة "تميم الداري" فيُشكل عليه أن تميماً الداري هذا لم ينقل لنا التاريخ أنه التقى برسول الله(ص) قبل بعثته وبعدها حتى اسلامه، ولهذا تجد عبارة "ليفي دلافيدا" مجملة بأن تميماً كان نصرانياً كغالب عرب الشام، ثم يفرّع عليه إخباره للرسول(ص). ثم إنه كان قد أسلم في السنة التاسعة بعد الهجرة، أي بعد أن نزلت أغلب آيات القرآن الكريم، وعلّم النبي(ص) المسلمين أغلب أحكام الشريعة الاسلامية، سواء في العبادات أو المعاملات، بحيث استوسقت معالم الدين وبانت ملامحه التفصيلية، خصوصاً في الجانب العبادي منه الذي كان بيان رسول الله(ص) لأغلب مفرداته أسبق من بيانه لمفردات جانب المعاملات، فما الذي بقي منها ليقوم تميم الداري بإخبار النبي(ص) به لتتم الاستعارة المدعاة لتفاصيل العبادات من النصارى؟ على أننا لا نعدم وجود نوع من التشابه في بعضها من التي لم تُحرّف من الديانات السماوية السالفة، ولم يطلها النسخ وما هذا إلاّ شاهد على السراج الواحد الذي صدر عنه أنوار الديانات.
----------------------
المصدر : "الاسلام وشبهات المستشرقين"
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة