مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 المسلمون في الغرب
حقوق وحريات مسلمي وعرب أميركا بعد الانفجارات


علاء بيومي ,مدير الشؤون العربية بمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية
الخوف من أن تتعرض حقوق وحريات مسلمي وعرب أميركا لانتهاكات متزايدة مستقبلا نتيجة لحملة الإدارة الأميركية على الإرهاب داخل الولايات المتحدة يعد أمرا شاغلا ليس فقط للمنظمات السياسية والقانونية المسلمة الأميركية وإنما أيضا للعديد من منظمات الحقوق والحريات المدنية في الولايات المتحدة وعلى رأسها منظمة اتحاد الحريات المدنية الأميركية )ACLU(التي أسرعت إلى عقد مؤتمر يوم الجمعة 14 سبتمبر/أيلول دعت إليه 80 من أكبر جمعيات الحقوق المدنية القانونية الأميركية سعيا لتكوين تحالف يجمع تلك الجمعيات ويقف ضد أي محاولة للحد من حريات المواطنين الأميركيين بمختلف خلفياتهم العرقية خلال الأزمة التي يعيشها المجتمع الأميركي في الوقت الراهن. وبصفة عامة يمكن القول إن هناك ثلاثة مخاطر رئيسية يُخشى من تعرض حقوق وحريات مسلمي أميركا لها هي:
- اتساع دائرة العنف الشعبي الموجه لمسلمي وعرب أميركا
- التسرع في إصدار قوانين مقيدة للحريات
- التمييز العرقي عند تطبيق القانون
اتساع دائرة العنف الشعبي الموجه لمسلمي وعرب أميركا
هناك خشية من اتساع دائرة العنف الشعبي الموجه لمسلمي وعرب أميركا انتقاما منهم بسبب الشكوك المثارة بشأن هوية مرتكبي الجرائم الإرهابية.
وقد رصد مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) وهو أحد أكبر منظمات الحقوق المدنية المسلمة في أميركا أكثر من 400 حالة من حالات الاعتداء على المسلمين والعرب في أميركا وقعت في الأسبوع التالي للحوادث الإرهابية، وهو ما يفوق تقريبا عدد حالات الاعتداء التي رصدها المجلس في العام الماضي بأكمله والتي بلغ عددها 366 حالة.
وقد تعود الزيادة في عدد حالات الاعتداء التي رصدها المجلس إلى زيادة يقظة المسلمين والعرب الأميركيين أثناء الأزمة الحالية في الإبلاغ عن حالات الاعتداء عليهم حتى لا تمر دون وقفة أمامها، ومحاولة منهم لتنبيه الرأي العام الأميركي لما يتعرض له المسلمون والعرب من تمييز داخل المجتمع الأميركي.
وقد تعود أيضا إلى نجاح المنظمات المسلمة والعربية الأميركية في تسليط قدر متزايد من الضوء -في المحافل الإعلامية والسياسية- على ما يتعرض له المسلمون من موجة عنف مضاد.
ولكنها دون شك تعبر عن حجم الضغوط الراهنة التي يتعرض لها المسلمون والعرب في أميركا، فمن المؤكد أن عدد حالات الاعتداء التي رصدتها المنظمات المسلمة والعربية لا تعد إلا جزءا من مجموع ما يتعرض له المسلمون والعرب من اعتداءات في الفترة الحالية.
ومن الواضح أيضا أن نسبة العنف المتضمن في تلك الاعتداءات في تزايد ملحوظ إذا قارناه بالاعتداءات التي اعتاد مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) رصدها، فعدد كبير من حالات التمييز ضد المسلمين التي رصدها المجلس في العام الماضي (37%) كانت حالات رفض فيها أميركيون غير مسلمين السماح لمرؤوسيهم من المسلمين سواء كانوا طلابا أو موظفين ممارسة حقوقهم الدينية مثل الذهاب إلى صلاة الجمعة أو الصلاة بالمدرسة أو بالشركة، كما أنها لم تتضمن ثلاث حوادث قتل و60 حالة من حالات الاعتداء على المساجد و40 حالة من حالات الاعتداء الجسدي على المسلمين والمسلمات في الطرقات كما هو الحال في الحالات التي يرصدها مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) حاليا.
وعلى الرغم من النداءات التي وجهها أكثر من مسؤول أميركي -بما في ذلك الرئيس الأميركي نفسه- للشعب الأميركي مطالبين إياه بالتفرقة بين مرتكبي الحوادث الإرهابية إذا كانوا مسلمين من ناحية وبين الإسلام بوصفه دينا يدعو إلى السلام والمسلمين الأميركيين الذين هم مواطنون أميركيون أبرياء من ناحية أخرى، إلا أنه لا يستطيع أحد التنبؤ بحدود أو نهاية دائرة العنف الجارية ضد المسلمين والعرب في أميركا خاصة وأن هناك حالة ترقب لما سوف تقوم به الولايات المتحدة من عمليات عسكرية خارج حدودها والتي قد توجه إلى دولة إسلامية أو أكثر وما قد ينتج عن تلك الحملات من تجديد لدائرة العنف الموجه للمسلمين والعرب في أميركا.
ومنذ 11 سبتمبر/أيلول صدق مجلس الشيوخ الأميركي على قرار يدين فيه حوادث الاعتداء على المسلمين ويثني على دورهم في المجتمع الأميركي، ثم تبعه في ذلك مجلس النواب، كما صرح العديد من المسؤولين بنفس الشيء مثل جون آشكروفت وزير العدل الأميركي والسيناتور إدوارد كيندي والنائب الديمقراطي ديفد بونير والنائب الديمقراطي جيم موران وذلك في محاولة منهم لتهدئة وإيقاف دائرة العنف الشعبي الموجه للمسلمين والمتأثرة ببعض التغطيات الإعلامية السلبية وغير المسؤولة لعلاقة المسلمين والإسلام بالحوادث الإرهابية الأخيرة.
ولعل حدة الغضب الشعبي غير المسبوق على مرتكبي حوادث 11 سبتمبر/أيلول والرغبة العارمة في الانتقام منهم هي أخطر المظاهر التي أنتجتها الأحداث الإرهابية، ذلك لأن الرأي العام الأميركي الغاضب أصبح قابلا لأي سياسات قد تشعره بالانتقام حتى لو انتقصت من حرياته، حيث يشير استفتاء لتوجهات الرأي العام أجرته جريدة واشنطن بوست بالتعاون مع وكالة "إي بي سي" أن 66% من الأميركيين أبدوا استعدادهم للتضحية ببعض حرياتهم المدنية من أجل محاربة الإرهاب، وترتفع هذه النسبة إلى 74% في استفتاء آخر أجرته جريدة نيويورك تايمز بالتعاون مع وكالة "سي بي إس".
TOP
TOP
التسرع في إصدار قوانين مقيدة للحريات
يشكل الرأي العام الأميركي الغاضب والراغب في الانتقام لضحاياه ولكرامته المجروحة أحد أهم قوى الضغط المؤثرة في صانع القرار الأميركي في الفترة الحالية، وتنعكس ضغوطه على سلوكيات ليس فقط الحكومة الأميركية وإنما على سلوكيات الكونغرس الأميركي وربما الأجهزة التشريعية أيضا.
وقد أعلن وزير العدل الأميركي جون آشكروفت عن إرساله - في يوم الأربعاء 19 سبتمبر/أيلول- مشروع قانون يسمى "قانون التعبئة ضد الإرهاب" إلى الكونغرس الأميركي يطالب فيه بمنح قوات التحقيق الفدرالية مزيدا من السلطات لتعقب المشتبه بهم، وطالب آشكروفت الكونغرس بعدم التباطؤ في تمرير تلك القوانين، وأعرب عن أمله بأن تمرر القوانين المقترحة في غضون أيام قليلة لا تتعدى الأسبوع.
ووفقا للمعلومات المتاحة عن مشروع قانون التعبئة ضد الإرهاب فإن ذلك المشروع يركز على منح المباحث الفدرالية مزيدا من السلطات والموارد للتوسع في النواحي التالية:
1. التوسع في تعريف السلوك الإرهابي ليشمل بعض السلوكيات مثل "إرسال أموال لمنظمات إرهابية"، والتوسع في تعريف الضالعين في أعمال الإرهاب ليشمل الأفراد الذين ساعدوا من ارتكبوا أو خططوا للقيام بعلميات إرهابية سواء كانت تلك المساعدة عن علم أو كانت على غير علم (في حالة كون المساعد قادرا على إدراك أنه يساعد إرهابيين).
2. التوسع في التنصت الهاتفي والإلكتروني على المشتبه بضلوعهم في عمليات إرهابية.
3. مراقبة التجمعات الجماهيرية اليومية وتسجيل صور المشاركين فيها وخصائصهم في قواعد معلوماتية ضخمة ومقارنتها بصور المشتبه بهم.
4. الحفاظ على سرية الأدلة التي يتم على أساسها القبض على المشتبه بهم والتحقيق معهم وخاصة في قضايا الهجرة.
5. التعقب والقبض والترحيل للمهاجرين المقيمين بصفة غير قانونية بالولايات المتحدة دون أدلة معلنة ودون المرور بالمسار القضائي العادي لأن هؤلاء المهاجرين -في ظن وزارة العدل الأميركية- أكثر استعدادا للقيام بسلوكيات تضر بالأمن القومي الأميركي أو تسهيل مثل تلك السلوكيات.
وقد صرح السيناتور باتريك لاهي رئيس لجنة التشريع بمجلس الشيوخ الأميركي في أكثر من مناسبة أنه يعكف على إعداد مشروع مماثل لمكافحة الإرهاب بعنوان "قانون تقوية أميركا".
فقد تضمنت قوانين الإرهاب لعام 1996 بعض البنود التي سمحت للسلطات الفدرالية باحتجاز المشتبه بهم على أساس من دليل سري غير معلن لمدة مفتوحة، وقد طبق هذا القانون بشكل تمييزي ضد العرب والمسلمين المهاجرين بأميركا مما دفع المنظمات المسلمة والعربية الأميركية إلى بداية حملة طويلة على مدى السنوات الأربعة الماضية لإلغاء قانون الأدلة السرية، ومازالت الحملة مستمرة حتى يومنا هذا.
ويسعى اتحاد الحريات المدنية الامريكية الي بناء تحالف بين حوالي80 من اكبر منظمات الحقوق المدنية الامريكية . وقد عقد الاتحاد مؤتمرا صحفيا مشتركا مع مجلس العلاقات الاسلامية الامريكية يوم الخميس 20 سبتمبر لتجديد مطالبهم المشتركة "بالموازنة بين الامن القومي والحريات الامريكية الاساسية ".
التمييز العرقي عند تطبيق القانون
تخشى المنظمات المسلمة والعربية الأميركية من أن قانون الإرهاب لعام 1996 قد طبق بصفة تمييزية ضد العرب والمسلمين المقيمين في الولايات المتحدة، كما تخشى من أن تطبق أي قوانين مستقبلية بالأسلوب نفسه، والواضح أن مسألة التمييز عند تطبيق القانون هي أحد الانتقادات الأساسية الموجهة ضد المؤسسات الأمنية والقضائية الأميركية، فتاريخ تمييز تلك المؤسسات ضد الأفارقة الأميركيين مازال ماثلا في الأذهان بل إنه واقع فعلي
والواضح أيضا أن قوائم المنظمات التي تمثل تهديدا إرهابيا للأمن الداخلي بالولايات المتحدة تضمن جماعات من خلفيات عرقية ودينية مختلفة، فهناك الجماعات اليمينية المتطرفة مثل جماعة الأمة الإيرانية، والجماعات اليسارية المتطرفة مثل حزب عمال العالم، وبعض الجماعات المتطرفة التي تركز وجودها على قضية معينة مثل الجماعات المعادية للإجهاض والتي تشن هجمات إرهابية كل حين وآخر على بعض العيادات والمراكز الطبية التي تخالف اعتقاداتها.
ورغم ذلك يعتبر قلق المسلمين والعرب في أميركا من تزايد تمييز السلطات الأمنية ضدهم مبررا لعدة أسباب، منها الإعلام الأميركي المنساق خلف اللوبي المعادي للمسلمين في الولايات المتحدة والذي يضم جماعات عرقية ودينية متشددة عديدة وينسقه اللوبي الإسرائيلي، ومنها أيضا علاقة الحكومة الأميركية الخارجية السلبية بالعديد من الجماعات والمنظمات العربية والمسلمة الأمر الذي يخلق بؤر توتر مستمرة في نظرة الرأي العام الأميركي للإسلام والمسلمين، وهناك حقيقة ثالثة تتعلق بطبيعة المجتمع المسلم والعربي الأميركي الذي يضم بين جناحيه العديد من المهاجرين الجدد بالولايات المتحدة، والواضح أن السلطات الأمنية الأميركية أكثر استهانة بحقوق المهاجرين إليها خاصة وأن العديد من الأميركيين العاديين لا يبالون بتلك الحقوق.. كل هذه الأسباب تجعل تمييز السلطات الأمنية الأميركية ضد المسلمين والعرب عند تطبيق القانون حقيقة متوقعة ومؤسفة.
من ناحية اخرى كشفت الأزمة الأخيرة عن بعض الإيجابيات الراسخة في علاقة المسلمين والعرب الأميركيين بمجتمعهم الأميركي ظهرت في مظاهر عديدة مثل رسائل التأييد والتشجيع التي تلقتها المنظمات المسلمة والعربية من قبل السياسيين الأميركيين وباقات الزهور التي سارع المواطنون الأميركيون بوضعها أمام المساجد بمختلف أنحاء أميركا، وبعض التغطية الإعلامية الإيجابية لجهود المسلمين والعرب الأميركيين في مساعدة بلدهم أميركا على الخروج من أزمتها رغم ما يتعرضون له من موجة عداء مضاد مدانة، وأهم من ذلك نشاط المسلمين والعرب الأميركيين غير المسبوق بمختلف الولايات الأميركية في تقديم قضيتهم العادلة للإعلاميين والسياسيين الأميركيين أثناء الأزمة الراهنة والتفافهم حول منظماتهم المحلية والوطنية وإحساسهم المتزايد بضرورة تفعيل دورهم الإعلامي والسياسي في أميركا لاستئصال جذور العداء للإسلام والمسلمين من المجتمع الأميركي والقضاء على أي مخاوف مستقبلية من تعرض حقوق وحريات المسلمين والعرب في أميركا للخطر.
-----------------------------------------------------
المصدر : فضائية الجزيرة
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة