مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 شرفات غربية
الإسلام في مرآة الغرب نموذج برنارد لويس وماكسيم رودينسون
بقلم المستشرق السويسري إريك جيسلينج
تقديم المترجم : ثابت عيد


من أهم الكتب التي صدرت في حقل الدراسات الإسلامية في هذا القرن كتاب إدوارد سعيد " الاستشراق " ( 1978 ), وكتاب دانيل نورمان " الإسلام والغرب " ( 1960 ). ويستمد كتاب إدوارد سعيد أهميته ليس فقط من كون مؤلفه عالماً عربياً شجاعاً, ولكن أيضاً لأن إدوارد سعيد خاطب الغرب باللغة التي يفهمها. وتوضيحاً لذلك نذكر أن إدوارد سعيد لم يكن أول عالم عربي يعالج قضية تحيز المستشرقين وغطرستهم, فقد سبقه في ذلك علماء آخرون, منهم على سبيل المثال العالم المصري الأزهري محمد البهي, الذي عالج هذا الموضوع في كتابه " الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي " المنشور سنة 1957, ولكن كتاب البهي لم يزعج الغربيين, كما أزعجهم كتاب العلامة إدوارد سعيد. ولا يقلل هذا من قيمة كتاب الدكتور محمد البهي, لأنه كتب أصلاً للقارئ المسلم, وليس للقارئ الغربي.
أما كتاب نورمان دانيل " الإسلام والغرب " فيستمد أهميته من كونه أول كتاب يعرض بأسلوب موضوعي تاريخ المطاعن الغربية في الإسلام منذ العصور المبكرة وحتى عصرنا هذا. وعند الحديث عن إدوارد سعيد, فلا بد من ذكر الصهيوني برنارد لويس. فإدوارد سعيد كشف في كتابه السالف الذكر الأساليب الملتوية التي يتبعها بنو صهيون لإخفاء أغراضهم الحقيقية, وهذه الأساليب صارت بالنسبة للمتخصصين لعبة محفوظة: فعندما يتحدث عن الإسلام, يستخدمون العبارات البراقة التي تبدو من ظاهرها علمية رزينة, للوصول إلى نتيجة حتمية, وهي أن الإسلام دين متخلف وأن المسلمين يعادون اليهود والنصارى, وأن الإسلام ضد الديمقراطية, وضد الحداثة, وضد التقدم. إن الصهاينة يتشدقون بالألفاظ الضخمة, ويعطون انطباعاً للغربيين بأنهم خبراء في شئون الإسلام, والأصح أنهم خبراء في الطعن في الإسلام. يقول إدوارد سعيد في كتابه " الاستشراق ": " أن نبحث بلا جدوى. فهو يفضل أن يعمل ... بالإيحاء والإشارة الغامزة ".
وليس لدينا ما نقوله لبرنارد لويس ورفاقه المتطرفين اليهود سوى أنه لا يوجد شعب في العالم عامل اليهود بمثل سماحة العرب, وليتذكرٍ بنو صهيونٍ أن هتلر الذي كان يحرقهم في الأفران لم يكن عربيا, بل أوروبياً, أن الذين ذبحوهم في أسبانيا بعد طرد العرب منها, لم يكونوا عرباً, بل أوروبيين, وأن الذين قطعوا أوصالهم في فلسطين أثناء الحملات الصليبية لم يكونوا عرباً, بل كانوا أوروبيين نصارى.
أما العرب. فقد استعت ديارهم, وما زالت لليهود. ويكفي أن نذكر أن أحد وزراء المالية في مصر، قبل الثورة لم يكن يهودياً فقط بل كان صهيونياً، وكان يعيش بين المصريين، لا فرق بينه وبينهم. وموسى بن ميمون الطبيب والفيلسوف اليهودية الشهير صاحب كتاب "دلالة الحائرين" لم يجد وطناً يأويه _ عد أن اكتوى بنار الاضطهاد الديني في أسبانيا _ إلا مصر. ليس هذا فحسب، بل إن المصريين _ بسماحتهم المعروفة _ أعطوه فرصته كاملة، حتى صار الطبيب الشخصي لصلاح الدين الأيوبي. هذه هي سماحة الإسلام, وأخلاق المسلمين.
يستعرض الباحث السويسري إريك جيسلينج في مقاله التالي بعض أبعاد العلاقة بين أوروبا والإسلام، وذلك في ضوء كتابات هاتينجتون، وإدوارد سعيد، وبرنارد لويس، وماكسيم رودينسون، وجيل كيبل، والمقال مفيد من حيث أنه يتعرض لبعض أهم الكتب التي صدرت عن الإسلام في الغرب. ونحن نأمل أن يكون حافزاً لنا على متابعة ما يكتبه الغرب عنا:
1 _ هاتينجتون ونقد نظريته
منذ ظهور مقال صامويل هاتينجتون _ الأستاذ بجامعة هارفارد _ تحت عنوان "تصادم الحضارات" في صيف 1993، في مجلة الشئون الخارجية"، وهي مجلة ربع سنوية واسعة النفوذ، لم تنقطع المناقشات في الولايات المتحدة وأوروبا عن التوترات (الحقيقية والوهمية) بين الغرب والعالم العربي _ الإسلامي. وقد نتج عن مقال هاتينجتون حوار علمي شارك فيه عدد من كبار الباحثين، مثل فؤاد عجمي من جامعة هوبكينز (واشنطن _ دي سي)، أو جين كيرك باتريك. ولم يكن ذلك من قبيل المصادفة، ولا كان نتيجة لمجرد مجاراة التيار، لأن رأي هاتينجتون قد مس في الواقع الأصول الغربية لفهم الذات، في عالم يتغير بسرعة.
ويمكننا تلخيص رأيه باختصار كما يلي: بعد انتهاء الصراع بين الغرب سابقاً والشرق الأوروبي، وبعد نهاية الحرب الباردة، وانهيار أشكال الحكم الشيوعي، تلاشى خطر اندلاع حروب بسبب الأيديولوجيات المختلفة، وأصبح الخطر يكمن الآن في إمكانية وقوع صدامات مسلحة بين الحضارات. فالتصورات المتناقضة، والقيم المختلفة، وخاصة الغربية والإسلامية، قد صارت أكثر وضوحاً. ونتج عن هجرة جماعات بشرية من تركيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أوروبا حالة من التوتر، تنطوي على اندلاع صدام واسع بين الحضارتين الغربية، والعربية _ الإسلامية _ الشرق أوسطية.
وقد اعترض بشدة على وجهة نظر هاتينجتون بعض كبار العلماء، مثل البروفيسور فؤاد عجمي (لبناني الأصل، ويدرس في جامعات أمريكية منذ سنوات طويلة)، وكان هذا الاعتراض مبنيا بصورة رئيسية على الحجة التالية: لا يوجد بين الحضارات (أو الثقافات) حدود قاطعة تفصل بينها، ولكن كثيراً ما يكون هناك مناطق انتقالية. وأنا شخصياً أتفق مع هذه الحجة إلى حد
بعيد، ويمكننا أن نفهم مثل هذه المناطق الانتقالية على أنها جغرافية من ناحية، واجتماعية وثقافية من ناحية أخرى. فأسلوب حياة الطبقات المثقفة في تركيا مثلاً يكاد لا يختلف عن أسلوب حياة الطبقات المثقفة في غرب أوروبا، وخاصة في الدول الأوروبية الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، والطبقة العليا المثقفة في مصر أو لبنان تكاد لا تفكر، ولا تشعر، بطريقة مختلفة عن الطبقات العليا للمثقفين في فرنسا وبريطانيا. ويكتب مؤلفون ومؤلفات من شمال أفريقيا (مثل آسيا جبار الجزائرية، وطاهر ابن جللون المغربي) بمستوى ثقافي عقلاني وثيق الصلة بمستوى الأدب الغربي. والشيء نفسه ينطبق على سلوى بكر ونوال السعداوي من مصر.
ولكن إذا اعترفنا بقرابة طرق تفكير النخب في عالم الشرق الأوسط الإسلامي والعالم الغربي، فينبغي علينا من ناحية أخرى أن نقر أيضاً بأن تكثيف الاحتكاك في مجالات الحياة اليومية بين المسلمين والأوروبيين قد أدى إلى بلبلة وتوترات يومية. وقد يمكن اجتياز كافية بالثقافات الأخرى، أو _ كما يفعل كثير من الناس في غرب أوروبا للأسف _ من رأى وراء كل مسلم, ووراء كل عربي، متطرفاً مسلماً وإرهابياً محتملاً، فهو ببساطة غير مطلع. إن مثل هذا الحكم على الأحكام الخاطئة الشائعة لا يجدي نفعاً، لأن الأحكام الخاطئة قد أصبحت للأسف جزءاً من الشعور اليومي لدوائر واسعة في غرب أوروبا، وأخذا طريقها إلى عناوين صحف الإثارة، وتسربت إلى حجج اليمينيين وبراهينهم، ولكن أيضاً إلى سياسيين وسط في كثير من الدول الأوروبية.
والمناقشات المكثفة التي تدور اليوم في الغرب حول مسألة كيفية التقاء الأشخاص من العالم الإسلامي والعالم الغربي، ترجع أساساً إلى كتابين نشرا في بداية الثمانينات: الكتاب الأول هو كتاب ماكسيم رودينسون "جاذبية الإسلام", والثاني هو كتاب برنارد لويس "اكتشاف المسلمين أوروبا" (يعمل برنارد لويس كأستاذ في جامعة برينستون، ويدرس ماكسيم رودينسون في باريس، وهو أحد مشاهير الباحثين في فرنسا).
2 _ برناردلويس
كتاب برنارد لويس "اكتشاف المسلمين أوروبا" جدير بالاهتمام بصورة خاصة للسبب التالي: يحاول لويس في هذا الكتاب _ كعالم غربي _ أن يتفهم أسلوب تفكير الإنسان في العالم الإسلامي، وفي الوقت نفسه يحاول أن ينظر إلى تاريخ التقاء الثقافتين، وأيضاً صراعاتهما، بعيون أجنبية. بيد أن محاولته هذه لم تكلل بالنجاح من جميع النواحي. ففي بداية كتابهيشير برناردلويس إلى أن النظرة الإسلامية إلى العالم وشعوبه أساسها مختلف عن نظرة الغربيين للعالم: "فحتى القرن التاسع عشر لم يكن المؤرخون والجغرافيون المسلمون يعرفون شيئاً عن الأسماء التي أطلقها الأوروبيون على قارات العالم".
وعلينا أن نعقب على كلام برنارد لويس بملاحظة نقدية: فالأوروبيون _ عندما اكتشفوا أمريكا مثلاً، في نهاية القرن الخامس عشر وأثناء القرن السادس عشر _ لم يعرفوا شيئاً عن أسماء الدول والجزر التي فتحوها، بل إنهم لم يريدوا أن يعرفوا عن ذلك شيئاً. إن كريستوف كولومبوس قد تميزها _ سلبياً _ بصورة خاصة، عندما أطلق على جزر الكاريبي، التي وطئتها قدماه، بكل بساطة أسماء مسيحية _ أوروبية (مثل سانتو دومينجو، وسانتا لوتسيا). وفعل مغامرون أوروبيون آخرون الشيء نفسه، عندما وصفوا مثلاً فنزويلا في أمريكا الجنوبية على أنها مدينة البندقية الصغيرة. ولم يدرك الأوروبيون حجم ما فقد من علم من العوالم المكتشفة، إلا بعد ذلك بوقت طويل.
وأكثر من ذلك أننا إذا عدنا إلى التاريخ، فينبغي أن نذكر ملاحظة نقدية: فمنذ العصور القديمة المتأخرة، حتى القرن الحادي عشر تقريباً، كان معظم الأوروبيين يستخدمون لفظ Sarazenen للإشارة إلى العرب والمسلمين. وحتى نشأة الإسلام، فقد تجاهلوها لقرون طويلة. بهذا المعنى ينبغي إمعان النظر بأسلوب نقدي في ملاحظة برناردلويس عن الاهتمام الذي لا يظهر، إلا من طرف ثقافة واحدة، عند التقائها بثقافة أخرى، فليس المسلمون وحدهم كانوا قليلي الاهتمام بالعالم المسيحي، بل الصحيح أن عالم المسيحية أيضاً لم يكن ينظر إلى بقية العالم، إلا من خلال وجهة نظره. وقد أشار برنارد لويس من ناحية أخرى بوضوح إلى تطور النظرة الإسلامية للعالم، حيث يقول: "تنقسم الإنسانية في الرؤية الإسلامية للعالم بطريقة حاسمة إلى دار الإسلام ودار الحرب".
"ولكن منطق القانون الإسلامي لا يعترف بالوجود الدائم لأي جماعة أخرى خارج نطاق الإسلام لا يعترف بالوجود الدائم لأي جماعة أخرى خارج نطاق الإسلام. فحسب الرؤية الإسلامية، ستدخل الإنسانية جمعاء في الإسلام يوماً ما، أو ستخضع للسيادة الإسلامية". "ولذلك فقد كان تحقيق معاهدة سلام بين دولة إسلامية ودولة غير إسلامية مستحيلاً، تبعاً للنظرية القانونية في الإسلام.
لقد أمضى برنارد لويس أكثر من عقدين من الزمان في دراسة نظرة العالم الإسلامي التاريخية للغرب. والمختارات الكثيرة من النصوص الأصلية في كتاب برنارد لويس "اكتشاف المسلمين أوروبا" تقرب القارئ الغربي أيضاً من طريقة تفكير المسلمين في الفترة الواقعة بين القرن السابع والقرن التاسع عشر، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل نجح برناردلويس حقاً في كتابه هذا من إطلاع قرائه الغربيين على طريقة تفكير العالم الإسلامي ونظرته للأمور؟ أو بعبارة أخرى: إلا يظل تفسير برناردلويس، المتأثر بالطابع الغربي، مسيطراً بالضرورة على دراسته؟ بل أليس كتابه في نهاية الأمر تفسيراً غربياً لأسلوب التفكير الإسلامي، أكثر من كونه عرضاً للنظرة الإسلامية للغرب؟
يقول برنارد لويس: "كان موقف المسيحية من الإسلام أكثر تطرفاً وأقل تسامحاً، من موقف المسلمين من المسيحية. أما أسباب ذلك التسامح الإسلامي العظيم، فبعضها ديني _ تاريخي، وبعضها الآخر ذات طبيعة عملية. فرسول الإسلام محمد (ص) عاش بعد المسيح بستة قرونتقريباً. وكان كل من المسيحيين والمسلمين يعتبر أن دينه ووحيه يمثلان كلمة الله الأخيرة للإنسانية. بيد أن التسلسل التاريخي حدد الفرق بين نظرة كل منهما إلى الآخر. فالمسيح كان بالنسبة للمسلمين بشيراً ونذيراً، بينما كان محمد (ص) بالنسبة للمسيحيين دجالاً. وبدت المسيحية للمسلمين كصورة مبكرة وناقصة ومتقادمة للدين الصحيح. ولكن تسامح المسيحيين مع الإسلام كان سيعني الاعتراف بوجود وحي بعد المسيح، وبكتاب مقدس بعد الأناجيل. ولم يكن المسيحيون مستعدين للاعتراف بذلك".
ويعرض برنارد لويس الجوانب المختلفة للعلاقات بين الإسلام وأوروبا، ويوضح أن الأمر كان يتعلق دائماً بالحوار بين الطرفين، في فترات الحرب وعصور السلام: فقد كان هناك اكتشاف متبادل بين الحضارتين. ولكنه يلمح إلى أن اهتمام الأوروبيين بالعالم العربي في النهاية كان أكبر من اهتمام المسلمين بأوروبا.
3 _ إدوارد سعيد
قام إدوارد سعيد _ وهو أستاذ فلسطيني الأصل، يدرس في الجامعات الأمريكية منذ عدة سنوات _ في كتاب بعنوان "الاستشراق" بالتشنيع على الدراسات الإسلامية التي يقوم بها أساتذة غربيون، واتهم المستشرقين بالغطرسة والتطاول، لأن ادعاء المستشرقين بأنهم وحدهم الذين يعرفون كل شيء عن تاريخ المسلمين وأسلوب تفكيرهم يظهر بالفعل في الكثير من أعمالهم. وكتب البروفيسور إدوارد سعيد بأسلوب ساخر، ونبرة هجومية، عن التصورات المبتذلة الخاطئة التي تكونت في الغرب عبر قرون طويلة، وربما ما زالت تتكون عن العالم الإسلامي. وهاجم الغرب لأنه صوّر العالم العربي بطريقة رومانسية أكثر مما يجب، من ناحية، ومن ناحية أخرى يقوم الغرب بلعن نفس هذا العالم وشتمه واعتباره ناقصاً.
4 _ ماكسيم رودينسون
ظل المستعرب الفرنسي الكبير _ ماكسيم رودينسون _ إلى حد ما على هامش الجدل المحتدم حول الاستشراق كما يعرفه البروفيسور إدوارد سعية. ويمكن تفسير ذلك في المقام الأول من خلال حقيقة أن ماكسيم رودينسون كان دائماً يميل إلى الإسلامي. وقد وصف ماكسيم رودينسون بعض مراحل النظرة الغربية للعالم الإسلامي كما يلي: في القرون الأولى بعد ظهور الإسلام تجاهل الغرب إلى حد بعيد هذا الحدث الجديد. وكان ن علامات ذلك اللفظ الواسع الانتشار السابق ذكره Sarazenen الذي استخدمه الأوروبيون لوصف العرب والمسلمين حتى القرن الحادي عشر تقريباً. وتبع ذلك عصر الحملات الصليبية، ومحاولة نشر المسيحية في ديار الإسلام، والصراع بين مسيحية توسعية مسلحة في أسبانيا والدولة الإسلامية هناك. وبصفة عامة كان الأوروبيون في العصور الوسطى المسيحية، وأيضاً في عصر النهضة، يعتبرون المسلمين متساوين معهم، وكثيراً ما كانوا ينظرون إليهم على أنهم متفوقون علمياً وثقافياً.
وعندما امتدت الإمبراطورية التركية العثمانية حتى حدود فيينا، ازدادت المخاوف، ولكن بعد هزيمة الأتراك أمام أسوار فيينا (سنة 1683م) تغيرت الأحوال، فصار الأوروبيون ينظرون إلى الأتراك (ولفظ أتراك هنا كثيراً ما كان يشمل العالم العربي _ الإسلامي أيضاً) على أنهم خصم مهزوم. ومن ناحية أخرى تغيرت صورة النبي (ص) عند المثقفين في غرب أوروبا: ففي القرن الثامن عشر اعتبر محمد، من قبل فولتير مثلاً، شخصية تقدمية، ومثلاً روحانياً أعلى. وبعد ذلك بقرن من الزمان بدأ التحول السلبي _ حسب تفسير ماكسيم رودينسون _: فقد ازداد تغلغل الغرب في العالم العربي _ الإسلامي بصورة قوية، وخاصة من خلال الاستعمار الفرنسي والبريطاني. وتطور في الغرب _ حسب رودينسون _ موقف عدائي تجاه العرب والمسلمين. وانتهى الحديث عن المساواة والاحترام: وصار العرب والمسلمون أهدافاً للتوسع الغربي، وأصبحوا يُستخدمون كمنفذين للمصالح الغربية العسكرية والاقتصادية، أو يحاربهم الغرب إذا أعاقوا تحقيق مصالحة الغربية العسكرية والاقتصادية، أو يحاربهم الغرب إذا أعاقوا تحقيق مصالحه.
5 _ خاتمة
كان هذا بالنسبة لكتابي برنارد لويس وماكسيم رودينسون. وقد ظهر هذان الكتابان، قبل سنوات من ظهور موجة الكتب الجديدة عن تقارب أو تباعد العالمين: الغربي من ناحية, والعربي_ الإسلامي _ التركي _ الإيراني من ناحية أخرى. وفي بداية الثمانينات تقريباً، عندما نشر الكتابان المذكوران، لم يكن برنارد لويس وماكسيم رودينسون يدريان أن هجرة المسلمين من تركيا وشمال أفريقيا إلى أوروبا، ستتحول إلى مشكلة أساسية في غرب أوروبا. وفي السنوات الأخيرة قام كتّاب مثل أرنولد هوتينجر وجيل كيبل، بدراسة هذه المشكلة بصورة مكثفة، محاولين تخفيف حدة التوتر، وتبديل الشعارات الجوفاء بالحقائق الثابتة.
----------------------------------------------------
المصدر : كتاب "الإسلام في عيون غربية"
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة