مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

رياح الاسلام
جزيرة صقلية.. جسر الكتاب الاسلامي الى الغرب
محمد ماهر حماده


لقد انتقل الكتاب العربي والحضارة الإسلامية إلى الغرب عن طريق ثلاثة منافذ أو ثلاث بوابات إن صح التعبير، فأولى هذه البوابات هي بوابة صقلية والثانية هي بوابة الأندلس والثالثة هي بوابة الحروب الصليبية.
هذا وإن الاحتكاك الذي تم بين المسلمين والأوربيين في الحروب الصليبية هو أقل الاحتكاكات مردوداً وأضعفها نتاجاً. ذلك إن الصليبيين بعد أن نجحوا في تأسيس دويلاتهم اللاتينية في بلاد الشام لم يكونوا في وضع يمكنهم من السير بعملية التبادل الثقافي شوطاً بعيداً وذلك عائد إلى عوامل كثيرة. فأولاً لم يكن مستوى القوم الثقافي ناضجاً إلى الحد الذي يدفعهم إلى التماس المعرفة عند المسلمين، كذلك كان الحقد والتعصب الأعمى يأكل قلوبهم ويعمي أبصارهم وبصائرهم، إلى جانب أن العمليات الحربية بينهم وبين المسلمين كانت مشتعلة أغلب أوقات وجودهم في الشرق.
ومع ذلك فقد ارتحل إلى الشرق [الممالك الاتينية] عدد من البحاثة اللاتينيين، ويبدو أنهم تأثروا إلى حد ما بالمستوى الرفيع للحضارة الإسلامية المعاصرة، فمن هؤلاء البحاثة الذي زاروا الشرق وتأثروا تأثراً عميقاً بحضارته وفهموا المستوى الرفيع الذي وصل إليه الفكر الإسلامي أديلارد دوباث Ade-lard de Bath، فقد ارتحل إلى الشرق (1111_1116)، ولما رجع بدأ نشاطه في حقل التأليف والترجمة، فقد ألف كتاباً في مسائل الطبيعة يظهر فيه التأثير العربي واضحاً كل الوضوح، كما وإنه نقل عدداً من الكتب العلمية العربية إلى اللاتينية وصار هو نفسه أحد المترجمين الأوائل بين أولئك الذين كانوا على اتصال مباشر بالقارة الآسيوية.
كذلك عاش في الممالك اللاتينية في الشرق التي أسسها الصليبيون مترجم آخر قام بنقل عدد من كتب الطب العربي إلى اللاتينية هو ستيفان من بيزا Stephan di Pisa ويسمى أيضاً ستيفان الفيلسوف ويسمى أيضاً Etienne d' Antioch، وقد اشتهر بترجمته الجديدة تماماً والأقرب كثيراً إلى النص العربي من ترجمة قسطنطين الأفريقي للكتاب الملكي لعلي بن عباس.
ولقد حرر المسلمون صقلية ونشروا فيها الإسلام والحضارة الإسلامية مدة تزيد عن القرنين وهناك أسسوا فيها المدارس والمعاهد وتألقت حضارتهم ومكتباتهم فيها. ولقد كانت بيزنطة تحتل آنذاك شمال إيطاليا. وأدى الاحتكاك بين الحضارتين إلى تبادل ثقافي مثمر والتقى العلم العربي والعلم اليوناني في مدارس سالرنو واوترانتو ومونت كاسينو، ذلك إن هذه المدارس كانت أماكن لتدريس الطب بشكل خاص، وكان المدرسون يشعرون بحاجتهم إلى دماء جديدة ومعارف طبية أرقى من معارفهم فوجدوها في مؤلفات العرب الطبية فلجأوا إليها واستفادوا منها وبعد فترة حلت محل المؤلفات الأخرى.
وبعد أن استرجع النورمانديون صقلية من المسلمين حاولوا الاستفادة من حضارة المسلمين فاتبعوا سياسة التسامح مع جميع الأديان وقربوا إليهم المسلمين واليهود، فقد عاون روجه الثاني (1101م) على تأسيس مدرسة الطب في سالرنو، وقيل إن مؤسسيها أربعة لاتيني ويوناني ومسلم ويهودي، كذلك تقاطر إلى صقلية علماء مسلمون أجلة من أمثال الشريف الإدريسي المتوفى سنة 1180م الذي خدم ملك صقلية وألف له كتاباً جغرافياً لم يؤلف في بابه مثله حتى وقته وسماه باسمه الكتاب الرجاري. كذلك تابع بقية ملوك صقلية سياسة التسامح هذه وازدهر نقل التراث الإسلامي إلى اللاتينية في عهدهم كما فعل فريدريك الثاني وشارل أنجو وغيرهما. وسيكون لنا حديث أوسع شمولاً عن الموضوع فيما بعد. وأما اسبانيا فقد كانت البوابة الرئيسية التي تدفقت عبرها الثقافة الإسلامية إلى الغرب. والملاحظ أن أشهر علماء الأندلس لم ينبغوا زمن الأمويين الذين استمر حكمهم من (139-421ه‍) وإنما نبغوا فيما بعد. ولكن التبادل الثقافي، أو بالأحرى استمداد أوربا المعارف الإسلامية عن طريق الأندلس تم من وقت مبكر جداً من تاريخها.
---------------------------------
عن كتاب (رحلة الكتاب العربي الى ديار الغرب)
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة