مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 شرفات غربية
محمد .. أدرك من العظمة الإنسانية منتهاه
محمد عيسي


قالوا عنه أيضا إنه كان يعيش في حالة من اللا وعي واللاشعور‏,‏ فيخبر بأشياء ليست لها صلة بالواقع‏,‏ كما اتهموا الرسول صلي الله عليه وسلم بالشهوانية‏,‏ مدللين علي ذلك بتعدد زيجاته‏,‏ ولم تكن هذه هي التهم الوحيدة التي ألصقها المستشرقون بالرسول(ص) ولم يكتفوا بتأليف الكتب والمجلدات التي تحاول محض نبوة محمد وتشوه دعوته الدينية السمحة‏,‏ بل استغلوا صفحات الإنترنت عبر كثير من المواقع المختلفة ليعيدوا تكرار هذا الهجوم بأحدث أساليب المعلوماتية‏,‏ وبإعادة نشر فكرهم السابق دون دراية حتي بمباديء الإسلام‏..‏ لكن هناك علي الجانب الآخر من دافع عن محمد والإسلام دفاع أصحابه أمثال البروفيسور كي‏.‏ إس راماكريشنا ـ رئيس قسم الفلسفة بالكلية الحكومية بالهند ـ والذي ألف كتابه الشهير الإسلام والعصر الحديث مستهلا إياه بالإشارة لتفكيره في أن الكتابة عن محمد صلي الله عليه وسلم ستغينه عن الكتابة عن ديانة بأكملها‏.‏
في البداية أكد أن شخصية الرسول محمد(ص) كانت شخصية مؤهلة لتلقي رسالة سماوية‏,‏ فرجل ترك متع الحياة‏,‏ في وقت كانت فيه البيئة المحيطة به تنعم بكل ذلك‏,‏ لابد أنه بشر ليس كسائر البشر بل لأنه استطاع السيطرة علي غرائزه وكبحها ليكون مؤهلا لقدوم الوحي‏.‏
|أما الحاقدون علي الإسلام والمسلمين أمثال الكاتب اليهودي الأصل ماكسيم رودنسون الذي أشار إلي أن تعبد الرسول محمد في غار حراء ما كان إلا لتأليف القرآن آية آية وسورة سورة‏,‏ ولما انتهي منه خرج إلي الناس قائلا إني رسول الله إليكم وإلي الناس أجمعين في كل زمان ومكان حتي ينتهي عمر الزمان‏,‏ واستطاع بعد ذلك أن يكتسب مؤمنين به وأنصارا لدعوته‏,‏ ويضيف الكاتب ـ أفحمه الله ـ أن محمدا إما خادع كان مدركا لكذب دعواه أو مخدوعا إن كان الشيطان خيل إليه أن القرآن وحي من عند الله‏|.‏
كما يرجع السبب في ذلك إلي أن محمدا رسول الله قد استولي علي أموال خديجة وماشيتها وأن الرومان فضحوه وأشاعوا بين الناس ومنهم خديجة أن محمدا بدد أموالها فلجأ إلي اختراع القرآن ليوهم السيدة خديجة بأنه أصبح رسولا لله وأن الله أنزل عليه هذا القرآن ليكون في ذلك تسلية لها ونسيان لضياع مالها‏.‏
لكن ما أكده راماكريشنا الهندي يؤكد عكس هذا تماما في كلمات بسيطة وقليلة‏,‏ وهي أنه لا يمكن أن يصدر عن رجل شاع صدقه وأمانته علي مدي‏40‏ عاما هي عمره حتي وقت نزول الوحي ـ وهي فترة كفيلة لتدلل علي مدي صدق ما يقوله ـ أن يلجأ إلي هذه الحيل لنشر دعوة زائفة‏.‏ ومن هنا فإن ما جاء به محمد كان دينا سماويا صحيحا‏.‏
ولكن ما روجه ماكسيم لم يلق قبولا لدي العقول الناضجة فقد ذهب مستشرق أمريكي آخر يدعي واشنطجن آرفتح ليكمل مسيرة سابقة في دحض أصولية محمد كرسول‏,‏ فنفي في كتاباته أن يكون القرآن في العهد المكي اختراعا من عند محمد بل كان في نسبته إلي الله صادقا‏,‏ ولكن بعد هجرته إلي المدينة والتفاف أصحابه حوله وتبديل ضعفه إلي قوة اتجه محمد ـ عليه السلام ـ وجهة دنيوية زعامية فصاغ القرآن علي هواه بما يناسب طموحاته الشخصية الدنيوية‏.‏ وهذه الخرافة التي تبناها ماكسيم تكون نفسها فالقرآن نفسه بما تضمنه من وقائع وتفاصيل حدثت بعد إعلان النبي محمد دعوته وهي أبسط دليل علي كذب هذه الخرافة‏.‏
ولا أحد ينكر أن هناك من المستشرقين المعتدلين من التزم البحث الموضوعي البعيد عن الهوي وازدراء الأديان حينما حاول أن يغوص في حياة سيدنا محمد والدين الإسلامي‏,‏ وتعد شهادات هؤلاء خير دليل علي افتراء المتشددين منهم‏,‏ ويعد كتاب محمد الذي ألفته الكاتبة الأمريكية كارين أرمسترونج التي كتبت في مقدمة كتابها إنها تحاول إنصاف الإسلام والنبي محمد من التشويهات الكثيرة التي يحاول المستشرقون إلصاقها به‏.‏ هذه الشهادة جاءت من امرأة اعترفت بأنها كانت راهبة لكنها الآن لا تنتمي إلي أي دين‏,‏ كما أنها في نفس الوقت ردت علي من يدعي أن محمدا كان مريضا بحب الزعامة أو الدعاية لتمجيد نفسه‏,‏ بأنه لم يكن أبدا ذلك الفرد الذي يشتاق لترويج نفسه كما يصفه أعداؤه الغربيون‏,‏ وشبهت الكاتبة عداء أوروبا المعاصرة للإسلام بعداء مشركي مكة في عصر نزول القرآن‏,‏ ورغم أن كتابها صدر منذ أكثر من عشر سنوات‏,‏ إلا أنه تضمن في نفس الوقت ردا علي أي اتهام للإسلام حتي في الوقت الحالي مؤكدة أن موقف الغرب الآن من الإسلام ناتج عن آفتين هما الجهل والخوف‏,‏ وليست كارين أرمسترونج هي الوحيدة التي أنصفت الإسلام ورسوله من المستشرقين‏,‏ ولم تدخل فيه بل منهم من أنصفه مع تمسكه بعقيدته المخالفة لعقيدة الإسلام‏,‏ أمثال الكسيس كارلايل والفريد جيوم‏.‏
والمعروف أن ألفريد جيوم قد نفي نفيا قاطعا أن يكون محمد(ص) قد افتري القرآن من عنده ثم نسبه إلي الله وقد استند ـ حسب رؤيته ـ في هذا النفي إلي أن سيرة محمد هي سيرة أنبياء بني إسرائيل وأن مقياس النبوة في بني إسرائيل ينطبق علي ما عرف من أوصاف محمد‏,‏ وهو المقياس النبوي الذي يتلخص في الأمور التالية‏:‏ القول الثائر الملتهب‏,‏ الانشغال التام بالله‏,‏ الانشغال بالقضايا الأخلاقية‏,‏ الشعور بأن باعثا قويا يدفعه دفعا إلي الجهر بكلمة الله‏.‏
أما الفيلسوف الفرنسي لامارتين‏,‏ فقد دافع عن النبي(ص) بحرارة‏,‏ ونفي بصرامة وقوة أن يكون كاذبا أو مفتريا علي الله فيقول في كتابته أن حياة محمد وقوة تأمله وتفكيره وجهاده‏,‏ ورباطة جأشه لتثبت أركان العقيدة الإسلامية‏,‏ إنه فيلسوف وخطيب ومشرع وهاد للإنسانية إلي العقل‏,‏ وناشر العقائد المعقولة الموافقة للذهن وهو مؤسس دين لا فرية فيه‏,‏ ومنشيء عشرين دولة في الأرض‏,‏ وفاتح دولة في السماء من ناحية الروح‏,‏ والفؤاد‏,‏ فأي رجل أدرك من العظمة الإنسانية ما أدرك محمد‏,‏ وأية آفاق بلغ إنسان من مراتب الكمال ما بلغ محمد‏.‏
كما فند الكونت هنري دي كاستري ما يقال عن النبي‏.‏ من أنه كان مصابا بالصرع‏,‏ وأن ما كان يسميه الوحي الذي ينزل عليه إنما كان أثرا لنوبات الصرع التي كانت تعتريه وأن أعراض الصرع كانت تبدو علي محمد فكان يغيب عن صوابه ويسيل منه العرق وتعتريه التشنجات‏,‏ وبعد أن يفيق من هذا كله يذكر أنه أوحي إليه قرآن من السماء‏,‏ وقال إن هذه الأعراض لابد أن تكون لها مقدمات تظهر علي المريض‏,‏ لكن محمدا لم تظهر عليه طيلة حياته أي أعراض نفسية غير صحية‏,‏ أما ما يقال عن أنه حرف القرآن فهذا مردود عليه‏,‏ إذن كيف تأتي هذه الآيات الكريمة الفصيحة من رجل أمي اعترف الشرق بأنها آيات يعجز فكر بني الإنسان عن الإتيان بمثلها لفظا ومعني‏.‏
ومن أشهر المبدعين الذين حرموا من رحمة البابا بسبب دفاعهم عن النبي محمد الأديب الروسي تولستوي الذي تسبب دفاعه عن محمد في حرمان البابا له من رحمة الله‏,‏ بعد أن هاجم المستشرقين المتشددين بسبب التهم التي يحاولون إلصاقها بمحمد‏,‏ فكتب مؤكدا أن محمدا رسول الله من كبار المصلحين‏,‏ الذين خدموا المجتمع خدمة جليلة‏,‏ ويكفيه فخرا أنه هدي أمة بأكملها إلي نور الحق وجعلها تجنح للسلام وتكف عن سفك الدماء وتقديم الضحايا خير داعية للسلام‏,‏ وهو بذلك فتح الطريق أمام التقدم والرقي في جو من السلام وبعيدا عن الحروب‏,‏ وهذه الأعمال لا يستطيع القيام بها إلا شخص ذو قوة وحكمة وعلم ورجل جدير بالاحترام‏,‏ ومن العار أن نحارب هذا الرجل أو هذه الرسالة‏,‏ فرسالته التي دعا إليها ظلت سراجا منيرا أربعة عشر قرنا من الزمان لملايين كثيرة من الناس‏,‏ فهل من المعقول أن تكون هذه الرسالة وصاحبها التي عاشت عليها هذه الملايين وماتت أكذوبة كاذب أو خديعة مخادع‏,‏ أو تقابل بمثل هذا الهجوم‏,‏ وأن يقال عنها إنها انتشرت بحد السيف‏,‏ بدليل أنها خاضت حروبا كثيرة‏,‏ والمتابع والقاريء الجيد لهذه الديانة ونبيها سوف يدرك من أول وهلة أنهم لم يبدأوا حربا بل جرهم المخالفون لهم لهذه الحروب‏,‏ كما أنهم في كل فتوحاتهم لم يجبروا أحدا علي اعتناق الإسلام‏,‏ بل تركوا حرية العقيدة والديانة وجبة سهلة يختارها كل من يرد الدخول فيها‏.‏
هذه الآراء التي تناولت حياة محمد بعيدة كل البعد عن الشبهات فقد صدرت عن غير مسلمين‏,‏ ولم تذكر آراء علماء الإسلام حتي لا تتهم بالنقص‏.‏ وهكذا تكون العظمة والنبوه الصحيحة والديانة السمحة‏,‏ التي ستظل إلي أبد الأبدين‏.‏
------------------------------
المصدر : الاهرام العربي
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة