مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 شرفات غربية
هل كان للشاعر الجاهلي أمية ابن أبي الصلت تأثير على نبي الإسلام (ص) كما يزعم المستشرقون؟
فؤاد كاظم المقدادي


يكتب المستشرق بروي (H.H.Brau) تحت مادة "أمية ابن أبي الصلت" في دائرة المعارف الإسلامية ما نصه:
"والآراء الدينية في كلام أُمية مطابقة لما جاء في القرآن إلى حدٍّ كبير. ويكاد الاتفاق يقع كلمة كلمة في كثير من الأقوال، ولهذا أُثيرت بالطبع مسألة اعتماد أحد القولين على الآخر. فيذهب "هيوار" إلى أن أشعار أُمية بن أبي الصلت ـ التي تتضمّن قصصاً من قصص التوراة مذكورة عند المقدسي في "كتاب البدء" وهو الكتاب الذي نُسبَ خطأ إلى البلخي ـ هي من المصادر الصحيحة التي استمدَّ منها القرآن رأساً". ويضيف أيضاً في نفس المادة: "... ويمكن أن نعلل مشابهة قصائد أُمية لما جاء في القرآن بحقيقة لا تَحتمل شكاً هي: أنه في أيام البعثة المحمدية، وقبلها بقليل من الزمان، انتشرت نزعات فكرية شبيهة بآراء الحنيفية، واستهوت الكثير من أهل الحضر، وخصوصاً في مكة والطائف، وكانت تغذّيها وتنشّطها تفاسير اليهود للتوراة، وأساطير المسيحيين، مما كان معروفاً ومتداولاً في تلك البقاع وجنوبي الجزيرة في جهات متفرقة منعزلة ... ومحمد وأُمية وغيرهما من الرجال المتدينين كزيد بن عمرو وورقة ومسلمة اقتبسوا جميعاً من مصادر واحدة، سواء أكانت مدونة كما يرى "Schulthess" أم مروية كما يذهب إليه "Noldeke".
أن قول بروي هذا صارخ في إنكار الوحي الإلهي للرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يردد بذلك دعوى أسلافه من اليهود والنصارى من الذين ابتدعوا هذه الأشعار، ونسبوها إلى أمية كيداً للإسلام ونبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد ذكرت لنا كتب التاريخ أن أُمية بن الصلت هذا كان من أعدى أعداء الإسلام ونبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك ما جاء في تاريخ الأدب العربي في ترجمة أُمية بن الصلت ما نصه: "كان أُمية تاجراً من أهل الطائف ينتقل بتجارته بين الشام واليمن. ومال أُمية من أول أمره إلى التحنف، هجر عبادة الأوثان وترك شرب الخمر واعتقد بوجود الله من غير أن يكون له فروض معينة في العبادة. وكاد أُمية أن يسلم لما جاء الإسلام، ولكن موقف قومه ثقيفٍ من الإسلام أملى عليه العداء للرسول وللمسلمين، فكان يُحرّض على قتال الرسول. ولما انتصر المسلمون على مشركي مكة في غزوة بدرٍ، في رمضان من سنة 2 للهجرة، رثى أُمية الذين قُتلوا من المشركين في تلك الغزوة ... ضاع القسم الأوفر من شعر أُمية، ولم يثبت له على القطع سوى قصيدته في رثاء قتلى بدر من المشركين. وكان أُمية يحكي في شعره قصص الأنبياء على ما جاء في التوراة ويذكر الله والحشر ويأتي بالألفاظ والتعابير على غير مألوف العرب، ولذلك كان اللغويون لا يحتجون بشعره. وشعره كثير التكلّف ضعيف البناء قليل الرونق قلق الألفاظ. أما أغراضه في شعره الباقي بين أيدينا ـ صحيحاً ومنحولاً ـ فهي المدح والهجاء والرثاء وشيء من الحكمة وكثير من الزهد والتزهيد ومن الكلام في الله والآخرة". ومن ذلك نستنتج ما يلي:
1- أنه كان عدوّاً للإسلام ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم حتى نُقل أنه: "لمّا ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل له: هذا الذي كنت تستريب وتقول فيه. فحسده عدوّ الله وقال: إنّما كنت أرجو أن أكونَه، فأنزل الله تعالى فيه: (واتْلُ عليهم نَبَأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) (سورة الأعراف/ 175). وكان يحرّض قريشاً بعد وقعة بدر"، وهذه قرينة على وجود تنافر بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما يبعد مقولة وجود صلة واستقاء منه خصوصاً بعد البعثة النبوية.
2- أنه كان يحكي في شعره بعض ما جاء في التوراة من قصص الأنبياء وذكر الله والحشر ويأتي بالألفاظ والتعابير على غير مألوف العرب. وعليه فلو أراد الرسول أن يستقي هذه الأمور لاستقاها من التوراة مباشرة دون الحاجة إلى أشعار أُمية خصوصاً وأن شعره متكلف ضعيف البناء قليل الرونق قلق الألفاظ لا يؤدي إلى المراد بالدقة المطلوبة، ويؤيد ذلك ما ذكره المؤرخون بقولهم: "ولذلك كان اللغويون لا يحتجون بشعره".
3- أن البيان والبلاغة الإعجازية لآيات القرآن الكريم تأبى وتتنافى ودعوى الأخذ من أشعار أُمية المتكلفة الضعيفة القلقة القليلة الرونق.
وقد أشار القرآن إلى هذه الافتراءات وما فيها من مفارقات صارخة، وأفحمهم بالبرهان الساطع الذي يثبت به ـ بما لا يقبل الشك والترديد ـ البون المطلق بين ما يدّعى مصدراً لضعفه وهبوط بيانه، وبين البيان الإعجازي للقرآن الكريم وهو قوله تعالى: (ولقد نعلم أنهم يقولون إنّما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسانٌ عربي مبين)، ثم أشار إلى حقيقة أخرى تدفع هذه الدعوى أيضاً إذ قال: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فأصبر إن العاقبة للمتقين)، وبذلك أثبت أن المشركين آنذاك لا يعلمون مما جاء في القرآن شيئاً ولو كانت أشعار أُمية مطابقة أو مشابهة لما ورد في القرآن الكريم إذن لكانت خير دليل عندهم على دحض نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإنكار الوحي والتنزيل الإلهي له صلى الله عليه وآله وسلم.
------------------------------
المصدر : الإسلام وشبهات المستشرقين
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة