مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 قصة إسلامهم
حكاية إهتداء المفكر السويسري "روجيه دوباكييه"(1)
محمد كامل عبد الصمد


نشأ في بيئة مسيحية بروتستانتية، غير أنه تأثر بالفلسفة الحديثة، ولا سيما الفلسفة الوجودية، فقد كان يعتقد أن الأديان معتقدات خرافية.
وعندما اشتغل بالصحافة بدأ يسافر إلى أكثر من بلد... فسافر إلى السويد، وعمل بها مراسلاً صحفيّاً في نهاية الحرب العالمية الثانية لأكثر من خمس سنوات، لكنه اكتشف أن الناس تعساء، برغم التقدم والرخاء الذي يعيشون فيه، على حين اكتشف عكس ذلك عندما سافر إلى بعض الدول الإسلامية في الشرق، فقد وجد المسلمين _برغم فقرهم الشديد _ يشعرون بسعادة أكثر، وأن حياتهم لها معنى... هذه الملاحظة جعلته يفكر مليّاً في معنى الحياة ويتأملها من خلال هذين النموذجين... فيقول في ذلك:
"كنت أسأل نفسي: لماذا يشعر المسلمون بسعادة تغمر حياتهم برغم فقرهم وتخلفهم؟!.. ولماذا يشعر السويديون بالتعاسة والضيق برغم سعة العيش والرفاهية والتقدم الذي يعيشون فيه؟! حتى بلدي (سويسرا) كنت أشعر فيه بنفس ما شعرت به في السويد، برغم أنه بلد ذو رخاء، ومستوى المعيشة فيه مرتفع!
وأمام هذا كله وجدت نفسي في حاجة لأن أدرس ديانات الشرق... وبدأت بدراسة الديانة الهندوكية فلم أقتنع كثيراً بها، حتى بدأت أدرس الدين الإسلامي فشدني إليه أنه لا يتعارض مع الديانات الأخرى، بل إنه يتسع لها جميعاً... فهو خاتم الأديان... وهذه حقيقة كانت تزداد يقيناً عندي باتساع قراءاتي، حتى رسخت في ذهني تماماً بعد ما اطلعت على مؤلفات الفيلسوف الفرنسي المعاصر "رينيه جينو" الذي اعتنق الإسلام. لقد اكتشفت كما اكتشف الكثيرون ممن تأثروا بكتابات الفيلسوف الفرنسي الذي أسلم وتحولوا إلى الإسلام... اكتشفت أن الإسلام يعطي معنى للحياة، على عكس الحضارة الغربية التي تسيطر عليها المادية، ولا تؤمن بالآخرة، وإنما تؤمن بهذه الدنيا فقط".
وهكذا فقد تأثر "روجيه دوباكييه" بفكر الفيلسوف الفرنسي "رينيه جينو" الذي أسلم، مثلما تأثر سابقاً بزياراته للدول الإسلامية، فبرغم الظروف المادية السيئة في تلك الدول فإن أهلها يتمتعون بقدر كبير من الإيمان الراسخ في نفوسهم، ولا توجد عندهم أزمات أخلاقية كالتي توجد بالغرب، وجعلت كثيراً من الشباب ينتحر أو يهرب من الحياة بتعاطي المخدرات، مما يعني في نظرهم أن الحياة ليس لها معنى أو قيمة... ويصل إلى نتيجة يعبر عنها بقوله:
"لقد تبينت أن الإسلام بمبادئه يَبسُط السكينة في النفس... أما الحضارة المادية فتقود أصحابها إلى اليأس، لأنهم لا يؤمنون بأي شيء... كما تبينت أن الأوربيين لم يدركوا حقيقة الإسلام، لأنهم يحكمون عليه بمقاييسهم المادية".
ولذلك كان من المنطقي والتسلسل الطبيعي أن يجيب على الفور عندما سُئل: ما الذي جذبك نحو الإسلام؟.
"في البداية، إن الذي جذبني إلى الإسلام هو شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأن محمداً رسول الله... فقد اكتشفت أن الاسلام دين متكامل، وكل شيء فيه مرتبط بالقرآن والسنة.. وفي اعتقادي أن الإنسان يمكن أن يتأمل في هذه الشهادة طيلة الحياة.
الشهادة تقول لا إله إلا الله.. وهذا يعني أنه ليس هناك حقيقة نهائية ودائمة سوى الله... أما الفلسفة الحديثة فتقول إنه ليس هناك حقيقة سوى هذه الدنيا، ذلك ما تقوله الفلسفة الوجودية وغيرها...
وقد دهشت لأن الإسلام يعبر عن الحقيقة التي تناساها العلم والفلسفة الحديثة".
ثم يستطرد حديثه بعد لحظة تأمل إلى بعيد ليقول:
"لقد تأثرتُ بالقرآن الكريم كثيراً عندما بدأت أدرسه، وتعلمتُ وحفظتُ بعض آياته.. والحمد لله فأنا أستطيع أن أقرأ فيه(2): وتستوقفني كثيراً الآية الكريمة: (وَمَن يبتَغِ غيرَ الإسلامِ ديناً فَلَن يُقبلَ منهُ وَهُوَ في الآخرةِ مِنَ الخاسرين)(3)... وقوله تعالى: (لا إكراهَ في الدين قَد تبيَّنَ الرُّشد منَ الغيّ)(4).
ثم يضيف في سعادة غامرة قائلاً:
"والسنة النبوية الشريفة قرأتها أيضاً، وتأثرت بما فيها من حِكَم وبيان دقيق".
ولم يجد "روجيه دوباكييه" مناصاً من أن يُعلن إسلامه أمام الملأ، فيقول:
"لمّا عُدتُ إلى سويسرا لم يكن هناك مبرر لأن أخفي إسلامي، لذلك فقد نشرتُ مقالات كثيرة عن الإسلام في "جورنال دى جنيف".. وصحيفة "جازيت دي لوزان"، وهي صحف غير إسلامية.. كما ترجمت بعض الكتب التي تتناول موضوعات إسلامية.. ودافعتُ في كتاباتي كلها عن قضايا الإسلام كمسلم وَجَدَ طريقه في دين الإسلام.
وأنا أحاول _الآن _ أن أكثف كتاباتي عن الإسلام، وأشرح للقراء الغربيين ما يدور في العالم الإسلامي... وأنا أركز على مسألة أن الإسلام يُقدم حُلولاً لمشاكل كثيرة وصلوا معها إلى طريق مسدود، في حين فتح الإسلام لها أبواباً كثيرة".
وعن نظرته للمسلمين كأشخاص يؤمنون بالإسلام باعتباره قومية أو أيديولوجية، يقول في غضب:
"أنا أختلف مع بعض الأشخاص الذين ينظرون إلى الإسلام باعتباره قومية _وهذا اعتقاد خاطىء لدى كثير من المسلمين... إنهم يعتبرون الإسلام أيديولوجية وهو خطأ... إنّما الإسلام طريق إلى الله، وأفضل طريقة للوصول إلى معرفة الله والتصالح والوئام بين الخالق والخلق".
وعن رأيه في النقد الموَجَّه للإسلام بأنه دين تخلّف لا يقود إلى التقدم، قال ساخراً:
"الحمد لله أن الإسلام ليس متقدماً بمعنى التقدم الذي يعيشون فيه ويقودهم إلى الهاوية.. والحمد لله أن الإسلام لم يتجه إلى هذا التقدم المادي الذي يقصدونه... ولو كان كذلك لما أثار انتباهي ولا انتباه هؤلاء المفكرين الذين وجدوا فيه الخير والسعادة للبشرية، أمثال "رجاء غارودى" وغيره..
إن الإسلام يعبر عن شيء خالد، ومن السخف أن نقول إنه متخلف، ولذلك يجب تغييره أو استبداله.. إن التقدم الذي ينادون به قادهم إلى اليأس والضياع... الحضارة والمدنية الحديثة تعبر عن صراع الإنسان مع المادة والحياة... في حين يعبر الإسلام عن الحقيقة، ولذلك فلا داعي لأن يتجه الإسلام نحو التقدم بالمعنى الذي يريدونه، وهو الفوضى والدمار واليأس".
وعن رأيه فيما يُثار من أن هناك فرقاً بين الإسلام كدين، والمسلمين كأشخاص... هزَّ رأسه في ابتسامه مقتضبة قائلاً:
هناك قصة فيها رد على ذلك... فأنا أعرف صديقاً منذ فترة اعتنق الإسلام في السادسة والعشرين من عمره اسمه "محمد أسعد" كان يهوديّاً واعتنق الإسلام عام 1926، وألف كتاباً بعنوان "الطريق إلى مكة" وأصبح من علماء الإسلام، وله مؤلفات أخرى كثيرة... قابلته منذ فترة في باكستان حيث يعيش هناك.. وسألته نفس هذا السؤال: هل هناك فرق بين الإسلام كدين والمسلمين كأشخاص؟
فقال لي: إذا كنا قد اعتنقنا الإسلام فليس هذا بسبب المسلمين.. ولكن السبب أن الإسلام حقيقة لا ينكرها أحد.
صحيح هناك تدهور في حال المسلمين.. ولكني أصارحك القول بأن التدهور في حال أصحاب الأديان الأخرى أكثر مما هو في المسلمين... إن الإسلام آخر تعبير عن الرحمة الإلهية... وما زال قادراً على العطاء.. عطاء كل ما يُخَلّص الإنسان من شقاء الحياة وآلامها ومتاعبها.. إن الإسلام يجدد الصلة بين المرء وربه التي قطعها إنسان اليوم.
حتى إذا كان المسلمون في حالة تدهور أو انهيار، فإن دينهم قادر على منحهم الحياة السعيدة المطمئنة التي تعينهم على التغلب على تلك الأزمات الأخلاقية التي يعيشها الغرب".
وعن تفسيره لظاهرة الإقبال على اعتناق الإسلام من جانب الأوربيين أجاب قائلاً:
"السبب كما قلت الأزمة التي قادتهم إليها الحضارة والمدنية الحديثة.. لقد أصبح الأوربيون يعيشون في حالة يأس لأنهم لا يؤمنون بشيء، ولذلك فهم يبحثون عن معنى لحياتهم، وقد وجدوا هذا المعنى في الاسلام فأقبلوا عليه".
ـــــــــــــــ
1_ اللواء الإسلامي: من حديث أجراه محمد صبره ورضا عكاشه في إحدى أعدادها الأسبوعية.
2_ برغم أن لديه ترجمات بالإنجليزية والفرنسية للقرآن، فإنه يحرص على قراءة القرآن باللغة العربية التي يحرص على تعلمها وحذقها كما يذكر.
3_ سورة آل عمران _ الآية 85.
4_ سورة البقرة _ من الآية 256.
---------------------------------------
المصدر : الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة