مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 قصة إسلامهم
حكاية عائشة الاسكتلندية التي كانت "ديبي روجرز"


كانت ديبي روجرز منذ صغرها تبحث عن حقيقة الايمان، لذلك اهتمت بأمر الدين منذ صباها. ولما كبرت بدأت تطرح على نفسها اسئلة صعبة وعميقة بحثاً عن اجابات مقنعة وعقلانية لهذه الاسئلة في الانجيل، باعتبارها كانت مسيحية ملتزمة. لم يقتصر التزامها بالدين المسيحي على الذهاب الى الكنيسة يوم الاحد من كل اسبوع، اضافة الى المناسبات الدينية الاخرى، بل حرصت على اتباع تعاليم دينها المسيحي والعمل في سبيل الدعوة اليه، ولكنها لم تجد ما يشفي غليلها ويجيب على اسئلتها عند دراستها للدين المسيحي.
وعندما فكرت روجرز في دراسة الاسلام تسلحت لهذه الدراسة بسلاح اللغة العربية، حيث تعلمت العربية ليكون عندها مفتاح لفهم القرآن الكريم. وعند بلوغها سن السابعة عشرة كانت روجرز قد أكملت قراءة القرآن الكريم كله باللغة العربية. فعثرت بين دفتي كتاب الله العزيز على اجابات مقنعة لكثير من اسئلتها الصعبة عن الايمان والحياة والحساب واليوم الآخر. فانشرح صدرها للاسلام.
ومن هنا بدأت رحلتها الايمانية تأخذ منعطفاً جديداً فغيرت اسمها من ديبي روجرز الى عائشة. ولما كانت روجرز مسيحية ملتزمة لم تكتف باعتناق الاسلام، بل نشطت في الدعوة الى الله، ووفقت بفضل الله تعالى الى جعل والديها يعتنقان الدين الاسلامي، وكذلك وفقت في ادخال مجموعة من معارفها وأصدقائها وجيرانها في دين الله، واعتبرت نفسها امرأة في مهمة رسالية للدعوة الى الله.
عرفت عائشة في وسط معارفها بهدوء الطبع والمجادلة بالتي هي أحسن والالتزام بتعاليم دينها الجديد. فهي تعيش في شقة متواضعة في مدينة جلاسجو الاسكوتلندية. وقد غطيت جدران الشقة باقتباسات من القرآن الكريم وساعة حائط كبيرة تذكر العائلة بمواقيت الصلاة وملصقات عن المدينة المقدسة مكة المكرمة.
عائشة فتاة اسكوتلندية ذات عينين زرقاوين ثاقبتين، وامرأة مسلمة ذات حماسة دافقة لدينها الاسلامي، وذات ابتسامة متألقة لامرأة ملتزمة بدينها، وجهها يعبر عن سائر الفتيات الاسكوتلنديات القويات اللاتي لا يعرفن الهراء وتوافه الامور وسفاسفها. وقد غطت وجهها بعناية فائقة بالحجاب.
الأقربون أولى بالمعروف
ومن المعروف انه اذا كانت هناك فتاة مسيحية ملتزمة اعتنقت الدين الاسلامي ومن ثم تزوجت من رجل مسلم، فهذا امر غير عادي في المجتمعات الغربية. ولكن الاكثر من ذلك ان تعمل مثل هذه الفتاة على اقناع والديها باعتناق الدين الاسلامي، ولا تكتفي بذلك، بل تجاهد مخلصة في سبيل ادخال معظم افراد اسرتها وحوالي 30 شخصاً من اصدقائها وجيرانها في الدين الاسلامي لا يعتبر امراً غير عادي فحسب بل هو الامر الاكثر غرابة.
وهذا ما فعلته عائشة عندما اعتنقت الاسلام، حيث انطلقت بكل جد واجتهاد في سبيل الدعوة الى الله سبحانه وتعالى، وحرصت على دعوة الاقربين لدين الله، استجابة لقوله تعالى "والأقربون أولى بالمعروف".
إعادة تشكيل المعتقدات
كانت اسرة عائشة اسرة مسيحية محافظة. وكان والدها روجرز يحضر اجتماعات جيش الانقاذ بانتظام. ولما كانت الفتيات المراهقات البريطانيات يقبلن صور المغني جورج مايكل وملصقاته عند ذهابهن الى فراشهن ليلا، كانت روجرز تعلق على جدران حجرتها صور المسيح عليه السلام. ومع ذلك وجدت ان المسيحية ليست كافية كدين للاجابة على اسئلتها، لوجود اسئلة كثيرة لديها لم تجد لها اجوبة. كما شعرت بعدم الارتياح لمعتقداتها التي شعرت انها في حاجة الى اعادة نظر واعادة تشكيل من جديد.
وقالت عائشة: انني شعرت انه يجب علي فعل المزيد من الطاعات، وليس الاكتفاء بأداء الصلوات متى ما شعرت بأني راغبة في ادائها.
ولقد عرفت عائشة زوجها المسلم محمد بهتا لأول مرة عندما كان عمرها 10 سنوات، حيث كانت تتردد على المتجر الصغير الذي تملكه اسرته لشراء بعض الحاجيات. وكانت كثيراً ما تشاهده يصلي في المتجر. وقالت عائشة: كنت الاحظ الاطمئنان السلام في ما يفعل. وعندما سألته عن دينه، قال لي انه مسلم. فقلت له ما معنى مسلم؟
قراءة القرآن بالعربية
بعد ان كبرت روجرز بدأت تدرس الاسلام بعمق، وذلك بمساعدة بهتا. وعندما بلغت السابعة عشرة اكملت قراءة القرآن الكريم كله باللغة العربية. وتقول حول ما قراته: "كل شيء قرأته بدا لي معقولاً". وكانت روجرز قد قررت اعتناق الاسلام وعمرها لم يتجاوز السادسة عشرة. وقالت: عندما نطقت بالشهادتين شعرت بأن الحمل الثقيل الذي كنت احمله على كتفي قد ازيح عني. وشعرت بأنني ولدت من جديد. وعلى الرغم من اعتناقها الاسلام فان والديّ محمد (زوجها) كانا ضد زواجهما. لانهما نظرا اليها كامرأة غربية ستقود ابنهما الاكبر الى الضلال، ومن ثم ستعطي العائلة سمعة سيئة. وكان والد محمد يعتقد بأنها العدو الاكبر.
وعلى كل حال فقد تزوج محمد وعائشة في المسجد. وقد ارتدت عائشة ثوب زفاف حاكته والدة محمد وأخواته اللائي حضرن الى حفل الزواج ضد رغبة والدهن الذي رفض الحضور.
وكانت جدة العريس محمد قد ساعدت في تمهيد الطريق لاتمام مراسم الزواج رغم اعتراض والده ورفضه حضور الزواج:. وقد وصلت جدته من باكستان، حيث ان الزواج المختلط هناك اكثر عرضة للرفض فهو اشبه بالمحرم، فطلبت مقابلة عائشة. وبالفعل قابلت الجدة عائشة وخرجت من تلك المقابلة بانطباع جيد عن عائشة عندما عرفت انها درست القرآن الكريم ولغة البنجاب، فبدأت في اقناع بقية افراد الاسرة بهذا الزواج. وأصبحت عائشة التي تبلغ من العمر الآن 35 عاماً واحدة من افراد العائلة.
الحجاب وملابس العروس
رغم ان والدي عائشة مايكل ومارجوري روجرز قد حضرا حفل الزواج، لكنهما كانا اكثر قلقا من الملابس التي ترتديها ابنتهما في حفل زفافها (ازياء باكستانية تقليدية _ بنطلون فضفاض وقميص طويل اضافة الى غطاء الرأس). ومما زاد في قلقهما تفكيرهما في تعليق الجيران على ملابس ابنتهما في حفل عرسها. وبعد ست سنوات من هذا الزواج بدأت عائشة مهمة رسالية في دعوة والديها وبقية أفراد اسرتها الى اعتناق الدين الاسلامي.
وقالت عائشة، عملت انا وزوجي مع امي ووالدي على اقناعهما بالاسلام، وذلك بالتحدث اليهما عن الاسلام، وقد لاحظا التغيير الذي حدث لي بعد اعتناقي الاسلام. وبالفعل اعتنقت امها الاسلام وسارت على دربها. وغيرت اسمها من مارجوري روجرز الى سمية. وأصبحت مسلمة مخلصة لدينها الجديد، وارتدت الحجاب وبدأت تؤدي صلواتها في الوقت. وما عاد يهمها شيء سوى علاقتها بالله سبحانه وتعالى.
وأثبت والد عائشة ان تجنيده في الاسلام اكثر صعوبة بالنسبة لابنته، مما دعاها الى الاستعانة بوالدتها التي اسلمت حديثاً في العمل معاً على اقناع والدها باعتناق الدين الاسلامي. ولقد توفيت والدتها لاحقا بمرض السرطان.
وقالت عائشة: كنت انا وأمي نتحدث مع ابي عن الاسلام. وكنا جالستين في المطبخ في يوم من الايام، فاذا بوالدي يفاجئنا بقوله "ماهي الكلمات التي يجب ان تقال ليصبح المرء مسلماً؟". فما كان مني ومن امي إلا ان قفزنا على ظهره فرحتين بانشراح صدره للاسلام. وبعد ثلاث سنوات من ذلك اعتنق اخي الدين الاسلامي عن طريق الهاتف. ومن ثم اسلمت زوجته وأطفاله، وكذلك ابن اختي.
الاسكوتلنديات والإسلام
وقالت عائشة: لم اتوقف عن الدعوة الى الله بعد اعتناق معظم افراد اسرتي الدين الاسلامي، بل توجهت بالدعوة الى اصدقائي ومعارفي وجيراني. ونظمت فصلاً دراسياً كل يوم اثنين لتعليم القرآن وتدريس الاسلام للراغبين من سكان الحي الذي اقطنه في مدينة جلاسبو الاسكوتلندية.
ويبدو ان الاسلام كدين مرغوب فيه من قبل النساء الاسكوتلنديات المحتارات اللائي يبحثن عن الخلاص الروحي والراحة النفسية من متاعب الحياة واضطرابها. وكانت ترودي المحاضرة في جامعة جلاسجو تحضر دروس عائشة لانها مكلفة باجراء بعض الابحاث عن المسلمات الاسكوتلنديات الجدد اللائي يحضرن دروس عائشة الدينية. وبعد ستة أشهر من الانتظام في هذه الدروس الدينية اشهرت ترودي اسلامها.
المواءمة بين أسلوبين
تقول عائشة ان فصول الدراسة الدينية وجدت اقبالاً من الفتيات المسلمات، خاصة اللائي يغريهن اسلوب الحياة الغربي ولكنهن يردن ان يمارسن حياتهن على الطريقة الاسلامية، فهن في حاجة الى تعليمهن كيفية المواءمة بين الاسلوبين في حياتهن، كما انهن يرغبن في منتدى مفتوح لمناقشة قضاياهن، لانهن محرومات من مثل هذه الملتقيات والمنتديات المفتوحة للنقاش في المساجد، لأن المساجد يسيطر عليها الرجال ولا يتركون مجالاً للنساء لتدبر امورهن وفقاً لتعاليم الاسلام.
وأضافت عائشة: انني في هذه الدروس الدينية احث الفتيات على طرح الاسئلة التي تدور في اذهانهن للبحث عن اجابات لها في الاسلام لاننا لا نتوقع ان يؤمن الناس بالاسلام من دون معرفة وعلم بهذا الدين.
------------------------------------
المصدر : عن صحيفة "الشرق الأوسط" بتصرف
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة