مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 رياح الاسلام
الإشعاع الادبي واللغوي لبلاد الاندلس على الاوربيين
عبد الجبار الرفاعي


ان تأثير الآداب والفنون الأندلسية في الآداب والفنون الاوروبية لم يكن بالقليل، وهذا ما نلاحظه في قصة دانيل ديفوي "روبنصن كروزو" التي ظهرت في سنة 1719م، أي بعد ظهور التراجم اللاتينية والانجليزية لقصة حي بن يقظان بنحو ثلاثين عاماً.
وقد وصف بعض الغربيين الفيلسوف ابن طفيل هذه، بأنها كتاب من أشد كتب العصور الوسطى طرافة وأصالة.
وكذلك كان للملاحم الموريسكية، التي تصور الاذواق والعادات الاندلسية، أثرها في الأدب القشتالي حتى القرن السابع عشر، بل يرى بعض الباحثين أن ثرفانتس أعظم كتاب اسبانيا، قد تأثر بأساليب الملاحم العربية، وتقاليد الفروسية الاسلامية في قصته الخالدة "دون كيخوت".
ويمكن أن نلمح المؤثرات الحضارية الاندلسية بارزة في التقاليد والعادات الاسبانية... وفي اللغة القشتالية "الاسبانية" التي تطورت عن أصولها الرومانية، أو "الرومانشي romance"، أو اللاتينية المحلية، وهي اللغة التي كانت سائدة في العصور الوسطى بين النصارى الاسبان... وقد كان من الطبيعي أن يقع التفاعل اللغوي بين العربية وهي لغة الأكثرية المسلمة، وبين الرومانشي، وهي لغة الاقلية النصرانية... ولذا وجدت في اللغة الاسبانية كلمات كثيرة جداً ترجع إلى أصول عربية... ويكفي أن نعلم أن هذه الكلمات الاسبانية ذات الاصول العربية، قد جُمِعت في معاجم خاصة، منها معجم للعلامة المستشرق رينهارت دوزي، ومعجم آخر للمستشرق الاسباني ايجبيلات، وفي ذلك ما يدل دلالة واضحة على مبلغ الآثار العميقة التي خلفتها اللغة العربية في اللغة الاسبانية... وكما وضعت المعاجم الخاصة لتبيان الكلمات الاسبانية ذات الاصول العربية، فكذلك تناول هذه المؤثرات الحضارية بالشرح والتحليل المقنع كُتّاب عظام، مثل أندريس والتاميرا، وكونثالث بالنشيا وغيرهم، ويبدي الاستاذ بلنشيا بنوع خاص في رسالته المشهورة "تأثير الحضارة العربية" إبداعاً في الشرح، وقوة في التدليل، وحماسة في العرض، تضفي على بحثه كثيراً من الأصالة والروعة، ويقول لنا بالاخص فيما يتعلق بتأثير اللغة، إن اللغة العربية تُمثل في الاسبانية في مصطلحات الجغرافيا والنظم والفنون، وأسماء الحيوان والنبات، والحِرف، والألوان، والأدوات المنزلية، وغيرها، وهو يُحمل هذا التأثير في تلك العبارة الجامعة:
(ان اللغة الاسبانية تعرض بلا ريب للسائح الأمثل، ذلك الأثر الخالد، الذي تركته الحضارة العربية في أرضنا).
---------------------------------
المصدر: متابعات ثقافية
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة