مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 نظرة الغربيين للإسلام
محاولات إستشراقية لإرجاع مفاهيم إسلامية إلى أصول في الديانات السابقة
فؤاد كاظم المقدادي


من القضايا التي شدّد عليها المستشرقون في كتاباتهم ودراساتهم عن الديانة الإسلامية، فكرة أن الكثير من تعاليم الإسلام مستقاة من الديانتين اليهودية والنصرانية أو من البيئة الجاهلية التي عاشها النبي محمد (ص)، محاولين بذلك سلخ الدين الإسلامي عن لبوسه السماوي والإيحاء بأن هذا الدين ليس إلاّ مجموعة تعاليم وأفكار ومفردات توفيقية جمعها نبي الإسلام فما اشتملت عليه ثقافية ومعارف العامة. ويمكن ملاحظة نماذج عديدة لهذا الإرجاع إلى اليهودية والنصرانية والجاهلية في أوسع منجز موسوعي إستشراقي هو "دائرة المعارف الإسلامية" التي إشترك في تحرير موادِّها طيف من أشهر المستشرقين وأشدهم تمرساً.
فيما يلي نماذج من هذه الإرجاعات وردود عليها.
جاء تحت مادة "جبريل" قول المستشرق كارادي فو "وقد اصطنع النبي القصة التي تقول بأَن الرسول السماوي يتحدث إلى الأنبياء واعتقد أنه تلقّى رسالته ووحيه منه ... والظاهر أن النبي عرف جبريل من خبر البشارة الوارد في الإنجيل ولكنه لم يكن في مقدوره أن يعرف الإنجيل من غير وساطة، ولعلّه سمع ذلك الخبر من أفواه بعض الفلاسفة أو الباحثين في الأديان أو من أحد الحنفية وقد وصلهم الخبر مشوّهاً. وفي رأي النبي أن الله بعث بروحه إلى مريم فتمثّل لها بشراً سوياً (سورة مريم/ الآية 19)".
وتحت مادة "سحر" يقول المستشرق هيك "... أن أصول الإسلام نفسها قد تأثرت تأثراً عميقاً بمعتقدات أناس غرباء عن الإسلام كلية".
وتحت مادة "أُمّة" يقول ر. باريه: "هي الكلمة التي وردت في القرآن للدلالة على شعب أو جماعة، وهي ليست مشتقة من الكلمة العربية "أمّ"، بل هي كلمة دخيلة مأخوذة من العبرية "أُمَّا" أو من الآرامية "أُمِّثا"، .. وقد تكون الكلمة الأجنبية دخلت لغة العرب في زمن متقدم بعض الشيء. ومهما يكن من شيء فإن محمداً أخذ هذه الكلمة واستعملها وصارت منذ ذلك الحين لفظاً إسلامياً أصيلاً".
إِِن قول "كارادي فو" تحت مادة "جبريل" فيه انسياق واضح مع إنكار الوحي الإلهي للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ويشهد لذلك أيضاً تعبيره عن الآية 19 من سورة مريم في آخر قوله المذكور أعلاه بأنه رأي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس قول الله في قرآنه الكريم، وهو في هذا لم يأت لنا بدليلٍ أو حتى شاهدٍ أو قرينة على استظهاره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عرف جبريل من خبر البشارة الوارد في الإنجيل، ولا على احتماله سماعه ذلك الخبر من أفواه بعض الفلاسفة أو الباحثين في الأديان، وغير ذلك من الاحتمالات، فأي قيمة لهذا الاستظهار وتلك الاحتمالات؟!
وأما هيك فهو الآخر لم يسق إلينا دليلاً واحداً ولا شاهداً على مدّعاه. إلاّ أنه لا يعدم وجود تقارب والتقاء في بعض المفاهيم والعقائد والأحكام الإسلامية مع الأديان السابقة كالمسيحية واليهودية، لأن الإسلام لا ينكر تلك الأديان، ولا ينكر الرسل الذين أرسلهم الله سبحانه بها، ولا الكتب المنزّلة من لدنه تعالى عليهم، كالتوراة والإنجيل، بل يصرّح بأنه خاتم الأديان وأكملها، وأن القرآن المجيد خاتم الكتب والرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء وأكملهم، إلا أنه يعتقد بأن يد التحريف قد طالت هذه الأديان طالت هذه الأديان والكتب، كما يعتقد أن النسخ حصل للعديد من الأحكام التشريعية الواردة فيها، وما تبقّى من الصحيح وغير المنسوخ منها يقارب ويلتقي عادة مع ما جاء به الإسلام، لأنه من سراج ومصدر واحد.
وقول "ر. باريه" تحت مادة "أمّة"، وقول "كارادي فو" تحت مادة "جهنّم" وتحت مادة "دنيا"، وقول "جويل" تحت مادة "السكينة": فيه أن طريقة الاستدلال على كون كلمة "أمة" وأمثالها من الكلمات المذكورة في أقوال الآخرين دخيلة ومأخوذة من العبرية مثلاً لمجرد وجود شبه لفظي في حرف أو حرفين بين الكلمة العربية وكلمة بمعناها في العبرية متكلّفة لا تخلو من تمحّل ومغالطة، إذ بهذه الطريقة سوف نهدم الكثير من صيغ الوضع اللفظي للغات، إلاّ إذا ساق المدّعي دليلاً أو قرينة معتبرة على مدّعاه.
ويمكن ردّ هذا الادّعاء أيضاً بقولنا: إن كلمة "أمة" لها معان متعددة في اللغة العربية، منها: الشِّرعة والدين، القَرْن من الناس، الرجل لا نظير له، الحين، وقد وردت هذه الكلمة في هذه المعاني في الشعر العربي الجاهلي، منه قول النابغة الذبياني:
حلفتُ فلم أترك لنفسك ريبةً وهل يأثمن ذو أُمة وهو طائع
ويريد بها هنا أهل الدين والشرعة.
ومنها أيضاً قول الشاعر:
وهل يستوي ذو أُمة وكفور
أي ذو دين وذو نحلة.
كما أنه لو كانت هذه الكلمة دخيلة من العبرية لاستقلّت بمعناها المدّعى في العبرية، وهو شعب أو جماعة، على أن هناك قولاً بأن اللغة العربية أسبق وجوداً في الجزيرة العربية من العبرية. ولو سلّمنا وصحّ هذا الادّعاء فلا يثبت منه قول "باريه": "فإن محمداً أخذ هذه الكلمة واستعملها، وصارت منذ ذلك الحين لفظاً إسلامياً أصيلاً" إذ إنها ـ حسب الدعوى ـ قد أصبحت جزءاً من اللغة العربية واستعمالها في المراد المعنوي لها سواء في القرآن الكريم أو في السنة الشريفة استعمال مألوف وليس قائماً على قصد الاستقاء من العبرية، هذا مضافاً إلى أن القرآن الكريم كلام الله عز وجل وليس كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
----------------------------------------------
المصدر : "الإسلام وشبهات المستشرقين"
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة