مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 نظرة الغربيين للاسلام
ماذا وراء فيلم الأطفال الكارتوني الغربي محمد خاتم الأنبياء
محمود خليل


لعل أولى محاولات تجسيد شخصية النبي محمد (ص) فنياً، هي محاولة يوسف وهبي في السينما المصرية عام 1926م، وكان ذلك بإيعاز من شركة فرنسية للإنتاج السينمائي، كان مندوبها في مصر المخرج التركي اليهودي "وداد عرفي"!!
ولكن تلك المحاولة، ووجهت بثورة غاضبة من علماء الأزهر، وأمام اعتراضهم الحازم، تم دفن الفكرة، واعتذر "يوسف وهبي" على الملأ، وأوضح أنه ما كان يفهم هذا المحظور الخطير.. وانتهت الأمور _حينئذ _ عند هذا الحد.. ولكن!!.
مع تقلبات الدهر، وتطور فن السينما، وتعبئته بكؤوس السم المترعة بالنزوات والشهوات والإضلال والفساد، ومع تطور هذه الصناعة، كانت أصابع اليهود تعبث بين الحين والآخر بالدس والتشويه، والمخاتلة والتمويه على الإسلام ديناً وعقيدة، وفكراً وسلوكاً، وأخلاقاً وقيماً... وأخيراً على شخص الرسول(ص) تجسيداً وتجريداً في فيلم "محمد خاتم الأنبياء" ومع معارك العلمانيين والتغريبيين، واليهود المتهورين، ووسط أجواء الإحباط والزيغ، حاول فريق العمل الغامض، أن يمر بتلك الخبطة الجديدة، ونحن مشغولون بالبحث عن طرائق الخروج من التيه الكبير الذي نحياه.
قصة الفيلم يحكي فيلم "محمد خاتم الأنبياء والمرسلين" أجزاء من السيرة قبل البعثة وبعدها، حيث يصور الحياة في مكة قبل النبوة، وكيف كانت مجتمعاً فاسداً مليئاً بالظلم والطغيان، والجشع وعبادة الأصنام، ثم جاء محمد (ص) ليواجه تلك الحياة.. ثم يحكي الفيلم أثر "الدعوة المحمدية" على الحياة في مكة، وكيف تحولت إلى مجتمع الإيمان والوحدانية والمساواة، الأمر الذي لم يرض سادة قريش، مما دفعهم إلى الانتقام من محمد وأصحابه، ثم يروي الفيلم قصة الهجرة، واستقبال أهل المدينة لمحمد وأصحابه، ثم تأسيس أول مسجد في الإسلام، إلى أن تصل الأحداث إلى غزوات بدر وأحد والأحزاب.. التي ينتهي الفيلم بنهاية أحداثها.
يحتوي الفيلم 196 ألف رسمة، يلعب الحاسب الآلي دوراً كبيراً في تشكيلها وتأثيراتها، وإنتاجها كفيلم تقليدي ذي بعدين، وقد تم تصميمها في "ريتش كريست أنيميشن" في بيربانك بكاليفورنيا... وقام الممثل "إيلي أوليم" بدور "أبي طالب" عم النبي(ص).
وإمعاناً في الدعاية والإدهاش قامت الشركة المنتجة والمنفذة للفيلم "شركة يدر" بالترويج لدور "إيلي" _وهو ممثل كبير في المسرح وعلى الشاشة _ ذلك لأن الشركة قد وجدت فرصة كبيرة للتسويق والتشويق الفني للفيلم لأن دور "أبي طالب" كان آخر أداء يقوم به "إيلي" حيث توفي في اليوم الذي تلا آخر جلساته التسجيلية... لذا فقد روّجت الشركة لهذا الدور الذي اعتبرته ملحمة بطولية، صنع منها "ويليام كيد" المؤلف الموسيقي للفيلم هالة عجيبة ومدهشة.
مشاريع تحت التنفيذ
ويهدف الفيلم _كما تزعم الشركة _ إلى إرساء السلام والتفاهم في العالم، وتتوقع أن يوزع على جميع الشاشات في أنحاء العالم الإسلامي خلال العام 2002م، وتسوق في طياته حملة دعائية واسعة لمشاريعها تحت التنفيذ، المتوقع إنجازها في نهاية عام 2001م مثل شريط الفيديو "ما قبل النور" من زمزم إلى عام الفيل، وشريط الفيديو "سلمان الفارسي"، صاحب الرسول (ص)، وشريط الفيديو "مسلمات عظيمات" في عهد النبي (ص).
ابتزاز
نظم منتجو فيلم "محمد خاتم الأنبياء" مسرحية هزلية لإبتزاز موافقة الأزهر على مادة الفيلم وعرضه بالبلاد العربية والإسلامية التي تم إنتاجه خصيصاً لها... من خلال حفل نظمته الشركة المنتجة في يونيو الماضي بالقاهرة، قامت فيه بدعوة مجموعة من الكتاب والإعلاميين والعلماء... منهم د.محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة بجامعة الأزهر، والشيخ محمد محمود ندا، والشيخ فكري حسن إسماعيل من علماء الأزهر... والكاتبة الصحفية صافي ناز كاظم والمذيعة التلفازية كريمان حمزة، والدكتور أحمد المعصراوي المتخصص في القراءات وآخرون.
ولم تقم الشركة بعرض أكثر من 10 دقائق من الفيلم! وبعد حذف مشاهد سيدنا حمزة سيد الشهداء عم الرسول (ص)... وبعد حدوث زوبعة وثورة عارمة وسط جمهور العرض الخاص.. وتوقف العرض وإلى الآن لم يتم عرض سوى هذه الدقائق المعدودة.
في عيون الرقباء
الأديبة الناقدة صافي كاظم... شاهد عيان في القضية.. تقول: حضرت العرض أنا ومجموعة من السيدات منهن "كريمان حمزة"، وزوجة هاشم النحاس، والكاتبة السورية "منى الدروبي" والصحفية "منى رجب"، وفوجئت بأن ما تم عرضه بضع دقائق لم أفهم منها شيئا. وفوجئت بالناقد العلماني "سمير فريد" يدافع عن الفيلم.. ويلجّ.. ويثور.. مما أثار ارتيابي وكان "سمير" يرد بكل تشنج على من يبدي أي ملاحظة.. لدرجة أنني أحسست أنني وقعت في فخ، وسوف أكتب بصورة متخصصة ومطولة عن هذا العمل الضعيف الركيك المتآمر.. الذي لا يرقى إلى شرف الفكرة.. لأنه إذا خذلك فنك فلابد أن تسقط الفكرة مهمة كانت قيمتها.
أما الدكتور محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة فيرى أن الفيلم سطحي جداً في مادته العلمية، ويحمل خطورة بالغة _سيما في هذا الوقت _لأنه يؤصل أن الإسلام قد انتصر بحد السيف، حيث ينتهي بمشاهد للمسلمين الأوائل.. في جموع كثيرة، بيد كل منهم سيف، وكأنهم لا يتكلمون إلا بالسيوف والسكاكين، مما يمثل خطورة بالغة على أساليب عرض الدعوة الإسلامية، ويوحي للطفل _خاصة الغربي _ أن الإسلام دين القتل والدماء، وهذا جرم لا يساويه جرم آخر في حق الإسلام المنير.
بل مندوباً إليه
"لكن بصفة عامة... نحن لا نحجر على أي عمل فني يلتزم قواعد الشرع ووسائل الفن الصحيح، ويؤدي رسالة هادفة في إبراز الأفكار والقيم والثقافة الإسلامية.. ولا يعتبر مباحاً فقط. بل مندوباً إليه.. هكذا أكمل د. محمد رأفت عثمان كلامه معنا.
وفي حركة أكثر ابتزازاً، خرج على الناس مستشار الشركة المنتجة ليقول: إن الفيلم قد حصل على موافقة الأزهر بعد الاتفاق على حذف المشاهد المعترض عليها، وعرض النسخة المصوّبة على الأزهر، حيث سيتم حذف المشاهد المطلوب حذفها في استديوهات أمريكا، وبعدها يتم عرضه على مجمع البحوث الإسلامية مرة أخرى.
وقد حدا هذا التصريح بالشيخ "سيد وفا أبو عجور" الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية إلى القول: إن الفيلم لم يحصل على موافقة مطلقة من قبل، بل كانت موافقة "المجمع" مشروطة بضرورة حذف المشاهد التي يظهر فيها "سيدنا حمزة" وتصحيح الأخطاء الأخرى.
وأضاف أمين عام مجمع البحوث الإسلامية: لن يحصل الفيلم على الموافقة بالنشر والتداول والعرض إلا بعد مشاهدة النسخة الخيرة المعدلة منه، وعرضها على لجنة مختصة مشكلة من مخرج مسلم وعالم في السيرة النبوية، وأستاذ في التاريخ الإسلامي وخبراء في فن الكرتون لتقويم تأثيرات الصور التي يعرضها الفيلم على الأطفال.
وقال الشيخ "سيد وفا": إن مجمع البحوث هو صاحب الحق الأول والوحيد الأصيل في إجازة عرض الفيلم أو منعه، وقد طالب الأزهر هيئة الرقابة على المصنفات الفنية بمنع تداول الفيلم لحين إخطاره بموافقة نهائية وصريحة على العرض والتداول بعد إدخال التعدلات المطلوبة.
لكن "مدكور ثابت" رئيس الرقابة على المصنفات الفنية أعلن أنه لم يتسلم أي رسائل من الأزهر تطلب منع عرض الفيلم أو تداوله، كما لم يتسلم أي طلب من الشركة المنتجة لعرض الفيل في مصر، باستثناء طلبها عرض المشاهد المشار إليها لمدة "دقيقتين"!.
مفاجأت
بمراجعتنا للجهات المختصة.. ولشهود العيان.. أكد الدكتور محمد رأفت عثمان، أن العرض النهائي لم يتم حتى الآن، وذلك بعد مرور ستة أشهر من العرض الخاطف الأول.
*وما رأيكم في الفيلم بصورة كلية؟
لا يمكن أن أقول رأيي في شيء لم أره.
---------------------------------
المصدر : مجلة المجتمع الكويتية / العدد 1482-2001/12/29
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة