مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 نظرة الغربيين للاسلام
مداخلات الدكتور التهامي على آراء المستشرقين في القرآن
عبد الجبار الرفاعي


كتاب "مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الاسلامية"، الذي أسهم في اعداد ابحاثه مجموعة من العلماء المتخصصين في المعارف الاسلامية، اضحى من المراجع الاساسية، في تشخيص بنية الوعي الاوروبي في المعرفة الاستشراقية، حيث نجد فيه تتبعاً واسعاً، ورصداً علمياً جيداً لمرجعية البحوث الاستشراقية، في علوم القرآن الكريم، والحديث الشريف، والسيرة الشريفة، والفقه، والفلسفة، والفنون الاسلامية، حيث تولى الكتابة في كل حقل من هذه الحقول أحد أبرز المتخصصين في العالم العربي في ذلك الحقل.
وقد حاولت الصفحات المتقدمة ان تحدد الوجهة التي اتخذتها المناهج التي اعتمدها المستشرقون في الدراسات الاسلامية، كما سعت لأكتشاف الثغرات الاساسية في هذه المنهاهج، منه خلال النتائج التي انتهى اليها الباحثون في هذا العمل المرجعي.
بيد ان الاطلالة على محتويات هذا العمل والفصول التي تألف منها، يمكن ان تكشف عن ملامح الصورة ستتجلى لنا بعض أبعادها بنحو أجلى وأوضح، من هنا نخال أن المرور العاجل على محتويات هذا الكتاب أمراً مفيداً.
سنجد في فهرس محتويات الكتاب (المجلد الأول) ثمانية فصول، تبدأ بالقرآن الكريم، وتنتهي باللغة والآداب، وفي كل فصل من هذه الفصول تولى معالجة الموضوع أحد المتخصصين، فمثلاً يكتب عن: القرآن والمستشرقين، الدكتور التهامي نقرة، وهو رئيس قسم القرآن والحديث في الكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين في تونس، فيما يكتب عن: المستشرق شاخت والسنة النبوية، الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، استاذ الحديث وعلومه في جامعة الملك سعود بالرياض.. وهكذا بقية الموضوعات.
لقد اكتشف هؤلاء الباحثون، مجموعة من النتائج المتشابهة، التي تنتهي اليها الكثير من الدراسات الاستشراقية، وتتلخص هذه النتائج في:
1_ ان العنصر الشرقي _العربي المسلم _ متخلف بفطرته، وطبيعته الجنسية، والمناخية، الامر الذي عطل فيه دوافع الابداع والابتكار.
2_ ان الاسلام دين نهي وأوامر وزجر، وكبت للحرية، والاجتهاد، الامر الذي أنتج أمة فاقدة للشخصية خاضعة للمشيئة، مسلوبة الارادة.
3_ إن محمداً نبي العرب المسلمين هو أقرب الى الشخصيات الاصلاحية منه الى الأنبياء المرسلين برسالة للعالمين.
4_ إن دور العلماء المسلمين في كل أطوار التاريخ لم يتعد النقل عن الحضارات واللغات الأخرى نقلاً حرفياً مجرداً، وأحياناً نقلاً محرّفاً دونما إبتكار أو إضافة.
5_ ان علاج الامة الاسلامية ونجوتها من الكبوة، يكمن في احتذاء النموذج الغربي سلوكاً وتطبعاً وثقافة(1).
في بحثه عن القرآن والمستشرقين يقدم الدكتور التهامي نقرة لمحة تمهيدية حول عوامل اهتمام رجال الفكر الاسلامي، بما كتبه المستشرقون عن الاسلام، فيذكر أربعة عوامل هي:
1_ حب الاطلاع على آراء المفكرين غير المسلمين في الاسلام وفي كتابه ونبيه، ولا سيما المستشرقون الذي نظروا اليه من عدة زوايا بحسب ثقافة كل باحث وتخصصه.
2_ الرد على مطاعن المتعصبين منهم على الاسلام، وعلى صاحب الدعوة في نبوته وصلته بالقرآن لدحض أقوالهم، وتفنيد افتراءاتهم.
3_ التنبيه الى ما وقع فيه بعضهم من أخطاء لغوية، أو علمية، أو تاريخية عن جهل أو عن سوء فهم وضيق نظر.
4_ الافادة من بحوث المستشرقين، وبالأخص تلك التي نلمس فيها تحرراً من ضغوط الأيديولوجية الكنسية الاستعمارية، ويغلب عليها الطابع العلمي المجرد من الاهواء والأحكام المسبقة(2).
ثم ينتقل الباحث بعد هذا المدخل، الى بيان أبرز المطاعن والشبهات التي أثارتها البحوث الاستشراقية حول القرآن الكريم، فيبدأ بالشبهة التي تثار حول "مصدر القرآن" والتي تهدف الى نفي التنزيل والقول ببشرية القرآن.
وقد اضطلع الباحث باقتباس نصوص متعددة من كتابات المستشرقين، تفضي الى بيان هذه المسألة. فمثلاً يزعم المستشرق (ويلز G. Wells) ان محمداً كان رجلاً دفعته طموحاته ووساوسه في سن الكهولة الى تأسيس دين ليعد في زمرة القديسين، فألف مجموعة من عقائد خرافية وآداب سطحية وقام بنشرها في قومه، فاتبعها رجال منهم (3).
اما جولد تزيهر فيتخيّل ان "تبشير النبي العربي ليس إلاّ مزيجاً من معارف وآراء دينية، عرفها بفضل اتصاله بالعناصر اليهودية والمسيحية.." (4).
وبعد ان سرد هذه الادعاءآت، عاد ليفندها بشكل مفصل، وليبرهن على ان الوحي القرآني خارج عن الذات المحمدية، وان المصدر الأول للقرآن الكريم هو الله تعالى.
والشبهة الاخرى التي شاعت في كتب المستشرقين، تناولت النص القرآن ذاته، والوسائل التي استخدمت لحفظه، فأوردها الدكتور نقرة تحت عنوان "الوثوق بصحة النص القرآني"، وأوشح بأن مرجع الشك الذي أثاره المستشرقون في هذه المسألة يعود الى عنصرين، هما:
1_ جمع القرآن ونسخه.
2_ اختلاف القراء والقراءات.
وقد أكد ان اختلاف القراءات لا يبلغ بحال مبلغ التضاد أو التناقض، في القراءات المعروفة، ولكن المستشرقين اهتموا بالقراءات الشاذة فتأولوها بما يحلو لهم.
كما أشار الباحث الى نافدة أخرى لأثارة المطاعن على القرآن الكريم في هذه الدراسات، حيث يعمد بعض المستشرقين على تقديم تفسير آخر للآيات القرآنية الكريمة لم يقله أحد من مفسري القرآن، أي يتبنى هؤلاء تفسيراً للآية لا يوافق اللغة أو الاستعمال، وانما ينسجم مع الموقف القبلي الذي يريد المستشرق ان يلوي عنق النص القرآني طبقاً له.
ـــــــــــــ
1_ مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الاسلامية. مقدمة الجزء الأول، ص 10.
2_ ن. م، ص 21_25.
3_ ن. م، ص 31، عن: الاسلام والثقافة العربية في مواجهة الاستعمار، ص 239.
4_ جولد تزيهر، العقيدة والشريعة في الاسلام. القاهرة: 1948، ص 12.
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة