مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 حسين احمد امين
قصور الرد الإصلاحي في الموقف من الغرب


لقد أصاب الأفغاني ومحمد عبده وأتباعهما في بيانهم لضرورة إعادة تفسير الإسلام تفسيراً يوائم احتياجات العمر الحديث والمجتمع المتغير. غير أن موقفهم الدفاعي والاعتذاري تجاه الحضارة الغربية حال دون تقديمهم لمثل هذا التفسير الشمولي، ومال بهم إلى الاقتصار في فكرهم على التصدي لقضية هنا وقضية هناك من القضايا التي تشغل الأذهان في الغرب، مثل الديموقراطية ووضع المرأة، وذلك من قبيل الرغبة في الرد على خصوم الإسلام في الغرب، أو الأخذ بمشورة الأصدقاء الناصحين في الغرب أيضًا. وقد كان أنصار التيارات الإسلامية الجديدة على حق في انتقاداتهم للموقف "التغريبي " لدى هؤلاء المصلحين التوفيقيين. غير أن أنصار هذه التيارات، باندفاعهم في الاتجاه المضاد، وقعوا في خطأ مماثل. إذ بينما ركز الأولون على نفي أن تكون فائدة البنوك من الربا المحرم، ونفي أن يكون الإسلام قد انتقص من حقوق المرأة، وحدّ من دورها الاجتماعي، والإصرار على أن الشورى الإسلامية هي بعينها ديموقراطية الغرب السياسية، وعلى اهتمام الإسلام بالدعوة إلى تنمية العلوم وتحصيلها؛ أو بعبارة أخرى: بينما ركز الأولون علي بيان اتفاق الإسلام مع المقومات الإيجابية للحضارة الغربية، اتجهت الجماعات الإسلامية الجديدة إلى انتقاء قضايا محدودة للغاية لإثبات تميز الإسلام واختلافه عن المفاهيم والقيم الغربية، كضرورة عودة النساء إلى الحجاب، وضرورة تأسيس بنوك إسلامية لا فائدة فيها، وضرورة إقامة الحدود الشرعية كقطع يد السارق وجلد الزاني وشارب الخمر، والتفرقة في المعاملة بين المسلمين وأهل الذمة. أما فيما عدا هذا من مسائل اقتصادية واجتماعية وسياسية بالغة الحيوية والأهمية، فلا يكاد يكون ثمة علاج أو برنامج أو فكر. وهو ما يقودنا إلى نتيجة مهمة: هي أن فكر الجماعات الإسلامية الجديدة ليس أقل انشغالا بالغرب من فكر المصلحين التوفيقين. ولكن الأفغاني ومحمد عبده وتلامذتهما انشغلوا به على نحو إيجابي، في حين انشغلت به الجماعات الجديدة على نحو سلبي.
من أجل استجابة صحيحة
قلة قليلة فحسب من المفكرين الإسلامين المحدثين رأت الحل الأمثل في الإقدام على دراسة موضوعية هادئة للأفكار والنظم الغربية من أجل تحديد طبيعة الاستجابة الصحية الواجب على المسلمين أن يتبنّوها إزاء الضغوط الغربية المختلفة على مجتمعهم. فإن كان في الحضارة الغربية من العناصر ما هو فاسد مفسد، فالكثير من الأفكار والنظريات التي ورثناها عن أسلافنا المسلمين هو أيضاً فاسد مفسد. وما لم نتصدّ بالدراسة لتراثنا وتقاليدنا هي الأخرى بالموضوعية نفسها والهدوء والمعايير العلمية والحرص على تجنّب الآراء التحكمية، فما من أمل يبقى في قدرتنا على مواجهة التحديات المعاصرة. كما أنه ما لم نول اهتمامًا بما يمكن للدين أن يحققه لخير الإنسان الاجتماعي والاقتصادي مماثلاً لاهتمامنا بما يمكن للإنسان أن يفعله من أجل تمجيد الخالق، فما من أمل يبقى في قدرة الإنسان على حل المعضلات.
غير أنه حتى هذه القلة القليلة المتعقلة نراها اليوم في انحسار. فتفاقم مشكلات المجتمع العربي، وتعاظم المد الفكري والحضاري الغربي، يميلان بالبعض إلى هجر الاعتدال وفقد الثقة بجدواه، والتعاطف مع التطرف باعتباره السبيل العلمي الأوحد إلى مواجهة الأخطار التي تهدّد بابتلاع هوّيتنا، واستفظاع بهاظة الثمن الاجتماعي والنفسي الذي لابدّ من دفعه إن نحن أردنا اللحاق بركب الغرب في مضمار التقدم. أضف إلى ذلك أن انتشار تأثير الجماعات الإسلامية المتطرفة في صفوف الجماهير العريضة، وازدياد فرص استيلائها على الحكم، خلال سنوات قلائل، دفعا بعض الانتهازين من المفكرين إلى التضحية باستنارته، والتعبير عن تعاطفه واتفاقه في الرأى مع فكر تلك الجماعات، من أجل ضمان الرضا والشعبية، أو الاستفادة المالية من حكومات دول عربية غنية تنفق بسخاء على وسائل نشر ذلك الفكر. هذا إلى أن ميل السلفيين إلى الدخول في تنظيمات تجمع شتاتهم، وتنسق خطاهم، وميل المجددين المستنيرين، شأن المصلحين التوفيقين قبلهم، إلى العمل فرادى، لا يصبرون على تنظيم، يزيد من فرص نيل الأولين دون الآخرين لأغراضهم.
عن كتاب ( الاسلام و الغرب )
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة