مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 المسلمون في الغرب
حديث إلى أبناء العمومة
د. طه جابر العلواني


لا أعني بأبناء العمومة ـ هنا ـ أقاربي أو أبناء عشيرتي "البوعلوان" على حبي لهم وتقديري، بل أعني أبناء أمريكا اللاتينية أو (Latino Americans) فقد حضرت لقاء ضم مسلمين جدداً منهم في شيكاغو، وتفحصت أشكالهم ووجوههم، واقتنعت بأنني بين عرب من الخليج أو العراق، فالسحنة والتقاطيع والأشكال والأطوال ـ لا يسهل على الإنسان أن يميزهم في شيء من ذلك عن العرب اليمنيين أو أبناء الجزيرة، والخليج أو أبناء العراق، وبخاصة جنوبه وجنوبه الغربي، لكنها اللغة، فحين يتكلمون "الإسبانية" تدرك أنك بين آخرين، لكنك لن تستطيع إلا أن تفكر في أصولهم العربية وجذورهم، وآنذاك تستحضر ـ شئت أم أبيت ـ تاريخاً حافلاً يوم بلغ أجدادنا وأجداد هؤلاء "الأندلس"، وأعلوا فيها كلمة الله واستمر ملكنا فيها ثمانية قرون بحلوها ومرها، ولولا اختلاف أهل السيف والسلطان وتنافسهم على السلطة تنافساً كان يحمل الكثيرين منهم على التحالف مع أعدائهم الصليبيين ضد إخوانهم وأبناء عمومتهم، فصارت الدولة دولاً، والأمة الواحدة أمماً، ولو قدّر لأجدادنا هناك أن يروا الحق حقاً ويتبعوه، وأن يروا الباطل باطلاً ويجتنبوه، ويدركوا مهمة المسلم في الأرض على حقيقتها، لربما استمر الوجود الإسلامي في الأندلس إلى اليوم، ومن يدري ربما كان منهم الذين اكتشفوا أمريكا، لا من غيرهم، ولكان من المحتمل أن تكون أمريكا اليوم من بين ديار المسلمين!، لكنها الفرقة والاختلاف، وحب الدنيا وكراهية الموت والغفلة عن الرسالة، ونسيان المهمة، فانتهى وجودنا الإسلامي في الأندلس عام 1492م، وبلغها رسل الإسبانيول النصارى، ترى لو أن أسلافنا في الأندلس اكتشفوا أنفسهم، وعرفوا ذواتهم، وأدركوا مهامهم ورسالتهم، وقاموا بواجبهم نحو الإسلام هل كان حدث ما حدث؟ وهل كانت أمريكا على ما هي عليه اليوم، وهل كانت أوروبا على ما هي عليه الآن؟ قطعاً لا، ولكن قدَّر الله وما شاء فعل.
قصرنا تجاه الإسلام فضعنا وأضعنا الإسلام، وهان الإسلام علينا فَهُنَّا على الله، واستهانت بنا الأمم.
لقد حاولت القوى المعادية للإسلام والمسلمين أن تجعل خروج المسلمين من الأندلس خروجاً مأساوياً لا يسمح لهم بالتفكير بالعودة إليها، فأتبعت معهم سياسة الحرق والإبادة بقرارات أشبه ما تكون في أيامنا هذه بقرارات المحاكم العرقية والعسكرية، فتم إحراق كل مسلم أو مسلمة اكتشفوا إسلامه، وفرضوا رقابة شديدة على أولئك المستضعفين من "المورسكيين" المسلمين الباقين الذين لم يستطيعوا الفرار، ولم يقتلوا في حملات الإبادة التي صاحبت عملية احتلال المدن الأندلسية.
لقد ذكرَّت الإخوة والأخوات الذين حضروا ذلك اللقاء بجذورهم، وأكدت لهم أنهم عائدون إلى الإسلام، لأنه دينهم الأصلي، وانهم لم يدخلوه أو ينتقلوا إليه باعتباره ديناً جديداً عليهم، وهم حديثو عهد به، ثم ذكّرتهم بآبائهم الذين أحرقتهم محاكم التفتيش، فبكوا وبكيت، وقلت لهم: من يدري لعل من بين أولئك الذين أحرقوا أجداد لبعض من هم بيننا ـ الآن ـ في هذه القاعة، وذكرني ذلك بما حدث لأهلنا في البوسنة والهرسك وكوسوفا وغيرها، أما فلسطين وأفغانستان فلها حديث آخر، وأما كشمير فحديثها حديث عموم الهند الذي لابد لنا يوماً من التعريج عليه.
فما الدروس التي علينا أن نخرج بها من تذكر وقائع التاريخ؟
1- أن أمتنا أمة القرآن والإسلام، حياتها ووجودها وكيانها ـ كله ـ مرتبط بالقرآن والإسلام، فالعيش في أي مكان لا ترفع فيه راية القرآن والإسلام غير مأمون العواقب. فعلى المسلم ـ أنَّى وجد ـ أن يعمل لإعلاء كلمة القرآن والإسلام، وإلا فهو على خطر عظيم.
2- إن أمتنا أمة مخرجة، لا وطن لها جُعلت لها الأرض ميداناً ومسجداً وطهوراً، فلا ينبغي لها أن تغفل عن أي أرض أو جزء من الأرض، أو تهمل الدعوة إلى الله فيه حتى يبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار ويصل إلى أهل كل بيت في الأرض، (إِلاَّ تَفْعلُوهُ تَكُن فِتْنةٌ فِي الأَرضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ) (سورة الأنفال/ 73 ).
3- أن حياة المسلمين وعزتهم، بل وجودهم وأمنهم مرتبطة أشد الارتباط بالإسلام، فإما الإسلام وإما الهلاك في الدنيا والآخرة.
4- أن دار المسلم وقراره حيث يوجد الإسلام، فإذا غاب فلا دار للمسلم ولو ملك وباع واشترى وأخذ وأعطى.
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة