مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

نظرة الغربيين للاسلام
تجاوزات لغوية وتاريخية في نتاج موسوعي استشراقي
فؤاد كاظم المقدادي


إشتمل "قاموس المنجد" _أوّل صدوره _ على قسمين أو قل قاموسين: الاوّل قاموس للألفاظ اللغويّة، وهذا عليه مآخذ كثيرة أهمّها عم اعتماده على الشواهد والدّلالات اللغويّة الواردة في القرآن الكريم إلاّ نادراً، باعتباره أبرز مصدر يعتمد لُغويّو العرب عليه، لكونه جاء بأبلغ وأفصح لغتهم في ظرف بلغوا القمّة في ذلك. والثاني هو قاموس اُطلق عليه "معجم الآداب" إعداد "فردينال نوكل" وهو القاموس الحافل بالأخطاء والشبهات والذي عرضَ له العديد من الباحثين وكشفوا عن أخطائه، حتّى أن أحدهم أحصى فيه أربعمائة خطأ شائع _تاريخي وعلمي _ وأحصى آخر مائة خطأ _تاريخي وجغرافي _ من الأخطاء الصارخة، وعند استقصاء المصادر التي اعتمد عليها مؤلّف القاموس المنجد نجدها عبارة عن دائرة المعارف الإسلاميّة التي سنشير اليها عند دراستنا للنموذج الخامس. ومن المصادر التي اعتمد عليها أيضاً كتاب التمدّن الإسلامي لـ "جرجي زيدان" وكتاب تاريخ الشعوب الإسلاميّة لـ "بروكلمان" الذي مُلىء بالافتراءات والتشويه للحقائق الإسلاميّة، وكمثال على ذلك ما ورد في فقرة "معركة اُحد" من اظهار للرسول بمظهر المعتدي على اليهود وأن القرآن الكريم قد أشاد بالخمر عطيّةً من عطايا الله الكبرى إضافة إلى اختلاق علل لتشريع حرمة الخمر ما أنزل الله بها من سلطان، وغيرها من الافتراءات. ونقتطع النصّ التالي من الفقرة المذكورة نموذجاً لذلك: ".. ولكنها [معركة اُحد] أثّرت في مركزه (النبي) ومكانته عند البدو المحليين. وإنّما يظهر ذلك، مثلاً في مقتل أربعين من رسله في ربوع قبيلة هوازن. وكان على محمد أن يعوّض هذه الخسارة التي اصابت مجده العسكري من طريق آخر، ففكر في القضاء على اليهود، فهاجم بني النضير لسبب واه وحاصرهم في حيّهم. وإذ لم يجرؤا إخوانهم في الدّين، من بني قريظة، على أن يسعفوهم، فقد اضطرّوا إلى الاستسلام بعد حصار دام بضعة أسابيع. ثم إنّهم هاجروا إلى واحة خيبر، التي تقع على مسافة عشرين ميلاً شمالي المدينة، والتي كانت تنزل فيها جالية كبيرة من اليهود. ووزّع النبي أراضي بني النضير على المهاجرين.
وعقب ذلك بقليل، حُرّمت على المسلمين الخمر، وكانت بعض الآيات (سورة 16:69) قد اشادت بها كعطيّة من عطايا الله الكبرى. وحُرّم الميسر، أو القمار على لحم الابل، وكان سبباً في إفقار كثير من البدو. والواقع أنّ تحريم الخمر (سورة 2: 216 وسورة 5: 92) كان يهدف إلى تقييد الشعراء الذين كانوا كثيراً ما يتغنون بمجالسهم الخمريّة المعربدة، هذه المجالس الّتي كانت خليقة بان تفسد روح النظام العسكري الصارم الّذي أراده محمّد لأتباعه. ولكن بعض المسلمين لم يلبث أن خرج على القانون، فعاقر الخمرة".
ومن نماذج الافتراءات والتزوير في قاموس المنجد _التي تكشف عباراتها وشروحها عن تعصّب وحقد وفساد في المنهج وبعدٍ كبيرٍ عن العلميّة والإنصاف _ ما جاء تحت مادّة "محمّد" (ص) بالنص التالي: "محمد نبيّ المسلمين من بني هاشم، تزوّجَ من خديجة ورُزق منها فاطمة، دعا الأعراب إلى الإسلام وانتصر على المكّيين في بدر، ولكنّهم غلبوه في اُحد، فحاربهم في حنين ودخل مكّة ظافراً"، وهذا كلام ناقص مشوب بتجاوز الحقائق التاريخيّة الثابتة.
ولا نشكّ في أنّ قاموس المنجد من أخطر القواميس التي انتشرت في دائرة واسعة وتناولته الأيدي في كل مكان، وذلك لما يحملهُ من أخطاء وإفتراءات وتزوير حاقد، خصوصاً فيما حقّقهُ من إدخال كثير من المصطلحات الكنسيّة والطائفيّة واللاهوتيّة إلى الألفاظ العربيّة، علماً بأنّ هذه المصطلحات ليست عربيّة أصلاً. فضلاً عن تفسيرها من قبلهم تفسيراً لا يتّفق مع مفاهيم الإسلام. ونحن عندما نراجع الجانب اللّغوي والتاريخي لهذا القاموس نجده يُقحم تعابير واصطلاحات خاصّة بالكهّان النصارى كمصطلح: كهنوتي وقدس وقدّاس.. وغير ذلك، في المفردات اللغويّة ومعانيها.. وهكذا في الحقائق والمعارف التاريخيّة.
وتتجلّى النظرة الواقعيّة لهذا القاموس لو طالعنا المصادر التي أشرنا إليها والّتي اعتمد عليها المؤلّف، وهي جميعها مصادر غير أصيلة، لانّها تتراوح بين مصادر أجنبية متّهمة في دوافع مؤلّفيها، ومصادر حديثة كدائرة المعارف الإسلاميّة ومجاني الأدب للأب "شيخو اليسوعي" ومؤلّفات جرجي زيدان وبروكلمان. وقد ملأت المطاعن في نزاهة وموضوعيّة هذه المراجع وقيمتها العلميّة الأفاق، وأصبح عدم الوثوق بها أمراً قطعيّاً. كما أنّنا لانجد بين هذه المصادر أيّ مرجع أصلي من الكتب العربيّة المعتمدة في كثير من المواد التي يشتمل عليها هذا القاموس، إضافة إلى أن الترجمة من المصادر الأجنبيّة كثيراً ما يُغيّر فيها لفظ الشيء المترجم، خصوصاً إذا كان المترجم له ليس عَلَماً بل اسم محلّ أو شخص غريب، فلا ينفع في هذه الحالة إلاّ الرجوع للمصادر الأصلية التي تورده على وجهه. وقد أشار بعض الباحثين إلى أنّ من أكبر الأخطاء المتعمّدة والدسّ والتلبيس في هذا القاموس سكوته عن بعض الحقائق الثابتة تاريخيّاً عند المسلمين، كموقفه من مسيلمة الكذّاب الذي ادّعى النبوّة، حيث يقول عنهُ: "مسيلمة من بني حنيفة من اليمامة عاصرَ محمّداً وعرض عليه أن يشاركهُ النبوّة فقتل في موقعة عقرباء" ولم يذكر شيئاً آخر وسكت، وهنا يلاحظ القارىء مدى تمويههم للحقائق عن طريق التلاعب بالعبارات، إضافة إلى أن عدم ذكر اُكذوبة نبوّة مسيلمة ستجعل القارىء يتخيّل أو يحتمل أنّ مسألة النبوّة كانت أمراً يُتنافس عليه أو (على الأقلّ _ تصوّر إمكان صدق دعوى مسيلمة بالنبّوة في مقابل دعوى محمّد (ص).
------------------------------------------
المصدر : "الاسلام وشبهات المستشرقين"
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة