مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

الاسـلام والغرب نظرة الغربيين للإسلام
مناقشة لإثارة المستشرق الدنماركي بوهل حول نبوة صالح وهود في القرآن الكريم


تحت مادة "صالح" في دائرة المعارف الإسلامية، يكتب المستشرق الدنماركي فرانتس بوهل: "ومما يستلفت النظر بالإضافة إلى ذلك أن قصتي صالح وهود تناقضان الدعوة المألوفة التي أتى بها محمد في سورة العهد المكي من حيث قوله إنه لم يرسل من قبله نبي إلى العرب (سورة القصص، الآية 46؛ سورة السجدة، الآية2؛ سورة سبأ، الآية44؛ سورة يس، الآية5)".
يحاول بوهل في إثارته هذه رصد ما يعتبره تضارباً بين آيات القرآن الكريم، فحسب رأيه أن طائفة من الآيات (المكية) تؤكد عدم بعث الله نبياً إلى العرب قبل الرسول محمد، بينما الآيات الخاصة بقصتي صالح وهود تشيران إلى الضد من هذا.
ويمكن الرد على هذا التمحّل الغريب بما يأتي:
أ ـ أن الآيات التي استدل بها "بول" هي: الآية "46" من سورة القصص التي جاء فيها: (لِتُنذِرَ قَوماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذيرٍ مِّن قَبْلكَ ...)، والآية "2" من سورة السجدة التي جاء فيها: (لتُنذِرَ قَوماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلكَ)، والآية "44" من سورة سبأ والتي جاء فيها: (وَمَا أَتَيْناهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلنَا إِلَيْهِمْ قَبْلكَ مِن نَّذِيرٍ)، والآية "5" من سورة يس التي جاء فيها: (لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنِذرَ أَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ)، حيث أن الكاتب قد استدل بها على عدم إرسال الرسل وبعث الأنبياء قبل الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى العرب، وبهذا ادّعى اكتشاف تناقض بين هذه الآيات والآيات التي أوردت قصتي صالح وهود، وأنهما نبيّان أُرسلا إلى عاد وثمود وهما من العرب.
وجواب ذلك واضح لمن يتأمّل في الآيات الأُولى، حيث أنها لم تقصد بالقوم "العرب" عمومهم منذ البدء وإلى عصر دعوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما كانت تقصد ذلك الجيل الذي يستوعب قوم العرب المعاصرين لنبوّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وآباءهم القريبين، وهذا هو الواقع حقاً، حيث انقطع الوحي الإلهي فترة من الزمن، ولم يُرسل رسول لهم أو يظهر نبي بينهم، فلا تناقض بين الآيات الأولى والثانية.
ب ـ قول "بول Fr. Buhl" في دعواه هذه من أن عدم إرسال الرسل وبعث الأنبياء للعرب مألوف في سور العهد المكي، والواقع خلاف ذلك فهناك آيات مكية تصرّح ببعث الأنبياء وإرسال الرسل إلى العرب وكل الأقوام والأمم، منها قوله تعالى: (إِنَّا أرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشيراً وَنَذيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّ خَلا فيها نَّذير)، ومنها الآيات المكية التي تتحدث عن قصتي النبيين صالح وهود عليهم السلام، منها قوله تعالى: (وَإِلى ثَمودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلهٍ غَيْرهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنةٍ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ أيةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرضِ اللهِ وَلاَ تَمسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذكُمْ عَذَابٌ أَليمٌ...).
وقوله تعالى: (وَإِلى ثَمودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلهٍ غَيْرهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغِفرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِليهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ...)، وقوله تعالى: (وَإِلى عَادٍ أَخَاهُم هُوداً قَالَ يَا قَومِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلهٍ غَيْرهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْترُونَ ...)، وقوله تعالى: (كَذَّبَتْ ثَمُود المُرْسَليَن* إذْ قَالَ لَهُم أخُوهُمْ صالِحٌ ألا تَتَّقُونَ* إِنّي لَكُمْ رَسُولٌ أمينٌ* فَاتَّقُوا اللهَ وَأطيعُونِ...)، وقوله تعالى: (كذَّبَتْ ثَمُود بِالنُّذُرِ...)، وقوله تعالى: (كَذَّبَتْ ثَمُود وَعاد بِالقارِعَةِ ...) والمثير للاستغراب أن "بول" نفسه قال: "وقد وردت قصتا هذين النبيين في أقدم السور المكية، مثل سورة النجم الآية "51" وما بعدها، وسورة البروج الآية "17" وما بعدها، وسورة الفجر الآية "8" وسورة الشمس الآية "11" وما بعدها، كما ترد كثيراً في السور التي تليها". ثم أليست هذه الآيات قيوداً صريحة تشير إلى إرسال الرسل وبعث الأنبياء للعرب لتنفي بذلك العموم المدّعى وتخصصه بما قلناه أولاً من أنه ينحصر بالمعاصرين والآباء القريبين؟ فمن الذي وقع في التناقض؟ هل هو القرآن الكريم؟ وقد أثبتنا بوضوح عدمه، أم هو "بول" وإضرابه من المستشرقين؟!

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة