مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

الاسـلام والغرب شرفات غربية
المستشرق الهولندي أرندجان فنسنك Arndjan Wensink (1882 _ 1939م)
فؤاد كاظم المقدادي


كان استاذاً للغة العربية في جامعة ليدن من سنة 1927م الى مماته، وقام برحلات الى مصر وسوريا وغيرها من بلاد العرب. اهتمّ بالحديث النبوي، وتولّى الإشراف على تحرير معظم موضوعات "دائرة المعارف الإسلامية" سنة 1925م بلغاتها الثلاث، فأتمّ منها أربعة مجلّدات وخمس ملازم، وكتب مقالات كثيرة في مجالات مختلفة، وله كتب بالإنجليزية عن الإسلام والمسلمين.
رُشّح فنسنك لعضوية مجمع اللغة العربية في مصر، ولشدّة تعصّبه ضدّ الإسلام تعرّض لهجوم من قبل الدكتور حسين الهواري مؤلّف كتاب "المستشرقون والإسلام" الذي صدر سنة 1936م مما أحدث أزمة معه كانت نتيجتها أن رفضت عضوية فنسنك في المجمع، وكان السبب في هذا الهجوم قيامه بنشر آرائه في القرآن والرسول، مدّعياً أنّ الرسول ألّف القرآن تلخيصاً للكتب الدينيّة والفلسفيّة التي سبقته.
ولهذا عُرف بأنّه عدو لدود للإسلام ونبيّه (ص)، ومتعصّب بكتاباته كما في كتابه "عقيدة الإسلام" الذي صدر في سنة 1932م. ولما كانت مدينة "ليدن" وجامعتها في هولندا قد اشتهرت بغزارة انتاجها الاستشراقي، فقد ترأس فنسنك الذي كان يدرّس فيها مجموعة من زملائه للقيام بعملين كبيرين:
أولهما: دائرة المعارف الإسلامية، وصدر الجزء الأوّل منها عام 1913م، التي ضمّنها أخطر آرائه منها ما ورد في كلمة "إبراهيم" وفي كلمة "كعبة". فقد أشار تحت لفظ "إبراهيم" إلى أنّ الآيات المكيّة ليس فيها ذكر لنسب اسماعيل لإبراهيم، ويقول: إنّه لا يعرف شيئاً عن شعور محمد نحو الكعبة في شبابه، وإنّ ما لديه من تاريخ حياته لا يصحّ أن يؤخذ أساساً تاريخيّاً. وينسب فنسنك الى النبي (ص) أنّه لم يشذ عن الجماعة في العبادة المكيّة، أي بعبارة أكثر وضوحاً أنّه كان وثنياً قبل البعثة. ويفتري فنسنك حين يصرّح أنّ كلمة ابراهيم اخترعت اختراعاً، ويزعم أنّ محمداً أراد بهذا الاختراع أن يتصل بإبراهيم.
ويطرح رأيه هذا ليؤكّد نفس المقولة التي رددها أسلافه اليهود والنصارى عندما بُعث النبيّ محمد (ص) بالإسلام، والتي ردّدها القرآن الكريم بقوله تعالى:
(ما كانَ إبراهيمُ يهوديّاً ولا نًصرانيّاً ولكن كانَ حَنيفاً مُسلماً).
ويستمر فنسنك في افتراءاته فيشارك كل من المستشرقين "سبرنجر" و "سنوك" في ترجمة النبي ابراهيم (ع) ضمن دائرة المعارف الإسلامية قائلاً: إنّ القرآن لم يحفل بإبراهيم، ولم يذكر اُبوّته لإسماعيل ولا اُبوّته للإسلام، إلاّ في السور المدنيّة، وسرّ هذا الاختلاف أنّ محمداً اعتمد على اليهود في مكّة، فلما اتخذوا حياله العداء لم يجد بداً من أن يلتمس غيرهم ناصراً. هناك هداه ذكاء شديد الى شأن جديد لأبي العرب إبراهيم، وبذلك استطاع أن يتخلّص من يهودية عصره ليصل حبله بيهودية إبراهيم، تلك اليهودية التي كانت ممهدة للإسلام.
ثانيهما: في مجال فهرست السنّة أصدر كتابين: أحدهما: معجم بالإنجليزية للألفاظ الواردة في أربعة عشر كتاباً من كتب السنن والسيرة. نقله الى العربية الاُستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، وسماه (مفتاح كنوز السنّة). والآخر: المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الذي نشره بالعربية وتوفّي قبل إتمامه.
وقد حقق فنسنك بهذا المشروع الضخم هدفين أساسيين كان يسعى إليهما أغلب المستشرقين في أعمالهم الاستشراقيّة في هذا الباب العلمي. الهدف الأوّل: هو تيسير العمل أمام المستشرقين لتناول السيرة النبوية بشكل تفصيلي دقيق يمكّنهم من استقصاء ما يمكن أن يكون _بعد العلاج _ مورداً للنقض والتشكيك والنيل من الإسلام ونبيّه (ص). والهدف الثاني: تحويل توجّه الكتّاب والباحثين عن السنّة النبوية الى المراجع الاستشراقية، خصوصاً إذا لوحظ امتيازها الفنّي والموسوعي، مما يجعلها في الصدارة والمجال الاوّل بين مراجع المسلمين، فيعتمدون عليها ويكتفون بها رغم ما فيها من خلط وتحريف وافتراء، وينسون مع تقدّم الزمان مراجعهم الأصلية. وفي هذا المجال يقول الشيخ محمد حسام الدين: وكان أخطر عملهم في مادة (حديث) ومادة (سنّة)، لنجد فيها ما يجرح الإسلام وما يُفسد الحقيقة، وانّهم يقدّمون الشبهات في أساليب يعجز عنها الشيطان، وذلك ما رمى إليه "فنسنك" وهو الطعن على وجه أشدّ في المصدر الثاني بعد كتاب الله وهو السنّة النبوية، بل بوصفها البيان لكتاب الله تعالى، فإذا جرى الاعتماد على مراجعهم كان هذا شديد الخطر على الإسلام والأجيال القادمة.
وقد أدخل فنسنك بكتابيه "كنوز السنّة" و "المعجم المفهرس لألفاظ الحديث" أخبار وتقارير شاذة وواهية مردودة نشرها في الكتابين، ودسّها في سياق الصحيح لتسوغ معه وتشتبه به، وليستقر في ذهن القارىء أنّها من الثوابت الواردة عن رسول الله (ص)، وبعضه يصل الى درجة الشناعة وتبرأ منه السنّة الشريفة. وإنّ اعتماد المنهج العقلي والعلمي يقتضي التنويه _ولو إجمالاً _ إلى أنّ الأخبار والروايات المنسوبة الى السنّة الشريفة فيها الصحيح الموثّق، وفيها الضعيف والمرسل والمتروك، ويُطلب من القارىء _على الأقلّ _ مراجعة المصادر الخاصة ببيان قواعدها وطرق التثبّت منها.
--------------------------
المصدر : "الاسلام وشبهات المستشرقين"

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة