نحو نظريِّة عمل شيعيِّة في العراق
ماذا نريد وكيف ؟
ورقة عمل عن أهدافنا الشيعية المستقبلية وآليات العمل
الجزء الثالث
ولكن ماذا نريد نحن ؟
كتابات - شباب آل محمّد


أليس سؤالاً مطروحاً ؟
نعم ، ولكن شيعة العراق لم يطرحوا هذا السؤال على أنفسهم ، المجلس الا على كما قرات لاحد قياديه يريد دولة إسلامية ، ولكن الخط السيستاني لا يقول بذلك ، ومن خلال تتبعي لمواقف المرجعية الدينية أفهم انّها تريد حكومة عادلة تراعي حقوق الجميع ضمن دستور يحترم القيم الاسلامية والتقاليد الوطنية ، وهو قمة الوعي على هذا الصعيد ، وقد صرّحت المرجعية اكثر من مرّة معارضتها للحكومة الدينية في العراق ورفضت تتدخل رجال الدين بالسياسة ، واصرت على ان موقفها هو التوجيه والإرشاد ، فيما يطرح حزب الدعوة الحكم الدستوري التعددي ، وهو موقف يحترم الزمن ، وخط مقتدى الصدر صرّح علانية بتحكيم الشريعة .
لا اريد مناقشة هذه الطروحات ، ولكن اقول أنّها عامّة وليست مفصّلة ، ومهما يكن من امر اتصور ان الذي ينبغي ان نطالب به هو عراق حر ديمقراطي تعددي تُحترم به كرامة الانسان ، فدرالية جغرافية ، توزيع عادل للثروة ياخذ بنظر الاعتبار التنوّع الديني والقومي والمذهبي ، إعلام حر غير موجّه ، وأعتقد أنّ من الواقعية أن لا نطالب بان يكون الاسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع ، بل هو مصدر من مصادر التشريع ، ونريد تأصيل الحرية الفردية ، ونريد أن يكون التصويت هو آلية إتخاذ القرار ، ونريد تثبيت فلسلفة الإنتخابات ، ونريد ضمان حرية العبادة والاديان ، فضلاً عن إحترامها وحمايتها من العبث والفوضى .
هذا بصرف النظر عن التفاصيل
هذا مجمل ما نريده ...
نريده من الحكم والدستور والدولة ...
وهي مطالب الاخرين تقرييا ، فلم نأت بشي جديد ، ولكن سوف يكون الصراع حول التفاصيل ، فليس من شك الشيعة يطالبون بالمحاصصة العادلة في وظائف الدولة والجيش وا لشرطة ، والشيعة يطالبون وبحق إيلاء مناطقهم المدمرة المزيد من الاهتمام لانّهم تحمّلوا المزيد من العنت و الا ضطهاد والدمار ، وهذه تفاصيل سوف لا تمرّ بسلام ...
وماذا بعد ؟
هل هناك اضافة ؟
نعم ...
هناك اضافة مهمة ...
نحن نريد ان نكون كياناً قويّاً من الداخل والخارج ، هذه مطالبنا من الخارج ، أمّا مطالبنا من الداخل هو ان نتحوّل إلى نظم قوي متماسك ، فلم يعد الزمان أميناً ، ولم تعد الوعود السياسية صادقة بالضرورة ، ولم يعد العالم سهلاً ، ولم تعد الا حداث منضبطة بقانون الوعد ، بل هناك عالم رهيب ، لا يمكن أن نتوقع المستقبل بسهولة ... لا ندري ماذا سيحدث ... الأحداث تجري بسرعة ... العالم يركض ... رقابنا رخيصة نحن شيعة العراق ... نعم رخيصة على الجميع بما في ذلك الجيران الذين أتخموا اسواقنا بالترياك والحشيش .
هل هناك إضافة ؟
نعم ...
نريد الحفاظ على قيمنا وديننا والتزامنا ، فهذه قضية مصير دنيوي واخروي ، الشيعة كيان عقيدي بشري في ذات الوقت ، ونحن إنّما تعرّضنا لكل هذا الإضطهاد بسبب الإنتماء ، ونعتبره أنتماء رائعاً ، يمثل أحسن فهم للاسلام ، وهو الفهم الذي تركه لنا أهل البيت عليهم السلام .
هل تدرك المرجعية الدينية ذلك مثلا ؟
هل يعي المجلس الاعلى ذلك فيراجع نفسه ويراجع برامجه وصلاته وتمويله وما يُراد منه ؟
هل يفكر حزب الدعوة بهذا الافق الا ستراتيجي وخاصة الحزب ؟
وأذا كانت المطالب الاولى نتوجّه بها الى الدولة والحكم والدستور ، فإنّ المطلب الداخلي إنما يجب ان نتوجّه به إلى أنفسنا ، بل ربما تفاصيل المطالب الخارجية لا تتحقق إلا بإنجاز المطلب الداخلي المهم ، اي الكيانية الشيعية العراقية .
أنّ الكيانية الشيعية غاية ووسيلة في آن واحد ، وبدونها لا حقوق ، ولا كرامة ، ولا قوَّة ، ولا شخصية ، ولا مستقبل ، ولا دين ...
لستُ أدري اي شي أو اي صيغة غير الكيانية الشيعية ؟
ذلك بالنسة لنا شيعة العراق بهذه الاوضاع المرتبكة المخيفة المتقلبة ، وأنا اعرف جواب بعض رجال الدين ، نحن لا نملك غير الدعاء ، واعرف جواب بعض الحزبيين ، دعنا ندعوا الى الوحدة الاسلامية ، وأعرف جواب البعض، دعونا نتواصل مع الجمهورية الاسلامية ، بل دعونا نذوب بها ، ألم يدع السيد لاريجاني بضرورة تحويل كل ممكنات العالم الاسلامي لايران لانها دولة الا سلام ؟
عناصر الكيانية
لا أعتقد أنّ عناصر الكيانية الشيعية العراقية مجهولة ، هي المرجعية باعتبارها الاب الكبير والاحزاب والتجار والمثقفين وكل منتم ألى هذا المذهب الطاهر ، ضمن النسيج العام للشيعة ، هذه هي الكيانية ، ومن الطبيعي ان تنتظم في برنامج تخصصي من الفكر الى الخطاب الى السياسة الى القوة ، وهي ليست مستحيلة ، يمكن أن نجد لها المسوّغات الشرعية و العقلية والواقعية ، في سياق أهداف واضحة لا تتعدى المطالبة ، بحقوقنا وصيانة إنتمائا العقيدي ، وتمتين علاقاتنا الداخلية ، ومواجهة الاخطار التي تريد بنا شرّا ، وتنظيم علاقاتنا بالخارج ...
هذه الكيانية سوف تحوّل الشيعة من آلية صراع ألى كيان مُصارِع ، بل سوف تحوّلهم الى ( بيضة القبان ) في المجتمع العراقي ، يعني يتحولون الى قوّة موجّهة ، ليس بقوة السلاح ، بل بقوّة الوجود ، وهيبة الحضور ، ورصانة المواقف . هذه الكيانية سوف تصون إنتمائنا الى الدين والمذهب ، سوف تحررنا من الخوف ، ومن الخجل ، ومن الدونية ، ومن الخرافات ... هذه الكيانية سوف تضطر الدول الاقليمية الى إحترامنا ، ولا تفكر بحرقنا .
حقاً أن الكيانية هدف ووسيلة ، فهي مطلوبة لذاتها لانّها بحد ذاتها قوة وجمال وحق ، والقران والاسلام والتشيع يدعو الى كل ذلك ، وهي وسيلة لتأمين الوجود ، وتكثيف الحضور ، وإنقاذ العقيدة ، وتوسيع الطيف ، وتوتير الذات تجاه الجماعة .
ولكن ما هي العوائق ؟
اوَّلاً : العزلة المرجعية بشكل عام ، فإن المرجعية يبدو غير مقتنعة بمثل هذه المشاريع ، منصرفة الى النصح العام ، وتخريج العلماء والخطباء ( ولنا في ذلك تعليق مهم ياتي في محله ) ، وتوزيع الصدقات ، وترشيد الناس بلغة وعظية تقليدية ، وبناء المساجد ، وفي تصوري ان كل هذه النشاطات في طريقها الى الإ ضمحلال في تأثيرها ومستحقاتها ، وهي من حقها ان تفكر بهذه الحدود ، ولذلك اسباب كثيرة يطول ا لحديث عنها الان .
ثانياَ :  وجود قوى شيعية متصلة أو متورطة بالانتماء للخارج ، وحتى إذا إنخرطت في كيانية شيعية سوف تجيّرها من الداخل لصالح الا ستراتيجية الخارجية، بشكل واخر ، عن قناعة عقدية او عن مصلحة سياسية.
ثالثاً : تعدد المرجعيات ، هذه الظاهرة بدل ان تكون سبب قوّة صارت سبب ضعف ، وهي من ألأسباب التي تقف في طريق الكيانية الشيعية ، هناك تنافس وصراع ، تلك هي سنة التاريخ ، دعونا من الكلام العاطفي ، والواقع الذي نعيشه شاهد على ما نقول .
رابعاً : نزعة القيادة الإستحواذية لدى بعض الاحزاب الاسلامية ، وفقرها في الوقت ذاته على صعيد طرح كل مشروع نظمي يجمع الشيعة .
خامساً : إختلاف الاهداف ، فان الاحزاب الاسلامية تريد دولة اسلامية ، والمرجعية مثلا لا تومن بذلك .
والواقع إنّ الظروف الحالية السائدة الظرف لا تسامح كل هؤلاء على صعيد تأسيس الكيانية الشيعية العراقية ، فإن البلد تحت الإحتلال ، والشيعة في خطر سياسي ، وهناك موقف إقليمي بل لا ابالغ شبه عالمي من ان يكون لشيعة العراق موقع قيادي ، بل ان يحصلوا على حقوقهم الطبيعية العادية، و المرجعية في طريقها للضمور الحضوري والتاثيري ، والدولة الاسلامية حلم طوباوي الان ، وايران أُفرغت من كل معلم اسلامي ، بل ا لتشيع هناك معرَّض للخطر الداهم ، فلماذا يعاندون ؟ ولماذا لا يقبلون على هذا المشروع المصيري ؟
بعضهم عن جهل وعدم وعي ...
بعضهم عن مصلحة ذاتية عمياء ...
وبعضهم مأمور من الخارج بشكل وأخر ...
وبعضهم عن عجز وياس ...
وإلاّ ما هو السبب ؟
اليس هناك قيادة روحية ؟
أليس هناك احزاب ؟
أليس هناك تجار ؟
أليس هناك مثقفون ؟
ثمّ ...
أليس الخطر داهماً ؟
ملاحظات مهمة
الأولى : لا نطمح بطبيعة الحال الى كيانية شاملة بين شيعة أهل البيت عليهم السلام ، هذا حلم طوبائي ، بل نطمح إلى نظم معقول بالحجم والمساحة والعمق ، بحيث يُظهر الشيعة كقوّة ضاغطة على أقل تقادير ، كقوّة لها وزنها في تقرير المصير وصناعة القرار السياسي ، قوّة قادرة على تحريك الصراع باتجاه الاهداف النبيلة التي نومن بها ، الاهداف التي سبق وأن أمضيناها .
الأولى : لا يشترط بان يكون كل عناصر الجسم الشيعي في هذه الكيانية ، وفي تصوري أن الظروف الحالية تسمح بدرجة كبيرة على تشكيل نواة هذه ا لكيانية من المرجعية باعتبارها القيادة الروحية وحزب الدعوة الاسلامية ، ومجموعات من المثقفين والتجار ، وبطبيعة الحال القاعدة هي جماهير الشيعة بشكل عام ، وفي تقدير مجرّد ان تتشكل هذه النواة حتى يلتحق بالمشروع الأخرون .
الثالثة : لتكن البداية متواضعة ، ولتكن البداية مشروعاً للطرح ، ولتكن البداية دعوة ونقاشاً ، ومهما يكن من أمر لا محيص عن الكيانية الشيعية ا لعراقية ، وبدونها سيلفّنا الضياع .
الرابعة : أن إ دراة الصراع لا تنجح ولا يؤدي دوره ، بل لا معنى له بدون كيانية شيعية ، وممّا نلاحظه حقاً ، ان هناك كياينات طائفية ودينية صامتة ، إلا ّ الشيعة !
 

الرئيسية  | مركز الصدرين للفكر الإستراتيجي |  العودة للصفحة السابقة