محمد باقر الصدر و تعامله مع الخوئي قدوة رائعة في منهج التعامل مع العلماء
 

للولوج في أي مشروع إصلاحي أو ظاهرة نقد وتجديد سواء كان ذلك الإصلاح والتجديد اجتماعياً أو سياسياً أو أصولياً وفقهياً أو فلسفياً ومنطقياً أو فكرياً عموماً فإنه لابد من الإشارة إلى اليد الطولى والأثر البالغ لرائد حركة التغيير والإصلاح في العراق الحديث ومؤسس النهضة الإسلامية الشاملة في العصر الحديث ألا وهو المفكر الإسلامي الكبير وفيلسوف القرن العشرين آية الله العظمى سماحة السيد الشهيد محمد باقر الصدر(قدس الله خَفِيُّه)ولنستضيء بالماعة خاطفة من سيرته المباركة ولا غرابة في ذلك فهو سليل العترة الطاهرة وابن علي والزهراء عليهما السلام ، وسأحاول هنا أن أميط اللثام عن الكيفية التي كان يتعامل بها سماحة السيد الشهيد محمد باقر الصدر(سلام الله عليه) مع أساتذته من العلماء بما يتناسب مع موضوع البحث ليكون هذا التعامل بعد ذلك يمثل قدوةً يهتدي بهديها المجتمع ومناراً يستدل بنوره كل التائهين والمتخبطين لذلك أقول أننا ((يمكن أن نقدم صورة متكاملة عن علاقته بأهم أساتذته الذي تتلمذ عنده بالمعنى الحقيقي للكلمة وهو آية الله العظمى المرحوم السيد الخوئي (قدس) فإنه يعتبر الاستاذ الحقيقي له والذي حضر أبحاثه الفقهية والأصولية فترة طويلة من الزمن ومن خلال ذلك يمكن أن نشكل صورة إجمالية لسلوكه مع أساتذته الآخرين جميعاً قياساً على ذلك وللأمانة التاريخية أقول : أنه بالرغم مما سنقدمه من رسائل في غاية الروعة كانت قد صدرت من السيد الشهيد الصدر بشأن أستاذه السيد الخوئي(قد) فإن خلافاً غير معلن وقع بينهما في الآونة الأخيرة سبَّب نوعاً من الفتور والبرود في العلاقات وهذا الخلاف على ما أعتقد يُعزى إلى أمرين :
الأمر الأول : هو كيفية تعامله مع أوضاع الشعب العراقي ومشاكله السياسية والاجتماعية وغيرها .
الأمر الثاني : هو بعض الأطراف الذين كانت لهم رؤية معينة في المرجعية بعد السيد الخوئي وكان وجود السيد الشهيد الصدر(قدس الله خَفِيُّه) من الأمور المزعجة لهم فحاولوا إيجاد فجوة بين الأستاذ وتلميذه لكي يخسر ما نسميه بـ( الإرجاع إليه في الاحتياطات) الذي هو أول مؤشرات المرجعية البعدية .
ولكن المهم والذي يجب أن يسجل للأمانة والتاريخ أنه رغم وصول هذا الخلاف في بعض المراحل إلى حدود تكاد تكون فاصلة لم يصدر من أي منهما ما يشين الآخر أو يتعدى حدود الأدب فضلاً عن الشرع وهو يدل على مستوى رفيع من الطهارة والايمان وهنا أود تقديم هذه الصورة الرائعة عن علاقة السيد الشهيد بأستاذه فمثلاً لما أشيع في فترة من الزمن بأن العلاقة بينهما أصابها الفتور والبرود فكتب أحدهم سؤالاً وطلب من السيد الشهيد الإجابة عليه وهذا نص السؤال والجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم
من المعلوم لدينا علاقتكم الروحية منذ القديم مع سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الأعلى السيد الخوئي (دام ظله الوارف) لكن هناك بعض المسموعات التي أوجبت الإجمال مما استدعى أن نتوجه إليكم بالسؤال مباشرةً عن هذا الموضوع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بسم الله الرحمن الرحيم
إن هذا السؤال الذي تتفضلون بتوجيههِ إليِّ يوجب شكري من ناحية إذ تتيحون لي بذلك الفرصة للتعبير عن واقع يعيش في نفسي ويؤلمني من ناحية أخرى ألماً شديداً لأنه يوحي بأن علاقة هي من أشرف وأطهر وأقدس العلاقات في حياتي وكأنها عرضة للشك والإجمال وهي علاقتي بسيدنا وسندنا أستاذنا آية الله العظمى الإمام الخوئي دام ظله الوارف هذا الأستاذ الذي أبصرت نور العلم في حوزته وذقت طعم المعرفة على يده وإن أعظم ما ينعم الله به على الإنسان بعد الإيمان العلم ولئن كنت قد حصلت على شيء من هذه النعمة فإن فضل ذلك يعود إليه فلست إلا ثمرة من ثمرات وجودهِ وفيضهِ الشريف وولداً من أولادهِ الروحيين، وإذا كان هناك من يحاول غضّ النظر عن هذه الحقيقة أو ينسب هذا الغَضّ إليّ إما لأجل صرف قلب الأب عن ابنه أو لأجل استغلال مكانة هذا الإبن للتأثير على المقام الأعلى للأب فإني أغتنم فرصة سؤالكم الكريم لي لأقول لكم بكل وضوح إني أتعامل مع السيد الخوئي دام ظله وسأظل كذلك كما يتعامل الابن مع أبيه والتلميذ مع أستاذه والطالب مع مرجعه وقد صرحت بذلك مراراً للناس وللطلبة وللمسؤولين ولا أرضى عن أي شخص إلا أن يعترف بذلك ويتعامل معي ومعه دام ظله على هذا الأساس،وإذا أراد شخص أن ينوّه بإسم هذا الجانب فليعلم أن مما يٌزعجني أشد الإزعاج أن يخرج هذا التنويه عن مقتضيات العلاقة الطولية بين الابن وأبيه والتلميذ وأستاذه وكل خروج عن هذه المقتضيات مناقض لسلوكي وتعاملي وقد جرى ديدن العلماء على التمييز بين الأمرين بين الإفتاء وإصدار ما يتضمن ذلك لمن يحتاج إليه في عمله الديني الشخصي وبين الالتزام بمتطلبات المرجعية العليا وصيانتها ونحن نرى لزوم التمييز بين هذين الأمرين فلا يجوز الخلط بينهما ولا يجوز مسّ مقام المرجعية العليا ولا يجوز أي عمل يقصد به تفتيت الشمل المجتمع للمؤمنين على مرجعيتهم العليا وتمزيق كلمتهم،وإني أبتهل إلى المولى سبحانه وتعالى أن يُمتعنا بدوام وجود السيد الأستاذ والاستظلال بظلهِ الوارف والقيام بواجب البنوة له والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)) (شهيد الأمة وشاهدها ص171-173)
محمد باقر الصدر
8جمادي الأولى 1396هـ-1976م
*راجع الوثيقة 27 في ملحق الكتاب المذكور تتضمن نص السؤال والجواب بخط السيد الشهيد وختمه الشريف )

-ومن الطبيعي في عملية إعادة بناء المنظومة الأخلاقية في أي مجتمع كان فضلاً عن المجتمعات الإسلامية وفي محاولة لإزالة الغبار عن بعض المفاهيم والقيم الإنسانية وإعادة ترسيخها وتجذيرها في نفوس المجتمع فمن البديهي في علم الاجتماع أن يكون العامل الرئيسي في هذه الخطوات هو إبراز قدوة للجماهير فيمكن من خلال تلك القدوة أن نوجه المجتمع نحو شاطئ الإسلام وإني أرى وإياكم أن محمد باقر الصدر(سلام الله عليه) وكما تقدم في أسلوب تعامله مع أساتذته من العلماء أنه كان وما زال وسيظل يمثل قدوة رائعة لنا وللأجيال القادمة فهل أنتم مقتدون .
 

              

 

الرئيسية