سياستنا تجاه الديمقراطية


الديمقراطية لغةً وكما أسلفنا هي إصطلاح إغريقي الأصل مكون من شقين هما ( ديموس - كراتوس ) وتعني حكم الشعب أو سلطة الأغلبية أما كمفهوم فتعني الحرية في الممارسات الشخصية والفكرية والسياسية و الإقتصادية ، ويرى جان جاك روسو بأن الديمقراطية بالمعنى اللغوي لا يمكن تحقيقها في أي زمان حيث يقول (( وإذا أخذنا عبارة الديمقراطية بكل معناها الدقيق نجد أن الديمقراطية الحقيقية لم توجد أبداً ولن توجد أبداً فممّا يخالف النظام الطبيعي أن يحكم العدد الأكبر وأن يكون العدد الأصغر هو المحكوم ولا يمكن أن نتصور بقاء الشعب مجتمعاً على الدوام للنظر في الشؤون العامة ونستطيع أن نرى بسهولة أنه لا يمكن إقامة لجان من أجل ذلك دون تغيير في شكل الإدارة))(العقد الإجتماعي/ص18) ، أما سياستنا تجاه الديمقراطية فأوجزها بما يلي :

1 – إن الله تعالى يصف الغالبية العظمى من البشر بالجهل وإتباع الهوى والضلال و بالإبتعاد عن الحق وذلك من خلال الآيات القرآنية الكثيرة والمتكررة التي ذكرناها آنفاً ، والله جلَّ وعلا هو خالق الخلق وهو الأعلم بخلقه ، وبالتالي لا يمكن أن يكمن الصلاح والصواب في حكم الأغلبية التي تمثلها الديمقراطية .

2 – إننا نرى وعلى أرض الواقع بأن حرية إختيار الأكثرية والتي تمثل مفهوم الديمقراطية تدور مدار الرغبة وليست المصلحة وما أكثر ما تكمن الرغبة في ما لا يصلح والمصلحة في ما لا يُرغَبُ فيه .
3 – إن الديمقراطية تعني ضياع حقوق الأقليات وتسلّط الأكثرية قسراً وقهراً وبالتالي خضوع هذه الأقليات إلى رغبات وأهواء الأكثرية من دون وجه حق .
4 – إن الديمقراطية وإن كانت تمثل حكم الأغلبية في بادئ الأمر إلا أنها تنتهي بعد ذلك بقليل إلى تحكم وسيطرة الأقلية التي تمثّل رأس المال وبالتالي سيخضع التشريع لذوي رؤوس الأموال وهذا يعني الإيمان المطلق بأصالة الفرد على حساب المجتمع .
5 – إننا نعتقد بعصمة التشريع الإلهي الخالد المتمثل برسالة الإسلام ونرى بوضوح البون الشاسع بين التشريع المعصوم الذي نؤمن به وبين التشريع المشكوك بصلاحيته فضلاً عن عصمته الذي ينتج عن الحكم الديمقراطي .
6 – إننا نؤمن بأن شخصية الحاكم الذي يتصدى لقيادة الإنسانية في مرحلة غياب القائد المعصوم ، يكون معيناً بالصفات والخصائص ويخضع لشروط معينة وليس تنصيبه راجع إلى رغبات وأهواء الجماهير كما هو معمولٌ به في الحكومات الديمقراطية ويرى الفيلسوف الشهيد محمد باقر الصدر بأن شخصية الحاكم والتي يسميها ب ((المرجع الشهيد مُعَيَّن من قِبَل الله تعالى بالصفات والخصائص أي بالشروط العامة في كل الشهداء ))(الإسلام يقود الحياة /ص 17 ) وفي قبال ذلك نرى أنه (( في الحكومة الديمقراطية لا تقييد للشعب ولا للحاكم ، لا بالنسبة إلى آيديولوجية خاصة ولا بالنسبة إلى المصالح النوعية والفضائل الأخلاقية بل نرى الشعب ينتخب من يُجري وينَفّذ نواياه وأهوائه ))( ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية للشيخ المنتظري/ ص 539 )
7 – إننا نؤمن بأن الرسالات السماوية المعصومة لكل الأديان وتحديدا الإسلام الذي هوً ختام تلك الرسالات قادرٌ على قيادة وإرشاد الإنسانية وبما يحقق لها كل آمالها وطموحاتها وبما يكفل إزدهار ورفاهية الشعوب بينما في الحكومات الديمقراطية (( تعتبر قضية فصل الدين عن الدولة شرطاً أساسياً لكل ديمقراطية حقيقية مبنية على أساس إستقلالية السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ))(الإسلام هو البديل/ فيلفرد مراد هوفمان /ص 141 )) وعليه فعلاقة السلطات الثلاث من حيث الفصل والتوحيد يعتمد وبشكل أساسي على علاقة الدين بالدولة .
8 – إننا نتفق مع مفهوم الديمقراطية ونُحَكّم إرادة الجماهير ما لم يحرم ذلك حلالاً أو يحلّلُ حراماً فيؤخذ برأي الأغلبية في الحالات التالية :
ا – في مساحة أحكام المباحات وفيما يُحكم بأصل البرائة فيحكمها الفقهاء بالجواز والإباحة .
ب - في الحالات التي لم يرد بها نصّاً صريحاً في الكتاب والسُنَّة و تحتاج إلى إختيار أحد البدائل من الإجتهادات المشروعة التي يقدمها الفقهاء لملئ منطقة الفراغ الفقهي على ضوء أسس وقواعد وكُلّيات الشريعة الإسلامية والتي تحتاجها الأمة في المستحدثات .
ج – في حالة إختيار الحكام وعلى ضوء المواصفات والخصائص والشروط التي وضعتها الشريعة الإسلامية وبعد أن يتم ترشيحها من قبل المرجعية الدينية لتلك المسؤولية وكل ذلك في حالة غياب القائد المعصوم ووجود مرجعية دينية موحدة .
وهذه مساحة ما يُعَبر عنه بإلاصطلاح الإسلامي ( الشورى ) و يرادف مفهوم الديمقراطية .
ولا بد من ذكر حقائق سياسية وتأريخية مهمة غفل أو تغافل عنها الجميع وهي أن المسلمين الشيعة الإمامية الإثنى عشرية هم أول من جسَّد مفهوم الديمقراطية من حيث حرية الإختيار الفكري والعقائدي بحيث يحرم شرعاً عند أبناء هذه الطائفة التقليد في أصول الدين الخمسة وهي ( التوحيد لله – العدل – النبوة – الإمامة – المعاد ) وبذلك أطلق العنان لحركية وديناميكية العقل الإنساني ليختار ما يشاء ويؤمن بما يشاء ، وكذلك كانت هذه الطائفة أول من جسَّد مفهوم الديمقراطية وبأعلى مراحلها من حيث إختيار الحاكم وذلك منذ أكثر من ألف ومئتي عام ، أي بعد غياب القائد المعصوم وهو الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر بحسب إعتقاد هذه الطائفة فهو الذي أعطى الحرية للأمة بأن تختار من تشاء من القيادات الدينية التي تقود الأمة على ضوء الشريعة الإسلامية وذلك بقوله ( عج ) (( وأما الحوادث الواقعة فإرجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حُجَّتي عليكم وأنا حُجَّة الله )) ،
كما أرى بأنه من الضروري بل من الواجب بأنْ أحذّر الإنسانية وأوضّح للأمم والشعوب على مختلف إتجاهتها الفكرية والعقائدية ومكوناتها الإجتماعية بإنَّ قوى الإستكبار العالمي التي كانت في الأمس القريب تنتقد وتتصدى لتصدير الثورة الفكرية الإسلامية التي نادى بها ودعا إليها السيد روح الله الموسوي الخميني سلام الله عليه ، تجيز لنفسها اليوم تصدير بل و قيادة ما يسمى ب ( الثورة الديمقراطية ) قيادة ميدانية مباشرة بعد أن تخلَّت عن إستراتيجيتها السابقة المتمثلة بتنصيب الدكتاتوريات على الشعوب قسراً وقهراً من خلال عملائها وأذنابها ، وإنها اليوم تتبنى نظرية ( الفوضى المنتظمة ) أو بتعبير آخر اللا إستقرار المسيطر عليه ، لأن الإستقرار السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي التام للأمم والبلدان يزيل الذرائع ويرفع الحجج التي تتذرع وتتحجج بها هذه القوى للتدخل في شؤون ومصائر ومقدرات وثروات تلك الأمم والشعوب ، وفي ذات الوقت تمنع من حدوث الفوضى الكاملة وتعمل بكل قواها لتحول دون حدوث إستقرار غير مسيطر عليه لكي لا ينتج عن ذلك بروز قيادات شعبية ورموز وطنية تقود ذلك الشعب وتلك الأمة لقيادة ثورة شعبية عارمة تغرّد خارج موازين قوى الإستكبار العالمي وغير خاضعة لموازين المعادلات السياسية الدولية وبالتالي تفقد تلك القوى إمتيازاتها ومصالحها السياسية و الإقتصادية والدينية الإستراتيجية ، و لأن الفوضى المنتظمة واللا إستقرار المسيطر عليه يجعل كلا قطبي المعادلة السياسية في كل البلدان وأعني بهما قطب النظام وقطب المعارضة يدوران في فلك تلك القوى وبحالة إحتياج دائم لغطائها الدولي ودعمها اللوجستي .
 

 

              

 

الرئيسية